الفصل الثامن "وجع يحتضنه ألم "
نخبو إلى المضاجع اتقاءَ الألم .. ويزحف الألم إلينا كأنه محفورٌ داخلنا ، لا نفتأ في الابتعاد حتى يهرول مُطلقاً صيحات الوجع التي تقصد القلوب المكلومة لتزيدها ألماً
السبيل إلي رُشدك هو الوصال .. فدلني إليك لأحتمي من قهر الحياة ، علاج اللوعة والاشتياق هو الرؤية فلم أنت عن عيني غائب ؟
أتلك النهاية التي سطرتها لنا الأقدار .. أم أنها الأقدار نفسها التي هربنا منها !!
............
خرجت إليهم بعد أن انتهت من وضع مساحيق التجميل علي وجهها الدائري الأبيض وعينيها المسحوبتين بدون كحل ..فاكتفت بإبراز ملامحها ووضع أحمر شفاه ذو لون نبيذي صارخ مما جعل حازم يزجرها بنظرة لتعود أدراجها مرة أخري للغرفة وتقوم بمسحه ووضع لون وردي هادئ .. لتنظر لنفسها بسعادة حقيقية تريدها أن تدوم ، الرضا النابع من عينيها والابتسامة لا تغادر شفتيها فهي علي وشك الوصول إلي مرادها حتي وإن تأخر ..
خرجت تلك المرة وعلي وجهها نظرات الخجل ، فابتسم لها برضا قبل أن تمضي علي وثيقة حُبها وتكبيلها للأبد باسمه !
احتضنها بلهفة ثم قبّلَ جبينها بعشق دفين ونظر إليها ثم همسَ بأذنيها بكلمة خافتة أرادت سماعها منذ زمن
"بحبك"
اضطربت أوصالها وتهدجت شفتيها في محاولة منها لمبادلته .. وفي النهاية نطقتها خافتة مهزوزة لكن نظرتها كانت تحملها وهذا يكفيه
بعد قليل ..
في حُجرة ضجت بالفتيات اللاتي يتوافدن ويتراقصن ومنهن اللاتي جلسن علي المقاعد بأولادهم يحتسين الشراب البارد ..
كانت مريم مندمجة في الاحتفال بعقد قرانها علي مالك قلبها فبدأت الفتيات بالرقص علي الأنغام الشعبية ..
كانت زهراء تقف في المنتصف بفستان ذي لون أصفر غامق ضيق من المنتصف حتي نهايته عند ركبتيها ، يغطي ذراعيها وفتحته لا تتجاوز ترقوتها الظاهرة ، وبالرغم من تحضرها في الملبس لم تتخلَ عن زينتها الشعبية التي تتمثل في خلخال رنان يتدلى منه حرفها الأول باللغة الإنجليزية وقد رسمت حناء علي شكل وردة في نفس القدم ، ولزينة يدها اعتمدت الأساور الرنانة وقد أبقت في يُمناها ثلاثة فقط أما يُسراها زينت أصابعها الطويلة النحيلة بخاتم ذهبي علي شكل وردة صغيرة تتخلله فصوصًا من الكريستالات الامعة
فُتحَ الباب علي مصرعيه فظهرت زهراء وهي تتمايل بقدها النحيل وتحرك يديها الغضتين ذي الأساور الرنانة أمام عيني يافوز الذي تأجج الغضب داخله واشتعلت إمارات الغيظ بأوصاله ، وأثناء ما كانت تلتف هي التقت عيناهما ببعض لتجده ينظر إليها شزراً ويشير للباب المفتوح لتبادله أخرى غاضبة مُعاندة .. ثبت عينيه على خاصتها لتضطرب هي ويغزو وجنتيها اللون الوردي وسرعان ما تجلس بجانب إحدى النساء التي لم تعرفهم !
دلفت أم مصطفي إلي حجرة الفتيات والتي كانت السبب في فتح الباب علي مصرعيه .. تبعتها ظلها وحاملة أسرارها وشيطانها الموسوس " أم أيمن "
لكزت أم أمصطفي أم أيمن ومالت علي أذنها هامسة بغيظ
"شوفي كانت بترقص إزاي ولا أكنها رقاصة بعد ما هزقت ابني بنت الرفدي !! "
برمت الأخرى شفتيها وحولت نظراتها لزهراء التي شحبَ وجهها وهي تجلس في ركنٍ ما ثم أردفت
"أنا مش عارفة يختي إزاي أبوها محاسبها علي العملة اللي عملتها دي ؟ "
نطقت أم مصطفي بغل واضح وعينيها تلتهم زهراء
"وديني لأكون مسوءة سمعتها بنت بارم ديله .. تكونش فاكرة نفسها فين .. ده أنا مرقدالها من زمان "
نظرا لبعضهما البعض ثم لزهراء وابتسما بخفة قبل أن يتوجها للقعود ؟؟
جلستا علي إحدى الكراسي الموضوع بجانب سيدة رفيعة يحاوطنها من الجانبين لتبدأ أم أيمن الحديث قائلة
"بس بردو يا أم مصطفي كنتِ المفروض سألتي عليها الأول .. مكنتيش تاخدي الخطوة دي إلا لما تتأكدي من سمعتها "
"ابني مياخدش بواقي حد يختي ... لما عرف انها على علاقة بيه سابها "
انتبهت السيدة في المنتصف علي ذلك الحديث الذي استرعى أذنيها بخفة ثم التفتت لأم أيمن وسألتها من تكون لتجيب بشفتين ملتويتين بحسرة مزيفة
"البت زهرة يا حجة .. أم مصطفي كانت عايزة تاخدها لمصطفي إكمنه يا حبة عيني مراته مبتخلفش .. بس يلا مش عايزين نجيب في سيرة حد خلي الطابق مستور "
التفتت تلك السيدة لأم مصطفي وأصدرت صوت شفقة من شفتيها وتحدثت بتعجب
"وإنتِ يا أم مصطفي إيه اللي يخليها تتجوز لمؤاخذه واحد متجوز قبل كده خصوصاً يعني إنها متجوزتش قبل كده ؟"
كزت أم مصطفي علي أسنانها بغيظ وحاولت تمالك نفسها أمام كلام السيدة ، رغم أنها لم تجد ما تقوله في المأزق التي وُضعت به .. إلا أن عقلها أهداها لفكرة خبيثة تؤدي نفس الغرض ، فأردفت اخيراً بقلة حيلة مُصطنعة وهي تطرق برأسها أرضاً
"كانت روحها فيه يختي ونظرات بقي في الراحة والجاية ولما شورته في الموضوع هو اللي اختارها .. لكن الحمد لله إن ربنا كشفها "
اشتعلَ الفضول داخل تلك السيدة وودت معرفة المزيد فنطقت بفضول يتجلي علي تقاسيم وجهها
"اللي حصل يا أم مصطفي ؟ إنتِ شوفتي عليها حاجة يختي ؟"
تولت أم أيمن دفة الحديث تلك المرة وأردفت بنبرة محايدة مُثيرة للفضول والتحفز
"خلاص بقى يا حجة بلاش نفضح حد .. إحنا عندنا ولايا بردو "
أردفت الأخرى بلهفة وهي تنقل بصرها بين الإثنين في محاولة بائسة منها للمعرفة ، وهي لا تعرف أنها خطة حقيرة ليتركوها علي صفيح ساخن حتي يكون الخبر مُشتعلاً بالفضيحة
"متخافيش يا حبيبتي مش هقول لحد سرك في بير "
نطقت أم مصطفي وهي تضع رأسها أرضاً
"خلاص هحكيلك عشان تخلي بالك بردو "
ثم استطردت
"يختي كنا خلاص هنروح عندهم عشان نطلبها من أبوها ، أفوجئ يختي بالواد حمو بتاع القهوة بيقولي إنها بتروح يعني للواد يافوز اللبناني ده الصيدلية وداخلة طالعة من هناك وهي متزوقة ومتشيكة .. وعرفت يعني أعوذ بالله إن في بينهم حاجة"
شهقت السيدة بعنف وهي رمق زهراء بتقزز بينما استقبلت زهراء نظراتها بتساؤل وهي ترفع حاجبيها ثم سرعان ما اكتشفت ما يحدث .. أم مصطفي وأم أيمن الإثنتين يحاوطنها .. فابتسمت وهي تضع قدم فوق قدم ثم تميل علي زميلتها التي ذهبت للتقصي خلف ما يحدث ..
.....
كان في الخارج يقف مع الرجال الذين جاءوا ليباركوا له ، بجسده فقط معهم لكن ذهنه وعقله داخل تلك الغرفة التي تقبع بها حبيبته وشاغله عقله .. ومُناه الذي ظفرَ به أخيراً
أطلقَ تنهيدة عميقة من قلبه مُتأملاً ذلك الباب الذي يفصله عنها ، علي مرأى الجميع أصبحت زوجته.. إحساس اللوعة والاشتياق قد ذهبا لرؤيتها وهي ترتدي الفستان الأبيض الذي ينسدل علي جسدها بأريحيه .. كان قد انتقاه لها حينما كان بالخارج .. كأنه يعلم أنها مسألة وقت وستكون له .. وإليه قد خبئها القدر !
"مبروك يا عريس "
صافحَ حازم يافوز الذي كان يقف بجانب والده مُمتعضاً من حضور تلك المراسم ، فقد جاء بعد محاضرة
طويلة من والده بأنهم أهل .. ويجب أداء الواجب
"الله يبارك فيك .. عقبالك "
أردفَ حازم بابتسامة خفيفة ، وكاد يافوز أن يتحدث بسخريته المعهودة أنه لن يقوم بتلك الفعلة المُشينة بحقه حتي تفاجئا الإثنان بصوتٍ عالٍ قادم من غرفة النساء التي فُتحت مرة أخرى .. علي مشهد مُريع
النسوة متفرقات إلي جانبين .. جانب يُمسك أم مصطفي والأخر يمسك بزهراء التي كانت ملامحها توحي بالغيظ الشديد
تبادلا الإثنان نظرات الذهول وهما يستمعان للشجار المُحتدم بين الإثنتين
"وهو أنا كنت أعرف إبنك أصلاً يا حرباية عشان تقولي عليّا كده .. ده
أنا هطلع عينك بس اصبري "
كادت الأخرى أن تفلت من السيدات اللاتي كبلنها -حتي لا ينشب شجار الأيدي بينهما- لكنهم أحكموا غلق الدائرة حولها .. فصدحَ صوتها بالكذب رغم الحشرجة التي أصابتها
"ميشرفناش أصلاًده إنتِ تربية واطية ومحدش هيرضي بيكِ بعد ما كنتش بتروحيله المحل "
تأجج الغضب داخلها وأصبحت لا ترى أمامها من فرط عصبيتها فأزاحت الفتيات ثم تقدمت من أم مصطفي التي شحبَ وجهها وتراجعت خطوة للوراء لتهتف زهراء بصوتٍ منخفض ما لبثَ إلا أن تحولَ لعاصفة كعينيها
"قولي كده تاني سمعيني قولتي إيه ؟؟ ... محل وبروح لمين ؟ "
أمسكتها مريم من يدها هامسة في أذنها لتهدئتها
"براحة يا زهراء عشان الولية دي ممكن تقول وتعمل أي حاجة "
أشاحت زهراء بيدها لمريم بحدة واستكملت حديثها بصوتٍ أعلي
"استني يا مريم كده أما نشوف العقربة دي بتقول إيه ؟ "
ثم نظرت لأم مصطفي بسخرية وتخصرت وهي تقف بميل استهزاءًا بمن تقف أمامها ويتطاير الشر من عينيها
"كنتِ بتقولي إيه بقي يا ولية إنتِ ؟"
انطلقت اللعنات من فم أم مصطفي التي كانت تنظر بغل لزهراء ومريم التي تمسك ذراعها حتي لا تُقدم علي فعل شيء ستندم عليه
"بقول إنك مش متربية وماشية على حل شعرك إنتِ والمحروسة اللي اسمها مريم ..اللي عليها سحر إسود "
شهقات مكتومة ومنها اُفلتت من الأفواه التي كُممت بالأيادِ في محاولة بائسة لكتم تلك الشهقات ..
الجميع ينظر لبعضه بصدمة منهم من ينظر بإشفاق .. ومنهم من يتجلي في أعينهم الشماتة .. وأخري نظرات مشبعة بالحزن !
وجهت مريم بصرها نحو منيرة التي شحبَ وجهها فاشتعل الغيظ داخلها ونطقت بغضبٍ هادر الذي تحول لتحدي
" السحر الإسود ده اللي بتعمليه في الناس .. ها تحبي أتكلم قدام صاحبتك وحبيبتك أم أيمن ولا تحسي علي دم أهلك وتمشي من هنا "
لكنها لم تتمهل وتحدثت بما عرفته مؤخراً ضاغطة على كل حرف تلفظه .. وتنظر بازدراء للحيتين الملتويتين
"أه صحيح ما أصل أم أيمن متعرفش إنك مسلطة الشيخ يعملها عمل لبنتها عشان متخلفش.. بعد ما عرفتي إنها اللي سلطت عليكِ الحجة عبير ومدخلتكيش
أخر جمعية "
انتهت من حديثها اللاذع مُطبقة ذراعيها لصدرها لتتفاجأ بحازم يسحبها بعيداً عن ذلك التجمع وهو يرمقها شزراً وهمسَ لها من بين أسنانه
"حسابنا بعدين .. "
في ذلكَ الحين تشدقت زهراء بتقطيبة حاجبين وشفقة مُصطنعة
"هو أنا قلتلك إنها تعرف يا مريم ؟ .. يقطعني شكلي قولتلك !! يلا أهي مكنتش تعرف وعرفت بقي "
كادَ حازم أن يفتك بمريم التي تنظر إليه ببراءة مزيفة
لينتقلَ ببصره لأم مصطفي هاتفاً بحنق مشوب بالحدة بسبب صوته العالي
"لو سمحت يا ست إنتِ ياريت تمشي من هنا وكفاية مشاكل لحد كده "
نظرت إلي الحاضرين بشر فهي الآن ليس لديها ما تخسره أو هكذا ظنت .. رفعت حاجبيها بثقة واهية وتشدقت بأخر كذبة وهي تُشيح بيدها في الهواء غير آبهه بما سيحدث .. يكفي أنها ستشفي غليلها من تلك الفتاتين اللتين تتطاولا عليها كثيراً
"همشي بس ياريت يا أنسة زهرة تبقي تروحي موكنة إنتِ وديك البرابر بتاعك الأستاذ يافوز عشان في الصديلية كده قدام الناس عيني عينك مينفعشي "
حالة من الصدمة سيطرت علي الجميع فقط ثلاثة كانت وقع الحديث عليهم أشد وأعمق زهراء .. يافوز .. باسم الذي قام من مقعده متوجهاً نحو ابنته في محاولة منه لصفعها لتمتد يد يافوز تمنعه هاتفاً بثقة
"إيه يا عمي هتصدق علي زهراء الكلام ده .. وبعدين ما كله كان تحت عين حضرتك .. فيها إيه لما خطيبتي تجيلي المحل ؟ "
.................
"مبسوطة "
أردفَ بها فهد بعدما أوقفَ السيارة أمام عربة حُمص الشام علي النيل وداخله ينمو شعوراً جديداً لم يعرفه قبلاً ... بالتأكيد ليس شعوراً بالاهتمام أو الامتنان بل هو مذاق من نوعٍ أخر يجعل القلب يرتجف والعقل يغيب في حضرة صاحبة الشعور
أماءت شيماء بصمت وابتسامة واسعة تزين ثغرها الصغير ، ثم نظرت لهيئتها التي تغيرت تماماً .. من ملابس رثة ووشاح صغير يقبع فوق رأسها تُظهر جسد ظفلة صغيرة إلى أنثي في الثامنة عشر من عمرها ذات ثيابٍ مُنمقة وشعرٍ مفرود وملامح ظاهرة غير تلك التي تخفيها مرارة الأيام
"إنت مخلتش في نفسي حاجة إنهاردة .."
