الفصل التاسع الجزء الثاني "حتماً تتلاقى الأقدار"

5.1K 143 12
                                    

حتى لا تضطر لإعلان هزيمتها لجئت للكذب ،ولكن شاءت الأقدار أن تُفتضح برعشة يديها وتهدج شفتيها المبرومتين عقب إنتهاء كل جُملة خادعة تفوهت بها ..
لم يغفل هو عن اضطرابها وثقتها الواهية التي تزعمها ، أخفى تعبير وجهه بملامحه الجامدة ثم أردفَ بهدوء يعكس مكره وما يعتمل بصدره
"إممم وهتقولي إيه بقى للناس اللي المفروض مستنين كتب الكتاب "
امتقعَ وجهها حالما تذكرت عقد قرانها الذي من المُفترض أن يكون بعد أسبوع !!، تلك المرة لا تستطيع أن تفعل شيئاً فالأمر كله بين يدي والدها وهو لن يمرر فعله كتلك ! .. ، فضيحة أخرى وأحاديث النساء لا تنتهى بل تظل كعلكة تلوكها الأفواه حتى تأتي فضيحة أخرى تطمس الأولى .. والجميع يتحدث حقاً أو باطلاً
كان هو من تحدثَ حينما قطعَ شرودها وقد بدأ يستشف هو الأخر ما تُفكره ، فأجاب ببرود محاولاً استفزازها ليرد ثأره
"عـ العموم لو مش عايزة الجوازة تتم نبقى نتطلق بعد كتب الكتاب .. أو بعد الفرح بسنة إنتِ وشوقك بقى !!"
نظرت إليه بصدمة تحاول معرفة ما يدور بعقله لكن ملامحه الباردة لم تمكنها من سبر أغواره
تظل دائماً هي الخاسرة بحضرته ، وجوده يربكها .. ضحكته الجانبية الساخرة تجعل قلبها يدق بعنفوان كأنها في ماراثون .. وماراثون الحُب كان أقوي وأعتى من أن يكون الخاسر به يافوز !
ازدردت ريقها الذي كان كالعلقم .. ينخر في أحشائها بلا هوادة .. وبعد فترة وجيزة من الصمت بدأت عبراتها في الهطول وبعد أن كان الاضطراب قلقاً كان انتفاضة من البكاء
قطبَ حاجبيه بحيرة فتلك التي كانت تدّعي الصلابة منذ قليل أصبحت هشة كورقة سقطت من شجرة عتيدة في أيام الخريف العاتية ..
زفرَ بنفاذ صبر ثم اقترب منها بينما هي تذرف الدموع بصمت وتمسحهم بباطن يديها في منظر طفولي جعله يندم على التفوه بتلك الحماقة ..
ضمها برقة وهو يهمس لها بكلمات مُطمئنة حتي تهدأ ... كالطفلة الصغيرة أخذَ يهدهدها يخبرها أن حياتهما معاً ستكون ناجحة ... وهي لم تكن بحاجة لهذا
أخبرها أنه لن يحزنها مهما حدث .. وهى لم تكن بحاجة لهذا
يحدثها عن ليلة عمرهما التي ستكون وهمية ... وهى لم تكن بحاجة لهذا
أخبرها أنه يحبها .. وكانت بحاجة لسماعها منه !!
زادت من حده بكاءها ما إن همسَ لها بضالتها .. رغم أنه أخبرها منذ قليل .. إلا أن الشعور بها وهي بكنفه كان له ... شعور أخر !

"يعني أهزقك تعيطي ... أقولك كلمة حلوة تعيطي "
ابتسمت من بين بكاءها ليبتعد عنها متأملاً إياها بشغف والفراشات الصغيرة تتلاعب بمعدتها لتدفعه مُبتعدة ووجنتيها مشتعلتين باللون الأحمر القاني ليستغل هو حالتها المضطربة ويهتف لاكزًا إياها بكتفها .. بينما غمزَ بعينيه وابتسمَ .. وكانت أطولَ فترة وجدته يبتسم بها
"هااا كتب الكتاب في معاده ... يا حرمي المصون!"
بادلته الابتسامة بأخرى هائمة وأردفت بحبٍ دفين
"في معاده .. يا زوجي العزيز"
..........
(بعد أسبوع)
أصبحَ الخذلان هو ما يربط بينها وبين الطرف الأخر .. كان نقماً عليه أن يراها سعيدة أو أن تحاول التظاهر حتى .. بصددٍ جعل حياتها مثل الوردة يانعة في الربيع ، ذابلة مُتساقطة في الشتاء . توارت خلف دفاترها النسيان وهي تبتعد عن الناس لتخط كلمة وحيدة "الكــره"
بثت هذه الكلمة كأنها للطرف الأخر حتى هدأت روحها .. ثم عادت تكتبها بكل لغات العالم
دلفت لغرفة والدتها مُتأملة سريرها الفارغ الذي تركته ورحلت التي كانت لها الحياة ومحاسنها ..الأمل الوحيد الذي كانت تكافح من أجله أصبحَ يتوارى خلف الثرى مُخلفاً سيرة وروحاً مكلومة !
مسحت علي الفراش بحنو وكريستالاتها البيضاء تأخذ مجراها علي وجنتيها حتى أصبحت الدموع تغشي عينيها التي لم تتوقف عن البكاء طيلة الأيام الباقية ..
بعد حفنة من البكاء الغزير استسلمت لشبح النوم الذي أطبق عليها بعد أيامٍ طويلة لا تنام بها ....
.............
ترجلَ من سيارته بقامته الطويلة ووسامته الملحوظة .. رغم بساطة ملابسة المكونة من بنطال جينز أسود وتيشرت من اللون الجملي ، وبعد ارتداءه تلك النظارة السوداء أصبحَ ذا طلة مهيبة وهالة قوية ..
"إيه العالم ده ؟؟"
تحدثَ بينما يرفعَ نظارته السوداء إلى شعره الأسود الحريري لتظهر مياهه الزرقاء الصافية بعينيه .. أغلقَ الباب وهو يتأمل الشارع الذي وصفته له هيام بتقزز واضح ثم قطب حاجبيه ليتذكر أين كان يقع البيت ...
وبعد أن وصلَ إليه تنهدَ بضيق .. فبالتأكيد منطقة كتلك وفتاة كشيماء لن تسكن سوى في بيت متهالك تقبع به العناكب وتستتر داخله الحشرات المؤرقة للبعض لياليهم
صعدَ إلى الشقة المنشودة ورنَ الجرس ليظهر بعدها بدقائق وجه بسمة الشاحب لتنظر إليه بانشداه لوهله ثم ما إن تنبهت حتي دعته للدخول مواربة الباب ليرمقها باستفهام جلي جعلها تخبره بما فُغر له فاهه
"معلش أصل مفيش راجل في البيت والجيران مبترحمش "
أشارت له بالجلوس حالما تُعد الشيء الوحيد الموجود في البيت وهو الشاي .. ولتنادي من أجبرته على المجيء ضارباً بقراراته عرض الحائط
جلسَ يفكر في كلام بسمة التي ألقته بعفوية بينما شغلَ تفكيره ... تُرى هل تظن أنه سيفعل شيئاً وهو من المفترض أن يكون الحامي ..
مرر عينيه في أرجاء المنزل .. متهالك لكنه مُتماسك ... صغير لكنه دافئ .. ورغم بساطة الأثاث وقلته إلا أنه نظيف يحمل تلك الروح الطيبة التي تجعل القلب يختلج عند الدلوف إليه..
قطعَ شروده صوتاً قد اشتاقه وحلمَ به كل ليلة منذ أن ابتعدت ... حولَ نظره إليها ليجدها كما جاءت إليهم أول مرة ... نحيفة ، هزيلة ، تربط شعرها بوشاحٍ أسود وعينيها غائرتين يشوبهما الحَمَار بسبب البكاء .. لكن شيئاً بها قد اختلف .. نعم .. النظرة !
كانت نظرتها جامدة خالية من الروح ، عينيها الرقيقتين ذات الشعاع اللؤلؤي المُنبثق منا اختفي .. وحلَ محله نظرة قاتمة .. ساخطة .. رغم وهنها إلا أنها تتحامل على نفسها لتزدرد كل ما تراه
"خير يا حضرة الظابط؟"
صدمته نبرتها الصارمة بعد أن جلست أمامه مُتحاشية النظر إليه ..ليزفر هو بهدوء بينما يخرج وشاحها الأزرق من جيبه ومدَ يده إليها في انتظار أنها ستأخذه لكنها رمقته بسخرية ثم أشاحت بعينيها مرة أخرى فلم يجد بداً إلا أن يضعه علي الطاولة أمامها متداركاً حرجه
"نسيتي ده "
"وإنت بقى جاي عشان كده ؟؟ ... كتر خيرك كنت ممكن تبعته مع أي حد .. أو ترميه يعني مش فارق "
كانت نبرتها تلسع قلبه بسياط من الندم الذي داهمه منذ أن رحلت لكنه تنامى اليوم حينما وجدها ... أخرى
"لا فارق "
نطقَ بهدوء لترمقه بغيظ قائلة
"لا مش فارق .. وبعدين لو مكنتش عايز أي أثر ليّا في البيت عندكم كنت احرقه "
استنزفت صبره الواهي ليقف متناولاً ذراعها بين يديه ويهزها بعنف ونبرته تحولت للعصبية وحديثه كان يخرج من بين أسنانه موحشاً
"إنتِ مالك ؟؟ فيكِ إيه ؟؟ ... بتتكلمي كده ليه معايا .. أنا صابر عليكِ بس عشان حالتك دي إنما أنا صبري ليه حدود فاتعدلي "
نفضت يده عنها بعنف وهدرت عالياً وهي تضربه على صدره لتخرج انهزامها ويظهر ضعفها تحت قشرة القوة التي غلفتها مؤقتاً .. لتسقط أقنعة الجمود التي كانت تغلفها وتتبين ملامحها المكلومة التي استنجدت به في كلمات بعدها القاسية ..
"إنت ليك عين تسأل بعد اللي عملته ..ده إنت حتى مقولتليش البقاء لله ويومها .. يومها مش هنسى نظرتك ليّا أبداً وكأنك كنت بتقول أنا إيه اللي رماني الرمية السودة دي ... إنت عايز كل حاجة ليك .. ومش مقدر أي حاجة حصلت وفي الأخر جاي تتهجم عليّا في البيت ... ده بُعدك يا فهد مش هكون لعبة تتسلى بيها وبعد شوية ترميها "
نبرتها الشرسة ونظرتها التي كانت تتحول من الخوف للقهر أصبحت حادة بأخر الحديث ، ظلَّ مشدوهاً مما تفوهت به ليقترب منها حتى لفحت أنفاسها رقبته ..مضيقاً عينيه في تساؤل قاتم
"لعبة بتسلى بيها "
عقدت ذراعيها لصدرها ثم التفتت لتعطيه ظهرها هاتفه بكل ما أوتيت من قوة
"أه ... "
مسحَ علي شعره بعنف ثم أردفَ بهدوء يعاكس الحرب الشعواء داخله ونيران البراكين اللاهبة ... يا ويله من سيخرج إليه شبحَ الفهد الغاضب
"تتجوزيني !!"
التفتت إليه بصدمة .. وداخلها العديد من الأسئلة .. كيف .. ولماذا .. ومتى !!
سرعان من احتلَ الغضب وجهها مرة أخري لتقول بعنفوان قاسٍ
"دي لعبة جديدة بقى ولا إيه "
أردفَ بهدوء واهٍ
"لا ده بجد "
أخذت تضحك وترنيمة صوتها تعلو بالتدريج .. حتى ذرفت الدموع وهي مازالت تبتسم ثم سكتت لوهله قبل أن تفاجئه بحديثها
"ماما وبابا موافقين ؟ "
"نعم ؟؟"
أعادت سؤالها مرة أخري بسخرية أكبر
"بقولك بابا وماما موافقين ؟؟ .. هيوافقوا تتجوز خدامة كانت بتشتغل عندهم ومعهاش حتى ثانوية عامة .. طب إنت هتقبل على نفسك إن ولادك يبقى جدهم مسجون بعد ما قتل جدتهم عشان خد فلوس الدوا يجيب بيها مخدرات ؟؟ .. طب هتقبل نظرات الناس ليك وهما عارفين مين دي ... إنت عارف هيتقال عليّا إيه ؟؟ .. ماشية علي حل شعري ولعبت عليك لحد ما وقعتك .. هتقبل بكده "
أغمضت عينيها لتتهاوي مقاومتها المزعومة ثم استطردت بألم
"إمشي يا فهد عشان إحنا مش لبعض .. بكل الأحوال"
أعطته ظهرها للأبد تلك المرة لن تستدير إليه مهما حدث .. بينما هو شعر بالإهانة القصوى فور أن تحدثت وألقت الملح علي جرحه المفتوح !
أخطأت في التقدير فليس لكونه أخطأ مرة أنه لا يحبها ويخجل منها !!، لن ينكر أن
نظرته كانت طبقية ذلك اليوم لكن الآن ... هي تخصه .. فقط !
لم ينبس ببنت شفه ونظرَ إليه نظرة أخيرة قبل أن يخرج من البيت وحياتها نهائياً
"ليه كده يا شيماء "
هتفت بصوتٍ مبحوح وقلبٍ متخاذل
"كان لازم ده يحصل .. عشان ميتعشمش في أي حاجة ...ده الأسلم ليّا وليه "
..........

منطقة الحب محظورة  " كاملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن