الفصل الثالث: ستعيش يا أخي

113 5 6
                                    

ذهول، بالطبع، كأي إنسانٍ، من الطبيعي أن يشعر شاكر بالذهول يعقبه حالة من الفراغ العقلي التام، صوت وقوع هاتفه الجوال أرضاً و رجفة يده، كان هذا وضعه بعدما سمع ما أخبره به الطبيب "أنا آسف و لكن صديقك قد تدهورت حالته و دخل في غيبوبة" . أليس من الطبيعي أن يشعر بما شعر؟
لم يحتمل وقوع هذا الخبر على مسمعه و دون تفكير وجد نفسه يهيم على وجهه خارجاً من المستشفى و صوت نداء توفيق يتبعه و لكن أنّى له أن يسمعه؟ إن كنت في مكانه أكُنتَ لتسمعه؟
خرج توفيق عن طوره الهاديء و بدأ بالصراخ فيه ليستعيد عقله. "غضبك و حزنك لن يحلا أي شيء! فلترجع إلى صوابك، هذا ما سيساعدك الآن و لا شيء آخر عدا ذلك!!"
بإمكانك معرفة مدى قوة ترابط العلاقات من خلال هذه المواقف، فالصديق الحق هو من سيؤازرك و يقف بجانبك في أحلك أيامك سواداً، بل سيقتضي به الأمر أحياناً إلى تلقينك درساً كي تعود إلى رشدك حينما تبدأ بالذبول و الرضوخ للأمر الواقع، هكذا فعل توفيق مع شاكر.
بدأ شاكر يهدأ بالفعل، جلس جانباً و بدأ يأنُّ حزيناً و قد جلس توفيق بجانبه يحاول مواساته، أجل فلا بأس بالشعور بالضعف و الحزن قليلاً فهذا أمر طبيعي لنا كبشر، العبرة بمن يكافح و يصبح أقوى أو بمن يضعف و يصبح للأحزان.. فريسةً ضعيفة.
"سيستيقظ! بإذن الله سيستيقظ! لا شك في ذلك!! فهو تامر بعد كل شيءٍ صحيح؟" قالها توفيق و ابتسامة حنونة تعلو وجهه و من ثم ترى تلك الملامح تتحول ف التو و اللحظة إلى أقصى أشكالها الجدية "و لكن أولاً، يجب علينا معرفة ماذا حدث بالضبط."
"أجل كنت محقاً، كان يجب أن أهدأ" مرتسمةً على وجهه ابتسامة خفيفة.
دخلا ليكملا إجراءات حجز تامر في المستشفى و قد تنبّه إليهما ذلك الطبيب بينما كان يمر بجانبهما فتوجه إليهما قائلاً لشاكر: "بالفعل أنا آسف للغاية لهذا الخبر الصادم لكنني أحتاج أن أحادثك قليلاً عن حالته"
بلع شاكر ريقه قلقاً "حسناً سأوافيك عندما أنتهي من هذه الأوراق لأن..."
تدخل توفيق مقاطعاً له: "لا، فلتذهب أنت، لا تقلق سأكمل أنا باقي الإجراءات"
"سمية، فلترسلي لي نسخة من الأشعة إلى غرفتي" قالها الطبيب لإحدى الممرضات. "في الحال أيها الطبيب فوزي، أشعة تامر أليس كذلك؟" فأومأ برأسه إليها و هو يبعث تلك التنهيدة العميقة التي قد أزادت قلقاً إلى قلق شاكر.
-
"أتعرفه جيداً؟" هكذا بدأ الطبيب فوزي كلامه مع شاكر عندما اجتمع به في غرفته.
"بالطبع! أعرفه من سنواتٍ طويلة، هو بمثابة الأخ بالنسبة لي و ليس مجرد صديق، لماذا هذا السؤال؟"
"إذاً بالتأكيد تعرف عائلته! لأنني أظن أنهم كذلك يجب عليهم معرفة الأمر"
صوتٌ من اللا شيء يحتل الجو، لقد كان وقع تلك الكلمات على شاكر أكبر من أن يتحمله عقله فآثر السكوت، لكن.. بعد دقيقتين من الصمت "عائلته يجب ألا يعرفوا شيئاً" و أكمل هلعاً: "ما الأمر؟! فلتخبرني بصراحة!!"
"في الحقيقة..... وجدنا آثاراً للكحول في دم صديقك تامر، على ما يبدو أنه قد كان سكِراً، و بقوة"
على ما يبدو من ملامح شاكر أنه لم يتفاجأ كثيراً لهذا الكلام "لا أعلم بالضبط ما حدث معه قبل الحادث لكن كما ترى فأنا شرطي، و بالطبع أياً مما تقوله الآن سيكون كإفادة لنا في التحقيق، و قد راعيت عملك في المستشفى و سآخذ إفادتك هنا بدلاً من أن تأتي إلى القسم"
"و لهذا السبب طلبت محادثتك، تامر... لديه نزيف داخلي، و يعاني بشدة من كثرة الكدمات و الجروح الغائرة المنتشرة في كافة جسده، كما أن لديه بعض الكسور، كرجله اليسرى و ذراعه الأيمن و هناك بعض التصدعات في جمجمته كما ترى في هذه الأشعة، بمعنىً آخر قد يصاب على إثرها بفقـ..."
أوقفه شاكر في التو و اللحظة و قد كان على وشك الانهيار "أرجوك يكفي، كفى!"
أتعرف ذلك النوع من الرجال الذي يكون عاطفياً للغاية؟ للأسف كان شاكر كذلك، و قد كان في وظيفة لا تسمح له بأن تتحكم فيه مشاعره و لكن قد فاضت كلها فجأة حسرةً على صديقه.
تفهّم الطبيب وضعه نوعاً ما فابتسم بحنان: "لابأس، بخصوص الإفادة فسأجهز لك نسخة من التقرير الطبي لحالته و يمكنك تفحصها لاحقاً"
"أشكر للغاية تعاونك معنا" تململ شاكر قليلاً ثم استجمع شجاعته "أ- أيمكنني.. رؤيته؟"
"لا أظنك سَتُسَرُّ بوضعه و لكن طالما تريد ذلك فلا بأس. تفضل معي لأوصلك إلى غرفته"
مشى بخطواتٍ مهتزة في طريقه للواقع المؤلم، و هو لا يزال يحاول بكافة الوسائل التي استطاعها أن يكبح دموعه داخل عينيه، لكن فات الأوان، لقد فاضت جميعها ما إن مَثَل أمام باب الغرفة.
"٤، هاه؟ دائماً ما كنت ملعوناً بهذا الرقم يا صديقي" همسها شاكر بينما كان ينظر إلى رقم الغرفة.
-
صوت خطواتٍ مسرعة مضطربة تقتحم المشهد "أسرع أيها الطبيب فوزي! يبدو أن هناك حالة خطيرة طارئة" قالتها تلك الممرضة الهلعة، فنظر الطبيب لشاكر و ربّت على كتفه: "لا تضغط على نفسك" و انطلق في طريقه.
-
"شاكر.. إلى أين ذهبت؟" قالها توفيق في نفسه بينما كان يعيد الاتصال عليه للمرة الخامسة، و لكن هيهات أن يسمع جواله، فقد كان مصدوماً من هول ما رآه.. كيف لصوت نزول قطرات ذلك المحلول إلى داخل جسمه رفيقه و أنّى لصوت جهاز قياس نبض القلب أن يطغوا على صوت رنين جواله؟ لو كنت مكانه لعرفت..
بدأ شعور القلق يتسلل لتوفيق فسأل إحدى الممرضات المارين: "أتعرفين مكان غرفة ذلك الشاب تامر الذي وصل في الطواريء قبل قليل؟"
"اوه أتعني ذلك الشاب الذي لم يتبقى في جسده قطعة سليمة؟، أجل إنه في الغرفة ٤ في الطابق الأول أي في هذا الطابق، ستجدها إذا ما سلكت هذا الطريق الأيمن"
شكرها و انطلق.
عندما أمسك بقبضة الباب توقف لوهلة، احتراماً لصوت ذلك النحيب العميق الآتي من الداخل، ثم قرر أن يضرب بالعاطفة عرض الحائط و يدخل، فور دخوله وجد شاكر واقعاً أرضاً و قد أعمت الدموع نظره، فسارع بمساعدته على النهوض.
لم يكن قد رأى تامر بعد، فقد صُدم أولاً بوضع شاكر و ها هو ينصدم ثانياً بوضع تامر. قام بلفّ وجهه الجهة الأخرى من هول المنظر ليرى شاكر قد أبدى على وجهه ملامحاً.. لم يُظهرها قطّ في حياته!
"سأعرف ما حدث! بالتأكيد سأعرف!!" قالها بصوت يملؤه التحدي و العزيمة و قد بدأت عيناه تتلألآن ثقةً، هنا بدأ توفيق يطمئن عليه أنه قد بدأ يتقبل الواقع، لكن.. بنفس الوقت، تردد قليلاً، فالحماس بالنسبة للناس الشبيهة بشاكر قد تودي بهم في الهاوية دون أن يدركوا ذلك.
"سأرحل!!" أرأيت؟ قد بدأت شكوك توفيق بالتحقق، فأمسك ذلك المندفع من ذراعه قائلاً بجدية: "إلى أين تحديداً ستذهب؟ فلتجبني! ألا تعرف كم الساعة الآن؟! ألا تدرك أنك مستيقظ منذ يومين كاملين بل أكثر بسبب تلك القضية السابقة؟!" فنظر شاكر إلى ساعة جواله فوجدها بالفعل قد شارفت السادسة صباحاً.
تردد لثانية ثم استعاد عزمه الأحمق "لا يهمني! لن تغمض لي عين إلا بعدما أعرف ماذا حدث ليوصل تامر إلى هذه الحالة!"
"إذ- إذاً.. هل اتصلت بنورا؟!" قالها توفيق في محاولة منه ليكبح جماح تهور شاكر.
"كيف نسيت!! إذاً سأهاتفها بينما نحن في الطريق، من الأكيد أنهم قد أخذوا إفادات من كانوا في ذلك الشجار، و الطبيب فوزي سيرسل لي التقرير الطبي للحالة، ماذا بعد؟ ماذا ينقصنا؟"
"لا ينقصنا إلا أن ننطلق!"
-
أوصى شاكر الممرضات بالاعتناء جيداً بتامر و من ثم انطلق مسرعاً و معه توفيق نحو سيارته ليمضيا في طريقهما لحل تلك القضية.
في أثناء قيادته، أعطى شاكر جواله لتوفيق كي يتصل بنورا، و بالفعل قد ردت فور تلقيها الاتصال!
"شاكر!! أين أنت؟!! أقلقتني عليك للغاية!! أتعلم كم مرة اتصلت بك؟! لمَ لم ترد عليّ؟ و..."
"نورا فلتهدأي قليلاً و كفي عن البكاء أولاً، أنا بخير لا تقلقي"
"إذاً، لمَ صوتك.. يبدو و كأن شيئاً ما يضايقك، أأنت حقاً على ما يرام؟ لقد سهرت طيلة الليل لأنني لم أستطع النوم من فرط قلقي عليك! لماذا تأخرت كل هذه المدة في العودة؟ متى سترجـ.."
"يا الله! ألم أقل لك أن تهدأي قليلاً؟! أنا بخير و لكنني مرهق قليلاً من العمل، ثم ظهر لي بعض الأشغال المستعجلة، بالإضافة إلى أنني.."
أظنك أنت أيضاً تسمع ذلك؟ ذلك الصمت.. صوت من اللاشيء..
ترتجف نورا و تبدأ بهلعها المعتاد: "أنت.. ماذا؟"... و لا يرد.. "شاكر؟ أتسمعني؟!!!"
...
"أجل أسمعك، فلتنامي قليلاً و سأتصل بكِ لاحقاً"
-
تحاول أن تخفي دموعها بقدر الإمكان عندما تنتبه للساعة فتذهب إلى تلك الغرفة الوردية في المنزل و تنادي بصوتٍ مكتوم يملؤه حنان الأم: "نادين، استيقظي يا صغيرتي، حان موعد المدرسة"
-
"ما- ماذا تظن.. ما.. هذا بمعنىً أصح؟، هل ما أراه صحيح أم أن قلة النوم تجعلني أبدأ بالهلوسة؟"
يتنهد توفيق قائلاً: "إنه للأسف يا صديقي.. صحيح تماماً كما ترى بأم عينيك"
فجأة يقتحم المشهد صوت جوال شاكر فيجدها نورا ليرد عليها بتململ: "يا إلهى ألم أقل لكِ بأن تنامي و سأتصل بكِ لاحقًـ...."
"أنقذني يا شاكر! لا أجد نادين بأي مكانٍ في المنزل!!!"

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jul 04, 2019 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

مجهولة المصدرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن