الفصل الثالث

7.7K 289 17
                                    

الثالث
بعد عدة أيام بمنزل عامر .وصل انس منذ قليل لزيارة صديقه الذى إصابته الانفلونزا الموسمية فلازم الفراش
دخل انس لحجرة عامر الذى يأن من صداع الرأس الذى يفتك به .
يحاول أن يمازحه : إيه يا عم شوية برد يعملوا فيك كدة ؟
تدخل والدة عامر تحمل كوبين من الليمون : اديك شايف صاحبك ونشفان دماغه . أنا هشتكى لك منه يا انس .
يوليها انس اهتمامه متسائلا : ليه بس يا طنط هو زعلك فى حاجة ؟
نجيبه بطيبة شديدة : طبعا مزعلنى وهيفضل مزعلنى طول ما هو وحدانى كدة . من يوم ما ساب مقصوفة الرقبة وهو مش راضي يتجوز وانا عاوزة اشوف عياله قبل ما اموت .
يتنهد عامر : بعد الشر عليكى يا ماما .
فريدة : لا شر ولا خير مالاكش دعوة بيا مادام مش راضي تفرح قلبى
يبتسم انس : تصدقى يا طنط إن عامر ليه عندى عروسة ؟
تلهفت فريدة وجلست أمام انس الذى لم ينتظر تساؤلاتها واسرع يقول : اسمها ولاء . اخت وئام خطبتى بس اصغر منها بسنتين .حتة سكرة يا طنط
تقطب فريدة جبينها استدعى ذاكرتها الفولاذية ، لحظات ثم تتساءل : البنت الطويلة المسمسمة اللى كانت واقفة جمبكم ؟
يبتسم انس : الله ينور عليك هى دى .
نظرت ل عامر بحزم : والله بنت حلوة ولبسها حشم واحلى حاجة الضحكة منورة وشها
يبتسم عامر بسخرية : يا سلام وانتو بقا هتجوزونى بمزاجكم . أنا مابفكرش فى الجواز
لتنهض فريدة معلنة نهاية الحوار : هى كلمة واحدة هتروح مع انس تشوفها وتتكلم معاها واذا حصل قبول هنروح نخطبها علطول .
صمتت لحظة وتابعت بحزم اكبر : ما هو أنا مش هقف اتفرج عليك وانت بتضيع عمرك . إذا عاوز ارضى عنك تسمع كلامى .
وغادرت الغرفة لينظر عامر ل انس بغيظ ، حمل وسادته وقذفها بإتجاهه ليتلقفها انس ضاحكا : بكرة تشكرنى لما تعرف ولاء كويس
اشاح ناظريه بعيدا عنه زافرا بضيق ، حمل انس الوسادة ليضعها خلف رأس عامر ويزيده غيظا : اشرب اللمون علشان ، مش معقول تشوف عروستك اول مرة وانت عيان .
غادر انس بعد قليل وحديث ولاء يتردد بعقله ؛ لقد قالت بثقه أن الله سيسوقه إليها إن كان خيرا .
وها هو يصل إليها بلا أدنى جهد منها . هو سيصل به إليها .
لقد طلبت منه أن يتذكر حديثها . وهو لن ينساه مطلقا .
شردت أفكاره إلى وئام تلك الخجلى التى يرفرف لرؤياها قلبه ، لقد طلب من ولاء أن تعيرها بعض الجنون .
ابتسم بحب وقلبه يحمد الله أن حبيبته لا تحمل شيئا من جنون شقيقتها ، فإن فعلت سيكون هالك لا محالة .
أخرج هاتفه ليتحدث إليها ، يمنح قلبه بعض السكينة برنين صوتها بين جنبات صدره الفارغ . والذى سيظل فارغا حتى يحتويها .
لحظات وجاءه صوتها العذب : السلام عليكم
يبتسم تلقائيا بمجرد سماع صوتها : وعليكم السلام . وحشتينى يا وئام
هو يعلم أنه لن يستمع الأن إلا لصمتها . لكن الصمت في حضور قلبها صخب لا يغادر كيانه مطلقا
****
تماثل عامر للشفاء وهاتف انس تحت ضغط والدته طالبا رؤية تلك العروس المزعومة ليسعد انس بذلك .
يمكنه تدبر لقاء خارج المنزل يكون فيه هو و وئام ايضا . بالطبع فحبيبته لا تقبل مقابلته قبل عقد القران لكنها ستقبل هذه المرة
هاتفها ووضح لها الأمر لتخبره أنها ستخبره رأيها بعد ساعة واحدة
واتجهت من فورها لغرفة والدها الذى اعترض على ذلك اللقاء وفضل أن يتم بالمنزل لتنزع عنه الغضب بهدوء وتخبره أن انس لم يرد مفاتحته بالأمر حتى لا يتخذ شكلا رسميا قبل أن يتقبله كل من عامر و ولاء . ليسمح لها والدها اخيرا بهذا اللقاء الذى سيتم فى مكان عام مع وعد من وئام ألا ينفرد هذا الشاب بشقيقتها تحت اى ظرف وإن كانا بمكان عام .
****
حجرة الشقيقتين
دخلت وئام من الباب لتقول لاختها الصغرى : يا بنتى ارحمى عنيكى من الموبايل ده شوية وشوفى لك حاجة تعمليها
لم ترفع ولاء عينيها عن هاتفها : هعمل ايه ؟؟ نجاح ونجحت ودراسة وخلصت وشغل ومفيش ادينى بتسلى
تنهدت وئام فشقيقتها محقة : طيب أنا خارجة مع انس اعملى حسابك هتيجى معانا .
تترك ولاء الهاتف وتنظر ل وئام بعبث وهى تحرك حاجبيها بمشاغبة : ايوة يا عم مين قدك
ثم تقطب جبينها وترفع ساعدها الأيمن : أنى اعترض . مقدرش اقعد عزول وسطكم  اخرجى معاه لوحدك
تضحك وئام : على اساس انك مش راشقة جمبنا طول ما هو قاعد . وبعدين أخرج لوحدى ازاى قبل كتب كتاب
تشعر ولاء بوأد حماستها ، شقيقتها محقة .
اقتربت وئام لتجلس بجوارها : وبعدين الشبح بتاعك جاى
انتفضت ولاء بشكل افزع وئام : عامر ؟
تمتمت وئام تستغفر وهى تضع كفها فوق صدرها ثم قالت : ايوة هتتقابلوا واذا فى قبول هيجى يخطبك
اتسعت عينا ولاء تستوعب سرعة استجابة الله لدعاءها ، لقد اخلصت الدعاء أن يكون هذا الشاب رزق لها إن كان الخير معه ، بلى كانت تثق من استجابة الله .لكن لم تكن تثق أن الخير معه .
ما اكرمك يا الله !!! تعلق قلبها به بمجرد رؤيته . يجب ان تشكر الله على هذه الهبة ويجب أن تشكره ايضا لأن قلبها لم يتعلق سوى بمن معه الخير لها .
دقائق مرت وهى صامتة حتى هزتها وئام برفق : ها يا بنتى اقول ل انس هنقابلهم الساعة كام ؟
نظرت لها بشرود وهى تقول : هسأل بابا واقولك .
وئام : أنا قولت ل بابا
اتجهت ولاء للخارج وهى تقول : اللى هقوله غير اللى انت قولتيه
*****
قابل عامر انس مصادفة أثناء عودته للمنزل ، كثيرا ما يتقابلا . احب عامر أن يعرف ما أخبرته به هذه الفتاة من باب الفضول ، فهو من طلب لقاءها خارج المنزل .. سيجد حتما سببا يمكنه من رفض هذا الارتباط
سارا متجاورين ليتساءل عامر : ها كلمت عروسة الهنا ؟
ورغم النبرة الساخرة بحديث عامر إلا أن انس تغاضى عنها وقال : كلمت وئام وقالت هترد عليا بس لسه ماردتش .
ابتسم عامر بظفر لعلها رفضته ، يتمنى أن تفعل فيتهدم هذا الحلم الواهى .
لكن أمنيته هذه لم يكتب لها أن تتحقق فقد ارتفع رنين هاتف انس الذى قال دون أن ينظر له : دى وئام
حوار قصير خال تماما من عبارات العشاق لينتهى الحوار ويخبره انس عن موعد ومكان اللقاء
شعر عامر بالضيق رغم بسمته المتكلفة ليخبره انس أنه سيمر عليه قبل الموعد بنصف ساعة
****
جلس عامر وانس بإنتظار الشقيقتين ولم يطل الانتظار . فى الموعد تماما عبرتا باب المطعم ، نظرة سريعة على الرواد ألقتها وئام قبل أن تبتسم وتتجها فورا إلى حيث يجلسان .
نهض انس يستقبلهما بينما تعجب عامر فلم تمد أى منهما كفها للمصافحة .
رأى شوق انس ولهفته بعينيه دون تذمر بينما قالت ولاء بمشاغبة : واحشنا يا ابو نسب .
ضحك انس : مفيش فايدة . والله نفسى اوحشك واتحرم من طلتك البهية دى
تخيل عامر أن تغضب ولاء لذلك المزاح الثقيل لكنها ضحكت ببراءة وقالت : أكتب عليها يا عم وانا احرمك منها
وكزتها وئام بحرج : ولاء وبعدين
نظرت لها ولاء شزرا بينما قال أنس : صراحة معاكى حق بس أنا هكتب واخطفها اصل انت مش مضمونة
قطبت جبينها بغضب واضح تصنعه : مش هرد عليك وهسيبك لتعذيب الضمير
ضحك عامر مرغما فيبدو أنها تتحدث بطبيعتها مطلقة : آنسة ولاء انت خريجة إيه ؟
استندت للطاولة بأسى مبالغ فيه وهى تريح رأسها فوق كفها بضجر : وهتفرق إيه ؟ كلنا عواطلية حضرتك بس أنا عواطلية بتقدير ممتاز
حتى بحديثها الجاد ساخرة .. هل هى ناقمة على الدنيا ؟؟
ام راضية لدرجة أن الدنيا لم تعد تعنيها همومها ؟؟
مثيرة تلك الساخرة
انس : طيب ما تدورى على شغل يمكن تنشغلنى عننا شوية
عادت للضحك : ايدى على كتفك .
اقتربت تشير له برأسها ليقترب فتهمس : اوعدك لو جبت لى شغل بحاجة حلوة
تحمس أنس وهمس ايضا  : هتسبينى اقعد مع وئام لوحدى
قطبت جبينها: لا طبعا هعمل لك جاتوة بإيدى
اعتدلت بجلستها لتقول بصوت مسموع : احلم على قدك يا ابو نسب
شعر عامر ببعض الضيق حين بدأت تتهامس وانس . وبرر شعوره هذا بعدم ملائمة ذلك لذا تحدث دون أن يفكر : هو حضرتك جاية وعارفة انك هتقابلينى ؟؟
كان واضحا أنه ينتوى مهاجمتها وظهر الارتباك على وجه وئام بينما قالت ولاء بثقة : طبعا عارفة
رفع حاجبيه بدهشة لجرأتها ليقول بوقاحة : وياترى دى عادتك تقابلى شباب فى المطاعم ولا ده اوبشن علشانى أنا بس ؟
صدم انس من وقاحة عامر الغير متوقعة خاصة مع نظرة لائمة من وئام بينما قالت ولاء ببرود يخفى غضبها الحقيقى : لا الحقيقة اول مرة نقدم الاوبشن ده بس مش ليك . ده ل انس
صمتت لحظة واحدة ثم تابعت : لما قولت ل بابا قال إنه واثق فى انس يعنى  علشان خاطر انس مش علشانك
قاطعها بحزم : يعنى والدك عارف انك قاعدة معايا دلوقتي ؟
لتجيب بحزم اكبر : لا والدى عارف انى مع اختى وخطيبها ومعاك ماتديش نفسك حجم اكبر من حجمك
ونهضت عن الطاولة مباشرة لتتبعها وئام معاتبة انس برقة : أنا مش مصدقة انك رضيت أنى اقعد مع صاحبك ده ؟ لازم نتكلم يا انس من فضلك حدد معاد مع بابا وتعالى البيت
وغادرتا بصمت دون النظر للخلف مرة أخرى .
نظر له انس بغضب : انت هديت كل حاجة حرام عليك يا اخى كنت عاوز اساعدك واسعدك تقوم انت تتعس نفسك وتتعسنى معاك .
وغادر انس ايضا ليتركه مع أفكاره . مرة يرى أنه محق .. ومرات يرى كم كان وقح احمق !!
لم يتخلص من هذا الارتباط فحسب بل أفسد ارتباط صديقه بشقيقتها ايضا .
لن ينسى نظرة الاحتقار بعينى وئام وهى تعاتب انس لسماحه بمجالستها صديقه الوقح .
لم تتفوه بها لكن عينيها قالتا أكثر من ذلك .
هاتان الفتاتان تملكان اعتزازا كبيرا بنفسيهما . تلك الساخرة لعلها تندم الأن على هذا اللقاء فقد أظهر نفسه في صورة لا تليق به ولا بها .

وجدت قلبىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن