الفصل الرابع " انتهت عزلتي "

419 15 0
                                    

  دلفت لورسين بصحبة إيفان إلى القصر ليجداه هادئًا إلا من صخب التلفاز ، ليهتف بصوتٍ عالٍ :
- أصبحتما تقضيان جل أوقاتكما أمام التلفاز .
انتفضتا من على الأريكة .. لترتسم السعادة على وجههم ، ثم صاحت جولي بسعادة وهى تهرول تجاهه :
- إيفو ، اشتقت إليك كثيرًا .
- اشتقت إليكِ أكثر جولي ..هتف بها بابتسامة واسعة ثم توجه بنظره نحو أليس ليتمم :
- يبدو أن أليس لم تشتاق إلى وجودي .
ابتسمت أليس لتهتف بسعادة :
- كلا ، فقد كان المنزل كئيبًا بدونك وكذلك نحن .
- وها أنا قد عدت .
وقفت جولي أمامه ليبدو فرق الطول بينهما واضحًا ، ثم توجهت إليه بنظرات غاضبة لتهتف بضيق وهى ترفع سبابتها أمام وجهه :
- لكن لن أسامحك إيفان على رحيلك دون وداعى .
ضحك إيفان على طريقتها الطفولية وراح يزيح اصبعها من أمامه .. ثم جلس على الكرسي المقابل لها وقد عادت الجدية إلى ملامحه ، ليردف بثبات :
- كنت أمر بظروف طارئة ولم يكن هنالك متسع من الوقت لأودعكم .. ولكن جئت الآن لأخذكن معي .
- ماذا ؟
هتفت بها لورسين متسائلة .
ليتوجه إليها بثبات شديد ، وهو يقول :
- سَيكون من الصعب بقائي هنا الفترة المقبلة ، لذا أريد أخذكم معي لمنزل العائلة ، حتى أطمئن عليكن أكثر .
- تطمئن علينا !
قالتها ساخرة من حديثة .. ليهتف وهو يشدد على كلماته محالًا كظم غيظه :
- أجل لورسين .. أطمئن عليكن ، أتيت لأخذكن معي بغض النظر عن عواقب ذلك .
صاحت به بغضب :
- أتيت ، أتيت الآن لتأخذنا معك ، هل يجب على الصعود لغرفتي وجمع أغراضي ، إلى أي حدٍ أنت مغرور إيفان .. أتعلم ، شهر كامل وأنا ألوم نفسى على فعلتي الحمقاء ، شهر كامل وأنا أتحمل لوم أخواتي ، شهر كامل وأنا أبكِ جراء خصام جولي وأليس .. شهر كامل عدنا به إلى حالتنا الأولى ، نعم أعترف أنى قد أعتدت على وجودك ، حتى غضبى منك وتصرفاتي كانت ..
صمتت قليلًا ثم تابعت متجاهلة غصات قلبها :
- كانت .. لا بأس ، لا بأس إيفان .
ثم توجهت إلى جولي وأليس بحديثها :
- إذا أردتما أن تذهبا معه ، فلتذهبا .. أما أنا فالآن حياتي مستقرة بما يكفى ، أذهب إلى عملي وأعود منه ، أضحك وأمرح ، أصبح لي معارف وحياة .
ثم توجهت بنظرها إليه لتهتف :
- أنا قوية بما يكفى لأتخذ قراري ، لن أذهب معك .
قاطعتها أليس بصوت حاد :
- دائمًا تفكرين بنفسك فقط ، ماذا عنا لورسين ؟
- ماذا عنكما ؟ أمم .. دائمًا كنت أتحمل لأجلكما ، دائمًا كنت أصمت وأبتلع مرارة ما يحدث دون أن أشكو ، والآن أصبحت أنانية ، أليس !
قاطعتها جولي بضيق :
- نعم لورسين أنتِ أنانية ، ولا تعلمين ماذا نفعل لنتحمل عِنادك المستمر .
- أنانية .. أنانية إذ لم أخبركما حقيقة ما حدث منذ سنوات ، أنانية إذ لم أخبركم ما سر تلك العزلة ، أنانية .. نعم أنانية ، أذهبا باب القصر مفتوح على مصراعيه ، أذهبا معه .
ثم تابعت ودموعها تنهمر على خديها :
- أذهبا .
انصرفت لورسين لتتركهم وهى تجر أقدامها جرًا بخيبة وخذلان جديد فقد أصبحت حالتها لا يرثى لها .. ليهتف إيفان بعتاب :
- كنتما قاسيتان عليها بشدة .. سَأذهب لأحدثها قليلًا .
كانت تبكى سنوات ضائعة .. فقد كان الماضي يتمثل أمامها بكل قسوته ، وضعت يدها أما عينها علها تمنع تلك الذكرى عن التدفق من جديد ، لتصرخ بوجع ويرتجف قلها هلعًا :
- ابتعدوا .
اقتحم الغرفة بسرعة شديدة حال سماعه لصرخاتها ، ليضمها إلى صدره ويرتب على ظهرها بحنان وهو يهتف :
- اهدأ لورسين ، اهدأ .
كانت تنتفض بين يديه لتصرح من بين دموعها :
- قتلوا أمي أمام عيني ، إيفان .
ابعدها قليلًا لتبدو الصدمة جلية على خلجات وجهه ليهتف بذعر :
- ماذا ؟
- كنت صغيرة لأتحمل كل ذلك الوجع .. حاول أبى أن ينسيني فقد أمي ولكنه لم يستطع ، كانت النيران التي تحرقني قد كوت قلبه ، كان يتألم أضعافًا أمام عجزه لحماية زوجته وأطفاله ، خشى علينا كثيرًا حتى عزلنا عن العالم ، كان يحبنا ومن فرط حبه كان يقسو .. أتدرك كم المعاناة التي كابدتها منذ الطفولة حتى الآن .. كنت دائمة الحيرة بين أبى وأخواتي ، خوفت عليهن من ثقتهن المفرطة بك ألا ينبغي على أن أخاف ؟
خوفي عليهن تُرجم لأنانية ، وما أنا بأنانية إيفان .. لو كنت أنانية لأخبرتهن منذ زمن ، لشاركتهن أحزاني ولكنى لم أفعل ، وكذلك أبى عاش في نظرهن قاسٍ حتى لا يكابدن عناء ما عشناه معًا .
فرت دمعة هاربة من عيناه ليضمها إلى صدره مرة أخرى ، انعقد لسانه وعجز عن الكلام أمام قهر كلماتها .
مرت عدة دقائق لتعود لورسين إلى هدوئها ، لتبتعد عنه قليلًا ، ثم تمتمت وهى تزيح وجهها عنه :
- لا تخبر أخواتي بما قلته .
أومأ برأسه في هدوء ثم همس بثبات :
- لن أخبر أحد ، ولكن هلا وثقتي بي .. أخاف عليكن من المكوث هنا ، تعالِ معي أقسم لكِ أنكِ ستحبين الجميع هناك .
كادت أن تعترض ، ليضيف برجاء :
- ربما تقابلنا في ظروف خائطة ولكن دعينا نبدأ صفحة جديدة خالية من الضغينة والكره ، أفتحِ أبواب قلبكِ للسعادة ولو لمرةٍ واحدةٍ .
نمت ابتسامة صغيرة على وجهها ، ثم أردفت :
- سأتى معك ولكن عدني بأنك لن تخذلني .
- لن أخذلكِ ما حييت .
تركها تجمع أغراضها ليذهب إلى لورسين وجولي ، ليهتف بمرح :
- وافقت كبيرة المعاندين أخيرًا .
صاحت جولي مهلهلة ثم انطلقت إلى غرفتها بسرعة فائقة وكذلك لورسين التي طغت الفرحة على ملامحها .
نزلت لورسين بعد دقائق لتستمع إلى صوت إيفان الضاحك وهو يتحدث في الهاتف :
- نعم أبى .. سترى بنات أخيك أخيرًا ، ولكن أحذر المزاح مع لورسين قد تأكلك .
تصاعدت الدماء إلى وجهها لتهتف بغيظ :
- ابتعد أنت من أمامي وإلا مزقتك أربابًا .
تعالت ضحكاته ليردف وهو يصطنع الخوف :
- أغلق أبى فقد عاد الوحش الشرير ، أدعو لي حتى ألقاك .
أغلق الخط مع والده لتهجم عليه فجأة وقد وضعت يده بين اسنانها لتغض عليها بقوة .. لتترك علامات بارزة على ليده ، ثم هتفت بتشف وهى تنظر إلى يده :
- لا تمزح معي مرة أخرى .
فى حين تأوه بصوت مكتوم .. ليهمس بوجع :
- سَأموت على يدك ذات يوم ، يبدو أن أحدهم كان يدعو أن أقع فى شر أعمالى ، فالتقيت بك .
ضحكت بفظاظة ، ليبتسم تلقائيًا .. لتهتف من بين ضحكاتها :
- شكرًا لمجيئك .
ثم انصرفت من أمامه مسرعة .
حاول استياعب ما تلفظت به ، لترتسم ابتسامة بلهاء على وجهه ليهتف :
- مجنونة !
تأكد من غلق القصر جيدًا لتطالعه لورسين بنظرات مودعة ثم فرت دمعة من عينيها لتهمس :
- وداعًا أبى !
انطلقت السيارة إلى منزل إيفان .. لتهتف جولي بسعادة :
- أشعر وكأننى ذاهبة إلى رحلة ، كنت أتوق إلى ذلك بشدة .
ابتسم إيفان ليهتف بمرح :
- لنا رحلة مؤجلة بسبب هادمة اللذات لورسين .. سنذهب غدًا إلى مدينة الملاهى وبعد غد سنذهب إلى إحدى المدن الساحلية برفقة العائلة .
صاحت جولى بسعادة .. بينما أردفت أليس بغبطة شديدة :
- منذ ظهورك فى حياتنا والسعادة قد وجدت طريقها إلينا .
افتر فاهه عن ابتسامة هادئة ليتابع القيادة إلى المنزل .
بعد مرور ما يقرب بالساعة كانوا قد وصلوا للمنزل لتقابلهم الاسرة باحتفاء شديد .. لتبدأ سعادتهم الفعلية فقد كانت العائلة تطوق لجمع الشمل من جديد .
- والدى حدثنى عنك كثيرًا ، كان يحبك ويعتبرك أباه لا شقيقه الأكبر .
همست بها لورسين .. ليهتف جوزيف بحب :
- وأنا كنت أحبه كثيرًا .. ذهب وترك لى فلذات قلبه ، فليبارك الله فيكن عزيزاتى .
- أنتِ لورسين أذًا !
صاحت بها جيلان التى كانت تتابع حديثهم بملل وهى تتفحصها من مقدمة رأسها حتى أخمص قدماها .
لم تلحظ لورسين تطلعاتها فأجابتها بابتسامة هادئة :
- أجل وأنتِ ؟
- جيلان .
هتفت بها وكأنها تتحدث من مقدمة أنفها ثم أضافت وهى تشبك يدها بيد إيفان :
- خطيبة إيفان .  

عطرٌ رجالي فى بيتنا  "نوفيلا"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن