الفصل الرابع عشر

4.4K 106 0
                                    


وصلت الآن الي ذلك الخليج, واختبأت خلف الأشجار ورأت المركب يرسو وينزل أشرعته ويتمايل علي المياه الزرقاء, ورأت رجلا لا تعرفه من قبل يقف علي متنها, قد لا يكون هذا المركب هو نفسه المانتا وقد يكون مركبا شبيها له فقط.
وفجأة ظهر رجل آخر...طويل ممتلئ الجسم وشعره ينزل علي جبينه ورفع رأسه
شعرت أليكس بالخوف فجأة , وأحست بأن هذا الرجل سيراها مع أنها مختبئة جيدا بين الأشجار
لقد وصل كارل ماكراي الي هذه الجزيرة, ولكن أين الآخرون؟ أين جون وفرونيكا؟ وماذا جاء بكارل هنا؟
وتابعت طريقها وهي تائهة في أفكارها, ماذا سيحصل؟ ولكن ماذا يهمها الآن...لم يعد كارل جزءا من حياتها
ستبقي هنا يوم آخر فقط كي تحضر حفلة الرقص التي يقيمها المورسكا وستفتح عينيها جيدا كي تتخلص من كارل اذا رأته.
ولكن شيئا داخليا يناديها ويطلب منها أن تعود للوراء وتبحث عنه وترمي نفسها بين ذراعيه وترددت بين رغباتها وبين الحقيقة التي أخبرتها بها فرونيكا عن هذا الرجل.
وتذكرت ساعات السعادة التي قضتها معه, وتذكرت وعودها ومشاريعهما وحبها الكبير ولكن بنفس الوقت تذكرت العذاب الذي عانته بسببه
وتزاحمت كلمات فرونيكا مع أحلامها بالحياة السعيدة وبالسنوات المشتركة التي خططاها, وعادت الي مخيلتها صورة أليزون التي ماتت بسببه.
لو أن كارل يستطيع فقط أن يزيل شكوكها هذه ,ويطلعها علي وجهة نظره ولكن لسوء الحظ لا تزال تهديدات فرونيكا تتردد علي مسامعها وهي مستعدة لأن تفعل المستحيل كي لا تضطر فرونيكا لتنفيذ تهديداتها هذه
لا, لا ان السعادة التي عاشتها مع كارل أصبحت شيئا من الماضي
كانت قد رأته ينزل من المانتا ويقترب من الشاطئ فتبعته بنظراتها وهي تخشي أن يلاحظها, وظلت طيلة النهار تتبعه في الشوارع التي يسير فيها.
يبدو أنه لا يبحث عنها, وعاد أخيرا الي اليخت في نهاية فترة ما بعد الظهر ففكرت أليكس بحزن بأنه جاء الي هذه المدينة للسياحة فقط وقد يكون نسيها تماما, فعادت الي الغرفة التي استأجرتها وأدركت بأن عذابها لم ينتهي بعد ف كارل لا يزال محور كل أفكارها.
وفي مساء اليوم التالي ارتدت الفستان اليوغوسلافي الذي اشترته مؤخرا, وسرحت شعرها أمام المرآة وتساءلت لماذا تهتم كثيرا بمظهرها؟ هل تأمل أن يراها كارل؟ وهل سيتصالحان رغم تهديدات فرونيكا؟ هذا مستحيل, لقد انتهي كل شيء بينهما, ولكن لماذا لا يزال كارل يحتل كل فكرها؟
وبغضب وتوتر رمت فرشاة الشعر علي أرض الغرفة وخرجت وصفقت الباب وراءها بشدة..... ستحاول هذه الليلة أن لا تفكر به, وستحاول أن تتمتع بهذه السهرة الراقصة, وهي لا تخشي من رؤية كارل في هذه الحفلة فهو ليس من النوع الذي يجذبه مثل هذه الحفلات!
ولكنها كانت مخطئة....
فلم يمضي علي جلوسها أكثر من عشرة دقائق وبينما هي تنظر الي الناس يأخذون أماكنهم حولها, لاحظت حركة في أول الصف الذي تجلس فيه فنظرت بذهول الي هذا الرجل الذي يقترب منها وعرفت أنه كارل ماكراي, وشعرت بأنها ستنهار أمامه, وسمعته يتحدث الي الشخص الذي يجلس بجوارها, ثم رأته ينهض ويترك مقعده لكارل الذي نظر اليها وقال أخيرا" حسنا وأخيرا التقينا"
"ماذا تريد...وماذا قلت لجاري؟" سألته متلعثمة
"قلت له الحقيقة بالتأكيد,قلت له بأنك خطيبتي وبأننا لم نجد أماكن بقرب بعض ففهم فورا بأني أريد أن أشاركك متعة النظر الي هذه المشاهد الراقصة. فهذه رقصات جميلة علي ما يبدو ولكنها لن تكون جميلة بنظري اذا لم أستطع أن أمسك يدك..."
"تمسك يدي؟ ولكن كارل لا يوجد ضرورة لأن تمسك بيدي ولا لأن تجلس بقربي! فأنا لا أفهم كيف تجرؤ بعد كل ...."
"بعد كل الذي حصل بيننا ,هذا ما تريدين قوله؟ أليكس عزيزتي ,بعد الذي حصل بيننا أجد أنه من حقي أن أفعل أكثر من ذلك"
"كارل اسكت أرجوك" قالت له بتوسل وقد احمر وجهها من الخجل
واسمعي أليكس, لقد جئت كي نوضح لك الموقف ولا تعتقدي بأنني لا أستطيع أن أقبلك هنا, لا أريد أن أتركك تهربين مني علي الأقل كي أفهم سبب هروبك هكذا واذا كنت لا تريدين فضائح. ابقي هادئة واعطني يدك ثم..."
"نعم؟"سألته وارتعشت عندما لامست يده يدها
"ثم سيكون بيننا حديث طويل,سنذهب الي مكان لا يستطيع أن يسمعنا فيه أحد ولا يستطيع أحد أن يرانا أو أن يزعجنا أيضا, سنكون وحدنا أليكس"
أغمضت عينها وفكرت ب المانتا, نعم المانتا بالتأكيد .
مرة أخري علي متن المركب هذا ولن يكون بامكانها الهرب بعد ذلك, وسيتمكن من أن يفعل بها كل ما يريد, كما وأن السحر الذي يجذبها نحوه قوي جدا, ولا يمكنها مقاومته.
"أرجوك كارل, لا...ماذا سيفيد الكلام؟ لقد حاولت وأنت أيضا حاولت, لقد حاولنا معا أن نجعل العلاقة تدوم أكثر, ولكن لم ينجح ذلك, فهناك أشياء كثيرة تحول بيننا يجب علينا أن لا نقترب الي الأبد, ألم تقل لي أنه لا يوجد لي مكان في حياتك؟ ألم تتطلب مني أنت بطريقة غير مباشرة الرحيل من علي متن المانتا ؟ألم تطردني من حياتك؟ وأنت الذي رفضت ممارسة الحب معي ورفضت حبي لأنني...لأنني.."
"أتعتقدين أن هذا سيحصل؟" سألها وهو يشد أكثر علي يديها" أتعتقدين حقا بأنني لم أحاول؟ أليكس, ان ما تقولينه عبث وأنت تعرفين ذلك,فنحن مرتبطان معا, فلماذا يجب علي أن أقطع عدة مسافات كي أجدك؟ وأنا لا أستطيع العيش بدونك,لقد بحثت في كل مكان كي أراك ثانية الي جانبي"
"لكنك لا تريدني في حياتك كما أنه ليس لي مكان في قلبك"
"لو كنت فتاة أخري لكنت تركتك تذهبين ودون أن أهز كتفي أسفا. ولكن أنت ...أنت مختلفة,ولا أستطيع أن أعتاد علي فكرة ابتعادك عني"
فنظرت اليه أليكس وكأنها تقاوم حبها له, فهي لا ترغب سوي بشيء واحد ,أن تتكئ برأسها علي كتفه وأن تجد الثقة والاطمئنان بين ذراعيه, وتنسي أحزانها في غمرة حنانه وعاطفته.
ولكن أليزون؟ هل بامكانها أن تنفي مأساة تلك المرأة المسكينة التي تركها كارل تموت في سبيل حبه للمال؟ وفرونيكا؟
فتحت فمها تريد أن تجيبه لكن الأنوار انطفأت فجأة وصعدت فتاة علي المسرح أعلنت بدء البرنامج, فالمشهد سيبدأ فورا.
ولمدة ساعتين لم تسمح لها الفرصة كي تتكلم , المورسكا تؤدي رقصات تقليدية عديدة, وكانت تنظر اليهم باعجاب كبير وكان الراقصون يرتدون أزياء رائعة وكانت رقصاتهم ترويقصص يسهل فهمها, وكانت  أليكس تتابع حركاتهم ولكن وجود كارل كان يمنعها من التركيز الكامل علي المشاهد الجميلة, وكانت يده التي خلف كتفها تذكرها بدفء عناقه,كارل أيضا كان منسجما بالرقص ولكن أليكس كانت تعلم بأنها اذا قامت بأدنى حركة فانه سيمسكها ويمنعها من الهرب.
وفي الرقصة الأخيرة ظهرت فرقة المور بثياب أجمل بكثير من تلك التي كانوا يرتدونها في بداية السهرة, كانت الرقصة تحكي قصة سهلة الفهم, فالأمير الأسود يريد أن يخطف أميرة التي يبدو أنها تحب أميرا آخر وهو بلباسه الأحمر, واشتبك الفريقان علي أنغام موسيقي قوية تبعث الحماس في نفوس المشاهدين وبمزيج من الألوان تجابه الراقصون بخفة ورشاقة وفي النهاية كان الفريق الأسود ممدا علي الأرض بينما كان الأمير الأحمر والأميرة الساحرة يتعانقان بحرارة.
انتهي المشهد وسط تصفيق المشاهدين فخرجت أليكس من أفكارها ونظرت الي يد كارل التي لا تزال تمسك بيدها
ابتسم كارل وسألها" هل أعجبك ذلك؟"
"لقد كانتا لرقصة رائعة,نعم" أجابته ببرود
"صحيح وأعتقد أنه حان الوقت كي نتابع احتفالنا الخاص"
ثم نهضا معا ولم يكن بامكان أليكس أن تتخلص من قبضة كارل لأنه كان يمسك بيدها بقوة, وعندما أصبحا في الخارج في الظلام الدافئ وحيث النجوم تتلألأ في السماء, شعرت بأن مقاومتها خفت واختفت رغبتها في الهرب من جديد
وتبعته الي الرصيف الذي أوقف مركبه الصغير بقربه, وكأنها تعيش حلما, وركبا في المركب الصغير وأخذ كارل يجدف بينما كانت أليكس تنظر الي الأنوار التي تتلألأ في المدينة
وأخيرا وصلا الي الخليج الذي يرسو فيه المانتا كأنها طير أبيض كبير يتمايل في الظلام, وكانت لا تزال في بحر من الأفكار المشوشة فصعد كارل الي المانتا ومد يده نحوها ليساعدها في الصعود وبعد قليل تبعته الي الصالون وجلست علي الكنبة وهي تنظر اليه
وشعرت بأنها غابت عن هذا اليخت منذ مدة طويلة! وأخذت تنظر حولها بحزن
"أين جون و....فرونيكا؟" سألته بانزعاج كبير
"لقد بقي جون في المدينة, وليس لدي أدني فكرة عن مكان فرونيكا, ولست متأكدا من أنها ذهبت الي المكان الذي طلبت منها الذهاب اليه.....حتي ولو كان هذا قدرها الأخير اذا قررت أخيرا أن تغير طريقة حياتها"

مكان في حياتك للكاتبة /نيكولا ويستحيث تعيش القصص. اكتشف الآن