الطريق المضيء

10 3 0
                                    

جلس ظاهر عز الدين عالم الاثار الشهير في خيمته،يحتسي قدح الشاي في صمت، بينما ذهنه يعمل بسرعه ويفكر في نقاط عديده.
كان قد انتقل مع أفراد فريق خاص للبحث عن بقايا مدينه أثريه غامضه، عثر على ما يدل على وجودها في عدد من اكتشافاته السابقه، فجاء الى هذه المنطقه الصحراويه الموحشه ليبدا بحثه.
وسمع صوت صديقه الصحفي ايمن درويش الذي أصر على مشاركته هذه الرحله العلميه،ليكتب تفاصيل الاكتشاف، ويقول:
-ألم تنم بعد? الساعه تجاوزت منتصف الليل..
زفر ظاهر في حيره،وقال في قلق وهو يضع قدح الشاي بجواره:
-لم استطع النوم،أنا في حالة توتر شديد،ففي الصبح سنحفر لنصل إلى بوابة المدينه الغامضه.
وارتسمت في عينه نظرات حالمه وهو يقول:
لست اصدق اننا سنكشف اسرار المدينه الغامضه اخيرل....
نهض أيمن من فراشه وسأله في اهتمام:
-لماذا اطلقت عليها اسم المدينه الغامضه?
-لست ادري..ولكن بقايا هذه المدينه...والنقوش التي عثرت عليها ودلتني الى وجودها..ليست قاطعه...فلم احدد من خلالها ...أهي بقايا مدينه فرعونيه قديمه..أم تنتمي لحضاره أخرى مجهوله..أم..
وشرد ببصره..وظل برهه صامتا،ثم قال:
-أم هي مجرد نبوءه...تنبأ بها الكهنه... ونقشوها في الجدران..لتحذير من يأتي بعدهم من شيء ما غامض.
ثم أردف في اضطراب:
-لشد ما أخشى أن تفاجأ بشيء يعوقنا عن الوصول الى اطلال المدينه الاثريه الغامضه.
قال أيمن في توتر:
-وعلام القلق? ..نحن على ابواب المدينه..وسنصل إليها صباح الغد...
-معك حق.
وشعرا بضوء يبرق في الخارج، ويغمر الخيمه،فغمغم ايمن:
-الجو سيء اليوم ...ها هو البرق..
قاطعه طاهر قائلا في حيره:
-عجبا..إننا لم نسمع صوته..
فتح باب الخيمه،ولفح وجهه تيار بارد، ونظر إلى مصدر الضوء، واتسعت عيناه في ذهول، وهو يحملق في ذلك الشيءالغريب،ثم هتف:
-ايمن...ايمن ...أنظر.
وأطل ايمن بوجهه إلى خارج الخيمه،ونظر ليبصر طريقا ممهدا وسط الصحراء الموحشه،يمتد بلا نهايه،وتنبعث منه اضواء براقه،فغمغم في تعجب:
-سبحان الله!ما هذا الطريق?
قال طاهر في ذهول:
-كيف ظهر هذا الطريق فجأة هكذا?إنه لم يكن موجود عند غروب الشمس...
أجاب ايمن درويش وهو يحملق في الطريق وألوانه البراقه في كثير من الذهول:
-ربما كان وهما...سرابا..
هز طاهر كتفيه في غير اقتناع، ثم ابصر احد علماء البعثه وهو يغادر خيمته، حاملا الخرائط وأوراق البردى الخاصه بالاكتشاف، ويتجه نحوالطريق المضيء،فغمغم مندهشا:
-ما الذي يحدث ? لماذا يغادر معاوني خيمته في هذا الوقت المتأخر?
ثم نظر إلى ايمن وأشاره إلى معاونه الذي يقترب من الطريق المضيئ وقال:
-وهذا أيضا? أهو وهم?
سأله ايمن في دهشه:
-إلى أين يذهب معاونك بالخرائط والاوراق?
-لست أدري يا ايمن..ولكن ..لنتبعه..
-نتبعه!
وتردد ايمن برهه ...ثم استجمع شجاعته قائلا:
-هيا بنا.
وأسرعا خلف الرجل..الذي لامس بقدميه الطريق المضيء .وبدأ يتحرك فوقه بسرعه غير عاديه...جعلت ايمن يقول متعجبا:
-كيف يسير بهذه السرعه?
-إنه يبدو لي كأنه يعدو...بسرعه تفوق سرعة البشر!!.
وأسرعا إلى بداية الطريق،ومد طاهر قدمه ليلامسه،وفوجيء بالطريق يبتعد عن قدميه،فلا يلامس إلا رمال الصحراء، وحاول مرة اخرى دون جدوى،فهتف حانقا:
-إنه يبدو كأنه بساط فوق رمال الصحراء..
عقب ايمن قائلا في لهجة حانقا:
-وثمة مت يسحب البساط كلما اقتربنا منه.
وراح الطريق المضيء ينسحب بسرعه من أمامهما...ويبتعد..ويبتعد..وهما يعدوان خلفه..ويحاولان عبثا اللحاق به..وخفتت الاضواء المنبعثه من الطريق رويدا رويدا.حتى تلاشت تماما وتلاشى معها الطريق...
فقال ايمن في انفعال:
-أكان ما رأيناه وهما ام خقيقه?
قال طاهر في توكيد:
-بل وهم..ليس منطقيا ان نبصر طريقا ممهدا فجأة وسط الصحراء .طريق يمتد ويتراجع وينسحب ويختفي فجأه هكذا...طريق مضيء براق..لا..لاهذا وهم بالتأكيد..
فكر أيمن برهه،ثم هتف في حماس:
-لنبحث عن معاونك في خيمته..فإذا وجدناه كان ما رأيناه وهما.
-سنجده بالتأكيد ..فالاقامه في الصحراء توحي بهذه الاوهام الغريبه...
وانطلقا الى الخيمه، ودخل أيمن ولبث برهه بالداخل، ثم غادرها شاحب الوجه زائع العينين وقال في اسى:
-إنه ليس بالداخل.
-ماذ!!.
ووقع قوله كالمطرقه فوق رأس طاهر...
وانقبض قلبه بشده وهو يفكر في الموقف العصيب...
لقد اختفى زميله..
واختفت معه الاوراق الخطيره..
اوراق وخرائط الاكتشاف الاثرى.

*****************
فتح امجد عينيه،ونظر حوله في دهشه،وضغط جبهته بيديه وهو يتأوه، فهتفت دينا في فرحه حقيقيه:
-أمجد....
نظر إليها بدهشه، وما لبث أن انفجرت شفتاه عن ابتسامه صافيه وهو يهتف:
-دينا...
واتسعت ابتسامته وهو يقول:
-لقد نموت يا دينا..وصرت فتاة جميله..
قالت لتداري ارتباكها، والفرحه تقفز من عينها:
-لم افقد الامل ابدا..كنت واثقه أنك ستعود.
وترقرقت دموعها وهي تهمس في انفعال:
-الحمد لله..الحمد لله.
وغلبها الانفعال، فلم تقو على الكلام،وران الصمت
حتى تنحنح عباس وقال:
-الحمد لله على سلامتك يا سيدي..لقد فقدت وعيك وانت تغادر المنزل اثناء انهياره..فحملتك إلى منزلك القديم الذي تركه والدك منذ اخفائك.
وتردد برهه قبل أن يضيف في فضول:
-أكنت حقا داخل المنزل?..كيف?!..لقد فتشناه مرات عديده...إنه منزل مريب غامض... ليس داخله أي شيء..حتى جدرانه وأرضياته ملمسها غريب.. ماذا حدث لك ياسيد منذ أن دخلت المنزل?
سأل أمجد في شوق متجاهلا سؤاله:
-أين أبي?لشد ما أتمنى أن اراه.
قالت دينا في سعاده:
-إنه في مهمه جديده...يبحث عن بقايا مدينة اثريه قديمه.
صرخ أمجد في انزعاج:
-ماذا?
نظرت إليه دينا مندهشه، وسألته:
-لماذا انزعجت?هذا هو عمله، أنسيت أنه احد أشهر علماء الاثار في العالم?.
غمغم أمجد:
-لم انسى..ولكن..
وسكت ونظر حوله في حيره..ثم سأل:
-كان معي حقيبه..أين هي?
مد عباس يده بالحقيبه، وقال:
-هاهي.
التقطها امجد في لهفه، وقال:
-أين أبي?أريد أن اذهب إليه?
قالت دينا:
-استرح اولا..وفي الصباح..
قاطعها قائلا في حزم:
-بل سأذهب إليه الان..قبل فوات الوقت.
امتلأت نفس دينا بالقلق، وسألته بغته:
-أمجد..أين كنت طوال هذه السنوات?
اطلق امجد زفره عميقه، وقال:
-ليس هذا وقته..سأخبرك فيما بعد..هيا بنا الان..
واستشعرت دينا حيرة شديده،لماذا يتهرب امجد من سؤالها?لماذا لا يريد أن يصارحها بسر ما تعرض له في السنوات السابقه..وهمت ان تعيد سؤالها، وتصر على ان يمنحها إجابه لكل الاسئله التي تدور في ذهنها، ولكنها رات ابخرة كثيفه تتصاعد من نوافذ المنزل وسمعت عباس يهتف في قلق:
-ما هذا الدخان?
وانطلق إلى النافذه، وابصر النيران تلتهم حطام المنزل المنهار،ووقفت دينا ترقب النيران، ورأت نظرات حزن عميق في عيني ابن عمها، ودى في اعماقها صوت العجوز وهو يقول:
-لم يعد سوى الدمار..الشر..النار...النار التي تسبق عاصفة الشر وفي اعماقها شعرتبخوف مبهم..
خوف رهيب..
وغادر الثلاثه المنزل، وأبصروا النيران وقد خمدت تماما بعد ان أبتلعت حطام المنزل وحولته إلى رماد..
وبرز فجأه شيء ما كادت تبصره حتى تجمدت الدماء في عروقها ....
وراحت تحملق فيه بكثير من الخوف والرعب..
واتسعت عيناها وهي ترقب ذلك الشيء العجيب في دهشه وذهول.
          ****************

         يتبع.....

عاصفة الشرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن