دقت الساعة العاشرة تماما من يوم الأربعاء ، لتُعلم بإنتهاء آخر فرض في هذا العام ، فالامتحانات النهائية لم يتبق لها سوى أسبوع واحد ، تفرق الطلاب في ساحة الثانوية ، اما ايفان و روز فقد بقيا في الصف بحجة التعب، لكنهما في الحقيقة كانا يناقشان موضوعا هاما.. لقد قرر ايفان اخيرا اخبار احد ما عن كاي، ليس آيرس بل روز !
و اخبرها بكل ما حكته والدة ايرس و انه تاكد منذ وقت قصير ، و قد حاول جاهدا ان لا يصدمها فقلب روز رقيق عكس ما يبدو... ووقفت روزابيلا مصدومة من القصة التي سمعتها و حكاها ايفان، عن صديق طفولة آيرس الذي ضحى بنفسه ، و عن كاي مادسون الذي يتنكر بلقب آخر..جلست على الكرسي ببطئ و ساقاها ترتعشان ، و مرت لحظات تهدأ فيها قلبها قبل ان تسأل بصوت هامس:
-اذا كان هذا صحيحا، فما علاقة لوسيانا تلك به؟ ان لهما نفس اسم العائلة...
اجاب الشاب بنبرة هادئة كأنه توقع ردة فعلها :
- اعلم، و قد فكرت بالامر كثيرا و لم اصل لشيء ، فهل نسأل لارا؟ قد تعلم شيئا او تحظر لنا معلومة من الشاحبة ؟
-(انغعال) كلا !! هل جننت؟ لا يجب ان نثق بها ، قد تكون هي وراء كل ما يحدث...
-كيف ؟! تحتاج قوة خارقة لعمل كل هذا !
-لا ادري... يجب أن لا يعلم أحد غيرنا بهذا.. خصوصا آيرس.
-لماذا؟ فقط لان السيد المحترم قال "لا" ؟!
-(انزعاج) اه صدقا ! لماذا تكرهه هكذا؟ أعلم اننا لا نستطيع أن نثق به كليا و لكنه افضل من كومة العظم تلك !
-(يتنهد)...اعلم ، آسف..
-آسفة على الصراخ ايضا ، ولكن ، كما قالت استاذة تيا ، هذا ليس وقت الانهيار و الاستسلام...
و سكت الاثنان عن الكلام لبعض الثواني قبل ان تقفز روزابيلا من مقعدها بدهشة:
- مهلا هل يمكن ...؟!
-ماذا ماذا؟ ماذا يمكن ؟
-لا ادري تماما..لكن اذكر ان كاي اخبرني مرة عن انه كان يمتلك اختا كبرى ، و لكن لم افهم ما الذي قصده ب"كان"....
-اذا ماذا لو سألناه؟ لا اظنه سيرفض اذا سالته بنفسك....
و قاطعه صوت جرس نهاية الاستراحة ، فلم س
يتمكنا من متابعة الحوار حتى في الهاتف بسبب انشغال ايفان بمتجر الحلويات....
و اطلت شمس يوم جديد مرة أخرى ، يوم الخميس الذي تكرهه بطلة قصتنا، و التي و لسبب ما كان لديها شعور سيء للغاية.... و كانت رفيقتنا روز من ناحية أخرى قد استغلت غياب الاستاذ لتخطف قدميها الى صفوف السنة الاخيرة، و وقفت هناك تنتظر ان يرفع ذلك الشخص رأسه لربما يراها، لكنه استمر بالتحديق في الكتاب إلى ان انتبه لها اصدقائه من الاولاد، فاحمرت وجنتا الفتاة بسبب الصفير الذي ارسله رفاق كاي و هو مسرع اليها بسعادة، التقط انفاسه قبل ان يقول على عجل :
-روز ! ما الذي جاء بك إلى هنا في هذا الوقت ؟ و لم لم تناديني ؟!
-آه، الاستاذ غائب اليوم، و رأيتك منهمكا بالدراسة فلم ارد ازعاجك...
- صدقيني كنت احدق بالكتاب فحسب...تعلمين اليوم دراسة ذاتية بما ان الامتحانات النهائية على الابواب..
و غرقت روز في بركة من التوتر، خاصة انه يبدو في مزاج جيد و لا تدري كيف تفاتحه بالموضوع ، قالت بتوتر و ارتباك بينما عيناها على الأرض :
- ك.. كاي... في الحقيقة جئت لان لدي سؤالا اريد طرحه.. و لكن ارجوك لا تغضب...
-تحدثي، و اعدك اني لن اغضب.
-امم.. حسنا..انه.. بخصوص قصة ماضي آيرس و لقبك الحقيقي...و لوسي....
صمتت الفتاة تغلق عينيها باحكام و تضم جسدها المرتعش، و عندما عم الصمت رفعت رأسها تدريجيا بعدما لم يتحرك الشاب انشا واحدا ، كانت قد توقعت انه سيغضب من ان ايفان اخبرها و انه سيصفعها في اسوء حال، لكنها رأت الصدمة و الحزن الدفين في عينيه ، لقد آلمه التذكر حقا، لا بل آذاه فضول روزابيلا..لم تتحمل روز هذه الفكرة فقد ث
انعصر قلبها لرؤيته هكذا، فانسحبت راكضة و هي تصرخ معتذرة ، و لكنها لم تبتعد مقدار اربع خطوات حتى امسك كاي يدها من الخلف :
-ما مقدار ما تعلمين ؟!
اجابت من دون ان تستدير :
-كل شيء... عن علاقتك بآيرس و لقبك الاصلي.. لكن الشيء الذي اردت معرفته عن ما هي علاقتك بلوسيانا مادسون، و لكن يبدو اني تخطيت حدودي، آسفة !
و حاولت الافلات بيدها ولكن من دون فائدة ، فقبضته كانت اقوى و هي تحيط معصمها و قد جذبها للخلف حتى اصطدم رأسها بصدره ، انخفض كاي ليهمس في أذنها بنبرة باردة :
- انتضريني على الخامسة و النصف امام قاعة الالعاب الرياضية..ساخبرك بكل شيء....
و ترك يدها ليدخل صفه و يصفع الباب خلفه بعنف، بينما بقيت روزابيلا واقفة متيبسة الاطراف، تحاول حبس الدموع التي تحجرت في عينيها كي لا تبكي امامه، و ضربات قلبها مضطربة، لا تدري ما كان شعورها في تلك اللحظة ، كان مزيجا من الخوف و الحزن، السعادة و العطف.....
و تتابعت الساعات و الدقائق التي لم تشعر بها الفتاة التي كانت حواسها مخدرة بسبب التوتر ، ووصلت الساعة الخامسة و النصف التي انتظرتها روزابيلا بفارغ الصبر ، او ربما انتظرها كل من في الثانوية ، ففي الوقت الذي انطلق فيه الطلاب للمنزل ، انفصلت روز عن المجموعة التي ذهبت لزيارة مكان حادث بياتريكس ( و التي لم تكن معهم آنذاك)، و بعد بحث مطول قررت آيرس المجازفة فدخلت من الباب الخلفي لقاعة الألعاب الرياضية دون ان يلحظها احد...
مرت بضع ثوان على روز التي تنتظر بالقرب من المكان و عقلها مشغول بتوقع ما سيقوله له كاي، كانت نبضات قلبها مظطربة لحد انها صارت مسموعة فقررت روزابيلا التجول ذهابا و إيابا حول نفس المكان لتهدأ نفسها، و استمرت على حالتها تلك خمس دقائق قبل ان تنتبه للدخان المتصاعد خلفها و رائحة الحطب المحترق، هرعت روز راكضة نحو تجمع الطلاب و هي تسمع الصياح قرب الباب الامامي لقاعة الرياضة التي كانت تحترق ! لحظات حتى كان جميع من في الثانوية قبالة مقر الكارثة ، لقد اتصل المعلمون بالاسعاف و رجال المطافئ، بينما تكفل الباقون بابعاد الطلاب الذين خرجوا قبل زيادة لهيب النيران، و قد كان من حسن حظهم ان عدد المصابين قليل و ان عددا صغيرا منهم تعرضوا لحروق من الدرجة الأولى فقط.
و ساد الصمت بين التجمعات التي تحدق برعب و صدمة في النيران المتصاعدة الى ان صرخ ايفان بذعر :
- آيرس ! هل رأى احدكم آيرس ؟!
-جونثن : ل.. لا.. اظنها كانت... لا مهلا ! الم تقل أنها ستفتش هذه المنطقة ؟!
نظر ايفان بصدمة الى المدخل قبل ان يرمي نفسه بتهور و دون تفكير ناحية النيران المتصاعدة رغم محاولات الاساتذة لايقافه ، لم يتوقف عن التخبط و الصراخ باسمها بجنون الا منظر الفتاة ذات الشعر الفحمي بين ذراعي شخص عرفه من اول نظرة ، كانا بالقرب من الباب الامامي للقاعة، اين وضعها ارضا و هو يسعل بقوة ثم هم بالمغادرة، ركض الجميع إلى آيرس المستلقية ارضا بينما انشغل عمال المؤسسة بإطفاء نيران الحريق ، هناك عندما صرخت آيرس من بين دموعها ، أنفاسها المتسارعة و جبينها النازف على الشاب الذي اعطاها ظهره :
-انت ! كاي.. مادسون... اليس كذلك ؟!
ارتعشت اوصال الشاب و لكنه لم يتجرأ على الحركة، لقد ادرك ان هذا الحريق ذكرها بما حدث قبل 12 عشر سنة... و تابعت آيرس بصوت مبحوح :
- نعم، إنه انت حتما... كيف امكنني ان انسى.. ذلك اليوم قبل اثنا عشر سنة ، عندما انقذتني من الحريق في الروضة.. تماما مثل هذا اليوم....
صمتت قليلا تستجمع انفاسها قبل ان تنفجر بالبكاء و تكمل مبتسمة :
-انا... لا ادري ما السبب الذي جعلك تختفي ذلك اليوم، و لا حتى لما غيرت هويتك... و لكني اعرف شيئا واحدا.. انت يا كاي ، كنت و مازلت تحميني ، بالرغم اني لم اتعرف عليك ، بالرغم من انك حاولت ترك مسافة بيننا و عاملتني ببرود ، انا ادين لك بحياتي و اكثر من ذلك ، مجرد شكرك لن يوفيك حقك ابدا.....
و صاحت بهذا قبل ان تسقط مغشيا عليها من نقص الأوكسجين بسبب كل الدخان الذي استنشقته، فتكفل الرفاق بحملها إلى سيارة الاسعاف ، و بينما اوصت روزابيلا ايفان بالعناية بها و انطلقت تركض خلف من كاد ظله يختفي عن الانظار....
توقفت روزابيلا عن الركض اخيرا عند تلة توجد خارج الثانوية ، ثم اقتربت ببطئ و جلست في صمت قرب من كان يتابع حركة الشمس و هي تغيب في الافق، و سكنت الاجواء حولهما قبل ان ينطق كاي بصوت اشبه بالهمس :
- لقد...كان لدي اخت تكبرني ب5سنوات تقريبا، اسمها كان... لوسيانا مادسون،...لوسي وُلدت بإضطرابات عقلية لا احد يعرف حقيقتها، و لكني واثق ان ما زاد حالتها سوءا هو تعنيف والدينا المستمر لها، فقد كانا ينظران اليها كمجنونة او مختلة عقليا...و امام هذا العالم الذي احتقرها و جعلها تعيش تحت الضغوطات، كنت وحدي في العائلة من اعتبرها انسانة كالبقية، فقد كانت اختي الكبرى التي احبها و التي عوضتني الحنان الذي لم اجده عند والدي، و لكن مع تفاقم مرضها صار لديها هوس بي... لا ادري كيف اشرح ذلك.. في البداية لم اهتم كثيرا، و لكن افعالها لم تعد تحتمل بعد ذلك، اختي اللطيفة صارت تمنعني من تكوين الصداقات و تبعد اي شخص يقترب مني كأني ملكيتها الخاصة، ذلك لم يتوقف هنا ابدا، فقد تمادى لعب لوسي ان كانت السبب في حادث السير الذي اخذ حياة كلا والدي، و لكني لم اكتشف ذلك الا مؤخرا، تسئلين كيف فعلت لوسي ذلك ؟! اختي... اختي العزيزة لوسي كانت مشغولة بتعلم السحر طالما انها لم تذهب للمدرسة قط، لقد حصلت على تعليم منزلي...و بعد مدة، تبنانا احد الاقارب ، كان ذلك الرجل يعاملننا احسن من والدينا حتى ، لكن ذلك جعل حالتها تسوء اكثر ، خاصة بعدما تعرفت على آيرس في الروضة، كنت ابقى هناك فحسب العب مع الاطفال الاصغر سنا لاني لم ارد الذهاب للمدرسة خوفا على العم من اختي، لوسي سعت إلى الانتقام من الشخص الذي ابعدني عنها ، و الذي كان آيرس، فافتعلت الحريق الذي نجونا منه بأعجوبة ، في تلك الفترة اصابني اكتئاب من كل ما تحملته و... لا ادري كيف كنت انوي الانتحار هناك... لكن امنيتي في الموت لم تتحقق عندما انقذني السيد كلارك و اتخذني حفيدا له، و عشت تحت رعايته طوال 12 سنة في تخفي و انا اتبع لوسيانا كي لا تؤذي ايرس او احدكم يا رفاق، من حسن حظي ان طليقة السيد كلارك -و التي هي ساحرة- مدت لي يد العون للتقليل من خطورة السحر الاسود الذي اعتمدته اختي.....
توقف ليلقي نظرة على وجه روزابيلا المصدومة قبل ان يعيد وجهه للسماء و يكمل :
- و لكنها الآن تعلم اني ما ازال حيا، لست ادري خطوتها القادمة و لكن على الاغلب ستحاول استرجاعي ، ساحاول تجاهلكم كي لا تأذيكم و لكن.. (يبتسم بانكسار و يأس) ...هناك أشخاص لا يمكن تجاهلهم...
صاحت روزابيلا بانفعال :
-هذا فضيع ! الا...يمكن ايقافها؟ او ايقاف تطور مرضها ؟
-كلا للاسف، اولا لان مرضها يمس الخلايا العصبية، و كما تعلمين خلايا الدماغ لا تعوض، انها معجزة كونها عاشت كل هذه السنوات.... و ثانيا، كي تفوز في لعبة السحر، باعت روحها للارواح الشريرة، بهذا يمكنها العيش طويلا دون ان يتغير جسدها، و لكن.. لا ادري متى سينتهي عقدها مع الشياطين...
-و.. ماذا سيحدث عند انتهاء العقد ؟!
لم يجب كاي و اكتفى برسم ملامح حزينة و هو يعض على شفتيه، و فهمت روز ما يعنيه فسالت دموعها بلا تصديق.....
يتبع......😶😶 ما رأيكم ؟ مصدومون؟ لا ؟!
على اي حال ارجو ان اكون نجحت في ايصال فكرتي لكم كما تخيلتها، و ها هي رسمة خفيفة للوسيانا و اخيها الصغير كاياعلم الرسمة كارثة 😌
أنت تقرأ
اين تزهر السوسن
Mystery / Thrillerبعد مرور سنوات على الحادث ،استرجعت ايرس أخيرا ابتسامتها ،لكنها لم تفكر أبدا أن اشباح الماضي ما تزال تلاحقها ،ذكريات سعت جاهدة لنسيانها ،عادت لتفتح الجرح و تقلب أيامها المملة راسا على عقب! انها مشاركتي الاولى،لذا آمل ان تدعموني ،فقصتي بسيطة و اسلوبي...