Part 7

702 139 17
                                    

قطعة من السماء 💛
#الفصل_السابع:

كانَ بوسعِي أن أسيرَ لنصف ساعةٍ برفقةِ عمِي، أحكي لَهُ عن دراستِي وإنجازاتِي، يخبرُنِي كم هو سعيدٌ بِي وفخورٌ بعودتِي ناجحاً، وأخبرُهُ أنَّ لهُ الفضلُ في كلِ هذا، كان وسيبقَى ظهراً لا أستطيعُ الوقوفَ بدونِه، واستمرَ هذا طوالَ طريقِنا للمركزِ التجارِي حيثُ سأشترِي عدة العملِ خاصتِي كمهندسِ ميكانيك.

بعدَها عدتُ للمنزل، أخبرتُ عائلتِي أنَّ أعمالِي تحتاجُ للمساحةِ لذا سأحتاجُ المرآبَ الفارغ، ولأنَّهم كانُوا فخورينَ بما يكفِي بابنِهم الذي بدأَ يقومُ بأشياءٍ ذاتِ قيمةٍ أخيراً فلم يفكروا كثيراً بالأمرِ وسلمونِي المفتاحَ فوراً.

صارَت أيامِي متشابهة، مليئةٌ بالروتين، ولكنَّه الروتينُ الذي بحثتُ عنه، ولم يصبني المللُ منهُ قط!

أقضِي الوقتَ بالنهارِ في العملِ وفي المرآبِ أُفككُ المركبةَ القديمةَ قطعةً تلوَ الأخرى معتمداً على دفاترِ جدِي، وفي الليلِ أراقبُ النجومَ قليلاً ثمَّ أخلدُ للنومِ لأستعدَ لنهارٍ طويلٍ جديد.

تعبتُ حتى وصلتُ لهذِه النقطة، قضيتُ ليالٍ طويلةٍ بالدراسة، أمَّا الآن أقضي نهاراتٍ طويلةٍ بالعمل، أعلمُ أنَّ الأمرَ مرهق، أحياناً أضعُ رأسِي على وسادتِي وشعورٌ مؤلمٌ يصيبُني في قلبِي، أذكرُ نفسِي أنّه عليَّ أن آخذَ الأمورَ بروية، وألَّا أرهقَ العضلةَ النابضةَ في صدرِي، ألَّا أحمِّلَهَا فوقَ طاقتِها، فهي مازالت ضعيفة!

وأعودُ في اليومِ التالي للأمرِ نفسَه، أستيقظُ وأجدُ نفسِي في الروتينِ المرهقِ الذي لم أغيره، ولا أملكُ أيَّ رغبةٍ بالتخلي عنه.

أذكرُ أنِّي ذاتَ مرةٍ ذهبتُ لمستشفى القرية، قامَ الطبيبُ بتخطيطِ قلبٍ لي، لم أخبر عائلتِي لأنَّ أمِي لن تتوقفَ عن توبيخِي وستمنعُنِي من العملِ بالمنزل، هي بالكادِ قبلَت بِه..

أخبرَنِي الطبيبُ يومَها أنَّ قلبِي مرهق، مرضِي الوراثِي جُزءٌ مِني، وليسَ بوسعِي التخلصُ مِنه، لكن بوسعِي التعايشَ معَه بأن أرتاحَ أكثرَ وألَّا أتعبَ نفسِي كما أفعل، ويمكنُنِي أن أضعَ بطاريةً تجعلُ ضرباتَه الضعيفةَ أقوى.

رفضتُ الاحتمالَ الأخيرَ رفضاً قاطعاً، كنتُ أعلمُ أنَّ بطارياتِ القلبِ مصممةٌ بطريقةٍ تمنعُهَا مِن العملِ في الفضاء، لذا.. عليَّ أن أتعايشَ مع هذا القلبِ بكلِ ضعفه حتَى يكونَ بوسعِيَ الخروجُ بِه في رحلتِي الموعودة.

في طريقِ عودتِي للمنزلِ كنتُ شارداً وبائساً، كان بوسعِي تخيلُ حجمِ الخيبةِ التي اعترَت جدِي حينَ أنهى بناءَ مركبتِه في سنٍ كبيرٍ للحدِ الذي جعلَ مرضَهُ حاجزاً كبيراً ضِدَ صعودِهِ للفضاء، لذا.. لا أظنُ أنِّي سأرتاح، بل سأعملُ أسرعَ لأنهيَ العملَ أبكر.

لا أريدُ أن أعيشَ تلكَ الخيبة، لا أريدُ أن أسقطَ في اللحظةِ التي وصلتُ بها لقمةِ حلمِي، لا أريدُ أن يقعَ أرضاً كلُ جسرٍ تعبتُ ببنائِه نحوَ الغايةِ التي قضيتُ طفولَتِي ساعياً لها، سأصيرُ جزءاً مِن السماء، قطعةً من قطعِها، سأرى أصدقائِي من خارجِ الأرض، سأثبتُ لنفسِي -التي لم تُشكك بِهم يوماً- أنَّهم موجودِين، حينَها سأكونُ في مكانٍ بعيدٍ عن هذا المكانِ الصغيرِ المليء بالمحبِطين ولن أكترثَ أن أثبتَ ذلكَ لغيرِي، سأكونُ بعيداً عن المدينةِ التي تضجُ بالصخبِ طوالَ الوقت، سأكونُ في مكانٍ بعيدٍ لا يؤثرُ بِه قلبِي الضعيفُ على حياتِي، وسأفتخرُ أنِّي حققتُ حلمِي وحلمَ جدي، سأفعلُ ذلكَ حتماً..

شيءٌ واحدٌ وضعتُه برأسِي، شيءٌ واحدٌ كانَ نُصبَ عيني، وهذا الشيءُ دونَ سواه كانَ السببَ الذي جعلَنِي أعيدُ تفكيكَ المركبةِ بكل تعقيداتِها قطعةً قطعة، وأنهِي بناءَها خلالَ سنتين فقط..!!

To be continued

بقلم: روان المصري.
تدقيق: ناصر القاضي

#الجمعية_الفلكية_السورية
#المبادرات_الشبابية
#الفن_الفلكي #لوحات_من_السماء

A piece of the sky | قطعة من السماءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن