الشمس نائـمة على كتفـي قبلتها الفاً ولم اتعب

10.6K 205 8
                                    

الفصل الخامس

"جلاء ؟!"الصرخة المتوترة المذعورة جعلته يقطع جملته ويلتفت ورائه يتطلع إليها أخيراً...كانت تقف هناك في ممر ضيق مطل على غرفة الاستقبال وشعرها الأسود تضمه في ظفيرة طويلة غوغائية...ملابس من قطعتين بسيطة الألوان كعادتها ولكن هذه المرة لم تكن تُظهر منها إنشاً واحداً...عيناه انحدرت لا أرادياً نحو بطنها ليلاحظ الانتفاخ الطفيف الظاهر من ملابسها الواسعة؟!
اقترب جلاء منها سريعاً محاولاً أن يتواصل معها كالماضي بأن يلمس وجهها بأخوية بعلاقة فريدة لن يتفهما أبداً أحد أفراد هذه العائلة...ولكن لصدمته كانت تقطع الخطوات سريعاً مبتعدة عنه متوجهة لذراع آصف غانم الذي استقبلها لتصبح تحت جناحه حرفياً لا مجرد وصف بلاغي !!
الحنان الذي غطى ملامح آصف بينما يضم جسدها المنتفض جعل الألم يتوهج داخل صدر جلاء...ما الذي غفل عنه خلال ما يقارب العام؟ ما الذي واجهته ليجعلها تتقبل هذا الرجل الذي يُمَثِل كل ما كرهته يوماً؟ كانت نبرتها مرتجفة متوترة وهي تخبره بالفرنسية"ليس من حقك أن تكشف أمراً أخبرتك إياه دون علمي؟!"
تجمدت ملامح آصف للحظات متذكراً جملة جلاء التي قطعتها وربطها بما تفوهت به للتو ولكنه حافظ على هدوء أعصابه بمعجزة بينما يسمعها تكمل"بأى حق تمنح نفسك الوصاية عليّ؟ من الأحمق الذي أخبرك أنني أُجبرت على الزواج منه؟"
نظرة غريبة احتلت عينا جلاء وهو يقول "بحق أني أعرفكِ...بحق صداقتنا ووعدي إياكِ"
ضحكت ضحكة قصيرة مشوبة بالمرارة وهي تجيبه "وعدك لي! نحن لم يكن بيننا أية وعود يا جلاء...لقد كان ميثاقاً غليظاً بالصداقة، بالوفاء، بحمايتي من الوغد الذي يطاردني مضافاً إلى مصيبتي مع والدي ...ولكنك بكل برود عدت لحياتك، لنفسك، لطبقتك الاجتماعية وللمرأة التي تحب متناسيني وسط المجهول تماماً!؟"
توتر فم جلاء وهو يقول بنبرة محترقة"لقد ترجيتكِ عدم الرحيل ولكنكِ لم تستمعي لى هل تذكرين؟"
"لم أكن لأبقى وأخرب علاقتك بزوجتك إذ أني أعلم كيف تعمل عقولنا نحن النساء"همست ببساطة.
صمتت قبل أن تأخذ نفساً عميقاً مكملة بهدوء صدمه "أنا لا أحقد عليك يا جلاء إذ أني من اخترت الرحيل مع آصف...لدنيا حياة جديدة وعالم جديد...ربما أجد ما ابحث عنه"
نظر إليها ملياً غير مصدق ما يراه ويسمعه ثم قال"وهل وجدتيه؟!"
أحست بالدموع تحرق عينيها وهي تنظر لعمق عينيه ثم قالت بصراحة "لقد ظننت أني وجدته...ثم ضللت طريقي وها أنا أحاول من جديد"
"لا افهم ...منذ متى تتحدثين بالألغاز؟"قال جلاء بصوت أجش بينما هناك شيء بداخله يهدأ ليدرك أن ما يراه بعينيه حقيقة
إلتفت دجينة بعينيها الخضراوين الكبيرتين تنظر لوجه آصف طويلاً قبل أن تهمس "ولكن هو يفهم ؟!"
عم الصمت المهيب بين ثلاثتهم متخللاً دق قلوبهم العنيف كلاً بأسبابه...
قبل أن ينسحب جلاء فجأة وهو يقول "لقد حسم كل شيء إذاُ...ولكن ما أتيت إلا لأخبرك بأني مازلت موجود هنا لأجلكِ!"
قبل أن يغادر جلاء من الباب كانت يد آصف تقبض على ذراعه سريعاً وهو يقول بخفوت بالعربية "أنت مدين لى بحديث طويل وتوضيح"
إلتفت اليه جلاء من فوق كتفه وقال بجفاء "أيا كان ما جعلها تتشبث بك هكذا يبقى هناك تحفظاً منها وخوف غريزي نحوك...وإذا لم تخبرك هي بنفسها أنا لن افعل أبداً"
رباه هل مازال هناك من الصدمات ما سيكتشفها مع خضراء العينين؟!!!
..............
كانت تمنحه ظهرها منذ أن أتى وألقى بجسده المنهك بجانبها على فراشهم! لم تسأل ولم تعاتب ولم تحاول حتى فهم سر غضبه! تنهد جلاء بعمق قبل أن يسحبها اليه لتواجهه...لم تصدر أى صوت يعبر عن استنكارها ولم تحاول حتى أن تخفي عنه افكارها التي تقض مضجعها! بل كانت كعادتها قوية ثابته مجابهة وواضحة في مشاعرها.
همس بصوت أجش معاتب "اللون الأسود يغلب على روحكِ اليوم يا آيتان!"
همست ببساطة "كنت قد تناسيتها وظهورها معه جعل كل المرارة تحتلني ...عدم الثقة في حبك لي في الانتماء لروحي وحدي يضربني من جديد"
أحست بأصابعه تحيط برأسها من الوراء تجذبها تحت عنقه بينما ذراعه تلتف حول ظهرها تدفعها أقرب إليه وهو يقول "كما توقعت...التمرد والاصرارعلى النظرة التشاؤمية مخالطاً لعدم تقبل الرأي الآخر عاد يصبغ روحكِ بالأسود وهذا دليل أنكِ لا تثقين في حبي ووعدي لكِ...وهذا يجرحني حتى الأعماق"
للحظات طويلة لم ترد وتسللت يدها ببطء لتلتف حول خصره وأنفاسها الرتيبة تخرج حارة بلفحة من نار تعبر عن صراعها.
ازاح يدها برفق مفلتها منه ثم دفعها لتعود إلى الوسائد وأشرف عليها محاوطها مرة أخرى قبل أن يقول بنبرة رخيمة "أنا لا أنتمي إلا إليكِ يا فراشتى البنفسجية...ولن اقبل بعد كل ماوصلنا إليه أن تكسري سلامنا واستقرارنا النفسي"
استندت يديها على كتفيه بينما تهمس مسالمة "هل نستطيع تخطي جنوني هذا ونعزيه لمجرد مشكلة زوجية وغيرة حمقاء قد تحدث بين أي زوجين طبيعيين؟"
قال بخشونة"علاقتنا ليست طبيعية أنتِ تكمليني مرشدة إياي لتوازني!"
همست مبتسمة "نعم لسنا كذلك لذا سنتخطى الأمر"
إبتسم بمكر بينما شفتيه تهبط لتندس في عنقها متسللة ببطء نحو جيدها وهو يتمتم "نعم يا بنفسجية سنفعل غير سامحين لتباين غيرنا بالعبث في اندماجنا"
لم ترد ولم يعقب كلامه بشيء مفسراً لها هذة المرة بطريقته الخاصة مدى عشقه إياها، إخلاصه وولائه، بأن لا امرأة في العالم قد تجبره للتضحية بنفسه ومبادئة غيرها ...ماحياً كل اضطرابها وحزنها معيدها للتناغم بين العقل والعاطفة!
...........................
"لم تخبريني كيف حصلتِ على هذا الجرح؟"
شعر بإرتباكها من خلال ردة جسدها الذي ارتعش مرة واحدة ثم هدأ تماماً عندما إلتفت يديه حول ساقها ورأسها يرتفع لتحملق فيه بعينيها الواسعتين كأنها تتأكد أنه هو لا غيره من يلمسها.
تنهد بصبر منتظر اجابتها بينما عادت هي تدفن وجهها في الوسادة تاركة جسدها الممدد على بطنها بين يديه ليعقم جرحها ويغير ضمداته!
"لم أحصل على إجابة!"
ببطء استندت على يديها تعود للاعتدال مستندة على ظهر السرير عندما رفع يديه عنها معلنا انتهاء عمله ثم اخفضت رأسها قائلة "لا أظنك ستحبذ ما سأخبرك أياه...لذا هل نستطيع تخطي الأمر؟"
التوى فمه بإبتسامة باهتة بينما يرتفع سريعاً على قدميه يرفع الأدوات الطبية أولاً ثم عاد ليجلس على طرف الفراش وهو يقول "أحتاج أن اعلم ...لقد رأيت بالفعل منكِ ما هو أسوأ ليلة أن وجدتكِ"
إمتقع وجهها بينما تتذكر ما كان منه ومنها ليلتها...متذكرة عفونتها وإشمئزازه! اغمضت عينيها بينما تجيبه بصوت مكتوم"حسنا طالما أنت مُصِر...لقد كنت احاول أن أفتش في صناديق القمامة عن قطع ملابس تدفئني ويبدو أن أحدهم ترك زجاجة مكسورة بجانبها...وعندما هبطت مرة واحدة انغرزت على طول ساقي"
إغلاق جفنيه كان من نصيبه بينما مال يسحبها سريعاً إليه دون حذرأو خوف أن يثير ذعرها منه ...كان يزأر بحرقة "لماذا تملكين من العناد مايعينكِ على قتل نفسكِ وتعجيز رجولتي؟!"
كانت تشعر بنار الغيظ تحرقه فحمايته وتملكه المعتاد هو ما يدفعه لذلك الغضب الخارج من كل جزء فيه...لكنها لم تستطع أن تمنع أرتجاف شفتيها من الخوف الذي غطى على ملامحها بينما تدفن رأسها في كتفه وذراعيها يتمسكان بصدره وهي تهمس بضعف مس شغاف قلبه وجعله يهدأ على الفور تاركاً احتراقه يُصهره داخلياً "أرجوك لا تُخيفني منك...كنت افعل هذا لأستطع العيش...لم تكن لى القدرة وقتها على العودة إليك أو تسليم نفسي لهم"
غطى يديها التي تستريح على قلبه وقال بصوتٍ مكتوم "من هم يا دجينة؟ من هذا الذي تجميعه مع والدكِ أنا أعرف الآن أن هناك سراً آخر تخبئينه عني"
هزت رأسها ترفض بأصرار بينما شعر بدموعها تلسعه وشهقات بكائها تفلت منها عاجزة عن منعها...تمتمت فجأة بصوت مختنق"لا أستطيع إخبارك...هذا سري وحدي ولن أبوح به لك أنت بالذات من بين البشر أبداً"
للحظة لم يقل شيئاً بينما يزيحها لتوجهه بعينيها الباكيتين ...إلا أن توتر فكه وذلك القهر في عينيه قالا الكثير"إستطعتِ اخبار جلاء ولكن أنا لا...بعد كل ما نمر به!"
نظرت إليه بعجز وقالت بصوت غير مستوي المشاعر"جلاء ليس الرجل الذي عش..."
قطعت جملتها مجفلة من نفسها مصدومة بإعتراف تجاوز أسوار القلب العاصي وكاد أن يقر بضعفها الذي ترتعب أن يعرفه...كادت أن تبتعد عنه فأمسك بوجهها سريعاً بين كفيه "لماذا تصرين على العناد؟"
قالت بعينين متهربتين"أنا لا أعاند ولكن لن أسلمك قلبي مرة أخرى لقد اخبرتها لك مرة وندمت ولن اكررها أبداً...إذ اكتشفت أنك كنت مجرد وهم وسراب!"
أحس بقبضة تعتصر قلبه وهي تردد خيبتها فيه...رغم دفاعها منذ ساعات عنه وعن ارتباطها به أمام ابن العاشوري.
رفعت نفسها من بين ذراعيه بحذر وكأنها أدركت للتو مدى جرحها إياه بقصد أو دون قَصد بما يتصارع به فكرها "أنا أؤذيك مدخلة إياك في دوامة ليس لك بها شأن...من مصلحتك أن ترمي بي بعيداً عنك يا آصف...أنا ما عدت أصلح لشيء...وعلى كل حال أنت تكرهني"
بصبر رجل لم يعرف الهزيمة يوماً...بروح عازمة على عدم التخلي عن مسؤولية قد حملها لنفسه حتى لو أهدر فيها روحه كانت يديه تمتد لتتخلل شعرها الناعم ويده الأخرى تتشبث فيها مانعاً إياها من الابتعاد...قال بصوت أجش "أكرهكِ؟!هل تعرفين عِظَم هذا الاتهام؟ أنا لا أكرهكِ يا دجينة وإلا ما كنت بحثت عنكِ لأضمكِ تحت جناحي"!
قالت بقهر"الطفل يجبرك...أنت لا تملك خياراً أخر"
دفعته بيديها مجاهدة للابتعاد عنه فعاد يوئد محاولتها بسهولة ضاممها إلى صدره بقوة...مكتفياً فيها...متألماً من انفجارها العنيف بالبكاء فوق صدره ...لدقائق طويلة أخرى كان يحتويها مهدئاً وجعها وانعزالها الإرادي من الجميع حتى هدأت بين حنايا صدره متهربة بالنوم بينما يديها تتشبث فيه وكأنها تطلب العون الصامت مرمية دروعها ملقية بقوتها الواهية بعيداً لتظهر أمامه على حقيقتها القاتلة...مجرد انسانة عاجزة وحيدة ومذعورة.
.......................................
لقد مر شهر منذ عودتها معه إلى هنا...شهر من الاستقرار النفسي والعاطفي رغم اضطراب مشاعرها ضده... شهر أراها فيه ما لم تكن تتوقع أبداً... شهر من النقاشات الحرة وتقبل تخبط أفكارها وجهل ثقافتها!!!
والآن حان وقت أن يعلنها لعائلته زوجة كما أخبرها وقد بات هذا الأمر مجبر عليه بالفعل إذ أنه أخبرها بسبق نشره للخبر منذ زمن!، ورغم رفضها الشديد، لم تستطع أن تعترض أو ترفض تلك الدعوة العائلية الضخمة المقامة على شرفها هي وزوجها في بيت عزيز العاشوري!
وبينما هي تجلس في أحد المقاعد المنتشرة في صالة الاستقبال الضخمة لمنزل عزيز.. منزوية منكمشة و ترتجف رهبة، رهبة لم تكن تعرف أنها تمتلكها بعد كل الجموح الذي عاشته.. بعد كل التشرد الذي ذاقته وبعد لياليها الباردة والخطرة التي قضتها في أزقة فرنسا!
خوف كان يتملكها وهي تراقب ذلك الحفل العائلي الفخم وهؤلاء الأفراد المتكلفين جداً في الملبس والحديث وحتى طريقة التعبير عن مشاعرهم، مشاعر باردة! هكذا أخبرت نفسها بكل صدق واقتناع، باردة متعالية يخالطها الاستخفاف والعجب وهم يعقدون مقارنة بسيطة بين مظهرها الأقل من عادي، وبين آصف الذى يقف هناك يؤدي دوره بإتقان وفاعلية، دور متحكم في أفعاله وعواطفه وحتى طريقة حديثة!
ارتبكت أكثر عندما التقت عينيها بعينيه أخيراً، وهو يتمتم باعتذار واهي ويتحرك إليها علي الفور انحنى دون حرج يوازن جسده على ساقيه فتنساب طرفي جاكت بدلته على الطرفين بينما يقول بصوت ثقيل واضح الكلمات للأعين الفضولية التي تحولت تنظر لهم باهتمام "تبدين بخير الآن، لأني أفتقد مكانكِ الطبيعي بجانبي"
أناملها التي ارتفعت تعيد خصلاتها وراء أذنها أخبرته عن توترها الشديد الذي رافق قولها هامسة "أنا بخير هنا، لقد عرفتني عليهم وأنتهى الأمر"
استوى في وقفته وهو يشد مرفقيها بلطف لتقف أخيراً بجانبه بينما يحتوي كتفيها بذراعه واستدار يتقدم بها نحو المجموعة الصغيرة التي كان يقف معها وهو يقول بخفوت "منذ متى تخافين الناس يا متمردة، مكانكِ بجانبي دائماً دجينة!"
مكانها بجانبه هل يمزح أم يتقن دوره؟! ومن أين سيأتي بتلك الأبدية وهو ينوي تركها؟! ومن أين تأتي هي بالشجاعة أو القدرة على التعايش مع كل تلك الأوجه الخادعة، مع كل ذلك الزيف والضمائر الخسيسة تحت البدل والفساتين الباهظة وإن اختلفت الأوجه وإن اختلف رد فعل تلك العائلة عن معارف وعائلة أبيها ما زالوا يشتركون في شيء واحد نظرة الازدراء الموجه ضدها نظرة تقييمية جارحة! وهو بعض النظرات الفضولية مختلطة بنظرة غيرة وحسد وربما حقد من بعض النساء!
يديها تشبثت به.. تتمسك فيه فيمنحها هو المزيد من الحماية من التملك ومن تشبثه بها.. وكأنه يعلن للعالم أجمع أن قراره أصدر ولا رجعة فيه أبداً!
"دجينة"
صوت رخيم أجش كان يأتي من ورائهم فالتفت سريعاً بفضول مستكشف لتلك النغمة الصوتية التي يخالطها الحفوة والتعجب وربما بعض الاستكشاف توسعت عينيها للحظات محاولة تذكر أين رأت هذا الوجه الذي قارب الستون عام ربما! فلم تسعفها ذاكرتها "لم أدرك أنها جميلة وتناسبك لهذا الحد لقد أحسنت الاختيار!"
عاد صوت الرجل يضرب مسامعها بتحكم وسيطرة وكأنه يقر أحد شروط ومواصفات منتج ما لا يصف شخص من لحم ودم، وما جعلها تصدم ولا تقوى على الرد هو تقبل آصف للتقييم دون تملكه وخشونته المعتادة وهو يقول بهدوء! "هي كذلك بالفعل"
مد الرجل يده أخيراً نحوها فبادلته سلامه وهو يقول "عزيز العاشوري أعتقد بأنك سمعتِ عني من قبل!"
دارت ارتباكها وهي تقول مندفعة "بالطبع كيف أنسى تلك العينين، أو حتى أجهل اسمك وقد حولت حياتي لجحيم قبل أن..."
قطعت جملتها وهي تعض على شفتها السفلى بندم قط صغير قلب إحدى أكواب اللبن من رأسه حتى أخمس قدميه ..بينما تصلب جسد آصف كلياً ويده تشد أكثر على خصرها، عم هدوء نسبي بين ثلاثتهم لثواني معدودة قبل أن ينفجر عزيز في ضحكة نادرة وهو يقول "تعجبني فتاتك يا آصف، تبدو كقطة صغيرة لطيفة تحاول استكشاف مخالبها عبثاً!"
اكتف آصف بابتسامة دون رد بينما عيناه الصارمة كانت تلتفت لشيء أهم، فراشته التي كانت تخطو نحوهم بأناقة وملامح مغلقة تماماً لا تعكس أبداً ما الذي تفكر فيه وقد تعمدت أن تتجاهل وجود زوجته منذ بدأ الحفل حتى كاد أن يأخذ قراره الصارم وينصرف من هنا احتراماً لزوجته، ولكن ما منعه ذرة عقل واحدة بقيت لديه بأن دجينة يجب أن تتعرف عليها عائلته وآيتان مجبرة كانت أو مخيرة يجب أن تتقبلها!
"في الواقع أنا من حولت حياتك لذلك الجحيم وليس عمي؟!" قالت آيتان ببرود رغم بعض نيرانها التي ما زالت مشتعلة داخلياً، ولم تكتفي عندما ارتفعت على كعبي حذائها العالي برشاقة وطبعت قبلة عنيفي على وجنة خالها ثم استطردت أمام ارتباك حدقتي دجينة "حمداً لله على سلامتك خالي لقد اشتقت إليك؟!"
نظرة خاطفة كان يمنحها آصف لدجينة كأنه يطمئنها أن الوضع بالكامل ما زال تحت سيطرته ..ثم ما لبث أن التفت لآيتان يخبرها باسماً "هل تلك محاولة طفولية لمحو مقابلتنا قبل شهر!"
هزت كتفيها بينما تراقب الفتاة بنظرة غامضة ثم قالت بتكلف "وهذا على أساس أني لم أقابلك في الشركة عشرات المرات!"
رفع آصف حاجبيه دون تعبير رغم أنه لأول مرة لم يفهم مقصد آيتان الحقيقي مما تفعل ولكنه لم يعلق في محاولة لدراسة الموقف كله قبل أن يتسرع في منح الحماية للتي تتعلق بذراعه أو لابنة أخته المتحفظة كنمرة شرسة تحتفظ بها مقيدة جيداً عميقاً بداخلها.
هنا تدخل عزيز مقترب من آيتان يلف كتفيها ليزرعها تحت جناحه وهناك غريزة أبوية لم تلمسها دجينة قط في أحدهم تطل من عينيه وهو يطبع قبلة عميقة أعلى رأسها ثم قال بصوت رخيم دافئ ترك داخل دجينة وحدها أثر لجرح أبداً لن يمحى "ربما صغيرتي تريد أن تمحو المقابلة الأخيرة وهذا الترحيب قصدت به زوجتك!؟"
راقبت دجينة مبهورة الأنفاس ارتخاء أعصاب آيتان الكامل وشيئاً عميق يذوب بداخل عينيها ليطفو فقط لمعة التشبع والأمان، تشبع امرأة تعرف جيداً أنها مهما أخطأت.. تطرفت أو حتى وقعت من جرف جبل عالٍ هناك يد حازمة قوية تغلفها بعاطفة داعمة قوية متينة لن تتركها قط، ذلك النوع من العاطفة التي لن تجربها هي أبداً ما حيت "بالطبع عمي، هذا ما عنيته"
ثم وبدون أي مقدمات كانت تتقدم نحوها تلف كتفيها بخفة ثم تقبلها من الجانبين وهي تقول بخفوت "زوجة آصف مرحب بها دائماً بيننا؟!"
....................................
عندما سحبتها آيتان منذ ساعتين أو أكثر كانت داخلياً تقاوم وبشدة الاستسلام ولكن دافع الفضول الذي يحرقها اتجاه تلك المرأة على الأخص كان هو المنتصر!
للغرابة هي تقبلت اعتذار آيتان البارد وإن كانت لم تعبر عنه بكلمات واضحة صريحة، رغم تأملها من قبلها برقة وكأنها هي الأخرى تحاول اكتشاف ما وراء صمتها وهدوئها الذي لا يعكس أي شيء مما بداخلها... لقد كانت ببساطة تحلل ما الهدف من اصرار عزيز العاشوري لمقابلتها بل ومباركة زواجهما... ذلك الرجل الذي طالما سمعت عنه من جلاء أحاديث جعلتها تنفر منه وتكرهه دون أن تراه لتصدم بواقع أن الرجل رغم برودته وعمليته إلا أنه أب لم تكن تحلم أن تجده يوماً! وهذا ما لمسته من خلال ترحيبه بها وعطفه عليها بل واصراره ليوصل لها كم أنه يتقبلها بينهم ويبارك زواج آصف منها... ما جعلها تذهل حقاً حفاوته بآصف وتفاخره به كأنه ولده هو! ولما لا وكما فهمت أن آصف بشخصيته المصقولة الناجحة والعملية المسيطرة هي كل ما كان يحلم به عزيز لجلاء يوماً... وما أوقفها حقاً دلاله الزائد وعلاقته بآيتان شبيهته بنسخة نسائية شديدة الاناقة والترفع و الجمال!
آيتان العاشوري رغم ما تثيره بداخلها من رهبة ولكنها لا تملك إلا الإعجاب بها... هي لا ترفضها أبداً رغم ما يعتقده آصف وجلاء... عادت بتفكيرها الكامل لآيتان... هل حقاً هو مجرد تقبُل منها لأجل آصف؟ أم أن هناك شيئاً أخبرها جلاء به جعل الفتاة تنظر لها بطريقة متعاطفة رغم رفضها؟!
توترت ومجرد الفكرة تهز الأرض من تحت قدميها لا... لا تريد أن يعرف أحد ما تعرضت له هنا، لا تريد المزيد من تهشم صورتها المشوهة بالفعل، هي ليست غبية لتلاحظ النظرات التقييمية من النساء ما بين متعجبة وناقدة وربما حاقدة حاسدة، وقد سمعت همس إحداهن الوقح أن ما كان متوقع لآصف هو عودته الى هنا واختيار أحد بنات العائلة والتي عرفت الآن أنهن على عكس المتوقع ليس مدللات فارغات العقل، بل بعضهن مهندسات أو طبيبات وسيدات أعمال كما التي تجاورها وتحاورها محاولة أن تجعلها تتحرر من صمتها وتشاركهن الحديث!!
ووسط هرج النساء والمزاح وربما الدفء الذي استشعرته وسط أحادثيهن كان صوت أمال الدافئ يعود يمازحها غامرها بالمزيد من شعور بأنه على عكس كل أفكارها هي مرحب بها وبشدة بينهن "لم تخبريني أن زوجة خالك أكل القط لسانها.. لقد أضاعت كل مخططي لأقوم بدور الحماة واختبارها أو ربما التشاجر معها بما أنك لم تمنحيني تلك الفرصة آيتان هذا محبط ، كما أني لن أستطيع على كل حال إعلان حرب على امرأة حامل!"
احمر وجه دجينة حرجاً مرتبكة ومزيد من الضياع و التشتت يلفها.. لا هي لم تتوقع كل هذا التقبل لم ترسم أبداً في مخيلتها أن مظاهرهم البراقة لا تخفي تحتها نفوس متعالية ورافضة وربما شرسة مهاجمة كما اختبرت مع أهل ومعارف أبيها!
"دجينة تحب رصد الأشياء وتحليلها قبل أن تهاجم يا أمي، لذا لا تحبطي، قريباً ستمنحكِ كل ما يلزم لتقومي بدور الحماة!"
"جلاء!" قالتها أخيراً وهي تراقب صديقها الذي عرفته ووثقت فيه لزمن ثم غدر ونسي ببساطة، منحها ابتسامة حانية ممزوجة بالمزيد من الاعتذار بالتوسل الصامت لأن تفهم معاناته هو الآخر بينما ذراعيه تلتف حول خصر زوجته دون تردد ورأسه ينحني لوجهها الذي التفت إليه بنظرة غامضة ثم دون مقدمات ودون أي خجل كان ينحني ليقبلها!
تعالت ضحكات النساء وغمزاتهن بينما هي اكتفت بابتسامة هادئة وعينيها تعود للمرة المائة تبحث عنه لتجده كما عرفت يقف هناك ورغم تظاهره بخوضه نقاش هام مع إحداهم، عيناه لم تترك أبداً حصاره إياها بدفئه ..ولا أرادياً وشيئاً فشيء وجدت نفسها تعود أخيراً لدفئه والأمان الذي يمنحها إياه بين حنايا صدره.. همس "هل تعبتِ يمكننا المغادرة الآن"
هزت رأسها رافضة تماماً للفكرة مصدومة بما تخبره إياه متمتمة "لا أريد، أرغب في المزيد من الاكتشاف !"؟
..................
"جلوان" ما الذي يعنيه هذا!
رد آصف بابتسامة هادئة بينما يضم الصبي إلى صدره أكثر "ليس لدي أي فكرة"​
"أنه امتزاج تبايني لاسمي وجلاء ومعناه الذي يحمل بين طياته التناغم والهدوء والتعقل رغم نارية صاحبة تشرح علاقتنا باختصار!" قالتها آيتان بينما نظراتها لم تترك دجينة بعد من حصارها!
قال آصف ممازحاً "عقل وهدوء ..هل تمزحان معي لا أنتِ ولا ذلك الفتى الأحمق تعرفان معنى للتعقل!"
"خالي" نطقتها آيتان مؤنبة..
تأفف وهو يمنحها نظرة عرفت فحواها جيداً لقد كانت آمرة أكثر منها مطالبة لقد أراد منها آصف ما سبق وتشاجرت بسببه مرة أخرى في الشركة رغم الاعتذار الذى منحته له.. رغم مطالبتها له كصديق ووالد وحامي بعيد تماما عن علاقته بزوجته.. ولكنه يبدو أنه لن يتنازل أبداً عن ما يريده رغم أنفها وقبل حتى أن تلتقط أنفاسها وتوازن أمرها هي مجبرة على أن تتقبل تلك الدجينة؟! ولكنها ستفعل يوماً ما مؤكد باختيارها وليس لإجبار إحداهم على الأمر...
...............
ليلاً
"أين ذهبتِ؟"
إلتفتت إليه كان يتكئ على الوسادة يقرأ أحد الكتب بتركيز كعادته التي عرفتها عنه طوال الأشهر الماضية.
قالت "هنا معك ولكن أنت من كنت مستغرقاً "صمتت ثم اضافت بفضول"عن ماذا يحكي هذا الكتاب؟!"
انزل الكتاب من على وجهه وأسنده على الطاولة الصغيرة بجانبة قبل أن يفحص ما ترتديه لبرهة...لم يتعجب عندما وجدها بدلت ملابسها بمنامة بنية الألوان طويلة الأكمام وبنطال ثم قال بهدوء"لا شيء معين مجرد أفكار أحدهم!"
تجهمت ملامحها وهي تقول "ما عدت أفهمك...إذا انفتحت أنا معك تعود لتنغلق على نفسك...وإن رفضت أنا السلام تهرع أنت لطلب ودي"
إبتسم بعاطفة عميقة وهو يقول بعبث"مرحباً بكِ إذاً في تضارب أفعال الرجل الشرقي"
زمت شفتيها وهي تقول بإصرار" ما زلت أريد المعرفة"
ارتفع قليلاً يمد يديه ليرفعها قليلاً لتجلس على ركبتيه وهو يقول بتلاعب "مجرد أمر ليس بجديد عن وضع المرأة في الثقافات الغربية قديماً!"
يديها استراحت على صدره وهي تقول بشك "لماذا اشعر أنك تنوي شيئاً"
هز كتفيه وهو يقول بهدوء"وماذا سأنوي عزيزتي من رصد تاريخي يحكي عن معاناة المرأة قديماً في اوروبا؟ عن معاملتها على أنها "موجود من الدرجة الثانية "وعن سلبها أقل حقوقها لتصبح فقط ملكاً لزوجها هي وجميع أموالها...حتى حق الحياة وروحها كانت ملكه...فأقل خلاف بينهما كان ليقتلها ببساطة؟!"
صاحت وهي تشير بإتهام "ها أنت كُشِفت...أنا لديّ حق أنت تحاول تشويه صورة المرأة الغربية الحرة في عقلي لتشير بإصبع الاتهام واقتنع بوجهة نظرك عن المرأة هنا؟!"
تمالك نفسه بصبر وهو يزيح يدها من امام وجهه ثم قال "تلك هي الحقيقية التي لن يستطيع أحداً ابداً إنكارها ولا هم أنفسهم والآداب الغربية والقصص والأشعار منذ القرون الوسطى تدعم وجهة نظري!"
كانت تجز على اسنانها غيظاً مدركة أنها لا تملك حجة قوية تواجهه بها من تلك الناحية...أمسك آصف ذقنها بأصابعه قبل أن يقول ببساطة "أما عن حرية المرأة دعينا فقط نتفق أن تلك القضية من قديم الازل ما هي إلا شعارات واهية يتاجرون بها...إذ أن من أطلق ذلك الشعار لم يقصد به الحرية بمعناها المفهوم بل الحرية من كل شيء حتى حولوها لمعنى غير اخلاقي مستغلين المراة معنوياً وجسدياً بدعوة التحرر!"
قالت بتجهم "لا هذا فكر مخلوط آصف يطلقه بعض ممن يخافون أن ننال حريتنا...أن نبتعد عن أيديهم ولا نصبح مجرد أجساد للمتجارة...بحجة والد يبيع وزوج يشتري"
قال بهدوء متفهماً مقصدها "المرأة المسلمة لا تباع ولا تشترى دجينة"
أشاحت بوجهها بعيداً عنه وداخلها يبدأ شيئا فشيئا الإيمان بأفكاره! ثم قالت بتهرب "ربما هذا صحيح ولكن هناك قلة تفعل والأكثرية ترفض حريتنا...بل تقرن حرية المرأة بالانحلال الاخلاقي ؟!"
فكر للحظات قبل أن يقول بصوت رخيم"دعينا من ذلك الاقتران الأن ولنتفق على نقطة واحدة بما أنى وأنتِ حالتان عاشا في الدول الغربية متلمسين حقيقة وضع المرأة هناك"
عادت تنظر الى وجهه بأهتمام وهي تقول بهدوء"أسمعك"
بسط راحتيه امامها وهو يقول"حركة الحرية للمرأة في الغرب قامت في الأساس على الاعتماد على ما ترائى لهم من تنظيم الحياة...متخبطين بين عدم الالتزام بدينهم وبين شرائع متضاربة ظالمة وضعتها عقولهم التي استقت من المادة التي يلهثون ورائها فاصطبغت حياتهم بالجفاء والقسوة...وذلك أدى الى الفرط في استخدام المرأة لإشباع غرائزهم رابطين الحرية بالتحرر اللااخلاقي ...منادين بها إلى استعباد الجسد...طرف ينتفع بها لتلذذ الرجال في المقام الاول ...نازعين منها حيائها وكرامتها جاعلين اهم وظائفها إبراز مفاتنها."
قاطعته "وما دخل كل هذا بما لمسناه إن كان ما تؤمن به صحيح"
أخذ نفساً عميقاً قبل أن يرد بسلاسة "كل ما اقوله في صلب التحرر الخادع دجينة...إذ أن من المؤسف إخباركِ أن الحرية المغلوطة بأفكارهم هناك ما هي إلا معنى مجحف للتحرر من القيود العائلية والدينية...التحرر حتى من التزامات الزواج وتشكيل الأسرة حتى أصبحت العلاقات هناك مباحة لا تستند على وعود ورابط مقدس فأصبح معدل الأطفال الغير شرعيين أكثر من الأطفال الشرعيين...وبطبيعية الحال لن تستطيع الأم ربط نسبه بوالده إن رفض الاعتراف به...غير إجبارها من سن مبكّر على اطعام نفسها البحث عن وظيفة والتكفل بكل أمور حياتها...وهذا ما أدى إلى ظاهرة التشرد للنساء أكثر من غيرها أو اضطررها للاسوأ...امتهان العهر"
صمت لبرهة قبل أن يضيف"حركة التحرير للنساء لم تتم في سياقها الصحيح...إذ أنها مجرد خدعة من الرجل أوهمها بها ليشغل عقلها ويضرب أفكارها وبالنهاية مهما وصلت المرأة لأرفع المناصب تجد هناك رجل يرأسها أو مجموعة منهم إن أرادوا إنهاء حربها وجهادها سيأدونهم بطرقعة إصبع"
بدا عدم الاقتناع على ملامحها وهي تقول باستنكار "هذا على اساس أن العرب منحوها المساواة والعدل هنا"
"أنا لم اقل هذا...بل العكس هنا وهناك ظلت قضية المرأة خديعة للمتاجرين...حرب انسانية لن تنتهي ابداً...إذ من قديم الأزل حسمت الأفضلية لصالح الرجل ...ورغم أن الدين الإسلامى هو الدين الوحيد الذي اهتم بالمرأة وشرع كل ما يحميها لكن لم ينفذ أحدهم تعاليمه بالشكل الحرفي"
قالت بحيرة"إن كانت القضية سيان ما الذي يجعلني أتقبل هذا أو ذاك"
اقترب منها ممسكاً وجهها بين كفيه وهو يقول بحزم "هنا في عقيدتنا أنتِ لست مجبرة لتواجهي العالم وحدكِ ...بأن يولد طفلكِ دون اسم أبٍ يحميه من عار عدم الشرعية...هنا أنتِ ملزمة مني لأحميكِ وامنحكِ حقوقكِ وأمانكِ حتى وان انفصلت عنكِ يوماً!"
وضعت كفيها على كفيه وهي تقول بمرارة "أنت تتناسى أن أبي مثلهم ودفعنى للعيش كل هذا لأعوام ...وأن البديل الاسوأ بيعي عن طريق عقد وجد من يُقر بشرعيته...هل زواج المصالح المحدد لعامين ونصف يعد أمان لى يا آصف...هل استغلالي جسدياً من خلاله يملك أية شرعية ؟!"
توجست ملامحه وهو يقول "ما الذي تعنيه بعامين؟"
كفأر حين يجد نفسه عالقاً في المصيدة تراجعت عنه لتزحف للطرف الأخر للفراش شاعرة بقلبها يقفز بين أضلعها تأثراً بالذكريات البشعة لخطبتها...لتلك العينين الوقحتين المتوعدتين التي ارعبتها ولتلك اليد القذرة التي استباحت حرمتها بدعوة أنها مجرد فتاة غربية مستباحة من الكثيرين وهو مجرد رقم في دفترها فما الذي سيعنيها أو يضرها إن سلمته نفسها حتى وإن كان رغم إرادتها؟!"
قال آصف بتوتر"ما وصلت إليه كان مجرد زواج مصلحة...زواج شرعي من النوع الدائم ووجه اعتراضكِ ...أنكِ لم تحبي ذلك الشخص"
هزت رأسها رفضاً وملامحها تحمل آلماً لا حدود له وهي تقول"لا.هذا غير صحيح. ذلك الرجل كان واضح النوايا...زواج حتى يحصل على الجنسية الفرنسية ثم يمنحني بعض المال مع طلاقي كهدية فوق بيعته لابى ...بالطبع إن وافقته على ما يريد"
قسا وجهه بالغضب، بالقهر، بالحاجة لتدمير كل شيء وقال من بين أسنانه بغضب لم يكن موجه إليها"وما يريده بالطبع أنتِ"
انكمشت على نفسها وهي تقول بذعر يتصاعد داخلها
"لقد قال...قال...أخبرني"
مدفوعا بالغضب بالقسوة بشيء أسود غاشم يحل على روحه كان يمسك بذراعيها بخشونة هادرا فيها "ما الذي طلبه منكِ؟ انطقي هل أغواكِ؟ هل سمحتِ له بالبدء معكِ فيما يطالب به؟"
لم ينمحي رعبها وهي تهتف به"وهل لو سمحت له كنت الآن بين ذراعيك يا غبي"
أجفل من ملامحها وهو يراها تقاومه وتحاول التحرر منه ...أفلتها وهو يراقب ما تفعله فبدلاً أن تندفع بعيداً عنه جلست أمامه تضم ركبتيها إلى بطنها البارز...تحتضن نفسها بذراعيها وتدفن رأسها هناك وهي تهمس مرتعشه "لقد أراد مني ما يبحث عنه كل عربي هنا...واضعين في عقولهم أننا مجرد عربيّات منحلات تربينا على تقديم أجسادنا لكل من يطالب بها لنطفيء فورة الجسد والشهوة متناسين أننا بالأصل منكم...أن كل ما نختلف فيه هو عدم الالتفاف...عدم تقديم النوايا الخبيثة...أنا لا اخادع يا آصف لا اخادع أحداً وأصدق بغباء كل من يعدني بالأمان وعدم الايذاء!"
صمت للحظات طويلة وقلبه ينبض بسرعة مجنونة وهو يجزم الأن بأن الامر أبعد مما تخيله يوماً "ما الذي جعلكِ تهربين إن كنتِ وافقتي على تلك الخِطبة من البداية؟"
قالت بصوت متهدج دون أن ترفع رأسها المنكس إليه "إن أخبرتك لن تفهم"
قال بصوت مكتوم "سأحاول!"
"لا أستطيع."
عم الصمت المهيب بين ارجاء الغرفة من جديد لدقائق طويلة لم يتحرك أحدهم من مكانه قبل أن يتركها هو على تكورها مسلماً أنها لن تفتح له قلبها يوماً مصارحةً إياه بذلك الجزء المظلم الذي ترفض الإفصاح عنه.
جلس على طرف السرير يدفن يديه في شعره يكاد يقتلعه من جذوره محنيّ الرأس محبط بشكل رهيب لم يتخيله في نفسه يوماً...اهتز جسده برد فعل تلقائي ويديها الناعمتين الدفئتين تتسلل تحت قميصه ملامسه ظهره ثم ببطئ تلتف حول خَصره.
ووجنتها تستريح على كتفه ثم همست وكأنه تصر على المزيد من الإنكار "أنا لم أقدم لك ما يدفعك للتمسك بي...لربط نفسك واسمك بي...لقد رأيت الرفض في أعين البعض والاستنكار بهيئتي وكياني."
أطلقت شهقة عنيفة وهي تتشبث بذراعه التي إلتفت لتجذبها امامه مجبرها لتهبط من على الفراش لتصبح راكعة على ركبتيها بين ساقيه وجهها الذاهل مرفوع يقابل وجهه الغاضب المتجهم وقال بقهر"أنا لن اترككِ...لن أطلقكِ اتفهمين؟"
هزت راسها بعنف هاتفة فيه "لقد اتفقنا"
كز على اسنانه وهو يقول بقهر"أنا أُحبكِ...أُحبكِ...هل تسمعين؟ أنا أُحبكِ يا دجينة وملعون أنا إن سمحت لكِ بالعودة لكل ذلك الظلام!"
ذبذبات الخوف التي كانت تفيض منها تحولت إلى سكون تام...رأسه المنخفض كان يبحث عن عينيها التي حدقت في عينيه مباشرة متسعتين بذهول...ارتعاشه عنيفه اجتاحتها بين يديه جاعلة ألم لا يحتمل يمزق قلبه وهي تتمتم بإرتجاف منكسر"أخاف أن اعيش الوهم وأن أصدقك...أن أؤمن بذلك العشق الوهمي لأعود لأنكسر على صخرة الواقع...أن استقر فيك على وطنٍ فيعود لينفيني بقسوة من رحمة"
"أمنى بي ...أعشقي وطنكِ دون شرط ...اجعليه ينصهر بكيانكِ ...تشبعي من هوائه...امتزجي بين دروبه...ولن يجرؤ ويفلظكِ ابداً"
"أخاف أن يرميني في بئرٍ مظلم عميق لا قدرة لى على النجاة منه"
"كل مرة يرميكِ فيها تذكري أنا معكِ وسأظل معكِ!"
استقامت دون أن تتحرك من موضعها تكتم انفاسها المضطربة في عنقه...بينما رأسها يدفن في تجويف كتفه...ههمست بضعف يمزق نياط القلب"ضمني...ضمني بشدة ولا تفلتني"
ذراعيه إلتفت تحت كتفيها دافعها أكثر وأكثر إليه "أبداً ...أبداً لن افعل"
أطلقت نفساُ عميقاً بينما يديها تبحث عن عمق نبض قلبه لتضعها هناك وكأنها ستختبر صدقه!
كانت مشاعره تخنقه وهو يتركها تتلاعب ببراءة غير مدركة ما تحركه فيه من جنون وجموح...هو يرغبها...يريدها! كان يمنعها عن نفسه احتراماً لرجولته وعدم كسر وعده القاطع بعدم الاقتراب منها إلا بعد أن تمحي من عقلها ما زرعه والدها فيها...كان يريدها أن تمنح بعشق وتذوب باقتناع ... كان يريدها راغبة للمشاعر إذ لم يبحث يوماً فيها عن شهوة يطفئها...
ووسط صخب ما يحدث لم يدرك نفسه وهو يتصرف بغريزية عندما رفعها مرة أخرى ليس لشيء إلا أن يمددها على الفراش ثم يشرف عليها بجذعه ...شفتيه تبحث عن شفتيها مكرراً ولهه بها من وسط قبلاته...يديها ارتفعت تلتف حول عنقه ورأسها يندفع لتبادله شغفه وكأنها تتعرف عليه من جديد بعد طول بعاد...تتلمسه بعد طول جفاء...تعرف مذاقه بدون شوائب تخبطها ربما يطمئن قلبها الثائر معيداً نبضه النافر بضرباته الطبيعية.
"آصف"تهتفها بهمس خافت شديد فتضخ الرغبة العمياء سائلة نارية في عروقه...فتنتزع عنه كل حكمته ووعوده وأية لحظة تردد كان يستشعرها بداخله...تلاحقت أنفاسه وعنفه قسوته، جموحه وبريته التي عرفت أنها لم تظهر إلا معها تدفعها للمطالبة بالمزيد منه...للرغبة الحارقة فيه...للنسيان من هي ...تاركة إياه يترك بصمته في كل إنش منها متذوقها...ممتلكها بكل طريقة تجعلها لا تصلح لغيره ابداً ماحى اى لمسات ليد قذرة قد نالت بعض منها يوماً ، هكذا كان هو دئماً منذ اول ليلة سلمته فيها رغم رعبها من تماسه الجسدى ، علاج حارق لكل ذاكرتها ممحى كل مخاوفها وكأن محايلته عذريتها .وطفولية أفعالها تصهر كل مشاعرها السلبية لتسلمه من جديد لترغبة بقسوة من جديد للتححفز كل ذرة من مشاعرها الحسيه مطالبه للمزيد منه للنهل من عاطفته حتى التخمة تارك أياه يفعل بها كل مارده يجتاحها بأكثر الطرق البرية لرجل عاطفى وأفعاله حسيه تصل حد سلبها عقلها !
عينيها الخضراويين كانت تتوسع بذهول مصدومة من تطرف أفكارها...من اقرراها الصادم أنها هي من تريد منه امتلاكها
"آصف"رددتها مرة اخرى باستنجاد بتوسل لشيءٍ مجهول لا يعلمه
"أنا أريدكِ...أريدكِ الأن يا دجينة" كان يقولها بحرقه بينما عقلها الضبابي كان يتخبط بين الحاجة الضارية لأن تشعر به، بلمساته، بقوة جسده، بالنار المنصهرة الخارجة من قُبلاته وبين الهروب مرة أخرى ذعراً ... ولكن حاجتها اليه عشقها إياه كان الغالب على كل تمرد قد يبديه العقل او الجسد فتوأده في مهده ....عضلاته القاسية عادت تغطيها يحجزها فيه أكثر يديه تجردها من كل ما يمنعها ان تشعر ببراكين جسده ثم اخيراً كانت تلتحم فيه دون فاصل لتسرى تلك الطاقة العنيفة المشابه لماس كهربائي يمزجها فيه دون تنازل التفت ساقيها حول خصره وأرتفعت كفيها تلفها حول عضلات ظهره القاسية ودفنت شفتيها الناعمتين على شرايين عنقه مباشرة وكأنها تحت للمزيد من ذلك الجموح البرئ الذى اندفع نحوها منه جاعلها تطلق صرخه قصيرة مصدومه بأسمه ؛ وكل إنش منها يتشكل مع جسده مستلمة ومسلمة لسلبه كل دفاعاتها، خيراتها...ماحياً تماما كل تمردها ، مبعداً عن عقلها أي تشكك في دفاعاته نحوها...هو ببساطة يذوبها وينصهر فيها عشقاً.

الجزء الثانى من فرشاة وحشية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن