كان الصمت فى الحجرة ., لانهاية لعمقه .
واخيرا قال بصوت هادئ , وكأنه رجل غريب : " إننى بالإنتظار . من الواضح أنك لست مارغوت ترانت , ولكن من أنت ؟ "
اجابت وقد جف فمها : " أختها غير الشقيقة , إننى ... إننى مارغريت أيضا .. مارغريت لانغترى . لقد حاولت أن أخبرك بذلك فى غرفة المكتبة منذ فترة . ولكنك قلت .. لقد جعلتنى أظن أنك تعلم . "
قال : "آه . هذا صحيح , ولكن هدفينا كانا متعاكسين . ولكن ماهو سبب هذا التنكر ؟ "
أجابت : " لم تتمكن مارغوت .. من الحضور , فطلبت منى أن احضر بدلا منها . "قال ساخرا ببرود : " إنك تتكلمين وكأن الأمر غاية فى البساطة . لماذا إذن أخفيت شخصيتك الحقيقية مدعية بأنك فتاة أخرى ؟ "
أجابت : " لايمكننى إيضاح الأمر .. "
قال برفق : "حاولى .. "
أجابت : " لم تكن مارغوت راغبة فى أن تظن خالتها بانها لاتهتم بها . "
قال : " مع أن هذا كان هو السبب الحقيقى . "
قالت : " ليس تماما . لقد كان عندها أسباب قوية تمنعها من مغادرة انكلترا .
قال : " بالطبع . من الواضح ان السبب هو ذلك الحبيب الذى لم تعرفى كيف تصفينه عندما تحدثت عنه . " وسكت لحظة . ثم عاد يقول : " لقد كانت القضية وصلت إلى الذروة فلم تجرؤهى على الرحيل لكى لا يغير رأيه فى غيابها , كانت بحاجة إلى البقاء للتشبث به .. لكى تستمر فى الضغط عليه . "
وفكرت بتعاسة أن هذه هى الحقيقة فعلا , ولكنها قالت : " أظن , هذا هو السبب . "
قال : " وكنت أنت سعيدة فى مساعدتها فى هذا الأمر ."
وأثارت سخريته أعصابها بينما تابع : " لقد كنت غاية فى البلاغة وأنت تنتقدين جدى ., بينما لم يزعجك أن تتعاونى معها فى تحطيم حياة زوجية ."
حملقت ميغ فيه وراحت تسأله بلهجة هى مزيج من الارتباك والتعاسة : " هل تعرف شيئا عن هذه القضية ؟ "
قال : " نعم اعرف , فإن كيرين كيرتيس الزوجة هى إبنة عمى . وقد نشانا معا كأخ وأخت . وعندما رأيتها أخر مرة كان واضحا أنها كانت متكدرة جدا من شئ ما . وفى النهاية جعلتها تفضى إلى بالأمر . " وكسا ملامحه العبوس وهو يتابع : " وعند ذلك سمعت للمرة الثانية بإسم مارغوت ترانت . "
قالت ميغ وهى ترتجف : " للمرة الثانية ؟ آه . أظن أن السيدة قد تحدثت إليك عنها . "
قال ساخرا بصوت أقرب إلى الوحشية : " نعم , إبنتها الروحية وقريبتها الوحيدة .. والتى لم ترها منذ سنوات كثيرة .. لأنها لم تشعر نحوها بالمودة منذ كانت طفلة ... لأنها رأت فيها صورة أمها التى كانت لاتحبها . فهى كانت تشعر بأنها لم تكن عادلة معها فأرادت أن تصلح من خطاها ذاك . وعندما أخبرتنى كيرين عن قضية زوجها , تمنيت أن لا تكون هى نفس الفتاة . وكانت ابنة عمى مقتنعة بانها لا تكن له حبا حقيقيا , بل تريده لتحقيق طموحها فقط . وقد حقق مخاوفها ما قمت به من استعلام عن تلك الفتاة إذ لم أجد من يذكر الآنسة ترانت بكلمة حسنة . فقد كانت قاسية أنانية تبحث عن المال ولا يهمها سوى مصلحتها . وقد كنت أتألم لحالة السيدة مارغريت بقدر ما كنت أتألم لحالة ابنة عمى . فقد كنت أحس بمدى شعورها بالوحدة ولحاجتها إلى إعادة الصلة بتلك الفتاة . ولكننى كنت أعرف أن ( صغيرتها ) مارغوت غير أهل لكل ذلك . "
قالت ميغ : " ولكنك لم تقل شيئا . ألم تخبرها ؟ "
أجاب : " لم يكن بإمكانى ذلك , فقد توسلت إلى كيرين بأن لا أذكر شيئا عن متاعبها هذه , فقد كانت مستميتة فى سبيل إنقاذ زواجها , ومقتنعة بأن ستيفن لابد سيعود إليها , وعندما قررت السيدة دعوةمارغوت إلى هنا , بدا لى أننا سنصيب عصفورين بحجر واحد . إذ أنها السيدة سرعان ما ستكتشف شخصية الفتاة فتراها على حقيقتها ." ولانت ملامح وجهه وهويعلق على قوله ذاك . قائلا : " إن فقدها لبصرها قد قوى من حواسها الأخرى من نواح متعددة . هذا من ناحية , ومن ناحية اخرى فإن حضورها إلى هنا يفصلها عن ستيفن كيرتيس . وكانت كيرين متأكدة من أن الفتاة ليست مخلصة فى حبها لستيفن . ولكنها كانت بحاجة إلى إثبات ذلك . " ولوى فمه ساخرا وهو يتابع : " وهكذا صممت على أن أحقق لها ذلك , وأن أبرهن على أنها فتاة مخادعة تذهب مع أى كان وهذا بإغوائها بنفسى .
واستطرد بصوت عنيف : " إنما ما لم أضعه فى حسابى هو أنت ."
واخترقت كلماته قلبها كطعنة سكين . إذا كانت هى قد قامت بتمثيل دور زائف . قد فعل هو أيضا نفس الشئ , هل كانت كل نظرة منه . كل همسة كل لمسة ... هل كان كل هذا ادعاء وكذبا . وذلك للايقاع بها ؟ إنه يقول كل هذا بنفسه . إن ذلك الحبيب الذى أخذها بين ذراعيه لم يكن له وجود مطلقا. وإذا كان له وجود فهو حبيب تلك الفتاة الموجودة فى مسكنه .
وتمنت الموت وهى تفكر فى أنه لم يرغب قط فيها .
وسمعته يقول : " لماذا فعلت ذلك ؟ " ولملمت بقايا كبريائاها .. واحترامها لنفسها لتقرر , وقد برح بها العذاب . إنها يجب أن لاتدع جيروم يعلم أبدا مقدر نجاحه فى خداعها بادعاء الحب لها . يجب ألا يدرك . مهما كان الأمر أنها واقعة بغرامه .
أجابته قائلة : " لم يكن لدى خيار . فقد كانت هناك ضغوط متعددة على لم تترك لى مجالا للرفض . "
قال ببرود : " إنك دون شك . عاطلة عن العمل طبعا . وهذا الذى جعل من السهل قدومك إلى هنا. أليس كذلك ؟ وقد دفعت لك مارغريت مصاريفك ."
وانغرزت أظافرها فى راحتيها وهى تقول : "إنك جعلتنى بكلامك هذا . أبدو كمرتزقة . ولكن السبب لم يكن هذا فقط . "
رفع جيروم يده يقاطعها قائلا :" اعفينى من ذكر البقية . "
وسكت لحظة وقد بانت المرارة فى ملامحه , ثم تابع يقول : " كان على أن أعلم أنك مخادعة . فقد كان ثمة تناقضات كثيرة مثل قدرتك على التكلم بالفرنسية , وفشلك فى الطباعة على الآلة الكاتبة ... كل هذا كان يبنغى أن يدلنى على أنك لست الفتاة التى أدعيت ."
وأشار بملل إلى الفراش قائلا : " ولكن . ما الذى جعلك تستمرين بهذه اللعبة إلى هذا الحد أيتها الحمقاء , هل ظننت أنك ستكونين فى النهاية رابحة ؟ "
وحنت ميغ رأسها وقد برح بها الألم واليأس , وقالت بصوت لا حياة فيه : " أظن ... إننى لم أدرك ... "
ولم تقل له إن حبها له أعماها عن كل شئ .
سألها : " وأين هى إذن , شقيقتك الجميلة تلك ؟ "
أجابت : " ليس عندى فكرة . " وترددت , ثم سألته : " إنك تعلم , طبعا أن كيرين تركت زوجها وأطفالها . "
أجاب : " نعم , لقد أرادت أن ترى ما إذا كان العنف قد يعيد زوجها إلى عقله , وليس لأنها كانت سعيدة بأن تترك صغارها لرحمة مارغوت . "
قالت ميغ : " إن مارغوت لم تأخذ الأطفال , وهم الآن فى أمان عند مربيتى العجوز , كما أن ستيفن كيرتيس قد ذهب ليبحث عن زوجته . وبهذا يبدو أن خطتها قد نجحت ."
لاحت على شتفيه ابتسامة باهتة وهويقول : "الأمور إذن ابتدأت فى التحسن من ذاتها , باستثنائك أنت . "
ردت عليه بحدة : "أرجوك أن لا تشغل بالك بأمرى , ففى إمكانى العناية بنفسى ."
قال بنفاد صبر : " لا تتكلمى كالحمقى . فليس فى إمكاننا ترك الأمور كما هى . ما زال هناك الكثير للحديث عنه ... "
قالت : "على العكس , فقد تحدثت بما فيه الكفاية , وأيضا فعلت ما فيه الكفاية . " ونطقت كلماتها الأخيرة بالمرارة البالغة .
أنت تقرأ
اغنية الفجر ـ سارة كريفن ( قلوب عبير ) دار النحاس ( كاملة )
Romansإنك تخفين شيئا في أعماقك ,يا مارغريت " لو أن جيروم مونتكورت يدرك مدى خداعها ! فهو لايعلم شيئا .. حتى الاسم الذى ذكرته له , لم يكن اسمها . منتدى ليلاس ولكن ميغ وجدت ان ذلك الرجل الفرنسي الجذاب كانت له أسراره هو أيضا .. ليس أقلها ماهية شعوره الحقيقي ن...