الفصل الخامس عشر

7K 159 16
                                    

لم تفهم أليكس شيئا وشعرت بالقليل من الراحة
وهكذا هما وحدهما الآن علي متن هذا اليخت 
فهزت أليكس رأسها,لقد أصبح كل شيء واضحا لا سبيل أخر أمامها, يجب أن ينتهي كل شيء بسرعة, كي يسمح لها كارل بالرحيل
انها فقط لحظات صعبة فكرت أليكس وهي تبتسم ابتسامة ضعيفة
"ما الذي يجعلك تبتسمين؟"
"لا شيء...ماذا تريد مني؟ أنا هنا ولن يسمعنا أحد وأنا لن أقاومك, هيا افعل بي ما تريد"
"وهل ستسمحين لي بذلك؟" سألها بقسوة
"ليس لدي خيار آخر,علي ما يبدو...لقد قلت لي يوما بأنك لا تعرف غير وسيلة واحدة كي تفك السحر عنك, واذا كان ذلك صحيحا واذا كان هذا هو سبب وجودي هنا فأنا في تصرفك, علي أمل أن تتركني أرحل بعد ذلك"
شعر كارل وكأنه تلقي اهانة كبيرة وكانت أليكس قريبة منه فدفعها عنه غاضبا
"ماذا جري؟ ألا ترغب بي؟"
"بلي أرغب بك, ولكن ليس بهذا الشكل!"
فرفع خصلة كانت قد نزلت علي جبينه ونظر لها بانزعاج"اسمعي أليكس, هذه فرصتنا الأخيرة وأنت تعلمين هذا جيدا, أرجوك لا تفوتي هذه الفرصة ,أليكس اخرجي من القفص الزجاجي الذي وضعت نفسك به, عودي انسانة حقيقية أرجوك"
"انسانة؟ ألسن انسانة؟"
"لا,أنت تبدين وكأنك لعبة بلاستيكية أو كأن لك قلبا من جليد, فهذه اللامبالاة التي تصطنعينها مرعبة...اخرجي من هذه الحالة,استيقظي أليكس, عودي الي حقيقتك هذه فرصتنا الأخيرة"
كارل محق, فهي ليست علي حقيقتها, لا تشعر بشيء ولا بأي انفعال ولا بأية أفكار, انها لم تعد تشعر بالعذاب ولا بالفرح,انها تشعر بأنها ميتة,هل ستعود لها أحاسيسها مرة ثانية؟ هل ستعود للحياة من جديد؟
وفجأة عادت لنفسها وشعرت بخوف كبير, فرمت نفسها بين يديه وخبأت وجهها في صدره, فضمها كارل بيديه القويتين الدافئتين, ثم رفع رأسها نحوه وأخذ يقبل وجهها الملئ بالدموع
"كارل ساعدني أرجوك, أنت محق لقد فقدت كل شيء وأنا لم أعد أجد شيئا ولا أستطيع أن أعود الي نفسي, لست أدري ما جري لي....ولكني أشعر بخوف كبير!"
فمسح كارل بلطف الدموع عن وجهها, وطبع قبلات صغيرة علي جبينها مما جعلها ترتعش, وكانت يداه لا تزال تضمانها وتطمئنانها, وكانت القوة التي تنبعث منه قادرة علي التخفيف عنها, فعانقته وأحست بأن الحياة تعود اليها وشعرت بأن العالم كله عاد الي طبيعته, ثم انتظمت أنفاسها وشعرت بالهدوء , وكان رأسها علي صدر كارل فسمعت دقات قلبه المنتظمة وعاد اليها الاحساس بالطمأنينة.
تمنت لو أنها تبقي هكذا دائما دون أي أثر للألم والعذاب لكن كارل لم يكن من رأيها...أبعدها عنه قليلا وأخذ يتأمل
"لا يمكن أن نبقي صامتين هكذا أليكس, وأنت تعرفين ذلك, يجب أن نتكلم, أن نتفاهم, أن نحاول انقاذ ما تبقي لنا"
"اذا تكلمنا سيزداد الأمر تعقيدا" أجابته وهي تتنهد ولكن كارل هز رأسه
"فقط لو أننا نستطيع أن لا نستمع الي ما يقوله الآخرون, يجب أن نكون صادقين فهذا هو الشيء الوحيد الذي سينقذنا"
وساد صمت طويل, وشعرت أليكس بالهدوء ولكن مشاعرها ظلت غامضة, فجلست وحركت شعرها الطويل ونظرت الي أليكس بحذر, ماذا يريد منها أن تقول؟ ألا ينوي أن يقدم لها وجهة نظره؟ هل سيعود الي الكذب كي يوقعها في فخه من جديد؟ فان كلام فرونيكا يجعلها متحمسة لسماح حججه والتي سيحاول كارل من خلالها أن يغير الواقع
"أريدك أولا أن تفسري لي رحيلك المفاجئ بدون أن تشرحي لي الأسباب ,فلم أكن أعتقد أن بعد ذلك النهار الذي قضيناه معا ستفكرين بالهرب هكذا..."
"ألم تقل لك فرونيكا شيئا؟ كنت متأكدة من أنها ستشرح لك كل شيء"
شعرت أليكس بأنها قوية الآن وبأن الحياة قد عادت اليها مع أنها لا تزال تحتفظ بشكوك حول حقيقة كارل
"دعي فرونيكا خارج هذه القصة, فهي الا تعني أحدا غيرها"
كيف يجرؤ علي قول ذلك؟ فكيف يمكنها أن تنسي هذه الصحفية التي كانت السبب بعذابها وألمها؟
"هيا كارل, لقد قلت بأنه يجب أن نكون صادقين مع بعض وأنت الآن ترفض أن تسمع أول كلمة أقولها! يوجد قانون لك وقانون آخر لي أليس كذلك؟"
فتنهد كارل
"معك حق أليكس, ولكن فرونيكا تزعج حياتي منذ أن التقيت بها, وخاصة بعد أن وصلت الي هذا اليخت وأنا مستعد لأن أتجاهل وجودها, لقد رميت بها خارج اليخت برغم صراخها, وقلت لها أن تذهب وتشنق نفسها وقد تتمكن من كتابة مقال آخر اذا عادت الي انفعالاتها...."
"أنت....أنت فعلت ذلك؟" سألته أليكس بدهشة
"نعم, فرونيكا لن تعود مرة ثانية وتقف في طريقي ولا في طريقك أيضا"
"ولكن والدها؟ وسلسلة أفلامك الجديدة؟ وهل نسيت بأنها قادرة علي كتابة عدة مقالات عنك وأنها قادرة علي تدمير مهنتك؟ أعتقد أن ...."
"ماذا تعتقدين أليكس؟ قولي لي كل ما يجول في رأسك الصغير منذ أن التقينا معا..."
"أعتقد كنت قلقا علي مستقبلك أنت...اعتقدت بأنك تسعي الي مشاركة والدها, ماكس بيرفيس رجل معروف بأخلاقه وإيمانه وهو يعتبر الخطبة مغامرة بسيطة مع امرأة تلتقي بها بالصدفة"
"وماذا تتخيلين أيضا؟" سألها بجفاف
"بأنك...بأنك سينتهي بك الأمر وتتزوج فرونيكا, وهذا ما قالته هي لي"
"لست مجنونا لهذه الدرجة! أنت لا تدرين كيف يمكن أن تكون حياتي مع هذه الشيطانة التي لا قلب لها؟ ولكن ما الذي يدفعك لأن تثقي بها ولا تثقي بي أنا؟ ولكني لا ألومك, لأنني أنا أيضا سبق لي ووقعت مرة في فخها, وأنت شابة بريئة ولهذا أريد أن أحميك وأهتم بك...."
"لا داعي لذلك, شكرا, فأنا لست بحاجة لأحد ولست بحاجة لرجل يسهر علي, اذا كانت هذه العلاقة التي تتصورها فلا تتوهم كثيرا! أنا أحذرك"
"لا يا أليكس, أنا أشفق علي الحيوانات التائهة ولكني لا أرغب بالعيش معهم! وبالمقابل أليكس ان الله وحده يعلم كم أنا أرغب في العيش معك"
ثم نظر اليها وأضاف" اسمعي ماذا سأقول لك عن فرونيكا... هي ووالدها لن يتكلما أبدا فهو غير راضي عن حياة ابنته ولا راضيا عن الطريقة التي تكسب بها المال, بتلفيقها الاشاعات ونشرها في الجرائد....لقد قطع علاقته بها منذ مدة طويلة, وفرونيكا تسعي جاهدة لكسب عطفه من جديد ولكن ماكس لن يسامحها أبدا, انه غني جدا وأنت تعلمين ولهذا تهتم بي فرونيكا, فكوني شريك والدها يجعلها تشاركني في كل شيء واذا أصبحت زوجتي سيعيدها والدها الي حياته, هذه نظرتها علي الأقل"
فهمت أليكس الآن سبب تعلق فرونيكا ب كارل وفهمت لماذا كانت تحاول أن تبعده عنها
"وماذا قالت أيضا؟"
ترددت أليكس فكان من الصعب عليها أن تخبره بتلك القصة القديمة
"لقد لفظت اسم أليزون وأنت تركبين السيارة فهل يمكنك أن تشرحي لي الدور الذي تلعبه أليزون في كل هذا؟ فأنا أريد أن أعرف ماذا تعرفين عنها؟ أو ماذا تعتقدين أنك تعرفين؟"
"الحقيقة لقد روت لي فرونيكا بأن أليزون كانت عشيقتك وهذا ما جعلك ثريا ثم هجرتها ولشدة يأسها انتحرت"
وأخيرا استطاعت أليكس أن تبوح بما يثقل قلبها, وبما جعلها ترفض حب كارل, ثم نظرت اليه بحذر بالرغم من انجذابها القوي نحوه وكان كارل ينظر لها نظرات مليئة بالقسوة
"فرونيكا هي التي أخبرتك بذلك؟ وأنت...وأنت صدقتها؟"
"وماذا كان بامكاني أن أفعل؟"
"ألم تفكري بأن تسألينني عن الحقيقة؟"
"بلي فكرت بذلك, أردت أن أراك, ولكن فرونيكا منعتني وهددتني بأنها ستدمر حياتي وعملي وأهلي, ثم هددتني بأنها ستدمر مهنتك وهي تملك الوسائل الكافية وقالت لي بأنها تبعتني يوم ذهابي الي لوكرون وبأنها رأتنا والتقطت لنا صورا عديدة..."
تقطع صوت أليكس وبدأت الدموع تسيل علي خديها.
"لقد فهمت, لقد هددتك بالفضيحة,وبأنها ستدمرنا في احدي مقالاتها,أليس كذلك؟"
قال لها كارل وضمها اليه بحنان وأضاف
"آه من مقالات فرونيكا, انها تتبعنا منذ البداية ولكنها لن تنفذ شيئا من تهديداتها,أعدك بذلك أليكس, فكما قلت لك فأنا علي علاقة متينة مع أبيها وأعلم أنه بامكانه أن يمحى الجريدة التي ستكتب فيها من الوجود,فوالدها حانق عليها جدا, ولقد أدركت السبب الذي من أجله يريد والدها أن يشتري الجريدة التي تكتب هي فيها."
"اذا كان هذا صحيحا فلماذا كنت قلقا منها في البداية؟ ولماذا اخترعت قصة خطوبتنا مع أنك كنت واثقا انها لن تكتب شيئا عنا؟"
"لا, في ذلك الوقت لم يعد شيئا واضحا ولكني اخترعت قصة خطوبتنا كي أحتفظ بك بقربي, ألم تفهمي ذلك! فأنا لم أكن أرغب بتركك ترحلين...."
فنظرت اليه وداعبت وجهه, ثم عادت اليها الظنون "و أليزون" سألته هامسة
"آه نعم أليزون, بامكاني أن ألاحق فرونيكا قانونيا من أجل الأكاذيب التي تختلقها عن أليزون ولكن هذا لن يفيد الآن فلا أحد يصدق أكاذيبها برغم بعض الشاذات" ونظر اليها نظرة ذات معني وأضاف" ولكن هذه ليست غلطتك, كان يجب أن أقول لك كل شيء من البداية.... ولكن لم تسمح لنا الظروف"
ثم أحاط كتفيها بيده" اليك القصة أليكس, واحكمي بنفسك:
كانت أليزون تهتم بي كثيرا ولا شيء يدعو للدهشة لقد كانت أفضل صديقة لوالدتي ولم تكونا تفترقان منذ طفولتهما, حتي عندما تزوجت أليزون وسافرت ظلت تتصل بوالدتي , ومات زوجها فجأة فعادت الي انكلترا وعاشت في القرية المجاورة لقريتنا ولم تتزوج مرة ثانية ولهذا السبب اهتمت بي كثيرا, كان عمري سنة واحدة عندما عادت وأصبحت جزءا من حياتي كما كانت أمي وأبي, بالتأكيد قالت لك فرونيكا أنها كانت ثرية جدا, نعم, هذا صحيح وكان أهلي لا يملكان فلسا واحدا, وكان والدي رجلا حالما, مغامرا ولهذا فشل في كل مشاريعه وبعد موته لم يترك شيئا وراءه فتبعته والدتي وماتت بعد مدة قصيرة من كثرة التعب والمقاومة في سبيل العيش, وأصبح عمري سبعة عشرة عاما, فكان من الطبيعي أن تأخذني أليزون وتتحمل مسئوليتي, هذا ما فعلته الي أن أنهيت علومي, ثم ألحت علي كي أدخل الجامعة وأتابع علومي النهائية وكانت سعيدة بذلك, فدرست البيولوجيا وتعلمت الغطس بنفس الوقت وعندما تخرجت من الجامعة بدأت أستغل مواهبي وكان الغطاسون نادرين وأجورهم مرتفعة, فعملت كثيرا وكسبت كثيرا وأردت أن أعيد الي أليزون كل المال الذي أنفقته علي علومي وكنت أعمل فقط من أجل ذلك مع أني كنت أعلم بأنها ليست بحاجة الي المال وكنت أقضي أجازاتي عندها ولا يوجد بيني وبينها شيء آخر"
لاحظت أليكس صدق نظراته فعادت ثقتها به من جديد
"لقد كان لي عدة مغامرات وللأسف كانت فرونيكا احداها, في البداية أعجبتني بأناقتها وجمالها وثقتها بنفسها وكنت شابا وكنت قد ورثت عن أبي عادة تصديق كل ما يقال لي, ولكني تغيرت كثيرا وبعد مدة مرضت أليزون" وصمت قليلا وبدا عليه الحزن الشديد" لقد تأثرت كثيرا وحتي الآن ...لم تعترف لي بشيء وأنا كنت بعيدا عنها أعمل لأكسب المال وكانت تعاني من مرض السرطان, وكانت تعرف خطورة هذا المرض وكيف سينتهي أمرها فقررت أن لا تنتظر واختارت ساعة موتها بنفسها"
"هذا فظيع" قالت أليكس بتأثر
"نعم ولكنها إرادتها هي كنت سأهتم بها في أيامها الأخيرة...لكنها لم تكن تريد ذلك, وفضلت أن لا تخبرني بمرضها وانتحرت في الوقت الذي لم أكن موجودا معها.....وعندما أفكر بما تتخيله فرونيكا.
وبالتأكيد أخبرتك فرونيكا بأن أليزون أوصت لي بكل ثروتها"
"نعم وبفضلها اشتريت هذا اليخت الفاخر"
"هذا ما كنت أعتقده ولكني لم أقل لأحد كيف استعملت ثروتها....أنا لم أستعمل منه مليما واحدا, لقد تبرعت به كله لاحدي مراكز الأبحاث حول داء السرطان"
"وهذا اليخت؟"
"لقد كسبت المال الكثير, وفي أثناء بحثي عن حطام سفينة قديمة كانت تنقل الذهب وجدنا كمية كبيرة منه, وهكذا أصبحت غنيا.... وكل ما أملكه تعبت كثيرا حتي أحصل عليه, ولم يأت شيئا بسهولة كما كنت تعتقدين, فالغطس في أعماق البحر الشمالي في عز الشتاء ليس عملية مسلية..صدقيني!"
لقد علمت أليكس أخيرا حقيقة كارل, لقد حكمت عليه بطريقة سيئة
"أنا آسفة كارل, كان يجب علي أن أصدقك...."
"أنا أيضا أليكس, أنا آسف, كان يجب أن أخبرك كل شيء عندما حدثتني عن أخيك وعن احتقارك للمال"
"أنا أفكر كثيرا ولكني أدركت الآن بأنه لم يمت بسبب المال بل بسبب ضعفه"
"بالمناسبة ماذا سأفعل بك بقية هذه الليلة؟ أتريدين أن أعيدك الي كوركيلا كي تنامي في سريرك؟ أم أنك تفضلين أن تبقي هنا معي؟"
وضمها اليه ثم مددها بهدوء علي الصوفا 
"لا تقلق من أجلي كارل , أنا قادرة علي تحمل مسئولياتي فهذا أقل ما أستطيع أن أفعله كما وأنني اذا كنت مجنونة ورحلت الآن فان كل ما حصل يكون كأنه حلم ...وأنا لا أستطيع تحمله..."
"انه ليس حلما, أليكس,حبيبتي, فمنذ هذه اللحظة سيكون كل شيء حقيقي وأنا أعدك بذلك"

مكان في حياتك للكاتبة /نيكولا ويستحيث تعيش القصص. اكتشف الآن