Part 6

766 143 18
                                    

قطعة من السماء💛
#الفصل_السادس:

كان طريقُ العودةِ لقريتي طويلاً، واستقبالُ عائلتِي مليئاً بالمحبةِ والفخر، قضيتُ النهارَ نائماً للاستراحةِ مِن عناءِ السفر، كنتُ أشعرُ أنَّ تخرجِي هو خطوةٌ أكبرُ نحوَ حلمِي.. كنتُ أشعرُ أنِّي اقتربتُ جداً..

مساءَ تلكَ الليلةِ نهضتُ من نومِي الطويلِ لأتناولَ العشاءَ مع عائلتِي ثمَّ خرجتُ لأمشي وحدِي، وسطَ الهواءِ النقِي جسدِي تمددَ على العشبِ على بعدِ أمتارٍ من منزلِنا، عينايَ تعلقَت بالسماِء مجدداً، السماءُ التي فقدتُها في العاصمةِ وافتقدتُها بِشدة، وابتسامةٌ واسعةٌ رسمَت طريقَها على شفتيّ.

"اشتقتُ لكم." همستُ مخاطباً أصدقائِي الذينَ لم أرَهُم يوماً إلا بعقلِي، ولكنَّهم كانُوا بالنسبةِ لي أكثرَ واقعيةٍ من أي شيءٍ حولِي. "أعلمُ أنَّه قَد مضَى وقتٌ طويل، التلوثُ الضوئيُ حرمَني وجودَكم حولِي في لحظاتِ الوحدةِ التي قضيتُها في المدينة، في لحظاتِ التوترِ التي سبقَت امتحاناتِي الأخيرة، ولكنِّي كنتُ مضطراً." أغمضتُ عينيَّ براحةٍ للشعورِ بالهواءِ حولِي ثم فتحتُهمَا مُشتاقاً للمنظرِ الذي أراهُ أمامِي والذي خسرتُه منذُ مُدة "لقد عدت، درستُ في كلِ لحظةٍ استطعتُ بِها أن أدرس، وقرأتُ في اللحظاتِ الأخرى، أنا الآن مستعدٌ للبدء، لقد حققتُ هدفاً صغيراً، والآن أنا أريدُ أن آتي لأصيرَ قطعةً من السماء، هل ستقبلونَ بِي بينَكم؟"

ابتسامتِي اتسعَت أكثر لحظةَ مرَّ شهاب، شعرتُ بالسعادةِ في كل جزءٍ من روحِي، شعرتُ أنَّه ردٌ من السماءِ عليّ، أنَّ أصدقائِي يقبلونّ اعتذارِي، يهنئونَ نجاحِي، ويخبرونَني أنَّهم ينتظروني.

هل يوجدُ شخصٌ يفرحُ بهذا القدرِ لمجردِ النظرِ للسماء؟ أنا أفعل، وأعترفُ بذلك، وأفتخرُ أنِّي علقتُ نظري عالياً هناك بينما التهى البشريونَ بأرضيتِهم، رغمَّ أنَّ الجميعَ مازالوا مصرينَ على اعتبارِي مجنوناً!

نهضتُ متجهاً ناحيةَ المنزلِ مجدداً، الظلامُ المخيمُ على المكانِ أخبرَني أنَّ الجميعَ نائمٌ بالفعل، فاستغللتُ الفرصةَ لأنزلَ الدرجاتِ للأسفلِ نحوَ مرآبِ المنزل، يرافقُنِي مصباحِي الصغير الذي لم أتخلَ عنه، ودفاترُ جدِي القديمة، مع مفتاحِ المركبةِ الذي كانَ مُعلقاً بسلسةٍ حولَ رقبتي.

"مرحباً إرثي. " حييتُها وأنا أقتربُ منها بشوق، أتلمسُ سطوحَها المعدنيةِ التي خلَّفَت بداخِلي شوقاً لم يقل عَن شوقِي لأفرادِ عائلتِي، المركبةُ التي صنعَها جدي، والتي افتخرَ بِها أكثرَ من فخرِه بأبنائِه، إنجازُه الذي أفنى حياتَه في سبيلِه، تعبُه الكبير، حلمُه الذي انقطع من منتصفَ الطريقِ بسببِ مرضِ قلبٍ كنتُ أملكُ مثلَه، العملُ الذي قضَى وقتَه بصناعتِه وتخلَت في سبيلِه زوجتُه عنه.

الكثيرُ مِنَ الأمورِ حملتها هذهِ المركبةُ التي قضَت سنواتٍ طويلةٍ في المرآب، الكثيرُ من الذكرياتِ لجدِي، والكثيرُ الكثيرُ لِي، جلستُ أرضاً مقابلاً لها، أردتُها أن تشهدَ على معرفتِي الواسعة كَمَا شهدَت على جهلِي ليلةَ ميلادِي السادسَ عشر، وفتحتُ أولَ دفترٍ أمامِي.

ما عادت الأمورُ معقدةً كما اعتادَت أن تكون، الرموزُ الكيميائية، القوانينُ الفيزيائية، المعادلاتُ الرياضية، المصطلحاتُ الفلكيةُ البحتة، والتصميمات الميكانيكية، كلُ تلكَ الأشياء بدَت سهلةً ومألوفة، كلُّها بدَت واضحةً بالنسبةِ لِي.

كانَت تلكَ مكافئتِي، مكافئةُ عملِي وتعبِي، كانَت تلكَ مكافئةُ انعزالِي لوحدِي راكضاً خلفَ حلمِي، مكافئةُ الحفلاتِ التي تركتُها لأجلِ الأمورِ التي عددتُها أهم، مكافئةُ الوجباتِ التي فوتُها لأنِّي أملكُ ما أفعلُه، كانَت تلكَ مكافئةُ الليالِي التي قضيتُها أقرأ تلكَ الكتبَ التي وجدتُ صعوبةً كبيرةً بفهمِهَا، أفركُ عينيَّ بألمٍ ورغمَ ذلكَ تظلانِ متعلقتانِ بالجهازِ اللوحِي الذي يعرضُ لِي كلماتٍ كانَت أصعبَ مِن تناولِ كعكةَ القرفةِ والتفاحِ التي لطالما خبزَتهَا أمِي لِي ولطالما كرهتُها!!

كانَت تلكَ مكافئتِي، وقد أخذتُها بكلِ ما لَدِي، وأحببتُها بشدةً أيضاً.

أغلقتُ الدفترَ يومها، يدي تمسكَت بالمفتاحِ المعلقِ برقبتي، وعرفتُ أنَّ الغدَ سيكونُ يوماً طويلاً، سأرى عمِي وأخبره عن سنواتِ جامعتِي، ثمَّ سأذهب برفقتِه للمتجرِ لأشتري عدةً للعمل، لأعيدَ مركبتِي للحياة!!

To be continued

بقلم: روان المصري.
تدقيق: ناصر القاضي.

#الجمعية_الفلكية_السورية
#المبادرات_الشبابية
#الفن_الفلكي #لوحات_من_السماء

A piece of the sky | قطعة من السماءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن