الفصل الثاني
"خطة مُحكمة "
اثبت أيها العنيد مالك ومال قلبي الذي بالنيران مُتقد !
مغرور يسير بين أرجاء عقلي يأمر المشاعر بأن تتئد !
تركتني مُحطمة عند أخر شعاعٍ للشمس الغاربة ..
فلا تلومنني حين ثأرت عليك بخطةٍ مُحكمة
قل إنك لي وسأركع عندك وبكلمة أحبك مُتمتمه
سارق عشقي ، ونبضات قلبي .. أنت لي فأنا بك مُتيمة !!
.......
بارعٌ هو في إثارة هواجسها واضطراب أوصالها بنظرة تختلسها منه ، تهابه رغم أنفها فقلبها متعلق به منذ أن وجدته يتشاجر لأجل جارتهم ملك بعد أن استمعت المنطقة بأكملها كلمات الغزل من شاب يركب دراجة نارية ، وبعدها علا صوت الصراخ بعد أن أسقطه يافوز من الدراجة وأخذ يكيل له اللكمات .. ولم يبعده سوى الرجال بعد أن أخذ الشاب كفايته من الضرب
تلك المرة قلبها نبض بطريقة مُختلفة له .. ومنذ ذلك اليوم دقات قلبها أصبحت ملكه !
ما إن سمعت زهراء صوت يافوز حتي ارتجف قلبها قبل جسدها ، وعقلها يصور لها أسوء المشاهد ... !
تلك المرة مُختلفة فهى ما إن تعلم بوجوده في المنزل حتي تغادر بصمت وهو لا يراها .. أما الآن فهو يهدر عالياً بسمر التي يتضح أنها ستنال من غضبه وهو يهتف باسمها بشراسة !!
"ااا أنا همشي بقي يا سمر ، وهبقي اتصل بيكِ بعدين "
حركت سمر شفتيها لليمين واليسار بخوف ، ثم نظرت لزهراء التي كانت تزدرد ريقها هي الأخرى بذعر ...
فتحت سمر الباب بهدوء قبل أن تخرج أمام زهراء التي جرت نحو الباب سريعاً وحمدت ربها أن والدة سمر لم تكن موجودة في البيت وإلا كانت أوقفتها وهي لا تريد الالتقاء بذلك ال ... غاضب !
وضعت رأسها أرضاً لكنها ودون أن تدرك لمحته يحدجها باستنكارٍ مُبهم مقوساً شفتيه بسخرية
يا إلهي كم كانت تتمني قربه وهي الآن تخافه ! ، فبالطبع ذلك العتي الذي يقف مُستنداً علي الحائط بجوار باب الشقة وتعابير وجهه المتهكمة لم تنجلي بعد ، وساقيه ملتفتين علي بعضهما من الأسفل .. كل هذا لمحته في ثانية حينما رفعت حجرها الأسود إليه !!
كادت أن تمر بجانبه لتخرج من المنزل بسلام إلا أن ساقها لم تردْ لها ذلك فاختل توازنها وقبل أن تقع أسندها مبتسماً بجانب فمه وقد تذكر ما حدث في الصيدلية تواً !
عاودت إليها تلك الغصة المريرة وهي تلمح ابتسامته الساخرة حينما انزلقت قدمها وهو تلقاها كالغريقة التي أنقذها مُنقذ الشاطئ ورحل ، يعتقد أنها من فعلت ذلك لتغريه !! .. حينها كانت تود الصراخ بوجهه مُبررة أنها لم تقصد وأنها انزلقت بدون قصد بسبب ارتجافها من لقاءه المفاجئ ، و هديره الغاضب ..
******
وقفَ يافوز قباله أخته التي نال من التوتر حتي أنها كادت أن تعتصر قبضتيها المتكورتين بخوف من نبره أخيها الصادحة !
وأخيراً بعد أن استشعرت الهدوء - الذي يحاول الحفاظ عليه في صوته - همست بخفوت رافعة عينيها إليه ، تروض تعلثمها الجليّ
"زهراء صحبتي من ساعة ما جينا هنا المنطقة و هي دايماً بتيجي هنا وبتمشي قرب ما إنت بتيجي "
همهم بامتعاض مُبهم ، وعاود سؤالها وهي تتمني أن تنتهي أسئلته حتي تختفي من أمامه
"عارف ، وتعرفي إيه بقي عن البت دي ؟"
تلاشي خوف سمر التي أجابت بقوة
"بقولك صحبتي يعني أعرف عنها كل حاجة ... ثم إنت بتسأل ليه ؟"
تسألت بمكر رافعة حاجبها الأيسر إليه بتمهل ، ليجيبها بضحكاتٍ صادحة أجفلتها وهي تري نظرة الشر بعينيه مغمغماً بنفاذ صبر :
"لا مش اللي ف بالك يختي ، أنا بقولك البت دي تبعدي عنها ومتجيش هنا تاني .. فاهمة ولا لأ ؟"
طبقت سمر ذراعيها لصدرها ثم مالت في وقفتها واردفت باستنكار جعلها تقوس شفتيها بحنق :
" وده ليه بقي إن شاء الله ! ،انا مشوفتش منها حاجة وحشة ومش هبعد عنها يا يافوز! ، ياريت تفهم كده "
"إنتِ مشوفتيش ، لكن أنا شوفت .. وشوفت كتير الصراحة "
نطق بخفوت إلا أن تحولَ لهمساتٍ سمعها هو فقط مُتذكراً إياها وهي تسير أمامه تتهادى في مشيتها وتتمايل بمنحنيات جسدها الفج وهي تعطيه ظهرها ....
استعاد سيطرته علي نفسه ثم أردفَ بتوعد لا يحتمل النقاش
"أنا قولت كلمة .. إياكِ تدخل البيت هنا تاني !! فهمتِ ، أنا مبرتحش ليها لله في لله كده ! "
كادت سمر أن تصرخ إليه بأن تلك التي تلاحقه بنظراتها .. تنظر إليه فقط ! ، وأي رجل بعده مُدحض ، غير موجود بالنسبة إليها .. تلك المغرورة تحبه وهو الوحيد الذي لا ينال من غرورها ، فقط ينال منها ما لا تستطيع أن تعطيه لأحدٍ سواه ... حُبها والأشد قلبها !
استطاعت في النهاية أن تهتف بهدوء ظاهري
"يافوز إنت مش فاهم حاجة "
رمقها أخيها بنظره عاتبه لم تفهم معناها إلا بعد أن تحدث هو الأخر قبل أن يدخل إلي غرفته
"لأ عارف وفاهم .. فاهم كويس أوي يا سمر ! ، زي ما قولتلك عايزة تقابليها تقابليها برا أو في بيتهم ، لكن هي تيجي هنا لأ "
جاءت والدته على صوتهما العالي تسأل بقلق
"مال صوتكم عالي ليه ؟"
كادت سمر أن تتحدث لكن أسكتتها نظرة يافوز الجامدة فابتعلت حديثها بنزق ليتولى هو مهمة الكلام وبعد أن كانت نبرته صادحة العلو أصبحت منخفضة
"مفيش يا أمينة بندردش مع بعض شوية "
راقبتهم بعينٍ يملؤها الشك واستطردت بحدة وحاجبها الأيمن مرفوع
"لا والله وعلى كده إنت بتدردش مع أختك على زهراء بنت المعلم باسم ؟"
استفاض كيلها وأرادت أن تنتهي تلك المناقشة فاستعدت للحديث وازدردت ريقها باضطراب وبللت شفتيها الجافتين وتحدثت بشجاعة واهيه
"يافوز مش عايز زهراء تيجي البيت يا ماما "
"ليه يا ابني كده دي صاحبة أختك وبنت مؤدبة وو..؟"
قاطعها يافوز مُتحدثاً بانفعال ناقماً على تلك المتمردة التي أشعلت خلفها النيران ورحلت ، وما زاد اشتعاله أن الجميع يشيد بأخلاقها فأمه وأخته تدافعان عنها بينما يظهر هو كالشخص السيء
"مش بستريح ليها يا ماما ، وبعدين أنا مقولتلهاش تقطع علاقتها بيها بقول متجيش البيت خصوصاً إني شاب وببقى موجود ساعات ..فين العيب اللي قولته
لم تجد بداً إلا أن تهز رأسها بأسف على قرار أخيها لتدخل إلي غرفتها واضعة يدها علي جبينها بتفكير تحاول أن تهتدي لشيء يجمع تلك العاشقة بذلك البارد !
بينما رمقت أمينه يافوز بتشكك ليهرب هو من نظراتها التي تكشفه إلى غرفته واهباً نفسه بعض الدعة حتى ينظم أفكاره
بينما تقف هي خارج تلك الغرف الموصدة وعقلها لا يتوانى عن التفكير ... أي رياح ألمّت بأبنائها !!
*********
في بيتٍ أخر ، قديم ، أثاثه مُهترئ لكنه يجمع شتات نفسه بالوقوف صامداً رغم الحركة المُستمرة به !
خرجت شيماء من غرفتها حانقة مليئة بالأتربة بعد أن قامت بتنظيفها جيداً وإزالة ما عمر بها من خراب ذلك المدعو ... والدها !
ألقت زجاجات الخمر بعنف في القمامة وهي ترفع رأسها للسماء هامسة بغيظ
"والله لو مكنش حرام أدعي عليك لكنت دعيت عليك صبح ومسا "
ثم ألقت نظرة خاطفة علي السيدة المتكورة علي الأريكة البالية في الصالة الضيقة بجسدها النحيل ونفسها البطيء !
أغمضت شيماء عينيها مُتألمة لحال والدتها الذي آلَ بعد أن رفضَ والدها أن يدفع لها تكاليف المشفى التي كانت يجب أن تُحتجز به لأنها مريضة كبد ، فأصبحت بعض الممرضات المُشفقات علي حالها يأتين كل أسبوع ويعطونها الدواء ويطمئنون علي حالها خلسة دون علم زوجها ... شارب الخمر الذي لا يصحو من سكرته أبداً
"ربنا يعينك يا ماما ويشفيكِ يا حبيبتي ، يارتني أقدر أشيل عنك أكتر من كده بس أعمل إيه ؟ إنتِ اللي مش راضية أشتغل إن شالله حتي في البيوت ! .... ربنا يطول في عمرك عشان أنا من غيرك مش هقدر أعيش "
تململت والدة شيماء في نومها لتسرع الأخيرة إليها قبل أن تقع من علي الأريكة الضيقة لتسندها وتعيدها مرة أخري وتدثرها جيداً قبل أن تجلس علي ركبتيها أمامها وعينيها تدمعان !
فوالدتها أصبحت خفيفة جرّاء المرض الذي أكل جسدها ، ويزهق روحها رويداً رويداً
امتدت يد والدتها إلي وجنة شيماء الذي انحدرت عليها الدمعة -التي شعرت بها قلب والدتها - لتزيلها وتهتف بوهن
"متعيطيش يا شوشو محدش بياخد غير نصيبه يا بنتِ "
قبلت شيماء يد والدتها بضعف وهي تهمهم بخفوت
"وليه نصيبنا دايماً يبقي الشقي ومع واحد خمورجي ميعرفش ربنا ! ، ليه مكتوب عليا أسيب تعليمي وأنا حلمي اخد شهادة ثاني زي بقية صحابي البنات اللي دخلوا كليات ؟؟ ، ع الأقل أنا كان حلمي أخد شهادة ثانوية عامة مكنتش طمعانة في كلية والله ، ليه دايماً الغُلب ماسك فينا ومش راضي يسبنا يا مّا ... أنا تعبت والله تعبت "
انتحبت شيماء علي صدر والدتها التي امتدت يداها الهزيلتان لتحتضن ابنتها ، ورغم ضعفها ووهنها بثت فيها من أمانها وثقتها التي تتحدث بها دائماً وهي تربت علي ظهرها بحنو أمويّ
"إوعي يا شيماء أسمعك بتقولي كده تاني ، إنتِ متعرفيش الخير فين وربنا مقسم الأرزاق إزاي وطالما بتعملي اللي عليكِ وماشية بالأسباب ارمِ تُكالك علي ربنا وهو هيجبر بخاطرك لدرجة إنك هتيجي في يوم هتتعجبي وتقولي يارب جبرتني برحمتك ، استعيذي بالله وثقِ في ربنا يا شيماء"
زفرت شيماء بحرقة واستغفرت ثم ابتعدت عن حُضن والدتها المبتسمة بارتياح وهي تغمغم ببعض الأدعية لابنتها الوحيدة
استقامت شيماء فزعة من صوت المفاتيح والتي كان صاحبها يحاول أن يدخلها من فتحة المخصصة لها ، لكن هيهات لم يستجب إليه بصره ولا عقله ، لتزفر شيماء بقلة حيلة وهي تتقدم من الباب لتفتحه تجد والدها يهمهم بسُكر فيعنفها تارة ويضحك تارة
" بقالي ساعة واقف علي الباب علي ما هزيتي طولك وفتحتي ، غوري من وشي أنا عامل دماغ ومش عايز أخسرها على وشك "
هزت رأسها ببؤس من حالته ، وغياب عقله عن الوعي .. فذلك مظهره دائماً يذهب كل عشاء ليأتي في الغد صباحاً ويكرر نفس الموقف وحينما يجدها أمامه يعنفها وتنال أمها نصيباً من سبه ، ثم يسير إلي غرفة شيماء مترنحاً حتي يقع علي السرير غائباً في نوم حتي العشاء .. وتتكرر الأيام علي نفس المنوال ، حتي صارت حياته تصبح علي الخمر وتُمسي علي السب واللعن بأقذع الألفاظ !
******
دلفت زهراء إلي غرفتها تشكر قدميها علي أنهما تحملا كل ذلك الضغط ، أعصابها لم تعد تحتمل فانقبضت عضلاتها بشكل مُتتابع ومستمر أحدثَ لها شداً عضلياً في قدمها اليُمني وعلي أثره تهاوت علي الفراش بألم وهي تمسد قدمها المُتشنجة برفق حتي عادت لطبيعتها مرة أخري
نامت علي ظهرها بعد أن نزعت حذاءها وألقته في الغرفة بغضب وإهمال وودت حينها لو تخلصت منه بعد إحراجها بهذا الشكل مع يافوز
تحاملت علي نفسها مرة أخري وتوجهت لدولابها وأخرجت صورة دُفنت بين ملابسها ...
صورة تعشقها وقد أخذتها منذ فترة من غرفته دون معرفة سمر ...
تأملت ملامحه الرجولية البحتة ومررت أظافرها ذات اللون الأحمر علي تقاسيم وجهه ثم قربتها من شفتيها مُقبلة إياها برفق ودمعة خائنة انسلت برفق وترتمي جوارها علي الفراش
"والله لو تعرف بحبك قد إيه مكنتش بصتلي كده ... بس أنا اللي أستاهل .."
اعتدلت بجلستها تلك المرة وهي تمسك الصورة بقوة هاتفة بتحدي
"أما نشوف أخرتها معاك يا إبن أمينة !! "
أنت لا تجاهد سوى نفسك حينما تتمنى حُب شخصٍ لا يراك ولن يفعل لأن أول لقاء لم يكن لصالحك !
.....................
أنت تقرأ
منطقة الحب محظورة " كاملة"
Romanceاحذر هذه المنطقة اللعينة ! ما إن تطأ قدمك أرضها ستشعر بالمهابة .. أحداث متوالية تتابع كأنها أمسية صاخبة في جوف ليل هادئ يوم الولادة ويوم الممات صخب يصم الأّذان. احذر أن تسلم أذنيك للشر فتغدو كمن يتراقص علي سيف حاد !