الحُب شعور، والسعادة شعور ، والحزن شعور أما القهر موت ؛والموتي لا يشعرون !
........
تجلس في المنتصف بين سيدة مُمتلئة وأخري رفيعة .. مُتناقضتين ، غريبتين المُمتلئة تحدجها بنظراتٍ فاحصة من رأسها لأخمص قدميها ، وتتعمد أن تمرر عينيها علي جسدها تارة وشقتهما تارة أخري حتي لا تُلاحظ !
أما الرفيعة كانت نظراتها واهنة ، راجية تخبرها بكل وضوح ألا تقبل ما يملوه عليها ، تتوسلها بعينيها أن ترفض ما يدور حولها
انتبهت مريم علي صوت والدتها وهي تتحدث بفرحة عارمة
"منورة يا أم مُصطفي ، ده إحنا زارنا النبي يختي "
أماءت لها السيدة المُمتلئة وهي ترفع حاجبها الأيمن بفخر
"تعيشي يا حبيبتي ، دي الأصول بردو "
ثم استطردت بمكر وهي تنظر لمريم بسعادة زائفة
"بصي يا مُنيرة يا حبيبتي إحنا جايين إنهاردة عشان نطلب إيد مريم لابني مصطفي .. وطبعاً مش هنلاقي أحسن منها"
تنحنحت مُنيرة بحرج وهي ترمق تلك الرفيعة المنزويّه علي نفسها في المقعد تطالع ما يحدث بألم
"بس يعني مصطفي يا أم مصطفي ااا "
قاطعتها الأخرى بنفاذ صبر وهي تطالع مريم بنظرات لم يلاحظها أحد سوي مريم
"مبسش يا مُنيرة ، أنا ابني يقدر يفتح بيتين وتلاته وأربعة وبعدين دي فرصة وجاية لبنتك .. ولا إيه "
كانت نظراتها مُتشفية تُخبرهم بوضوح أن تلك فُرصة لا تعوض لإبنتهم التي علي مشارف الواحدة والثلاثين !!
إكفهر وجهه مريم وكادت أن ترد لولا أن مُنيرة تحدثت بحرج إلي الجالسة بفخر أمامها
" خلاص يا حبيبتي هنفكر ونبقي نرد عليكم"
قامت أم مصطفي بغضب ورمقت أميرة بقوة لتهتف بحده
" ماشي بس ياريت متتأخروش الموضوع مش مستحمل تأخير يعني
"
أوصلتهم منيرة للخارج وعادت لابنتها التي كانت تجلس والغضب يشتعل داخلها ، كيف لتلك الشمطاء أن تتحدث عنها بذلك السوء ؟ ، وفي بيتها ؟ كانت سترد عليها بوابل من الكلمات الثقيلة لولا ضغط والدتها علي يدها وردها بدلاً منها
أبصرت منيرة وهي تعود لبهو المنزل فانتفضت بحده وهي تخبرها بضيق
"ماما أنا مش موافقة علي الموضوع ده ، والست دي متدخلش البيت تاني "
رمقتها مُنيرة بنظراتٍ مُشتعلة واقتربت منها وعلي حين غُره أمسكت ذراعها وتشدقت من بين أسنانها
"بقولك إيه يا بنت إنتِ ، دي فرصة ومش هتتعوض كفاية دلع لحد كده يا مريم "
أزاحت مريم كفها عن ذراعها وهتفت بتوسل
"يا ماما مش عايزة أتجوز بالطريقة دي ، وبعدين ده متجوز واللي أعرفه إنه بيحب مراته جداً حرام علينا نقبل بكده"
لوت مُنيرة شفتيها بضيق ورفعت حاجبها الأيمن هاتفه بغيظٍ دفين
"وإنت كنتِ جبتي من التاني وقلنا لأ ماهو علي يدك محدش كله بقي صالونات ويا متجوز يا مطلق وعنده ولاد .. وبعدين إنتِ مالك بمراته ، إنتِ هتتجوزيه ولا هتتجوزي مراته .. اعقلي يا مريم بدل ما اعمل اللي ف دماغي "
ضيقت مريم عينيها بتساؤل جلي ثم أردفت بخفوت
"هتعملي إيه ؟"
حدجتها منيرة بنظراتٍ قاتلة ، ترفع رأسها بشموخ وشفتين مزمومتين بحنق
"هوديكِ عند شيخ يشوف معمولك عمل ولا لأ "
كادت أن تعترض وتُبدي ضيقها من الفكرة إلا أن مُنيرة لم تعطها الفرصة لتفعل فقد انسحبت بعدما فجرت كلماتها أمام تلك المسكينة
فكرت لوهله وقد التمعَ برأسها فكرة يُمكن أن تُنجيها من براثن تلك الزيجة المشؤومة
....................
تأنقت كما لم تفعل من قبل ، ارتدت تلك المرة عباءه مُطرزة من اللون الأسود وعقدت الطرحة بشكل دائري علي شعرها وانطلقت مرة أخري ناحية وجهتها بتصميم
سارت ببطيء وهي تتلمس أثره في المنطقة ، تخشي عدم وجوده في المحل الخاص بهم
ستموت قهراً إن لم تستعد كرامتها المهدورة علي يده ، وكلامه اللاذع ونظراته المُميتة الساخرة الموجهه إليها !!
عضت علي شفتيها حينما لمحته يدلف للمحل بخطي واثقه .. كانت تحدجه بشراسة وغضب إلي أن بهتت نظراتها حينما التفتَ إليها !
نفسها المُنتظم اضطرب ، وقلبها اختلج، وتهدجت شفتيها فحتي لو كانت ستلعنه في سرها .. ضاعت فرصتها
ابتسم لها بسماجة ثم حياها بيده ودلف للداخل بينما هي ظلت واقفة تشتعل من تصرفاته الباردة تجاهها ..
عزمت علي إكمال ما جاءت من أجله حتي تهدأ نيرانها المُشتعلة بأفعاله الثلجية ..
ما إن تقدمت خطوتين إلي الأمام حتي سمعت جُملة جعلت النيران تُنفث من أذنيها
"ما تحن يا جن !"
التفتت إليه ورسمت علي شفتيها -المطليتين باللون الوردي- ابتسامه مُزيفة وأردفت بصوتٍ هادئ
"انت بتكلمني أنا يا أخ "
غمزَ لها بوقاحة وتقدمَ منها بجراءة ومال علي أذنها وتحدث مما جعل عينيها تتسعان وقبل أن يكمل جملته كانت ترفع نعلها وتضربه بالكعب علي رأسها حتي نزف وهي تصرخ بغضب
"يا سافل يا قليل الأدب ... يا زباله يا زبالة ، والله لأعرفك يا تربية ناقصة"
كان يصرخ باستنجاد من بين يديها وهي تكيل له الضربات المتتالية علي ظهره بقوه
خرج يافوز علي الجلبة في الخارج ليتفاجأ بالمنظر أمامه ..
استندَ علي الباب يراقب الشجار باستمتاع ما بين تجمهر الناس ليخلصوا فتي القهوة من بين يد زهراء التي تضربه بغل واضح .
حاولوا انتشاله من بين يدها وأسنانها التي شقت طريقها لذراعه مُحدثة علامة حمراء تاركة مكان أسنانها بارزاً
اندهشَ يافوز من قوتها التي تضرب وتسب بها فقد سمعَ من الألفاظ النابية والخارجة ما لم يسمعه في حياته من امرآه قط !
استغلَ انشغال الجميع بمعاقبة الفتي الذي أشفقَ عليه بعد ضرب زهراء له ، وتقدمَ منها بابتسامته الباردة وتعابير وجهه الساخرة ومال مُهمهماً بخفوت وبحديثٍ لم تسمعه
كادت أن تبكي وتذهب لغرفتها ككل مرة يصيبها الضعف لكنها وجدت نفسها تذهب إليه كما كانت ستفعل لولا الحقير الذي اعترضَ طريقها مُلقياً علي مسامعها ما لا تُحب
نفس النظرات تقريباً لكن من ينال الضرب هو فتي القهوة ، فستظل النظرات نوعاً من أنواع المعاكسة حتي تأتي من الشخص الصحيح تبقي غزلاً .. لكن يافوز لن يتغزل بها هو فقط يُثير حفيظتها ويتعمد جرحها بأقسي الحديث
وجدت نفسها أمامه ترمقه بنظراتٍ شزره ، كلما تراه تتقد النيران داخلها وتتذكر أخر مقابلة بينهم ..
"بقولك إيه يا هندسه ما تجيب من الأخر وتقول عايز إيه "
قالتها بغضب ، وقبضتها تطرق المكتب بعنف ... تنظر إلي عينيه الآسرتين مُنحنيه بجسدها علي الطاولة الخشبية التي تفصل بينهم تحدجه بجمود ظاهري
استقام في وقفته حتي تخطي طولها ، وعيناه تزدادان قتامة ليردف بعدها بصرامة تليق بمهابته ارتجفت أوصالها له
"لما تتكلمي معايا يبقي تتكلمي عدل ، وبعدين أنا مبتهددش وبطلي ترمي بلاكِ علي الناس "
زمت شفتيها ورمقته بنظرة غاضبة قبل أن تُجيبه
"برمي بلايا ؟؟ انت اللي جاي تكلمني في وسط الخناقة وتقولي مش عارفة إيه .. ثم إنت مالك ومال لبسي إيه دخلك "
التفَ حول المكتب ليقف أمامها بثبات ، وعينيه تدوران حولها بوقفتها المائلة قليلاً عينيها المُكحلتين دائماً بذلك الأزرق القاتم الذي أعطي رونقاً سخياً لعينيها
تململت في وقفتها من نظراته الفاحصة لتجده يهتف بعد قليل بحاجب أيمن مرفوع وذراعين مُطبقين لصدره بعدما حطم أمالها الواهية
"وأنا إيه يعرفني إن هو اللي عاكسك ؟ ما يمكن إنتِ بتتبلي عليه زي ما جيتي بالظبط المحل هنا وبتتبلي عليا "
شهقت عالياً وقد استولي عليها الغضب فتقدمت حتي أصبحت قريبة منه ، لتصبح مهمتها الآن مُجابهه عينيه بخاصتها المتمردتين !
"نعم ؟؟؟ إنت واعي للي إنت بتقوله .. أنا أخلاقي دايماً فوق والحتة كلها شاهدة "
اتسعت عيناه ثم حكَ ذقنه بأصابعه هاتفاً بتهكم واضح
"امممم صح !! ، بأمارة إيه .. بأمارة لبسك مثلاً ولا مجيتك البيت وإنتِ عارفة إن فيه شاب ؟ ، ولا بأمارة ألفاظك الحلوة أوي ماشاء الله يعني أبدعتي "
التمعت الدموع بعينيها من حديثه اللاذع الذي أصاب صميمها ، وتراً حساساً قُطع ولم يُلمس فقط لتجد نفسها تحاول عدم إفلات دموعها أمامه ..
تلك المرة كانت شديدة فوقاحته اجتازت حدها في الاحتمال .... لم تظن أنه بتلك الفظاظة البشعة ليقول لفتاة مثلها هذا الكلام !
عضت شفتيها بقوة لتمنع دموعها من الهطول ثم أردفت بصوتٍ مُختنق بعدما انفلتت عبرة خائنة من مُقلتها
"أنا كنت بمشي قبل ما إنت تيجي علي فكرة والدليل إنك مكنتش عارفني يوم ما جيت المحل .. "
"أه صح فكرتيني بيوم المحل .. واستعراض يوم المحل دي كانت لعبة ولا إيه "
أردفَ بمكر لترتفع يدها وتصفعه علي وجهه مُتمتمه بصدمة قبل أن تهرول خارج المحل
"اخرس ... أنا غلطانة إني جيت أصلاً "
وكالعادة ينتهي بها الأمر علي فراشها تبكي ... لكن تلك المرة كان بكاءها مقهوراً متبوعاً بشهقاتٍ خانقة وغُصص حارقة تمنعها من التنفس !
انتفضت علي صوت والدها وهو يهتف باسمها بصوتٍ جهوري
"زهرااااء "
.................
"اتفضلي اقعدي ثواني وهجبلك ماما "
أردفت شيماء للممرضة التي تجلس أمامها بودٍ ثم سارعت لجلب أمها حتي تأخذ الدواء وتثرثر قليلاً حتي حين موعد قدوم -الحائط المائل- كما تُسميه شيماء
استقبلتها بسمة الممرضة بابتسامة بشوشو كأنما تخبرها أن الحياة دائماً لا تُلقي بالصعاب مرة واحدة ، وأن الجانب المضيء مازال موجوداً يقبع داخلنا .
"إزيك يا أم شيماء ، معلش يا حبيبتي اتأخرت عليكِ ومجتش امبارح جوزي مرضيش يطلعني "
تحدثت بحرجٍ بالغ لتربت أم شيماء علي يدها بحنو وتتحدث بوهن
"كتر خيرك يا حبيبتي كفاية إنك مش ناسياني وبتزوريني "
ثم هتفت بصوتٍ أعلي ناحية المطبخ
"شيماء اعملي كوبايتين شاي "
صدحَ صوتها من المطبخ بالموافقة لتلتقط لأكواب الزجاجية وتبدأ بإعداد الشاي .
رافقتها نظرات والدتها وهي تحمل الصينية وتتجه ناحية بسمة التي نطقت بلهفة
"هاا قولتي إيه يا أم شيماء "
"خير يا بسمة هو في حاجة ولا إيه ؟
أردفت شيماء وهي تقدم الشاي لبسمة التي نطقت علي عُجالة
"جوزي شغال في مصنع وقالي إن مرات صاحب المصنع محتاجة يعني حد يساعد في تنضيف البيت وكده فقلت أقولك بما إنك قولتيلي إنك عايزة شغل "
رمقتها شيماء شزراً من أنها أخبرت والدتها بالموضوع الذي كانت تُبقيه سراً عنها
"احم طب اا استأذن أنا بقي "
أجابت شيماء من بين أسنانها وهي توصلها للخارج
"إذنك معاكِ يا حبيبتي .. خدي يابت إنت مش قلتلك مش عايزة مخلوق يعرف الموضوع ده "
ضربت علي صدرها بخفه وهتفت بحزن
"يقطعني يختي والله بحسب أمك عارفة يعني بما إن الموضوع ده مينفعش يتسخبي عنها "
شردت قبل أن تُجيبها بقلة حيلة
"عندك حق هحاول أخليها توافق"
مالت عليها بسمة وقد ارتسمت علي شفتيها ابتسامة ماكرة وهي تخبرها بمزايا العمل الجديد
" دول متريشين يابت أخر حاجة، والست معندهاش عيال صغيرة يادوبك هو ظابط وبيقضي خدمة ومبيجيش غير كل كام شهر ، وبنت متجوزة وعايشة في دُبي يعني مش هيتعبوكِ "
مصمصت شفتيها ثم استطردت قائلة بقهر
"يختي أي حاجة المهم أشتغل وأجيب أي قرشين "
"فين القرشين دول يختي .. إحنا بنشوف من خلقتك إنتِ وأمك حاجة"
قاطعهم صوت والدها وهو يدلف للداخل مترنحاً من أثار السُكر البادية عليه ، ونظراته الجريئة تجاه بسمة
"طب اا أنا همشي بقي وابقي كلميني "
لم تنتظر بسمة رداً من شيماء وعدت سريعاً من أمامهم اتقاء نظرات ذلك البائس السكران
همهمَ بكلامٍ خافت استشفت منه شيماء أنها كانت مغازلة للمسكينة التي خرجت للتو ، تجاوزته واتجهت ناحية والدتها التي ترمقها بضيق
لتقبل يدها بخفة وتتحدث بحنان
"ماما أنا عارفة إنه مكنش ينفع أخبي عليكِ بس مش هينفع طول عمرنا نعيش في الذل ده ودلوقتي مبقاش حد بيصرف علينا "
أجفلتها نظرات العتاب المصوبة من والدتها ونبرتها الثلجية التي تحدثت بها
"كنت هدور علي طريقة غير إني أمرمطك يا شيماء ... مستعدة إني أروح أشتغل هناك بس إنتِ لأ "
هزت رأسها يميناً ويساراً رافضة حديث والدتها ، مُغمضة عينيها بقوة تمنع انسياب عبراتها الثقيلة
"ماما إنتِ تعبانة مينفعش .. إستحالة هسمحلك بكده ، وبعدين الشغل ده هو اللي هيوفرلي مصاريف الدراسة كمان .. وهبقي يأشتغل في الإجازة بس .. عشان خاطري يا ماما وافقي ."
رمقتها والدتها بنظراتٍ حانية ، مقهورة فهي ليس بيدها شيء !!
منذ مرضها الأذلي تحصل علي بعض المساعدات من المشفي ، لتجد نصف ما تأخذه مسروقاً من قِبل زوجها .. الحائط المائل الذي لا يفعل شيئاً سوي أنه يشرب المحرمات ، لم يترك شيئاً إلا وشربه .. المُخدر يسري بأوردته يجعله مُغيباً للعقل فيسرق من المال القليل الموجود في المنزل !
...............
دلفت إلي الحُجرة ذات النور الأحمر والرسومات المُخيفة، الغرفة مُزينة برؤوس الحيوانات علي الحوائط من كلتا الجانبين ..
تجاهلت رجفة جسدها وهي تمر في الممر الخارجي حتي وصلت إلي الرجل المُلقب بالشيخ المبروك ..
ما إن خطت داخل الغرفة تجاه مبروك حتي بدأ بالصراخ وهو يضع يده أمام وجهه
"ابعدوها من هنا ... ابعدوها من هنا !! "
................
أنت تقرأ
منطقة الحب محظورة " كاملة"
Romanceاحذر هذه المنطقة اللعينة ! ما إن تطأ قدمك أرضها ستشعر بالمهابة .. أحداث متوالية تتابع كأنها أمسية صاخبة في جوف ليل هادئ يوم الولادة ويوم الممات صخب يصم الأّذان. احذر أن تسلم أذنيك للشر فتغدو كمن يتراقص علي سيف حاد !