لم تنعم عيناها بالنوم ليلة أمس تفكر في ذلك الدخيل الذى اقتحم حياتهن فجأة ، ماذا عساها أن تفعل .. تعلم أنه ليس كاذبًا فقد أخبرها والدها عنه من قبل ، ولكن هل مقدر لها الألم ؟
أرادت فقط أن تحيا بسلام ، أن تكون لأخواتها نعم العون والسند ، ولكنه أفسد مخططاتها دون جهد يُذكر .. ألا ينبغي لها كرهه ؟
استعمت إلى صوت جولي تخبرها بأن وجبة الإفطار قد أُعدت لتنهض على الفور، وفي قرارة نفسها حسراتٍ لاذعة مما فعلته أختاه بالأمس ، لتُقسم ألا تدعه يُهدم ما بناه والدها .
نزلت إلى الأسفل لتجد السفرة جاهرة وكأنها وليمة لا وجبة افطار لتتحدث بنبرة يشوبها بعض السخرية وهى توجه حديثها لإيفان الذى بدا على وجهه بعض الأرق :
- الشيء الوحيد المفيد من وجودك هو نهوض جولي باكرًا لتُحضر لنا كل هذا الطعام .
رفع بصره عن الطبق الفارغ أمامه ليرمقها بنظراتٍ حادة ثم توجهه ببصره إلى جولي ليهتف بنبرة عملية :
- سلمت يداكِ جولي ، شكرًا على الطعام .
هم للانصراف لتوقفه أليس بنبرة حنونة :
- ولكنك لم تأكل شيئًا ، على الأقل تناول بعضٍ من شطائر الجبن .
- وجه أحدهم كان كفيلًا لأمتنع عن الطعام شهرًا كاملًا !
اختفى عن مرمى بصرهم ليقطعها الغضب أربابًا .. لترتسم ابتسامة هادئة على وجه أليس ، بينما جولي همت لتأخذ طبق الشطائر لتسحبه منها لورسين بغضب ملتهمه كل ما به !!
عادت إلى غرفتها بغضب ، لتُغلق الباب بكل ما أوتيت من قوة .
بينما انفجرت جولي وأليس بالضحك .. كان يتابع الموقف بابتسامة اسفرت عن ظهور غمازته لينضم إليهم مرة أخرى ليرسم على وجهه ملامح الصدمة وهو يقول :
- ظننت بأنها لم تأكل منذ قرنٍ من الزمن ، فخشيت أن تتوجه إلي لأكون الوجبة التالية .
ضحكتا حتى أدمعت عيناهما لتمتم جولي ضاحكة :
- لم يتمكن أحد من قصف جبهتها كما فعلت فأحذر غضب لورسين .
" فزتَ بالجولة الأولى ، أعدك أن الثانية سَتخسر بها بالتأكيد . " تمتمت بها لورسين وهى تنظر إليه من أعلى .
مر اليوم سريعًا لم تخرج لورسين من غرفتها منذ الصباح فقد تمكن الغضب منها ، كانت تفكر في طريقة لرد إساءته لتتفاجأ بانقطاع التيار الكهربي لتهتف بصوت عالٍ :
- أليس .. جولي ، أين ذهبتما ؟
ثم رددت مرة أخرى وهى تهبط الدرج على تمهل :
- جولي .. أليس .
لم تستمع إلى صوتهما فالتاعت خوفًا ، لتهمس بضعف :
- أين أنتما ؟
وقعت في براثن الخوف لينتفض قلبها بعنف وترتعد فرائصها ، ثم بكت بكاء اليائس المتوسل لتهمهم بصوتٍ هش :
- هيا أخرجا .
وجدت أقدامًا تقترب ، رفعت بصرها لتجده شبحًا يحمل عود ثقاب !!
خارت قواها من هول ما رأت لتسقط فاقدة للوعى .
- لورسين !!
صاح بها إيفان وهو ينزع القناع عن وجهه ولكنها لم تستجب .. حملها متوجهًا إلى أقرب أريكة محاولًا افاقتها .
عاد التيار مرة أخرى وبدأت لورسين تفتح عيناها ببطء ، ليهتف بنبرة قلقة :
- هل أنتِ بخير ؟
أشاحت بصرها عنه لتهم بالنهوض فأسرعت أليس تساندها لتزيح لورسين يدها وهى تهتف بهدوء :
- لا تقتربوا .
غادرت لورسين في صمت وهى تعود أدراجها إلى غرفتها ، بينما إيفان كان الندم يسير في عروقه كسريان النيران المستعرة في الهشيم .
لحقتا بها أليس وجولي لتتخذ الصمت حليفًا لها أمام محاولتهم البائسة .
حاول النوم مرارًا ولكن محاولاته باءت بالفشل الذريع ، كان يسير جيئة وذهابًا أمام غرفتها ، ود لو أستطاع الاعتذار منها ليُخلص قلبه من تلك الغضة التي تنتابه من بين الحين والأخر .. ولكنه يعلم أنها لن تستمع إليه ، ليعود مرة أخرى إلى فراشه .
مرت عدة أيام والحال كما هو تتحاشى لورسين لقاءهم ، أما هو لا يعلم ماذا أصابه يتضور شوقًا لرؤيتها !
مر أسبوع أخر لتخرج لورسين من عزلتها بنشاط تام لتنضم إليهم وهى تلتهم طعامها بنهم ، ثم هتفت بمرح :
- الهواء منعش هنا ، أشعر بالراحة تلقاء تناولي الطعام بالحديقة .
ثم استرسلت في حديثها متسائلة :
- فكرة من هذه ؟
أجابتها جولي بارتباك :
- إيفان من اقترح علينا ذلك .
توجهت بنظرها إليه لتمتم بوجه مبتسم :
- اقتراح رائع ، إيفان .
انسحبت جولي وأليس بعد فترة ليتركهما معًا لبعض الوقت .. مرت عدة دقائق ولورسين منشغلة بالنظر إلى الورود بالحديقة ، سعل ليفت انتباهها ، التفتت إليه لتناوله كوبًا من الماء .. ابتسم بهدوء ليهتف بصوت معتدل :
- ما كان يجب على فعل ذلك ، أعتذر منك على تصرفي الطفولي ، أرجو أن تقبلي اعتذاري .
ابتسمت لورسين لتهتف برقة مغايرة لطبيعتها :
- لا بأس ، لنفتح صفحة جديدة .
افتر فاهه عن ابتسامة واسعة ثم تساءل بمرح :
- أصدقاء ؟
اتسعت ابتسامتها لتتمتم بهدوء :
- أصدقاء .
ثم أضافت بمرح :
- سأطهو اليوم ، سَأصنع من أجلك طبق ملوخية لم تتذوق مثله في حياتك .