الفصل الأولى
قبل ثلاثة أشهر وليلة؟!
السويد غوتنبرغ
ضاحية حاجه"
كانت تمشى بنوع من الخواء في الضاحية الطويلة المرصوفة بعناية تتأمل الممر التاريخي الذي أٌسـس منذ القرن السابع عشر..فتشعر أنه لا يحمل أية روح أو مرح فهي تمر عليه يومياً مرور الكرام فلا يلفت نظرها البيوت الخشبية التاريخية ولا المقاهي ولا المحلات التجارية والسياحية...بل هدفها محدد ومباشر شيئاً يجعل روحها تسعد مرة أخرى...وصلت أخيراً أمام أحد المعارض الفنية...أخفضت يديها لتعلق حقيبتها بشكل عكسي وارتسمت ابتسامة دافئة أخيراً على شفتيها قبل أن تدخل إلى جناح الآلات الموسيقية. توجهت مباشرة نحو طاولة زجاجية مرصعة بالماس المزيف...ترفع يدها لتمررها ببطء على المكان الذي يرقد في منتصفه كنز غالي ثمين تهفو روحها لامتلاكه بشدة..مؤكد سيساعدها هذا الكمان بإطلاق ألحانها الخاصة -- لحن التمرد والعصيان. لحن الحرية وامتلاك حق المصير والقرار.
"إذاً...هنا تختفين منى كل يوم يا قطيطة؟!"
التفت دجينة مجفلة وهي تعود للوراء خطوة واحدة فكادت أن تتعسر في الطاولة الزجاجية...فمد آصف ذراعه سريعاً يلتقط خَصرها جاذبها نحوه...وضعت يدها تلقائياً على صدره وعلت أنفاسها قليلاً لتعبر عن تلك المعاناة التي تعيشها في قربه...إن مظهره الأرستقراطي الدائم يضربها في مقتل...رفعت عينيها ببطء...فضرب صدرها بلا رحمة وجهه الوسيم...ابتسامته المحتوية وجذعه الممشوق الأنيق وملابسه المنسقة بعناية وبدون غلطة عكسها هي تماما "هل ما زلتِ تخشينني يا قطيطة؟ كدت أن تتسببي في كارثة"
لم ترد ما زالت تحدق به ، كما هو يحتوى كل جزء منها بعينه...ضحكة ساخرة من نفسه تملكته إذ لم يجذبه نوع دجينة يوماً...لم تروق له الفتيات اللواتي تأخذن طريق البوهيمية في التفكير والملبس ولكنها تعجبه...يريدها...إنها تجذبه حتى وهي تطلق العنان لشعرها الأسود ليثور حول وجهها وكأنها لم تمشطه منذ فترة...ترتدى قميصاً أخضر طويل تعتليه بقعه من الطعام الذي تناولته أثناء الغذاء وبنطال جينز ممزق عند الركبتين وبالطبع حقيبة من الجينز المخيط تضعها متشابكة على صدرها فتستفزه ليمزقها ويرميها بعيداً.
"هل أعجبتك الاستراحة على صدري قطتي؟"
راقبها وهي تستعيد توازنها ولسانها السليط سريعا
فاعتدلت فوق حذائها الرياضي وهي تخبره بانزعاج" هل تتبعني آصف؟ لم نتفق على هذا"
عيناه التقطت قلادتها الفضية الطويلة والتي تنتهي بدلاية على شكل قناع"فانديتا"الرمزي...ربما هو لم يعرف بعد دوافع دجينة لإرتدائه وما الذي تخفيه وراء تشبثها بذلك القناع كرمز يعبر عنها وأيضاً"وردة فانديتا"التي ترسمها على ساعدها الأيمن كوشم دائم !على أية حال هو يعلم جيدا مبادئ البوهميين و يبدو أن دجينة لم تصل لسموهم الحقيقي بعد...كما يعلم تماماً أن ما يعبر عنه هذا القناع ووردة الموت ما هو إلا رسالة للعالم أنها شخص غامض تفضل أن تبقي مخفية الهوية...أو ربما لا يعني إلا أنها تقاوم السلطة ،هويتها ،قيود ولادتها وإعلان لتمردها؟!!!!
مال بأناقة نحو وجهها وأمام عينيها التي توسعت بذهول ليخبرها" أنا أفعل ما يحلو لي منذ أن وافقتِ على ارتباط مصيرك بي دجينة"
وكأن مجرد إعلانه عن عقد امتلاك أخر جعل عيناها تشتعلان غضباً وثورة...تكلمت بصوت غوغائي لا يمثل أبداً تلك المهتزة المرتعبة التي وجدها في شقة جلاء وظن بها السوء يوماً"لم نتفق على هذا ابدأ...إياك أن تحاول امتلاكي يوماً أو فرض ما لا أريده...أنا لم اهرب من عوني الدمنهورى لأكون أسيرة لدى أخر"
أزعجته لهجتها ولكنه سيطر على نفسه جيداً لمعرفته الجيدة بها خلال الستة أشهر التي قضاهم معها منذ أن أخذها من باريس هاربة
"هشششش...لن نعود خطوات للوراء...لن أعيد عليك كيف تتحدثين بشكل جيد وتفرقين بين البشر!"
ابتلعت دجينة ريقها فهي تعلم جيداً ما وراء كلماته التي قد يظنها الكثير مجرد حروف واهية ولكنها وحدها تعلم أنها نغمة مسيطرة على لحن نشاز خرج من بين أوتار الموسيقي الهادرة فيعيده اصف بهدوء نحو السلم الموسيقي ليجعله غير قادر على الخروج مرة أخرى عن النص...عندما لم ترد ابتسم بلطف وهو يخبرها "ما الذي تفعليه هنا ولماذا لم تنتظري لأقلك للمنزل بنفسي؟"
استدارت دجينة دون أن تجيب لتتأمل الكمان الباهظ الثمن وتداعب أوتاره بعينيها كمن يداعب حبيب مٌحرم يحترق للمسه ولا يستطيع
"أيعجبك؟"سألها بصوت أجش
هزت رأسها بشعرها المشعث دون قدره لها على الإجابة...
"أريد إجابة دجينة"عاد يسألها بصرامة مسيطرة أنيقة
غرزت أصابعها في شعرها ترفعه بين يديها وكأنها تمنحنه مزيد من مظهره البوهيمي حولها...ضحكت بتوتر وهي تقول"نعم جداً...أنا أدخر من راتبي لأشتريه منذ أشهر"
نظر آصف للمبلغ الموضوع وبتقييم بسيط علم أن ثمنه يحتاج من دجينة العمل لمدة عامين كاملين لديه...ولكن الكمان يستحق وهي تستحق أكثر منه بكثير"
عادت تستدير نحوه وهي تمسك حزام حقيبتها"هيا لنغادر لقد اكتفيت وأريد الذهاب للمنزل"
......................................
ليلاً كانت تتقلب في مخدعها دون قدرة على النوم تتذكر كل ما حدث بينها وبين آصف...لقد تبدل كل شيء بينهما بعد شهرٍ واحد منذ تهورت وعادت معه إلى هنا هاربة من بطش والدها ومحاولته المستميتة في إيجادها هو والآخر!!
لقد اقترب منها آصف إلى حدٍ خطر جداً لم تستطع أن تقاومه...لقد اكتشفت فيه روحاً أخرى غير التي ظنتها ربما كانت طريقة تعارفهما خطأ فقد ظن بها أشياء بشعة من قبل ولكنه منذ أن أسكنها منزله ومنحها المأوى والحماية لم يحاول أن يطالبها بأي شيء بل أصبح يستمع إليها ويتفهما لا يمل من هياجها ومزاجها النزق ولا حتى عندما تلتزم الصمت لأيام وتعود لقوقعتها الداخلية غير سامحة لأحد بتخطيها همست"رباااه ما نهاية كل هذا وهل أنا من القوة أو الاستعداد حقاً لأسلم نفسي لرجل عربي أخر؟"
هو ليس أحدهم...ليس منهم ذكرت نفسها بقسوة واضطرب قلبها كالطبول داخل أضلعها وصورته الجذابة والشديدة الأناقة تتمثل أمام عينيها بصوته اللبق وحديثه المنمق يدوي في أذنيها..نظرته الرجولية القوية التي تثير فيها كل الغرائز الأنثوية والتي لم تكن تعرف أنها تتواجد بداخلها تحرقها؟!
رسالة نصية أتتها على هاتفها جعلتها تنتبه من تفكيرها المشتت به "هل أنتِ مستيقظة؟"
حاولت جاهدة أن تخمد توترها وقلقها وهي تكتب" نعم...هل هناك شيء؟"
بعد أقل من دقيقة كانت تصلها منه رسالة أخرى يأمرها"افتحي باب المنزل أنا هنا"
شحب وجهها وضربات قلبها تكاد تشبه معزوفة موسيقية لأوبريت مجنون وهي تكتب "هل تدرك كم الوقت آصف؟!أنصحك بالاستدارة والتوجه إلى سيارتك مرة أخرى لأنك تعلم جيداً أن هذا من المستحيل أن يحدث!"
ابتسم على الطرف الأخر بإعجاب لن ينكره فرغم كل شيء المتمردة العنيدة مازال يوجد في أوردتها دماء أنثى شرقية حرة" كُفي عن تفكيركِ المبتذل وافتحي الباب, أنت خطيبتي رسمياً وأم أطفالي مستقبلياً ومؤكد لن أفعل ما يضرك عزيزتي؟!"
لم يأتيه ردها ولكن بعد خمس دقائق كاملة فُتح الباب الخشبي للمنزل ببطء وتردد وكأنها تصارع ما بين استقباله وطرده!
أرجع رأسه للوراء ضاحكاً مما جعلها تضطرب خاصة عندما قال "ما الذي ترتديه بالله عليكِ هذا غير مشجع إطلاقاً لما أتيت من شأنه"
قالت على الفور عابسة" هل أتيت لتسخر منى في منتصف الليل آصف؟ سأغلق الباب"
تأملها وهي تقف خلف الباب بمنامه قطنية متداخلة الألوان والخطوط مع بنطال متسع بخصر هابط تعلوه كنزة واسعة مهدلة الأكمام وتلوي أطرافها حول كفيها.
أخذ نفساً عميقاً قبل أن يمد يده يختطفها من خلف الباب...ويجذبها لتصبح أمامه مباشرة ولم يهتم بشهقتها التي خرجت معترضة عندما سحب نفسه من معطفه ووضعه على كتفيها...كان يرتدى قميصاً أبيضاً ناصع مفتوح الأزرار وبنطال أسود من القماش...لوى معصمي القميص على ساعديه ورجع للوراء خطوة يضع قدمه على الحائط خلفه ثم قال بهدوء
"لقد منحتكِ خمسة أشهر كاملة منذ أن طلبت الزواج منكِ وأنتِ وافقتِ وأنا بصراحة عزيزتي لم أعد أستطيع الاحتمال"
عبست بالتناقض مع حمرة الخجل في وجنتيها وهي تقول من بين أسنانها "هل قطعت كل تلك المسافة من المدينة إلى هنا في ليلة عمل لكي تخبرني بأمر أعلمه؟"
لم يلف ويدور وهو يقول بثقة قاطعة باترة" بل لأخبركِ أني سأصطحبكِ غداً لإتمام زواجنا في السفارة المصرية وبعدها توثيقه هنا على مهل ما رأيكِ؟؟"
"ماذا؟ ماذا؟!هل قررت من نفسك يا آصف هذا يجعلني..."
قاطعها وهو يقول" كيف تحبين اكل التفاح؟"
فغرت فاها بذهول قبل أن تعود ملامحها للهشاشة بسرعة رهيبة فعادت بعينيه تلك القطيطة الرقيقة الهادئة الضعيفة ثم ما لبثت أن أجابته بصوت أجش "بالطريقة التي علمتني إياها!"
ابتسمت ملامحه الوسيمة بشكل جعل معدتها تتلوى داخل جسدها المسكين...راقبته وهو يقترب منها مرة أخرى يمسك طرفي معطفه يغلقهما حولها ثم قربها منه وهو يخبرها بهدوء:"إذاً تتبعي قلبكِ وهوى نفسكِ وتزوجيني ربما تجدين معي الكثير مما أمنحكِ إياه !"
قالت بعصبية وهي تشعر أنها مهددة بالخطر في حضوره القوي" أتزوجك لأني أحببت طريقتك في أكل التفاح؟!!هذا اغبي سبب للزواج"
قال بهدوء بينما يشدها اكثر من طرفي معطفه نحو صدره" الزواج أغبي منظومة خلقت...ولكنها الأعظم في تاريخ البشرية عزيزتي"
نحن متناقضين تماما"
وضع شفتيه مقابل أذنها وهو يهمس بصوت جعل فؤادها يضرب بلغط مجنون متسارع عن ضرباته الطبيعية" في الاختلاف حياة وفي التناقض اكتمال...احتواء وأمان كنت تنشديه ولن تجديه بين ذراعي رجل غيرى...أنتِ لي أنا دجينة"
تمتمت" أنا ما زلت أخافك"
ضحك وهو يكمل بذات الهمس" أنتِ تقارعيني بشراسة...تطلقين بريتك معي دون تحفظ وأنتِ تعلمين تماماً أن خوفكِ هذا ما هو إلا حماية تطلبيها منى وسأمنحكِ إياها راضياً مستمتعاً"
عضت على شفتيها متذكرة صورة واحدة لا غيرها تحت أضواء برج ايڤل منذ ستة أشهر!ثم عادت لتنظر لعيني اصف القوية الصلبة رغم ما يحمله من حنان بينهما فذكرت نفسها بقوة"أليس من الرائع أن تحظى بكل هذا الاهتمام منه والحب والحماية؟!!رجل على استعداد أن يمنحها العالم كله إن أرادت؟!
ولكن هي لم ترد العالم يوماً ولا حمايتهم...لم ترد إلا فنها...لم تعترف إلا بانها قادرة على الوصول لنغمة تمردها بفنها دون مساعدة أي قيد شرقي
"تزوجيني"
عاد همسه الحار يجعلها تضطرب، تتهور وتتمرد على نفسها على حلمها على قلبها الذي يداعبه آصف دون رحمة وهو يطلب ودها
مد يده يخرج من جيب بنطاله علبه صغيره باللون الأزرق المخملي وفتحها ببطء أمام عينيها التي توسعت دهشة عندما التقطت"سوار"بسيط من الفضة تتعلق به لعب صغيرة دائرية الشكل ويتقاطع مع حرف"v"
همست بصوت مختنق "كيف حصلت عليها؟"
مد يده يخطف يدها الرقيقة بين يديه ليضع السوار في معصمها بتلكؤ وقال بصوته المهيمن الأجش
"بتلة الورد لفانديتا...صنعت خصيصاً من أجلكِ"
اقتربت منه ورفعت وجهها تتأمل ملامحه الوسيمة بدمائه النبيلة التي تجذب فؤادها ليقرع مثل الطبول وهي تسأله"هل من المعقول أنك تؤمن بأيقونة من هم مثلنا؟"
رفع كفه بعد أن أغلق السوار حول معصمها...وأمسك وجنتها المخملية يمسدها بكلا إصبعيه وهو يقول برقة"ربما أتحفظ على طريقة أفكاركم ولكن بالنهاية أنا أكره الظلم دجينة وأفضل أن أري التمرد الذي يصل بكِ لهدف حقيقي"
عينيها تعلقت بعينيه في نظرة أمل أن يتفهم يوماً...ألا يجعلها تندم أو تهرب...أن تجد من يراها إنسانة حقيقة وليس مجرد صفقة ربحيه تعود بالمال ولا مجرد بوابة عبور لمن يريد أن يحصل على جنسية غربية!!
تركها آصف وهو يقرأ بوضوح صراعها المختفي من بين حدقتيها الخضراء التي تماثل تمرد قطيطة صغيرة حديثة الولادة تتخبط وهي تشذب مخالبها الناعمة دون قدرة لها على كسب مهارة الحماية أو الاصطياد ولكنها تصر على عدم الاعتراف؟!
راقبته يفتح باب سيارته ثم يعود نحوها يفتح صندوق مغلف بالورق الأخضر اللامع وهو يقول"تعلمين أني احب لون عيناكِ...قبلاً كنت أكره كل ما هو أخضر حولي لذا اخترت هذا المنزل وسط الزهور...الصفراء"
اغرورقت عينيها الجميلتين بالدموع حتى شوشت الرؤية أمامها وهي تنظر لما يخرجه آصف أمام عينيها وقال "أعلم أنكِ لن تلتفتي للمجوهرات أو المال ففكرت أن هذا الكمان سيكون مهرك المناسب"
اندفعت دجينة سريعاً تلف يديها حول عنقه تتعلق فيه بتشدد ودفنت رأسها على صدره...ابتسم متفاجئاً وهو يحاول أن يوازن نفسه...أسند الكمان على الصندوق الضخم دون أن يفلتها ثم عاد يلف ذراعيه حول خَصرها بقوة رافعها عن الأرض عدة سنتيمترات خرج من بين شفتيه نفس حار ملتهب وهو يقول "دجينة أنتِ تدفعيني للجنون والتهور سوياً..."
همست بتحشرج"فقط احتضني أقوى يا آصف وحاول أن تنحي عقلك الشرقي الغبي جانباً الآن"
عقله الشرقي الغبي !!حسناً إن نجح في السيطرة على جسده الذي يطالب بها هادراً بجنون صارخاً باسمها فقد يستطيع...ما الذي يحدث له وكيف لفتاة كدجينة لم تملك صفة واحدة مما خطط له في امرأته يوماً أن تسيطر عليه بهذا الشكل كي يفعل المستحيل ليصل إليها؟!
دفن وجهه في عنقها وشفتيه تلامس نعومة بشرتها بمشاعر جمة أخذ نفساً عميقاً وهو يقول"غداً ستصبحين زوجتي شرعاً بكل الطرق الصحيحة وبعدها أعدك ألا أكف عن احتضانكِ يوماً"
...............................
صوته كان جامداً لا حياة فيه وهو يخاطب التحري الخاص الذي كلفه أن يبحث معه عنها..لم يكابر آصف في الاعتراف أن حمل دجينة لجنسيتها الفرنسية والتي كانت سبب نكبتها ومعانتها مع والدها يسهل لها فتح جميع الأبواب للتنقل بين بلدان أوربا بسهوله ويسر...لقد حاول أن يتتبعها حسب بطاقات الائتمان البنكية والتي قامت بسرقتها منه؟!ولكن يبدو أن خضراء العينين تملك بعض الذكاء إذ أنها سحبت على الفور مبلغاً مالياً وقامت بالتخلص منهم...أخيراً قال"أريد عنوان المكان فوراً"
رد المخبر على الطرف الأخر وقال "ليس لها عنوان ثابت سيد آصف كما أخبرتك هي تعيش في...."
قاطعة اصف بحدة"أنت ،أنا لا أريد شرحاً مطولاً ،فقط عنوان أخر مكان تواجدت فيه"
أخذ الرجل نفس عميق قبل أن يعطيه ما أراد بدقة متذكراً جنون الرجل في مطالبته يومياً بأن يكثف البحث عنها ويقوم بتوظيف كل من يستطيع مقابل أي مبلغ مالي لقد كان يبحث معهم عنها بنفسه ثلاثة أشهر دون أن يمل يوماً ساعة واحدة !
ربما هو دائماً يؤدى عمله بحرفية ولا يعنيه ما قد يحدث للشخص المفقود إن وجد ولكنه بالتأكيد يشفق على تلك المسكينة مما قد تراه مع ذلك الرجل...فالغضب والوحشية التي تحتل عينيه وملامحه وهو ينطق حروف اسمها لا تبشر بالخير أبداً !!!
........................
مغمضة العينين كانت تتناول بعض الطعام السريع الذي قد حصلت عليه منذ قليل...لقد حاولت أن تقتصد على قدر الإمكان ولكن مطاردة آصف لها كلفتها الكثير مما استطاعت أن تحصل عليه منه بجانب مصيبتها الخاصة التي اكتشفتها بعد مغادرتها لآصف بوقت...ارتعش فك دجينة وهي تغص مرغمة فانسابت دموع الألم من تحت أهدابها المغلقة...لم تستطع أن تتخلص من ذلك الوشم...لم تقدر أبداً أو تجرؤ على التفريط به...لقد حاولت من أجله أن تستنجد بوالدها ليرسل لها بعض المال فرفض متهما إياها أنها جلبت له العار وإن أرادت أن تتخلص مما هي فيه يجب أن تعود إليه...وهذا لن يحدث حتى وإن دفعت حياتها ثمناً...أولم تفعل الأن؟!هبطت يديها تلقائياً تحاول أن تضم معطفها حول جسدها الضئيل في محاولة مضنية للإحساس بالدفء ولكن ملابسها التي أصبحت لا تصلح للاستخدام الأدمي لم تمنحها ما أرادت...ليتها استنجدت بجلاء ولكنها تعلم أن زوجته قد تسارع وتخبر آصف عنها...كم تكره الشرقيين...كم تكره تخلفهم وظلمهم للإناث...ووضعهن في خانة الاضطهاد والتخلف أو المتاجرة!!وكم تكره خيانة آصف لها...لقد كان نسخه منهم أرادها سلعة تباع وتشترى وحصل عليها بالخداع ملتفاً حولها وهي التي اعتقدت بغباء انه أحبها وأنها وجدت الملاذ والوطن أخيراً و الرجل الذي يفهم تمردها ونغمة روحها؟!كانت تضم بطنها بقوة هامسة "لن أسمح لهم أن يفعلوا بكِ ما فعلوه بي حتى وإن كانت حياتي الثمن"
..........
بعد ساعات من البحث بين أزقة باريس المظلمة استطاع آصف أن يلمح جسداً ضئيل منكمشاً حول نفسه فوق أحد الكراسي الخشبية العامة وبجانبها أحد الحقائب والأكياس البنية الخيشية ،رباااه زوجته هو تعيش متشردة بين أزقة باريس !!ما الأقسى على رجولته هجرها إياه أم اختيارها الشوارع بديلاً أفضل منه؟!ركن سيارته غير مهتم بمخالفة قد يتلقاها وهبط سريعاً متوجها نحوها
لم يكن آصف يرى في تلك اللحظة سوى غشاءاً أحمر يحجب عينيه عن رؤية شيء سوى والد امتلك من التعنت والغباء ما يكفى ليصل بابنته إلى الحضيض...لم يدرك أبداً أن غباء تصرفاته قد يوصل تلك الغبية لأن ترمى بنفسها للتهلكة قطعة لحم سهلة المضغ لمن يحاول.....
حاول آصف جاهداً الهرب من الشعور بالغضب...بالتوجه إليها وإنزال عقاب لم تتخيله يوماً بها كما توعد فور أن يراها...أخذ نفساً عميقاً وتقدم نحوها ثابت الخطى جامد الملامح ومغلق الشعور تماماً...أجفلت دجينة وعيناها تضيق بتكذيب واهي وهي ترى خياله الضخم بملابس سوداء أنيقة يعلوها معطف أسود طويل يتقدم نحوها...هزت رأسها بقوة وأنفاسها تتوقف داخل رئتيها...جسدها كله يرتعش رعباً وذعراً عندما تعلقت عينيها الجزعة بتلك الجمرتين الخاليتين من أي شعور!
مرتجفة مصدومة مشلولة الأطراف...جلس آصف بجانبها...لدقائق طويلة كانت تسمع أنفاسه تخرج هادئة منتظمة كانه لا يراها أو كأنها لا تعنيه كشيء مجهول مبهم لا يستحق أن يلتفت إليه
وجهها الشاحب الذي استحال لقطعة رخام ابيض لم يستطع أن يلتفت إليه وهو يقول بعد وقت بهيمنة رجولية مرعبة رغم سخريتها "عندما أمتع إحداهن في فراشي يجب أن تمنحني المقابل ،وأنتِ رغم إغراء تناولكِ كنتِ كوجبة مليئة بالدهون غير مشبعة لمتطلباتي ،لذا كان لابد أن تنتظري على مائدتي حتى أقرر أنا استبدالكِ"
الصمت كان مجيبه رغم الطعنه الحادة التي وصلت إلى وتين قلبها ،حاولت جاهده أن تنظم أنفاسها اللاهثة و أن تحافظ على معدل لغط قلبها المتسارع"
التفت لها آصف يقيم شعرها الأسود الذي شعث بسبب قلة الاهتمام ،وجهها الملطخ ببعض الأتربة وتلك الملابس المهترئة الخفيفة التي ترتديها في هذا الجو قارص البرودة...جز على أسنانه بغضب أعماه ولكن قبل أن يقدم على أية حركة ينفس بها عن غضبه كانت عينيها تلتقي بسواد عينيه برهبة وكتفيها تنحني بالتضامن مع ذراعيها تضم خَصرها بقوة تتمتم بصوت مرتجف وكأنها تدرك أنه على وشك قتلها "لو اقتربت من إحدانا سأبلغ عنك الشرطة"
عقد حاجبيه بتعبير مبهم يحاول أن يستوعب عمن تتحدث جامعة نفسها معه؟؟
فعلتها الغريزية جعلت عيناه تتوسع بصدمه وإدراك ودون تردد كان يمد يده وبحركة لا تذكر كان يسيطر على ذراعيها يلويها خلف ظهرها كاشفاً ما تحاول أن تحجبه عنه عندما فتح معطفها ظهر بطنها التي تكورت تحت ملابسها
الصدمة جعلته يتمتم مرتجفاً"يا إلهي ،هذا ابني"
كان يقر بها دون أدنى شك أو تفكير...طفله يعاني وهو مجرد نطفه مع أم تائهة مشردة تنام على الأرصفة"
الصدمة،المفاجئة والتوهان جعلها تهمس باندفاع غير محسوب العواقب "ربما ،لا أذكر"
رفع آصف وجهه مجفلاً والكلمة تخترق رأسه فتسيطر على عقله الذي تحول لقنبلة نارية جعلته دون تردد يرفع يده ويصفعها بقوة جعلتها تندفع للوراء قليلاً ولولاً يده الأخرى التي تكبلها جيداً لكانت طاحت عنه عدة مرات بينما صوته يهدر بصراخ حاد وغضب مستعر"زوجة آصف غانم لا تتحدث مثل العاهرات"
وضعت دجينة يدها على وجنتها مصعوقة ببهوت...عيناها تتخبط...لغط قلبها يتعالى بانفعال مجنون لم تستوعب دجينة حقا أنه قام بضربها...لم تستوعب حتى خيط الدماء الذي يسيل من فمها ولم تعي لعينيه التي رغم براكينها كانت تتوسع بذهول...قالت بصوتٍ مختنق متخبط "لم لا؟!لقد كنت توقن بالفعل أني كذلك"
نظراته كانت تحوم حول وجهها وأنفاسه تخرج لاهثة بينما قلبها يعلو بصخب صم أذنيه...راقب أخيراً الدموع التي تتدفق من عينيها وهي تهمس"لقد رفض مساعدتي رغم إخباري له عن طفلي ورغم علمه بأني أنام على الأرصفة"
فتح آصف فمه للحظات كأنه ينوي قول شيء..أن يستجدى جنونه أن يعود إليه... يجب أن تعاقب ويجب أن تدفع الثمن...يجب أن...أن ماذا؟!لكن همسها المتضرع ببؤس باسمه "آصف"
جعل كل شيء يخرس في عقله متذكراً كل شيء بينهما !وبدون تردد كان يسحبها إليه ليضمها إلى صدره ويحيط جسدها البارد بدفئه...دفع رأسها على المضخة الضخمة بين أضلعه فتعالت شهقات أنين من بين شفتيها وذراعيها تتشبث بصدره كأنه الحياة !بينما تخبره بوجع معاكس تماماً لفعلتها "كم أكرهك ،لم أكره مخلوق مثلك أبداً"
على الفور ضمها اكثر وأكثر محاولا منحها الدفء الذي تفتقده معنوياً وجسدياً وهو يقول محترقاً "وأنا يا قطيطة؟!لم أكره امرأة مثلما كرهت تحكمكِ في لغط قلبي"
.................................
بعد وقت
كانت دجينة تقف مرتجفة ضائعة لقد قاومته بكل ما تحمل من شراسة ولكنه قتلها في مهدها بسهولة...بغضبه المستعر الذي يحمل الجحيم بين طياته؟!
اقترب منها مره أخرى وهو يمسك مقص بين أصابعه ثم وبدون أدنى اهتمام بارتجافها كان يمسك طرف ملابسها باشمئزاز ومزقها من عليها كاملة"اتركني سأبلغ عنك الشرطة"
لم يهتم ولم يبالي وهو يعود بحشر جسدها على حائط الحمام البارد ثم انحنى نحو بنطالها ليلاقي نفس مصير ملابسها العلوية...تلوت دجينة بين يديه قبل أن يتعالى بكائها بحرقة وهي تتمسك بملابسها الداخلية الغير نظيفة على الإطلاق "أرجوك هذا يكفي آصف أنت تحاول إذلالي؟!"
لم يرفع وجهه نحوها لم يستطع وأنفاسه العنيفة تخرج ساخنه ملتهبة محترقة كبركان خامد يوشك على الانفجار مدمراً كل ما حوله ولكن عينيه التي التقطت تكور بطنها عادت تحمل الألم المخلوط بوجع رجولته فعصر كفيه بتوحش وكانه يقاوم نفسه لتحطيم شيء ما...فشل أن يسيطر على أعصابه وعينيه تلمح جرح طويل يشق ركبتها من الخلف عندما استدارت تمحنه ظهرها محاوله ستر نفسها عنه... صرخ فيها بكل أحاسيس الغضب والقهر "لماذا؟؟ أخبريني سبباً واحداً يجعلكِ تكسرين كل وعودكِ لي؟ أن تمسكي بشرفي على المحك وترمى نفسكِ لكلاب الطرق الضالة التي تمتلئ بها باريس؟"
لم ترد...فارتفع على عقبيه سريعاً يديرها لتواجهه يمسك بعضضها يهزها بعنف رغم تعالي بكائها العنيف قائلا من بين أسنانه بشراسة"إمنحيني سبباً واحداً الآن يجعلني لا أفصل رأسكِ عن جسدكِ لأريح نفسي من الورطة التي أوقعت نفسي فيها معكِ"
أغمضت عينيها بتشدد وهي تخبره من بين بكائها الحاد بصراخ مماثل "لأنك حقير أخر اشتريتني منه بالمال عبر صفقة...فرضت عليّ رجولتك رغم رفضي إياك...أنت كاذب مدعي أخر غبي متخلف"
فتحت عينيها ببطء عندما لم يرد فقط أنفاسه العنيفة تلفحها بنيران متوهجة خطرة...صفعتها تلك النظرة الذاهلة في عينيه والتي امتلأت بالكثير من الغضب والكثير من الألم...توقعت أن يجن جنونه نحوها أن يفعل ما يهددها به ولكنه تراجع عنها سريعاً جامد الملامح...عم السكون بينهما لوقت ليس بقليل وهي تراه يدور حول نفسه وكأنه اسد ضخم يقاوم نفسه أن لا ينقض على فريسة ألقوا بها داخل قفصه الآسر...التفت إليها أخيراً يشدها من ذراعيها وهو يقول بقسوة "لا أذكر أني فرضت نفسي عليكِ في أي جزء من علاقتنا الحميمة إلا في بادئ الأمر بيننا وظننته دلال أنثوي مقرف أمقته...أما عن شرائكِ صدقيني أنتِ لا تستحقين مني حتى التفسير"
ارتّدت دجينة للوراء في محاولة للهرب منه للفرار وقلبها يخفق بقوة وإحساسها بالذل والخزي يعري روحها أمامه...لم تستطع أن تفلت من قبضته عندما وضعها في حوض الاستحمام فصرخت من حرارة الماء الذي لم يعرفه جسدها منذ شهرٍ كامل! تمتمت بحرقة "أرجوك...أرجوك توقف آصف"
لم يكن يرى أمامه...مقهوراً من أفعالها فقال بجفاء "اخرسي وتقبلي ما أفعله أشعر بالقرف منكِ دجينة كيف تتحملين نفسكِ وكيف يتحمل ضميركِ ما تفعلينه بجنيني؟"
هزت رأسها وشعور من المرارة يجتاحها رفعت عينيها الجميلتين والتي أسرته يوماً لتخبره بتحشرج"لهذا كنت أخاف العودة إليك كرهتك جدا يا آصف أنت لا تفرق عنهم...لقد اشتريتني وكأني سلعه تجارية بينكم"
لم تلن ملامحه المتصلبة وهو يعود يرفعها بين يديه ثم يجبرها أن تتمدد في حوض الاستحمام وقال ببرود"اخلعي ملابسكِ المتبقية"
شهقت وهي تهز رأسها بعنف تخبره بهستيريا يأسة"لا لا لا"
وضع آصف يده على وجهه بينما يده الأخرى تستريح على خَصره حاول أن يهدئ نفسه وينظم أنفاسه وهو يراقب حالة الجنون التي دخلت فيها دجينة...هل حقاً لم يعرف المرأة التي قرر أن يربط مصيره بها؟!هل أخطأ في وضع يده حول العلة الحقيقية التي تحملها روح دجينة المشوهة؟!
زفر بضيق وهو يميل يخلع حذائه مُلحقه بجواربه ولم يهتم بخلع ملابسه الأنيقة والتي كانت قد خربت بالفعل بسبب متشردته !!توجه ناحية حوض الاستحمام ودون تردد كان يدخل معها يجلس خلفها ثم يفرد ساقيه حولها ويلف ساعديه حول خَصرها جاذبها نحوه...دوى صوته الحازم ولكنه لم يحمل اللين أبداً"اهدئي"
تعالى بكائها المرير المصاحب لأنفاسها اللاهثة فكرر بسيطرة"اهدئي دجينة من أجل الطفل"
لم تصدمه عندما رمت رأسها على صدره مطلقه أنينا طويلاً "أنا لا أعرف شيء عن ابني منذ شهر...لديّ جرح في ساقي يؤلمني وهناك أشياء تحدث لي لا استطيع تفسيرها...أنا أنا......"
صمتت وكأنها تبحث عن مبرر ما ولم تجد حُجة قوية لما فعلت...فلم تعرف ماذا تخبره؟؟ كانت تتخبط ضائعة كليا وهو لم يساعدها بأي شيء...فعل أوقول بل اكتفي بجموده وكأن كل شيء بينهما قد انطفئ...حتى وهو يمرر الإسفنجة بهدوء على جسدها ينظفه بإصرار عالماً كل خباياه ثم يتركها ليفرك شعرها بالصابون جيداً...استمر في فرك جسدها وشعرها متنقلاً بينهما بسلاسة مزيلاً أوساخها بصمت دون أن يتفوه بكلمة وداخله يصرخ محتجاً على نفسه...يصفعها بالسخرية المريرة...هو من تغاضى عن كل ما كان يراه من تناقضاتها... عن شخصية فتاة لا تناسبه...فأقل الأشياء لا تستطيع فعلها...ومنذ متى كانت تعنى حياة التحرر العفونة كما يتلمس في كل جزء منها حتى أصابته بالتعفف عنها؟!
نهض مره أخرى بصمت ورفعها معه من تحت كتفيها ثم فتح رشاش المياه ليخلص جسدها من الصابون "أنا"
"اخرسي "أمرها بهدوء ونبرة خاوية بعد أن تحرك هو أولاً يخرج من الحوض وجذب منشفة قطنية كبيرة لف بها جسدها
ثم ركع على ركبتيه ومد يده من تحتها نحو باقي ملابسها الداخلية محاولاً أن يخلصها منها...
كانت عاجزة عن النظر إليه...حتى وهي تشعر بقرب يده التي تستبيح أنوثتها وتهدر كرامتها...عادت للتمرد وهي تدفعه بعيداً فلم يستطع أن يقاوم نفسه وصوته يخرج عنيفا وهو يقف مره أخرى ليمسك بوجنتيها بين أصابعه وأجبرها على النظر إليه وقال ضاغط على حروفه "لا تحاولي استفزازي...لا أعتقد إنكِ تحملين كل هذا الخجل أو تخافين من استباحتكِ وإن كانت نفسي تعف عن الاقتراب منكِ من الأساس...كل ما أفعله الآن فقط من أجل طفلي هل تفهمين؟!"
راقب الأنفاس تتجاوز شفتيها بعنف بينما غشت عينيها غشاوة من المشاعر القاتلة الموجوعة والتي أعلمته أنها تتألم وأن كلامه مؤكد ذبحها للصميم لم يلتفت كثيراً لها...لم تشعر وهو يميل ليلقي باقي ملابسها في سلسة المهملات ثم يتوجه ليغسل يديه جيداً لم تحاول المقاومة مرة أخرى أو الاعتراض بل استسلمت بقهر وتعب خشية أن يخبرها بالمزيد ليجرحها....انتهى قراءة سعيدة
أنت تقرأ
الجزء الثانى من فرشاة وحشية
Romanceفتاة عربية تربت فى فرنسا مشردة ضائعة وجدها تعيش فى منزل رجل دون رابط شرعى او حتى اجتماعى فكيف يكون الصدام بينها وبين رجل أرستقراطي متدين لا يقبل الأخطاء ولا يصفح عن المنحلين ...