-
أتستطيع عينيك الضعيفتين الرؤية جيداً في هذا الليل الحالك؟ لا أظن، صحيح؟ حسناً دعني أساعدك قليلاً و أدُلّك على الطريق.
تحسس المحيط من حولك، حاول ألا تأبه لتلك الأصوات الصغيرة بجوارك و لا لصوت تساقط قطرات المطر الخفيفة،
فقط فلتتابع البحث، هل وجدتها، تلك النافذة المُحطمة؟ على الأرجح أن يدك التي جُرحت بسببها قد أجابتك مسبقاً. فلتنظر الآن عالياً من خلالها نحو تلك السماء المعتمة الحزينة، يا له من هدوءٍ مُخيف! و لكن فلتصبر قليلاً بعد، الآن! أرأيت؟ بدأت الغيوم الكثيفة تنحسر تدريجياً لتُزيح الحجاب عن ضوء القمر الساطع، و بسببه تمنيت أنك قد مِتّ قبل أن ترى ما رأيت!
لقد اتضحت الرؤية قليلاً الآن أليس كذلك؟ و قد تتساءل في رعب إذا ما كان ما تراه فعلاً هو أبشع كابوس قد رأيته على الإطلاق! تريد الصراخ و لكن صوتك لا يكاد يخرج إلا أنيناً مُتألماً. كل شي حولك محطم، بل مُدمّر، كما لو أنه فِعل ذئابٍ متوحشة!
أتشعر بتلك الدماء التي قد سقطت عليها تواً من هول صدمتك؟ لا يا صديقي إنها ليست يدك المجروحة، أمعِن النظر قليلاً و ستجد أنها تكاد تكسو جدران الغرفة بأكملها كما لو أنها طلاء أحمر لزج.
أتسمع؟ فلتركز نظرك بجوارك و بقليلٍ من الإصغاء ستتمكن من سماع صوت تلك الفتاة التي ينتفض جسدها هلعاً و هي تنظر بنظراتٍ واسعة تملؤها الرعب إلى جسد ذلك الرجل الممد أمامها و قد انقطعت الحياة عن بصره.
و قد لاحظت شيئاً بين ذراعيها قد تشبثت بقوة به، في هذه اللحظة، يبدأ صوتها بالعُلُوّ شيئاً فشيئاً كما بكاء الاطفال المعتاد، لا اقصد تلك الفتاة، و إنما تلك الصغيرة التي في حضنها.
و هنا تتيقن أنني قد بدأت بِسَرْدِ الأحداث عند سماعك لتلك الخطوات الآتية ببطء مع ضحكةٍ مكتومة تزداد تدريجياً تنفجر فجأة و.. "أخيراً!! و أخيراً قتلته بعد طول انتظار!" و ضحكته المليئة بالحقد و الحنق لا تزال تعلو بشكلٍ يبعث في سائر جسدك قشعريرة ممزوجة بالفزع!
"و الآن لم يتبقى أمامي سوي عائلته و حسب!"
أصبح من السهل الشعور بإحساس الانتهاء لدى تلك الفتاة، لذا استوعبت آخر ما تبقى من شجاعتها و وضعت الصغيرة أرضاً و قبلتها بينما الدموع تنهمر من عينيها "أنا آسفة، أحبك" و انتفضت فجأة بكل ما أوتيت من قوة تحمل قطعة زجاج مكسور كانت بجوارها و هدفها الوحيد، قلب ذلك المختل الضاحك أمامها، لكن ياللأسف قدرته على طعن سكينَهُ في قلبها كانت أسرع مما قد استوعبت ما حصل. أتعتقد أن هذا كل شيء؟ يبدو أنني لم أقدمه لك بما فيه الكفاية حتى تتوقع أنه قد أفرغ مسدسهُ في وجهها حتى تفجرت رأسها، و هو.. لا يزال.. يضحك!
أهذا كل شيء؟ يا لك من مسكين، فها هو مرة أخرى يتخطى توقعاتك و يتجه نحو تلك الصغيرة الباكية قائلاً: "حان دوركِ" و قد أصدر تنهيدةً طويلة "لين، أنا حقاً آسف لكن يتوجب عليّ قتلك".
كانت لين على وعي يكفي لتفهم ما يحدث حولها، و بالطبع بدأ صيحات بكائها تزداد قاطعه صوت إطلاقٍ للنار، سكتت على إثره لين، سكتت، عندما رأت سقوط ذلك الرجل أرضاً ميتاً و قد سالت دماؤه. أتراها؟ تلك المرأة ذات الوشاح الأسود التي قد اقتحمت المشهد؟ أراهن أيضاً أنك ترى دموعها في انهمار و صوتها المرتعش "آسفة للغاية يا إيهاب، لكن من المستحيل أن أتركك تقتل ابنتي!".
على ما أعتقد، بإمكانك سماع صوت سيارات الشرطة بوضوح الآن؟ لا بد أن أحد الجيران قد أبلغ عن الأمر، و مع ارتفاع صوتها منذِرَةً باقترابها حملت تلك المرأة لين بين ذراعيها و أخذت في الركض بعيداً بأسرع ما أمكنها.
بعد ركضٍ طويل، توقفت لتلتقط أنفاسها المنقطعة إلى جانب جدار لتستند عليه. أخرجت ورقة كانت معها و أخذت قطعة من الطوب كانت أرضاً و قد استندت على ذلك الجدار و بدأت في كتابة أحرف مهتزة حاملةً لين الصغيرة في ذات الوقت.
-
"هل تسمعينني؟؟ سيدتي أتسمعينني؟ اصمدي قليلاً لأجل تلك الطفلة!! حمداً لله أنها كانت بين ذراعيك فلم تُصَب بأذى، تماسكي قليلاً من أجلها!"
سمعت المرأة تلك الكلمات كما لو أنها حلم، كانت نصف واعية بينما كانت مغطاةً بالدماء و مصابة بصورة سيئة للغاية، و لكن مهلاً ماذا حدث؟ كيف وصلنا لهنا؟؟
لنعد لكم دقيقة مضت، بينما كانت تلك المرأة في محاولة مستميتة لتكتب لم تنتبه لصوت نفير تلك السيارة المسرعة التي لم يستطع قائدها التحكم في مكابحها بسبب الأمطار.
و في سباقٍ مع الزمن أخذها هذا الرجل المرتبك لسيارته في طريقه لأقرب مستشفى و هو يحاول أن يبقيها مستيقظة حتى لا تفقد وعيها و يسوء حالها أكثر.
فور وصوله للمستشفى قاموا بإسعافها كبداية قبل دخولها لغرفة العمليات الطارئة، أما لين فقد كان الأطباء يعتنون بجراحها الصغيرة و يعقمون خدوشها الخفيفة.
أُقفل ضوء الطواريء بعد مرور ساعةٍ من الانتظار المليء بالتوتر و القلق، عندها خرج الأطباء من غرفتها و على وجوههم علامات اليأس.
"هذه المرأة في الداخل لديها إرادة قوية و رغبة كبيرة للحياة و لكن إصابتها تمنعها، أخبرتنا أنها تريد إخبارك بشيءٍ مهمٍ للغاية، رجاءً تفضل"
قالها أحد الأطباء إلى ذلك الرجل الذي أسعفها، عندها.. قد عَلِمَ أنها ميتة لا محالة! و عند دخوله، أيقَن أنه لم يعد هناك إلا بضع دقائق...
توجّه إليها و قبل أن ينبس ببنت شفه كانت قد مدت يده حاملةً تلك الورقة الملطخة بالدماء.
"قبل أن تسأل عن أي شيء، أريد أن أخبرك أنني قد عانيت حقاً مع أولئك الأطباء حتى لا يأخذوا تلك الورقة مني، أرجوك، اقرأها جيداً و أعهد ابنتي إليك، فلتعتني بها جيداً و عندما تكبر فلتتطلب منها أن تسامحني رجاءً.."
و مع سؤاله لها من تكون كان صوت قلبها المتوقف عن النبض، لقد ماتت.
-
تأثر الرجل قليلاً، في ذلك الحين دخلت عليه الغرفة ممرضتان، واحدة معها لين و قد أفاقت قليلاً، و الأخرى جاءت لتنظيف الغرفة.
كان الرجل على وشك قراءة تلك الورقة و لكن بدأت لين بالبكاء فامتنع عن قرائتها، فوضع الورقة جانباً و أخذ في تهدأتها قليلاً حتى تهدأ و تنام.
في ذلك الوقت كانت تلك الممرضة قد أخذت الورقة ضمن النفايات و انصرفت.
عندما نامت لين، تفاجئ بعدم وجوده للورقة! فقد كان منشغلاً مع لين لدرجة أنه لم يلاحظ ما حدث حوله.
ذهب راكضاً خلف تلك الممرضة ليمنعها من رميها و إلا فلن يعلم أبداً من كانت تلك المرأة أو ابنتها!
استطاع أخيراً اللحاق بها بعد بحثٍ طويل، و أخبرها أنه يجب عليه أن يستعيد تلك الورقة فرفضت بحجة أن ذلك يتعارض مع سياسات المستشفى و إن أرادها بهذا السوء يجب عليه أن يذهب للمدير و أن يُوقّع على أوراق ثبوتية تحمله المسؤولية في حال حدوث أي شيء. شكرها ثم طار راكضاً نحو غرفة مدير المستشفى، و لكَ أن تتوقع السيناريو الأسوأ، لم يكن موجوداً هناك! فرجع مجدداً حيث المكان الذي ترك فيه الممرضة و لم يجدها هي الأخرى.
عندها كأي شخص طبيعي أُصابَ بالإحباط و اليأس و قد توجه راجعاً للغرفة التي قد ترك فيها لين نائمة، كان كل تفكيره أنه لن يعرف أبداً أي شيء عن تلك الحادثة.
-
تبتسم ابتسامة مكر و تهمس "حان الوقت أخيراً! سآخذ بثأري!!" قالتها تلك الممرضة عندما تملكها الفضول حول تلك الورقة فأخذت تبحث عنها وسط النفايات و عند قرائتها بدأ يعتلى وجهها نظرات الرضا المرعبة الناتجة عن الانتقام!
-
خرج ذلك الرجل من الغرفة مرة أخرى في محاولة يائسة للبحث عن تلك الممرضة تاركاً لين نائمة، و لم يلحظ أبداً تلك العيون المترصدة على الغرفة، فَفَوْرَ خروجه تسللت الممرضة بهدوء بعد أن خلعت عنها ملابس العمل الرسمية و حملت لين و هربت و لكنها قد نَسَت أن تأخذها، نست الورقة!
عند عودته للغرفة لم يجد لين و إنما وجد الورقة، لم يعرف إما أن يفرح بوجودها أم يهلع لاختفاء الصغيرة، لم يكن لديه الوقت الكافي ليفكر في هذا!
فتح الورقة سريعاً و أخذ يقرأ كلماتها و قد بدأت تخور قواه و فجأة تراه ينهار أرضاً صارخاً "ليــــــــــــــــــن!!" و تبدأ دموعه في الانهيار.
"لاااا! اختفيتي بعد أن حظيت بفرصة لأكفر عن أخطائي تجاههم!" و يبدأ سريعاً باستجماع رباطة جأشه و تعلو وجهه نظرة الاصرار "أقسم أنني لن أجعل تلك الوضيعة تمسّكِ بسوء، يا أختي الصغيرة! أبي لقد وعدتك، و لن أخلف بوعدي!!"
أنت تقرأ
مجهولة المصدر
ChickLitعندما تصبح محاولة كشف الحقائق المخفية لعائلة ثرية اشبه بالكابوس، فهل يبقى أمل لاستعادة ما تبقى من أمل؟