-
ذَلك الإتصالُ لم يدم طويلاً بعدما قُطعَ منّ قبلهِ، و قَد إتسعَ خَطا شفتيهِ راسمًا إبتسامة لَعوبة، في حين أن عضلاتها قدْ تَخدرت بِسبب الإحساسِ الّذي داهمها.
اتخذتْ قدماهُ المغطاةُ ببنطالٍ أسودَ عتيقٍ خطوتينِ للوراء، لمْ تشكلا ابتعادًا كبيرًا عن المسافةِ السابقةِ بسبب ضخامةِ حجمه. ثمّ بدا عليهِ الجَذل بينما يشيرُ إلى مركبة خلفهْ.
«القاطرة في انتظاركِ يا صغيرة.»
كان ذلكَ كفيلًا بإيقاظِ حواسها حتى تأخذَ خطواتها متوجهة نحوَ مقصدهِ، حيث تبدلتْ ملامحها للإستغراب من شكلِ الحافلة الغيرِ مألوف، فكانتْ متوسطة الحجم بطابعٍ ممزوجٍ بين قطار السكة الحديدية و حافلة المدينة الحديثة، مزيجٌ غريبٌ طغى اللون الرماديُ الصدئُ معدنهُ، و لها بابٌ كَـباب الحافلاتِ المتحرك.
إستعدتْ لدخولها بإستنشاقٍ أخيرٍ لعلهُ يخففُ توترها ثمّ دلفت تصعدُ الأربعَ درجات حتى بلغتها.
مقاعدُ رمادية متراصفةٌ بشكلِ طابور، يفصلُ بينَ كل مقعدٍ و آخر مسندُ الظهر، حيثُ أن طولهُ كفيلٌ لحجبِ من أمامك، بينما كان هناك درجتان تفصلان مقعدَ السائق في الأمام.
كان المِقعد الأول الّذي وقعتْ عيناها عليهِ لمرأةٍ شابة احتبى قربها فتىً يافعٌ لم يتبينْ للأخيرة من ملامحهِ شيء، بينما فرُغ مقعدان بالوسط و كان الرابع حيزاً لعجوزٍ يفنةٍ استقرت قربَ امرأة ثلاثينية، و في نهاية الحافلة كان المقعدُ الأخير متصدراً بشابينْ، كل منهما قد اتخذَ من طرفيّ النافذة مرتكزًا له.بعدَ تحديقها الّذي لم يشكلْ عبئًا على الجالسين الشاردين قررت الإستقرار في المقاعد الفارغة؛ و بمجرد اقترابها وجدتْ جسدًا صغيرًا لم تنتبه لهُ بالبداية، فتموضعتْ تلكَ الفتاة الصغيرة قرب النافذة ترسمُ اشكالً صغيرة ببخار الهواء البارد الملتصقِ على النافذة، بادلتها إيڤيريت إبتسامة صغيرة قبل جلوسها قربها، و كانت طول المقعدِ كافيًا بتركِ حيز جيدٍ بينهما.
أرجعت رأسها للخلفِ تعدُ الثواني في رأسها حتى بدءِ الرحلة؛ الرحلة الّتي لا تعرفُ لها شيئًا سوا أنها منقذها الوحيدُ من الراغبين بها.
قوطعتْ أفكارها من خطواتٍ صعدت الحافلة، و كانتْ للأصهبِ صاحبِ تذاكرِ الرحلة، الّذي إتفقَ صعودهُ مع بدءِ سير الحافلة. توارتْ أنظار الجميع نحو مقعدِ السائق الّذي لمْ يسمعوا لهُ نفسًا، و دبّ الرعب ملامحهم حينما وجدوه فارغاً.
«لا تقلقوا رجاءً، فهذهِ التحفةذاتُ نظامٍ حديث، صنعتها بنفسيّ فلا خوفٌ منها ما دامَ مالكها موجودًا... و ركابها الأصليون طبعًا!»
انطلقتْ ضحكاتُ الأصهبِ الصاخبة مع صوتِ احتكاكِ العجلات بالإسفلتِ المتعرج، ثم ما لبثَ أن تبدلت ملامحُ الإبتهاجِ خاصتهُ بأخرى خاليةً من أي تعابير.
«ركوبكمْ لهذهِ الرحلةِ يعني توديعكُم لكُلِ ما تملكونهُ سابقًا، الجميعُ لَن يغادر هذهِ الرحلة حتى نبلغَ المحطة الأخيرة، وهذا لسلامتكم.»
«وأين ستكون؟»
صوتُ إيڤيريتْ خرجَ مترددًا، متزامنًا مع نظرِ الجميعِ لها و كأنهم لاحظونها للمرة الأولى، و يترقبون الإجابة معها.
«لن تكون، لن يعلمَ إلا من يصمدُ حتى النهاية، فهنيئًا لكم!.»ابتعدتْ خطواتهُ نحوَ مقعدِ السائق، حيثُ استقر هناك مع ترتيلة من الألحان الغريبةِ الّتي يصدرها. بينما عادَ كل امرؤٍ إلى وضعيتهِ، و اكتفتْ إيڤيريت بإسنادِ رأسها للخلف جاعلة من الوسن يتمَكنُ منها فتغفى على صوتِ عبابِ الماء في الخارج.
لَم تدري كمْ مضى قبلَ أن تعيد فتحَ عينيها على صوتِ همساتٍ قربها، و كان مصدرها الفتاة الصغيرة الّتي حشرت رأسها في الفراغ مع المقعدِ الأماميّ و كأنها تحادثُ شخصًا ما، لم تلقيّ إيڤيريت لها بالاً بل إستغلت انحنائها لتراقبَ الطريق من الخارج، الّذي لم يتوضح منه سوا كثافة أشجار الغابة بسبب المطر و الطفول الّذي حلّ.
وجدتْ أناملًا صغيرة تطرقُ جانبها بعد فترة لتنزلَ نظرها نحو الفتاة صاحبة الإبتسامة الهادئة، الّتي حادثتها بهمس حماسيّ.
«توم يريد التعرفَ عليكِ!»
عقدتْ الأخيرة حاجبيها بعدم فهم، لكنها جارتها بالكلام.
«ومن هو توم؟»
«إنهُ صديقي، هو خجولٌ قليلًا.»
امتدتْ بعدها يدها الصغيرة لتحشر مع الكرسي المقابلَ، و عادت تظهر، و كان ظنُ إيڤيريت بذلكَ الفتى الّذي رأته في البداية، و لكن حالما وقعتْ عيناها على ما سحبته الصغيرة تسارعتْ أنفاسها و ارتدْ جسدها للخلف.
«هيا توم، إنها لطيفة لن تؤذيك!»
كانت الأخيرة مستمرة بالتحديقِ نحو تلكَ اليدِ المشوهة و المضرجة بالدماء بين يديّ الصغيرة، تمالكت نفسها فوراً و استقامتْ محاولة النظر نحو الجالسْ في المقعدْ الأماميّ، لكنها لم تجد أحدًا.
مع خوفها ابتعدتْ خطوة للوراءِ لتصطدمَ بجانب المقعدِ فتقعُ أرضًا محدثة ضجة واضحة،لكنها لم تسمعها بسبب رؤيتها الّتي باتت غيرَ واضحة و كُل تلكَ الصور في رأسها عن الدماءِ عندَ ضربها صاحبَ الحانة، و أخرى مما عاشتهُ سابقًا في يفعها.
و عندَ محاولتها الإستقامة مجددًا باغتتها عيناها و تركزتا عند النافذة الأمامية للسائق، حيثُ كشفتْ أضواءُ الحافلة عن جسدٍ يتقدمون نحوه، لم يرى ذلك أحدٌ غيرهْا، و كانت تعرفهُ جيدًا بالقدر الّذي يجعلها ترتجفُ خوفًا و تصرخُ نحوَ الأصهب الممسكِ بالمقود.
«توقفْ حالًا!»
°°°°°°°°°
✰
أنت تقرأ
المحطة الأخيرة
Mystery / Thriller"one way ticket! one way ticket! one way ticket to the blues." عندَ شرائكَ لِتذكرةِ ذهابٍ بلا عودة فأنتَ لن تستطيعَ تركَ الرحلة قبل أن تبلغَ محطتها الأخيرة.! -فائزة بمسابقة حكاية مارس٢٠٢٠ • جميع الحقوق محفوظة لي كـكاتبة أصلية للفِكرة. بدأت: 29.3.201...