قطعة من السماء💛
#الفصل_الأول
في المستقبلِ القريبِ جداً - عام 2071 - في قريةٍ بعيدةٍ جداً عن العاصمة.
لقد صنعَ جدي مركبةً فضائية، حدثَ ذلكَ منذُ خمسين عاماً، لقد حاولَ كثيراً أن يركبها لكنَّ الأطباءَ منعوه بسببِ مرضِ القلبِ الذي يعاني مِنه والذي ورثتُهُ عَنه.
كَان يؤمنُ أنَّها ستوصلُنَا لحضاراتٍ جديدة، وأنَّها ستكونُ المفتاحَ لرؤيةِ الفضائيين الذي عاشَ حياتَه واقعاً بحبِهِم أكثرَ مِن جدتي التي طلبَت الطلاقَ قبلَ وفاتِها بخمسٍ وعشرينَ سنة.
مركبةُ جدي الفضائية كانت حلماً كبيراً له، وقد آمنَ بِهذهِ المركبة وآمنَ بأحلامِه أكثرَ مِن إيمانِه بالحياةِ والحبِ والسعادة، الأمرُ الذي عَدَّه الجميعُ سخيفاً، ولكنِّي وجدتُه عظمة!!
بقيت مركبةُ جدي في مرآبِ منزلِنا لمدةِ ثلاثينَ سنة، غطاها الترابُ، ودفنَت بينَ معادنِهَا أحلامَه بإيجادِ أصدقاءِ البشريةِ في هذا الكون، نسيت العائلةُ أنَّها كانت حلمَه الجميل وأصبحوا يشيرونَ إليها بالبنانِ على أنَّها إرثٌ للعائلة بغضِ النظر عن ماهيتِها.
لم يفتخر أحدٌ بجدي على إنجازِه يوماً، كانوا يكتفون بالنظرِ لها كنوعٍ من السخرية "هذا الذي قضى جدُكم حياتَه بصناعته."
ورغمَ أنََّ مركبةَ جدي المميزة كانَت بنظرِ الجميعِ شيءٌ كالخردة -تبعاً للتطورِ الهائلِ الذي لم يشهد له العالم مثيلاً- ويظنونَ أنَّ هذه الخردةَ لن تقدمَ شيئاً، إلا أنَّهم بقَوا محافظينَ عليها كإرث، شيءٌ يجعلُ عينيَّ تلمعُ فرحاً للمرةِ الأولى بكوننا مملينَ للغاية، ولا نتخلصُ مِن الأغراضِ القديمة حتى بعدَ أن يصيبَنا الضجرُ من وجودِها أمامنا دونَ استعمالِها.
أذكرُ أني قضيتُ طفولَتي بأكملِها أسمعُ التوبيخَ من أمي، لقد أهملتُ دراستي كثيراً، انعزلتُ عن أصدقائي ولم ألعب معهَم، قضيتُ النهارَ بأكملِه في مرآبِ المنزلِ أنظرُ لإرثِ عائلتي، المركبةِ ذاتِ اللونِ الرمادي الذي بدأ يغطيهِ الصدأ، والأذرعِ الطويلةِ الكثيرة، التخيلُ فقَط كيف سيكونُ شكلُها عندما تتحركُ تلكَ الأذرعُ يجعلُ قلبي يخفقُ بقوة، بينما قضيتُ الليلَ في الخارجِ أراقبُ النجوم..
عمي (الشخصُ الوحيدُ الذي لم يسخر مني أبداً) أخبرنِي ذاتَ مرةٍ أنَّ كلَ نجمةٍ صغيرةٍ تلمعُ في السَّماءِ هي شمسٌ مثلُ شمسِنا، يدورُ حولَها كوكبٌ أو كواكب، كما تدورُ كرتُنا الزرقاءُ حولَ كرةِ النارِ الملتهبة خاصتِنا.
أمعنتُ النظرَ بكلِ نجمةٍ وواصلتُ التفكيرَ.. هل مِنَ الممكنِ أنَّ كوكباً مِن تلكَ الكواكبٍ التي تدورُ حولَ نجومِها -شموسِها- بداخلِها أشخاصٌ مثلِي، يعيشونَ الحياةَ التي أعيشها؟ توبخهم أمُهم لأنَّهم يحدقونُ بمراكبِ أجدادِهم الفضائية ويريدونُ تجربتَها؟ هل يحدقونَ بنجمةٍ صغيرةٍ بسمائٍهم ذاتِ لونٍ برتقالي يدورُ حولَها كوكبي الأزرق ويفكرونَ بي إن كنتُ موجوداً وأفكرُ بِهم..؟
استمررتُ بالنظرِ للسماء، استمررتُ بصنعِ تلكِ المتاهات، أخبرتُ بعضهَم بِها ونظروا إليَّ كأنِّي مجنون، طلبوا أن أتركَ الأشياءَ المملةَ التي أفكرُ بهَا وأذهبَ لألعبَ الإصدارَ السادسَ والخمسين من (بوكيمون جي)، ولكنَّ إصرارَهم المستمر لم يجعلني أُعدِل عن أفكاري، فقط توقفت عن مشاركتهم إيَّاها..
سأجدُ يوماً صديقاً فضائياً يشاركُني الأفكارَ نفسَها، أنا واثقٌ مِن ذلك..!
To be continued
بقلم: روان المصري.
تدقيق: شام الصواف - ناصر القاضي - بهاء عبد الحفيظ.#الجمعية_الفلكية_السورية
#المبادرات_الشبابية
#الفن_الفلكي #لوحات_من_السماء
أنت تقرأ
A piece of the sky | قطعة من السماء
Ciencia Ficción"أمرٌ وحيدٌ أدركتُه؛ الذين يحدقونَ بالسَّماء يصبحونَ جزءاً منها!" قصة قصيرة R.M