نظرَ إليها بحنان استشعرته هي في نبرة صوته الرخيمة
"يارب دايماً تكوني مبسوطة ، وبعدين أي حاجة تحتاجيها إطلبيها مني أنا .. ملكيش دعوة بماما ولا بابا "
ارتفعت سخونة وجنتيها حتى واشكت علي الانفجار وأطرقت برأسها في خجلٍ مضنٍ اكتسحَ غبار قلبه ليدق بشدة مُعلناً رفع رايته البيضاء لتلك الأميرة ذات الوشاح الأزرق ..
قامَ بإخراج من حقيبة الملابس الموضوعة في المقعد الخلفي وشاحاً أزرقاً ذو فراشات بيضاء تتخلله .. كانَ أنيقاً بخلاف التي ترتديهم دائماً فقد تولى مهمة انتقاء الملابس حتي الأحذية والحقائب
لم يستطع مقاومة رغبته في رؤية وشاحه علي شعرها متوسط الطول ثم اقتربَ منها في محاولة لربطة حول رأسها .. فهو يعطيها مظهراً مميزاً لا يحب رؤيته سوي عليها.. والآن يشعر بسعادة مُرضية لشرائه ذلك الوشاح !!!
كل انش يقتربه منها يجعل خلجاته تضطرب ورعشة يداه الأتية من ارتجاف قلبه لا تنفره عكس ما كان يشعر تجاه جميع النساء .. بل هي مُحببه إليه
وضعَ الوشاح علي رأسها ثم أردفَ بصوتٍ هادئ مشوب بنغمة الوجدان الرائعة
"اربطيه بمعرفتك بقي وطلعي القصة منه عشان شكلك بيبقى حلو "
لم تقل اضطراباً عن حاله فالتقطت أخراه وعقدتهما من تحت شعرها كما تفعل وقلبها مازال يقرع الطبول .. واحساساً جديداً يعتريها .. وبالتأكيد ليس الشعور الأبوة التي تفتقده !
العاشقان الغبيان .. كل شيء بهما يرتجف حيال الأخر .. الأيادي .. العيون حتي القلوب أصابها ..ولكنه ارتجاف محتوم خُتم عليه أن يرتجف كلما رأى نصفه الأخر ..
قطعت شيماء لحظة الاعتراف السرية وهي تقول بمرح أصبحَ يلازمها منذ أن دلفت للمنزل ..
"أنا عازماك بقى علي بلح الشام بما إننا علي النيل وده مكانه "
نظرَ من الخارج ثم ابتسمَ لها وأردفَ
"يبقى أنا اللي عازمك "
اصطنعت الحزن ثم تحدثت باعتراض
"لأ .. كفاية أوي اللي اشتريته أنا اللي هعزمك .. وعلي فكرة أنا مُصرة .."
رفعَ يده باستسلام زائف وبادلها هو الأخر نفس مرحها الذي كان في السابق
"لأ أدام مُصرة يبقى إنتِ اللي عازماني يباشا !!"
............
أمسكها من ذراعها وقادها أمامه بحدة حتى أنها كادت تتعثر وتسقط أرضاً عِدة مرات
"أه .. بالراحة عليّا ده إنت غبي "
انتفخت أوداجه من الغضب والتمعت عيناه بنيران الغيظ ليمسك ذراعها بحدة وهي تقف أمامه تُبادله النظرة بنظيرتها .. لم تأبه خوفها وحالته الشرسة .. كل ما يعنيها أن تأخذ حقها منه الآن ..
"في بنت محترمة تعمل اللي إنتِ بتعمليه ده ؟؟"
كانت تلك القشة التي قسمت ظهرها وقلبها وجعلتها تخرج عن طور هدوءها التي تقمصته لوهله .. فانفجرت به ببكاء شديد هادرة بعنف
"يوووه بقى كل شوية مش محترمة ... خلاص ملكش دعوة بيّا وابقي خليك في حالك مش لازم تبقى مراقب تصرفاتي .. أنا غلطانة إني ... إني ... "
قطعت كلامها وهي تدفن وجهها بين يديها وتبكي بانهيار تام .
ظلت على حالتها دقائق وهو مازال يقف أمامها مصدوماً مما حدثَ فانهيارها أمامه جعله يشعر بالشفقة ناحيتها .. فلقد أثقلَ العيار من كلماته اللاذعة ووصفها بأنها عديمة الاحترام ككل مرة !!
اقتربَ منها وربتَ على كتفيها بحنو نمى داخله ليجدها تنتفض بعيداً عن يده كأن عقرباً لدغها وهي تنظر له باحتقار لتهتف أخيراً بعدما استعادت صوتها
"إنت عايز مني إيه ؟؟؟ مش كفاية اللي عملته فيّا قبل كده.. جاي تاني ليه حرام عليك سيبني في حالي "
هدرت بعنف وهي تدخل لبيتها لتتركه مُتخبطاً في أفكاره السوداء .. ومشاعره المُختلطة ما بين غضب وشفقة .. و غيرة !
قد وقعَ في فخها .. فالغيرة بداية طريق جديد الحُب نهايته
...............
دفعها أمامه حتي وقعت علي الكرسي فأصدرت صوت تألم .. لينظر لها هو بغضب سافر بينما يهتف
"إنتِ إيه اللي عملتيه برا ده ؟؟ .. هي دي الأصول يا مدام"
دغدغت كلمته مشاعرها وأطربت أذنها .. فهي أصبحت زوجته ورغم أن الوقت ليس مناسباً إلا أن نظرتها كانت مشوبة بالحالمية وداخلها ينتفض فرحاً من كلمته المتملكة
"ءءء .. أنا كنت بدافع عن نفسي ، إنت مشوفتش هي قالت إيه ؟"
قطعَ المسافة الفاصلة بينهما وهتفَ بحدة محاولاً السيطرة علي نفسه
"تسبيني أنا اللي أرد وأخدلك حقك .. إنما جو الشراشيح ده لأ ... أنا مقبلش إن مراتي يتقال عليها شرشوحة ! "
لثاني مرة يُثبت ملكيته لها ... لو أنها ليست خائبة الآمال الآن لكان وقع تلك الكلمة أكثر خطورة لدرجة أن قلبها خفقَ بسرعة فور أن لامسته تلك الكلمة ..
أخفت ما تشعر به ونظرت إليه مضيقة عينيها دون أن تظهر ما تفكر به
"قول بقي كده إنك خايف على اسمك وسمعتك أكتر مني "
لم ينتبه لباقي الجملة ليأخذه الغرور وهو يهتف مخللاً أصابعه في خصيلات شعره الطويلة
" طبعاً خايف على اسمي ... إنتِ خلاص بقيتي مراتي "
ثم استطردَ بتحدٍ كأنه يحدث نفسه
"ومحدش هيقدر يقربلك بعد كده"
نظرت إليه نظرة خواء ... خالية من الروح ؛ هو يفضل نفسه عليها إذًا .. غرورة البربري الذي يمنعه من أحقيتها فيما فعلت جعلها تتمني أن تنتهي تلك الزيجة الآن !!
عقل غائب .. وقلب مكلوم ..ونيران تتقد في الداخل سببها كلمة قيلت لكنها لا تمنع جفاء النوم في الليل !
-يتبع-
"مشاهــد من الفصــل القــادم "
"انت بتكدب الكدبة وتصدقها ولا إيه ؟؟ ..."
"وماله ياباشا إنت تؤمر وإحنا ننفذ "
"أنا غلطانة من الأول إني صدقتك !! "
"إيه العالم ده ؟؟ "
#سارة_عاصم
أنت تقرأ
منطقة الحب محظورة " كاملة"
Romanceاحذر هذه المنطقة اللعينة ! ما إن تطأ قدمك أرضها ستشعر بالمهابة .. أحداث متوالية تتابع كأنها أمسية صاخبة في جوف ليل هادئ يوم الولادة ويوم الممات صخب يصم الأّذان. احذر أن تسلم أذنيك للشر فتغدو كمن يتراقص علي سيف حاد !