-
الهُدوء احتَل جدرانَ القاطرةِ الصدئة، صوتُ أنفاسِ الجالسينَ المضطربة شكَلت سيمفونية تمازَجت مع وقِع المَطر في الخَارج و إحتكاكِ العجلاتِ بالأرضيةِ الخشنة، النُفوس ترتعشُ من الداخِل بطريقة لَم يجدوا لها جوابًا في دواخِلهم.
كَلامُ ثيودور الأخيرُ يَستمر بالطَرقِ على أعصابِهم، كَأنه لُغزًا غريبًا ضُمر بينَ حروفهِ، وهم مَن عليهِم إكتشافهُ...ومن ناحيةٍ أخرى يتطرقُ سؤالٌ آخر إلى أذهانِهم؛ ما الّذي جعلهم ينساقون ليصعَدوا هذهِ الرحلة؟
نَفس كُل شخصٍ بَينهم تَحمل دوافِع مختلفةً للهربِ من مُحيطهم و الذهابِ في رِحلةٍ بلا عودة.تومَاس الفَتي لَم يُدرك نَفسهُ إلا و هو يترجى الّتي قُربه لتأخذهُ معها إلى حيثُما تذهب، رُغمَ عقلهِ الّذي لم يتفتَح على مُحيطه جيدًا إلا أن داخلهُ مُخدرٌ بالخَوف.
و أما مَن تجالسُه؛ شَقيقةُ والدتهِ كَما المَفروض، فَهي لا تعطي بالًا لِما حَولها، و أطرافُها مستسلمةٌ للمَصيرِ الّذي ينتظرها عندَ نَفاذِ الطَريق.إيڤيريت الهَاربة مِن كُل ما تواجههُ وحدَها، لا تَزال أفكارها مُتربصةً بِما يَقوله الأصهَب، تَفتُك بها كما يَفتك البردُ جسدَها في آن واحد.
وقُربها الطِفلة ذاتُ إبتسامةِ المثيرة للخَوف بهدوءها، تَحمل سرًا بالتأكيد.العَجوز مايلي و البَكماء قُربها، من وُجومهما يبدوا أن عقلَ كُلٍ منهما قد تشَبعَ بِهمومِ دنياهما، والأجسادُ أبت الإستمرار فَهدأت و استهدت تَذكرةً للهروب.
أيدن الشابُ العِشريني و ماثيو ذو العقِد الثالثِ الّذي شارَكه المَجلس، إرتَسم البؤسُ على ملامِحهما بِدقة، كُل منهما إستسلَم للأرقِ و سَمح له بالإستحواذِ على كامِلهِ.
ويَبقى ثيودور، ذو النَظراتِ المُشتعلة و الكَلماتِ الغريبةِ الّتي تتركُ وقعًا عَميقًا في نفوُسِ الجالسين، جالسٌ خلفَ المِقود يَدمجُ ألحانً مربكةً بصَوته الثخينَ مَع قَطراتِ المطر في الخارج، فَيزيدُ ذلكَ اللحن إضطرابَهم.
تتَوقفُ الحَافلة بعد حِفنة من الزَمن، فتتَحركُ عضلاتُ الجالسينَ طويلًا بألم.
يَقع نَظر إيڤيريت عَلى الأشعة الطفيفةِ الصادرةِ خلفَ الأشجار، فَتدرك أن الفَجر بدء بالبزوغ.
«إستِراحة قَصيرةٌ لِتبديل هواءِ الحافلةِ بآخر نَظيف، إستمتعوا رُكابي»صَوتُ ثيودور قَد قطع هدوءهم قَبل أن يتوجهَ فاتِحًا بابَ الحافلةِ و ينزِل منها.
تَبعَهُ كُل من ڤلنتين و توماس و وراءهم نَزلت إيڤيريت الّتي إنكمشَت ملامِحها بالبداية لتعتادَ على ضوءِ النهار الخَفيف.
أنت تقرأ
المحطة الأخيرة
Mystery / Thriller"one way ticket! one way ticket! one way ticket to the blues." عندَ شرائكَ لِتذكرةِ ذهابٍ بلا عودة فأنتَ لن تستطيعَ تركَ الرحلة قبل أن تبلغَ محطتها الأخيرة.! -فائزة بمسابقة حكاية مارس٢٠٢٠ • جميع الحقوق محفوظة لي كـكاتبة أصلية للفِكرة. بدأت: 29.3.201...