من جديد

36 5 0
                                    

اخيرا، بعد ان ارتاحوا قليلا، جاء وقت الذهاب من هذا القصر، سوف ترى أمها، وفى اثناء تجهيز جيش الأمير "لويس" للعودة، ورفع الأسلحة على العربات لجرها، كانت "صوفيا" تجلس مع "ناردين"، ضحكا كثيرا حتى احست "ناردين" بتعلقها ب"صوفيا"، كأنها بنتها التى لم تلدها، وفى وسط ضحكاتهما المتعالية رأيا "أكتافيوس" قادم بإبتسامة رائعة..
- "صوفيا"، هيا لقد تم ترتيب كل شيء..
هذا ما قاله "أكتافيوس" وهو على بعد خطوات من "صوفيا" و "ناردين"
- كم يصعب علي فراقك يا فتاة، نعم، لم أجلس معكي كثيرا ولكن احببتك من قلبي، أتمنى لك حياة سعيدة وزوال كل المشاكل من حياتك... يا بنتي..
بعد أن قالت "ناردين" هذا ل "صوفيا" لم تتمالك نفسها وأخذت تبكي وهى تحاول إخفاء بكائها بإبتسامة، حضنتها "صوفيا" وبكت من تأثرها بهذة الكلمات..
- هيا سوف اوصلكي إلى باب القصر..
ظلت ممسكة يدها إلى أن وصلت لباب القصر، نظرت لها نظرة كأنها تفارق قلبها، ثم تركتها لتركب فى عربتها..
- "لويس"، سوف نكون على اتصال لنقسم الدولة، وكل الإجراءات السياسية سوف نأخذها سويا.
- حسنا، وأنا سأنتظر رسائلك..
ثم ركب على فرسه وتقدم الصفوف، وبدأ الجيش فى المضي، وهنا أخرجت "صوفيا" رأسها من العربة؛ لتلقى نظرة أخيرة علي هؤلاء الرائعون..
- "أكتافيوس" أشكرك مجددا، وأمي "ناردين" أنت أطيب شخص أقابله فى حياتى، سوف افتقدكم كثيرا، سلام.
- قال "أكتافيوس" و "ناردين" فى صوت واحد: سلام "صوفيا"..
وأدخلت "صوفيا" رأسها وأخذت تبكي، ولكن الشيء الذي كان يهدئها قليلا أنها ذاهبة للقاء من اشتاقت إلى صوتها..

***********************************

- أمي، أعرف أن هذة الشوربة ليست بأطيب الشوربات ولكنها جيدة لصحتك، هيا أريدك أن تنهيها كلها..
هذا ما قالته "لارا" ل "مارلين" أم "صوفيا"، فمنذ وقت إنقاذها من "أنطونيوس" وهي فى صحة متدهورة، وما إن تفيق قليلا حتى تعود مجددا وكأنها لم تشفى، كما أن فقدها لبنتها وزوجها فى يوم واحد أليم..
"لارا" هى اخت "توم" الذي ذهب مع "لويس" فى الحرب، أتتذكر عندما أحضره "لويس" كان يخبره عن تفاصيل الحرب؛ لأنه من أمهر القادة عند "لويس"، و"لارا" ممرضة فى القصر، تعالج المصابين سواء كان فى داخل القصر أم من الذين تم إنقاذهم..
كانت "مارلين" قد اعتادت على وجود "لارا" فى الغرفة، كما اعتادت على زيارات "توم" لأخته ولها، إنهما لطيفان للغاية، يحبون الضحك والمزاح، وعندما لم تجد "توم" قد زارهما هذا اليوم استغربت..
- قالت "مارلين" بصوت متعب: "لارا"، أين "توم"؟ لم يأتى ليزورنا اليوم، أليس غريبا؟؟!
- إنهم فى الطريق إلي القصر، لا تقلقي، عند غروب الشمس سيأتوا..
قالت ذلك "لارا" بصوت غير طبيعي، أحست "مارلين" برعشة ما فى صوتها..
- "لارا"، لا تكذبي، أين هو؟ كما أريد أن أسألكي سؤال آخر، لما دخلتى الغرفة أمس وكان يبدو على وجهك علامات للبكاء؟ لم أسألكي لأننى شعرت أننى سأطغت عليكي..
- سأقول لكى، عسى كلامي يهدئني، لقد ذهب فى حرب، وليست أي حرب، حرب ضد هذا الملعون "أنطونيوس"، لا أعرف إن كنت سأراه مجددا أم لا، أتمنى ألا افقده...
قالت "لارا" ذلك الكلام وانفجرت فى البكاء بينما وقعت صدمة وحزن على "مارلين"
- ماذا؟؟ كيف ذلك؟؟ هل جيش الأمير "لويس" وحده قادر على أن يهزم ذلك الحقير؟؟
- قلت له ذلك، ولكنه قال لى كل شيء مدبر ولا استطيع أن أخبرك بالخطة؛ فهي سرية..
- أهدئي "لارا"، كل شيء سيكون على ما يرام..
- أمل ذلك..
- ألم تأتى أيه أخبار؟؟
- لا، لم نعرف شيء عنهم منذ ذهابهم، هذا ما يخيفني أكثر..
- لا تقلقي.. لا تقلقي..
وهدأت "لارا" من بكائها قليلا، ومر شريط حزن وتعب "مارلين" أمامها من جديد، تذكرت كل شيء، منذ دخول زوجها عليها وعلامات الرعب على وجهه إلى أن طار رأسه بسيف هذا المغرور "أنطونيوس"... مؤلم أن تتذكر شيء تحاول جاهدا أن تنساه ولكنك لا تستطيع، ولا حتى تملك القدرة على نسيانه، ولا البيئة حولك تعطي لك فرصة لنسيانه...

**********************************

بعد كل فترة قصيرة من الوقت كانت "صوفيا" تخرج رأسها من العربة على أمل أن تجد القصر أمامها، ولكن فى كل مرة لا تجد سوا صحراء ذهبية، الجو شديد الحرارة، كما أنهم فى وقت االظهير، أحست بتعب شديد، ونامت فى العربة...
- "صوفيا"، هيا لقد وصلنا.. "صوفيا"..
فتحت عيناها ووجدت الأمير "لويس" هو من يتكلم، انطفضت من مكانها وهي فى فرحة كبيرة؛ فقد وصلت القصر اخيرا، سوف ترى أمها من جديد...
دخل "لويس" والوزراء والقادة ومنهم "توم" و"صوفيا" فى أول الصفوف، ثم دخل الجيش وعربات الأسلحة، وكان فى القصر عيد، هناك من يرمي عليهم الورود بألوانه الرائعة، وهتافات باسم "لويس"، كل شيء كان رائعا، كان فى استقبالهم "هاري" والد "لويس"، وكان رجلا عجوزا، ولكنه ليس ابدا بالضعيف، يشبه "لويس" تماما من حيث العيون الفيروزية، والشعر الأملس والقصير، كان شعره بني أيضا مثل ابنه..
رأي "هاري" ابنه وهو قادم بكل سعادة والإبتسامة تغطي وجهه فعرف أن النصر كان لهم، وما إن أقترب منه حتى ضمه إلى صدره..
- همس "هاري" فى أذن ابنه قائلا: أثبت شجاعاتك يا ولدي، فأثبت وجودك على هذة الأرض..
- شجاعتى ورثتها منك يا أبي..
كانت "صوفيا" تنظر يمينا ويسارا، تبحث عن أمها بين الحاضرين، كانت واقفة بجانب "لويس"، تريد أن تقول له أين أمي، ولكنها لا تريد أن تقطع لحظة كهذة بين أب وابنه..
- "توم"، هيا خذ "صوفيا" لمكان أمها..
قال "لويس" هذا بعد أن لاحظ بحث "صوفيا" ولهفتها لترى أمها، وما إن سمعت "صوفيا" ذلك حتى أصابتها نوبة فرح...
- قال "هاري": من تلك الفتاة يا "لويس"؟؟
- قصتها طويلة أبي، لا أستطيع أن أحكيها هنا، كل ما سأقوله لك أنها ابنة إحدى ضحايا "أنطونيوس" الذين تم إنقاذهم، هيا الآن، لنذهب للراحة قليلا فأنا متعب جدا..

************************************

- أمي... أمي... أمي
فاقت "مارلين" على صوت بنتها، لا تعرف ما شعورها، هل من المفروض أن تبكي لرؤيتها؟! ولكنها بكت، ظنت فى أول الأمر أنها تحلم، ولكن ما إن فتحت عينيها، رأت بنتها أمامها، ورأت "لارا" وهى تحضن أخوها "توم" بشدة، تبكي وأخوها يمسك دموعه ويحاول الضحك ليوقفها..
لم تنطق "مارلين" بكلمة واحدة من صدمتها، لم تعرف أن "صوفيا" مازالت على قيد الحياة، أخذت تنظر لها كأن عينيها كانتا صائمتين وحان موعد الإفطار، كانت ممسكة يديها وهي لا تستطيع استيعاب ما يحدث، "مارلين" تبكي و"صوفيا" تبكي و"لارا" تبكي حتى "توم" لم يستطع أن يمسك دموعه أكتر من ذلك أمام مشاعر أخته الرائعة، ولكن لكل بكاء طعم، هذا البكاء كان طعمه سعادة لا توصف، واخيرا عادت "صوفيا" لحضن أمها من جديد.. وأخيرا عادت "صوفيا" لأحد يشعر بتعبها من جديد.. وأخيرا.. نعم، لا يوجد ظهر لهما فقد مات الأب.. وهو الظهر والسند.. ولكن على الأقل هم سويا...

لعبة القدر || Cauldron's Game حيث تعيش القصص. اكتشف الآن