كان الجو فى السيارة مشحونا بالتوتر . فقد كان جيروم تائها مع أفكاره دون أن يحاول البدء بأى حديث مباشر .
وكانت ميغ بدورها شاكرة هذا , فقد منحها الفرصة لتتمالك أجزاء نفسها المشتتة .
ما أسرع ما تتغير الأشياء . فكرت فى ذلك وقد ساورتها الرعشة . لقد كان صديقين قريبا . منذ أقل من ساعة فقط , والآن ها هى الهدنة تنتهى لتشرع الأسلحة من جديد
رمقته خلسة . كانت ملامحه متوترة . فاذا كان يفكر فى تلك المرأة الموجودة فى منزله , فان افكاره لم تكن تجلب إلى ملامحه أى قدر من السرور . فهى كانت تحس بذلك الغضب الكامن فيه , مشبها بركانا منتظرا انفجاره فى أية لحظة .
ربما كان ظهورها فى المنزل قد احدث بينهما صدعا لا يمكن إصلاحه . ولكن هذا لم يكن ذنبها هى .
واخترق صوته افكارها المضطربة , يقول : " ماالذى كنت تقولينه لأوكتافيان ؟ "
أجابت : " كنت أحاول طمأنته , ولكننى لم أفلح . " وسكتت لحظة ثم أردفت : " إن أوكتافيان لا يريد إعادة الماضى كذلك . "
صمت جيروم لحظة ثم قال : " يجب ان تغفرى له ذلك . لقد كرس نفسه لجدى كليا منذ الوقت الذى كانا يجوبان فيه التلال وهما صبيان . وكان لا يرى المستقبل واعادة المنزل الى الحياة إلا من خلال هذه المصاحبة والعمل الشاق , وتوسيع الكروم ورؤية أولادهما ينمون معا حين يأتون . " وتنفس بحدة وهو يتابع : " ولكن خيبة الأمل ملأت نفسه مراراة . "
قالت ببطء : " ولكنه يلوم العمة على كل شئ . وهذا ليس عدلا . "
قال : " لماذا تقولين هذا ؟ "
اجابت :" لقد كانت متزوجة . وجدك كان عازبا , ربما كان عليها ان يتمالك نفسه ويفكر مرتين قبل أن يتورط معها . فان خسارته اقل من خسارتها هى . "
قال بهدوء : "هذه وجهة نظر هامة . ولكن الزواج , ولم يحطم الزواج . كان قد انتهى قبل أن يتدخل هو . فهو لم يحطم أى علاقة , وهذا فقط ما لايمكن اغتفاره يا جميلتى . ألا تظنين ذلك ؟ "
قالت : " ربما ليس لنا نحن الاثنين . أن نصدر حكما بهذه القضية .. من هذه المسافة البعيدة . "
أجاب : " حسنا إن أوكتافيان يظن العكس . انه يشعر بأن خالتك كان يجب أن تتذكر اليمين الذى أقسمته يوم زواجها , حتى ولو لم يفعل زوجها ذلك . " وهز رأسه متابعا : " ربما كان ثمة شئ من أخلاق الكاثار ما زال معششا فى تراب وحجارة لانغيدوك ."
بقيت ميغ صامتة لحظة , ثم قالت : " ولكن . عندما حنثت بيمينها . لماذا لم ترحل ؟ فتهجربيت الزوجية إلى الأبد ؟ كان فى استطاعتها أن تؤسس حياة جديدة مع جدك .. لم يكن ثمة حاجة إلى أن يكونا هما الاثنين تعيسين . "
قال بصوت ثقيل : " لم يكن الأمر بهذه البساطة . وقد لا يكون أبدا , لقد أوضح هنرى دى بريسو انه لن يدعها تذهب . وأن ذلك الطلاق كان خارجا عن البحث , فقد كان يتنافى مع تقاليد الأسرة . وكان عازما على إرغام مارغريت على البقاء فى رباط الزوجية . " وسكت برهة , ثم تابع : " وقد اكشف أنها كانت حاملا . وقرر هنرى أن الطفل طفله . "جمدت نظراتها سائلة : " أكان ذلك ... ممكنا ؟ "
هز كتفيه قائلا : " كان ما يزال مصرا على استعمال حقوقه الزوجية ."
سألت : " وكيف امكنها تحمل ذلك ؟ "
أجاب : " لم يكن لها خيار فى هذا الأمر . وفى كل مرة كان هنرى يعود فيها إلى منزله , كان يظهرالندم البالغ عازما على وضع علاقتهما على أساس جديد فعال . وهذا جعلها تشعر أن من واجبها البقاء معه ... واعادة المحاولة . ولم يستطع جدى ان يقنعها بتغيير رأيها . وكان على استعداد للمغامرة بكل شئ وتحمل اية فضيحة فى سبيل أن ياخذها اليه . ولكن اهتمامها الأول كان بالطفل القادم . "
قالت ميغ : " ذلك لأن هنرى ربما كان على حق ,. وهذا ما كانت تخشاه , وماذا حدث فى النهاية ؟ " وبللت شفتيها بلسانها وهى تتابع : " ولكن . ظهر انه لم يكن هناك طفل . "
قال : " كلا . ليس هذا , وانما لسخرية الأقدار حدث لها حادث . لقد تزحلقت على السلالم ذات يوم وكانت وحدها فى المنزل . لقد كاد هذا الحادث أن يكلفها حياتها كما كلف الجنين حياته . " وسكت لحظة , ثم عاد يتابع : " ولم يغفر هنرى لها ذلك قط . طبعا , وكانت نهاية ذلك الزواج وهكذا . ضحت بنفسها وبسعادتها عبثا . "
سألته : " وماذا جرى لجدك ؟ "
أجاب : " لقد كان قد اقسم أنه إذا هو رحل فلن يعود أبدا . وكان صادقا فى قسمه مع أنه لم يلم مارغريت لاختيارها ذاك ."
وسكت لحظة ثم استطرد : " وهكذا ذهب إلى باريس أولا . ثم إلى الخارج لإدارة املاك فى جزرالمارتينيك آلت اليه من ناحية أمه فى الأسرة . وعندما كان فى اجازة قابل جدتى . ومن ثم وضع اساسا لحياة جديدة لنفسه . "
سألته : " وهل كانا سعيدين ؟ "
أجاب : " كانا قانعين تماما . وربما هذا الأساس لحياة زوجية تدوم طوال الحياة , هو اكثر امانا من غيره . "
شعرت ميغ بغصة فى حلقها وهى تفكر . ربما ... وبدا لها وكأن هذا هو الاختيار الثانى لها بعد الحب .. وبقيت هذه الفكرة تتملكها بصمت , إلى أن وصلا إلى هاوت أرينياك .
علمت أن جيروم سيجعل مكتبه المؤقت فى غرفة المكتبة .
نظرت حولها وفجأة . بدا لها أن الجدران المغطاة بالكتب تظهر عداء نحوها , وكأنها تكاد تطبق عليها لكي تأخذها سجينة .ونظرت بقتزز إلى الآلة الكاتبة الكهربائية المصقولة التى احضرها من السيارة ووضعها وسط طاولة فسيحة .
خطرلها أن هذه هى آلة التعذيب فى سجنها هذا .
قالت له : " إننى لم استعمل مطلقا هذا النوع من الآلات الكاتبة من قبل . " وكانت الآلة الكاتبة التى كانت تستعملها للمراسلات . فى المكتبة العامة حيث كانت تعمل , مختلفة تماما عن هذه . فقد كانت من النوع الذى يحمل باليد . ولكن . كان فى إمكانها على الأقل التعامل معها .
قال وهو ينفض يديه , بعد أن أوصل الآلة بالطاقة الكهربائية : " ليس ثمة مشكلة . فأساس المواصفات واحد . "
ثم فتح محفظته يخرج منها ملفا كان فيه صفحات سجلت عليها ملاحظات بخط يده الحاد الواضح . كانت رزمة تحوى مئات من الصفحات كما لاحظت ميغ وقد سادها الاكتئاب .
نظر فى ساعته قائلا :" سأعود بعد ساعة لأرى كيف يسير العمل معك ."
أنت تقرأ
اغنية الفجر ـ سارة كريفن ( قلوب عبير ) دار النحاس ( كاملة )
Romanceإنك تخفين شيئا في أعماقك ,يا مارغريت " لو أن جيروم مونتكورت يدرك مدى خداعها ! فهو لايعلم شيئا .. حتى الاسم الذى ذكرته له , لم يكن اسمها . منتدى ليلاس ولكن ميغ وجدت ان ذلك الرجل الفرنسي الجذاب كانت له أسراره هو أيضا .. ليس أقلها ماهية شعوره الحقيقي ن...