اليقين

19 4 0
                                    

خلت الشوارع مت الماره في تلك الليله المظلمه،من ليالي شهر يناير شديد الحر، إلا من سياره مرسيدس بيضاء، يقودها رجل ضخم في سرعه ويبدو في ملامح وجهه الغضب والاستياء، بينما جلست في المقعد الخلفي فتاه جذابه في الثانيه والعشرين من عمرها تكسو ملامح وجهها الجميله اللهفه والاهتمام،وغمغم الرجل الضخم في ضيق:
-أكان ضروزيا أن نغادر منزلنا في هذا الوقت المتأخر من الليل يا انسه دينا?
وشعر بالرياح البارده تلسع عظامه، فمد يده ليغلق زجاج النافذه، وعاد يغمغم قائلا في لهجه لم تخل من عتاب وقلق:
-لو علم عمك لطردني من عملي على الفور .
وبدأ المطر يتساقط ،وسمعا صوت قطراته تقرع زجاج نوافذ السياره فشردت دينا ببصرها، وقالت في صوت هامس متجاهله حديث الرجل الغاضب:
-تماما..هذا هو المشهد الذي رايته مرارا في احلامي ..الليل..الظلام الحالك..البرد القارس ..قطرات المطر..ثم ارى وجهه ..ويعود إلينا بعد غياب عشر سنوات ..
وانسابت السياره بسرعه فوق الارض اللامعه، التي صقلها المطر،وقال الرجل الضخم في استنكار:
-أتخرجين من منزلكي في هذا الجو العاصف من اجل حلم?
حدجته لينا بنظرة قاسيه من خلال المراه وقالت في ثقه:
-إنه ليس حلما بل يقين..أنه سيعود..سيعود..اليوم..
ورأته ينظر اليها عبر المراه وفي عينه تساؤل صامت
فاردفت موضحه:
- هذا الحلم الذي لا يفتأ يطاردني في نومي،هو رساله روحيه منه، يخبرني فيها أنه سيعود..
هتف متعجبا:
-رساله روحيه?!
وهم ان يخبرها انها تبالغ كثيرا في تفسير ذلك الحلم
لكنه تراجع حتى لا يجرح شعورها بينما شردت دينا ببصرها ،وراحت تجتر تفاصيل ما حدث.
كانت البدايه منذ أن انتقلت لمنزل عمها عالم الاثار الشهير طاهر عز الدين بعد وفاة والديها في حادث ،ونشأتها مع ابن عمها الوحيد امجد، الذي عوضها برقته وعطفه وحنانه عن فقد والديها،وكانا دائما يلعبان معا،  وكثيرا ما وقفا امام المنزل الغامض المقابل لمنزلهما ،كان ذلك المنزل يثير خيالهما،بمنظره الاسطواني العجيب وقمته المدببه ولونه الارجواني وكل ابوابه ونوافذه المغلقه،وخلوه من السكان ألا من بواب عجوز، يجلس طوال اليوم امامه ،وعندما سألا عن المنزل واصحابه، لم يجدا يعرف عنه اية معلومات، فالمنزل قديم ،لا أحد يدري من بناه ولا من هم أصحابه حتى البواب العجوز، إنه دائما صامت شارد لا يجيب اسئلة أحد قط..
لقد شغل المنزل تفكيرهما،وظلا يفكران فيه ،ويتخيلا داخله اسرار واشباح غامضه ،حتى اصر ابن عمها على التسلل داخل المنزل ،وعبثا حاولت أن تثنيه عن عزمه ،وفي ذات ليله غافل امجد البواب العجوز، ودخل المنزل ،ولم يغادره ابدا..
وانسابت دموعها وهي تتذكر كيف قلقت عليه،واخبر عمها، فجمع اهل الحي، وتسلح كلن منهم بعصا غليظه،وهاجموا المنزل،وفتشوه بدقه ،فلم يجدوا داخله أي شيء ..
مجرد جدران فقط.. لا تحوي بينها أي قطعة اثاث..
او حتى ذرات غبار!
لقد اختفى أمجد تماما..
ولم يظهر بعد ذلك اليوم قط..
ومرت الشهور والاعوام،
وياس الجميع من العثور عليه،ولكنها لم تيأس قط،وطوال السنوات الماضيه كانت موقنه انه سيعود
ولم يخب املها بمرور الايام والشهور والسنوات،حتى بدأت تحلم بعودته،وتكرر ذلك الحلم كثيرا،وشعرت انه يرسل أليها رساله  ،ليدفعها إلى الذهاب الى منزلها القديم الذي أصر عمها على تركه عقب اختفاء ابنه الوحيد  ،وها هي تنطلق في ظلام الليل مندفعه وراء ذلك الحلم الغامض،والامل الذي يملأ اقطار نفسها يمتزج بكثير من الخوف والقلق والرهبه .
واقتربت السياره من المنزل القديم ،وسعرت دينا بقلبها ينتفض بقوه ،وابصرت دينا البواب العجوز،وهو يسير ببطيء مستندا على عصاه ،فصاحت في انفعال امره سائقها الضخم:
-توقف السياره يا عباس.
وضغط عباس فرامل السياره ،فوقفت مره واحده ،محدثه  صريرا عاليا ،لفت انظار البواب، فهبطت دينا واتجهت نحوه، فراح يحدق فيها بدهشه، حتى تعرف عليها ،فقال في صوته الضعيف الواهن  :
-ألم تيأسي مت عودته بعد يا ابنتي?..
فقذ كانت دينا دائمة التردد عليه،لتسأله عن ابن عمها الغائب،وتجلس معه كأنها تنتظر ان ترى امجد يغادر المتزل الذي دخله منذ سنوات طويله،وقالت في اسرار:
-إنه سيعود ...سيعود..
أحنى البواب رأسه قائلا:
-أجل ..انتظريه يا ابنتي..ما أشد وفاءك..سيحقق الله املك اليوم..
أمسكت دينا ذراعه،وهزته في انفعال،وصرخت:
-أحقا?كيف عرفت?
ارتسمت في عينه نظرة عجيبه، جعلت دينا ترتجف،وقال:
-عاصفة الشر قادمه...ستجتاح العالم ..والويل لمن يتصدى لها..
هزت دينا يده،قائله في الحاح:
-أسيعود حقا??
قال البواب وهو يجذب يده ،ويواصل طريقه مبتعدا عن المنزل :
-أجل يا ابنتي..لكن حذريه من عاصفة الشر ..
صاحت دينا:
-إلى أين?إنك لم تغادر موقعك امام المنزل ابدا?
قال في اسى:
-لقد انتهى كل شيء..لم يعد سوى الدمار
..الدمار..الشر..النار..النار التي تسبق عاصفة الشر..
وابتعد مهرولا،
غير مبال بالمطر،ووقفت دينا تراقب المنزل وتقدم عباس منها ووقف بجوارها فقالت في انفعال:
-اسمعت ما قاله البواب?
قال في اقتضاب:
-رجل عحوز ...مخرف..
حدجته بنظره ناهره، وعادت تتطلع الى المنزل الاسطواني وهيء أليها أن ضوءا خافتا يغلف المنزل،ويتوهج، فسألت السائق:
-عباس..أترى هذا الضوء الذي يغلف المنزل?اهو البرق
ام..
رأت عباس يرتجف، وسمعته يقول في اضطراب:
-بل هي الاشباح التي تسكن المنزل ..
وتوهجت جدران المنزل وبدأت تتمايل فصرخت دينا:
-إنه ينهار..
صاح عباس وهو يحذبها بعيدا عن المنزل:
-لنبتعد..بسرعه
واهتز المنزل بشده،وصرخت دينا في لوعه:
-لا..إنه داخل المنزل..لابد ان ننقذه.
سألها مندهشا:
-من?
أجابت في ثقه:
-أمجد..ابن عمي.
قال مستاء:
-المنزل...خالإنه ليس داخله..كفى اوهاما..
وتساقطت قطع من جدران المنزل ،فصرخت دينا باكيه:
-لا لا انقذه يا رب..
ودوت اصوات رهيبه ،وبدأ المنزل ينهار ،وساد ظلام حالك .
فغمغم عباس في ضيق:
-لم يكن ينقسنا إلا هذا ،إنقطع التيار الكهربائي.
واخرج كشافا ،وصوب نوره الضعيف إلى المنزل وابصر شبحا يغادر بوابته وهو يعدو نحوهما،وسمع صوت انفاس دينا المتلاحقه وهي تقول:
-أترى ما أراه يا عباس?
أجاب في انفعال:
-أجل.
-هذا الرجل ..أهو امجد?
أراد ان ينهرها، ويخبرها باستحالة عودة امجد،ولكنه امسك اشفاقا عليها،وقال في اقتضاب حتى لا ينزع الامل من قلبها:
-معالمه ليست واضحه....
-اشعر انه هو ..هو..
ودوى صوت رهيب،كأنه صراخ المنزل المنهار ،واندفعت دينا نحو الشبح الذي غادر المنزل،ورأته يسقط ارضا قبل ان تصل اليه،فاقتربت منه وقلبها ينتفض بعنف ،وسلط عباس ضوء الكشاف على وجهه..
وانجرت دينا باكيه...
لقد كان هو..
ابن عمها الغائب..
وكان فاقد الوعي.
            ***************
           يتبع

عاصفة الشرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن