الفصْلُ الثَّانِي (Ⅱ)

213 25 23
                                    


لاتَزالُ تُلازمُ غُرفتها ، عَالمها الخاصُّ رافضةً جميعَ مُحاولاتِ صديقتهَا لتُزيلَ شيئاً مِنْ الكآبةِ المُحيطَةِ بِها  ..

شَاعرَةً بالغضَبِ والسَّأمِ مِنْ حياتِها، مِنْ واقعِها، مِنْ نَفسِها .. وَمِنْ هذه‍ الكُلِّية الَّتي فُرضتْ عليهَا، فآخرُ ماتُفكَّرُ بهِ هُو "التَّاريخ ودراسة الآساطير" ..

غـيْـدَاءُ .. فتاةٌ فِي الثَّالِثة والعشرينَ مِنْ عُمرهَا ، فقدَتْ عائلتهَا فِي ذلكَ العامِ المشؤُومِ ؛ في ذِكرىٰ ميلادِها العِشْرينِ وهوَ الثَّاني مِنْ شهرِ أغسطس/آب ، كَانتْ النَّاجيةَ الوحِيدَةَ ، تُوفِّيَ أبوهَا، أُمُّها، وكذلِكَ تَوأمتهَا ”شيمَـاءُ“ ..

كَانتا شِطْرَي رُوحٍ وجسدٍ واحِدٍ ، تَذكَّرتْ حدّيثَ أُمَّها عنْ تسميةِ شيماء بهذا الاسمِ، فقدْ شِيمتْ بشامَةٍ أسفلَ عُنقها، ذاتُ شكلٍ يُشبهُ النَّجمُ  ، كَمَا تذكَّرتْ أيضاً أنها تحْيَ بأعضاءِ توأمُ رُوحها ، بكبِدها واحدىٰ كِليتها بعد أنْ عانتْ مِنْ فشلٍ كلويٍ عامها ذاكَ ، يبدُو أنَّها عزَمتْ علَىٰ مُشاركتها أعضائِه‍َا حتَّىٰ بعدَ مُغادرتها الحياةَ .

هِي تعيشُ بجسَدِها ، ولكَنْ بروحِ توأمتهَا ، فلَكمْ تغَيَّرَ نمطُ حياتِهَا بعدَ موتِهَا ؛ أصبحتْ تُحِبُّ ماتُحبُّ هِي ، وتكره‍ُ ذاتَ الأشياءِ الَّتي كرهتهَا، بدأَ الأمرُ كمَا لوْ أنَّ طِباعهِا نُقلتْ مَعَ أحشائِهَا ، كَانَتَا علىٰ النَّقيضِ تماماً ، فَحُبُّ غيداء للحياةِ ، وشغفها بالألوانِ والضَّوءِ ، قابلهُ ميلُ شيماءُ للعزلةِ والوحدَةِ والظِّلِ  ..
وبكُلَّ هذا انتقلَ إليها ليقْلِبَ حياتها رأساً علىٰ عقبٍ .

وكانَ هذا ليكتمِلَ بتلكَ القدْرَةِ الخارقةِ وهي قراءةُ خبايا النُّفوسِ وخواطرها ، حيثُ انتقلتْ لها لتضيفَ لحياتها جُرعةً أُخرىٰ مِنَ الغموضِ  .

هَاهِي صديقتهُا "تغريد" تدخلُ مُقاطعةً خُلوتها ، متَّجهةً نحوَ السَّتائرِ تَفتحُهَا ، تقِفُ الآنَ أمامَها متخصَّرَةً ؛ ترمُقهَا بانزعاجٍ واضحٍ ، كانتْ غيداءُ تدركُ ماستقولهُ لها ، قلَّبتْ عينيهَا بمللٍ ونطقتْ ساخرةً  :

- هاقدْ بدأنَا !! .. ماذا تْردينَ تغريد ؟!

- ياإلـٰهي ما كُلُّ هذَا البُرودِ ؟!! .. متَّىٰ ستتوقَّفينَ عنْ فعلِ ذلكَ ؟! .. هاآ أخبريني ؟! 

- عندما أشعرُ بالسَّأمِ، وإلىٰ ذلك الحين أتركيني وشأني !!

- إنَّكِ تُضيَّعينَ مُستقبلكِ ، أتعلمينَ هذَا ؟!

- إنْ كانَ هذا مِنْ أجلِ ذاك البحثِ ، غذاً سأذهبُ للمكتبةِ وَأُنهي أمره‍ُ .

أطلقتْ تغريد تنهيدةَ يأسٍ علىٰ حالِ صديقتهَا الغريبِ مُنذُ ذاك الحادثِ المشؤومِ .. جلستْ بالقُرب منهَا علىٰ حافةِ الفراشِ ، قائلَةً بهدوءٍ :

وامَـاسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن