البداية

254 20 93
                                    

     إنها تلهث، أطرافها ترتعش خوفا وسط الرياح الباردة، حنجرتها قد جفت وتحجرت عطشا، معدتها تتضور جوعا، كانت تركض لساعات متواصلة؛ تحاول الهرب من تلك الأجساد السائرة. لطالما كانت تفعل ذلك، لكن هذه المرة ازدادت سوءا، هؤلاء الهائمين التهموا جميع أصدقائها، كل من كانت تعرف يوما.

ابتعدت عن أنظارهم الميتة، محاولة الاختباء تحت جرف ما، بينما تجوب عيناها المكان باحثة عن مخرج من مأزقها. كانت لا تزال ممسكة بسكينها الحاد، الذي ورثته عن والدها، كان مغطى بدماء تلك الجثث النتنة، قبضتها أيضا امتلأت بالدماء القذرة.

لمحت زرقاوتيها ضوءا، وجدت طرف طريق على المدى، التقطت نفسا عميقا شعرت ببرودته في عروقها، عقدت رباط حذائها ثم انطلقت كرصاصة مسرعة إلى ذلك الطريق المجهول. توقفت عندما وجدت سيارة أمامها، كانت هي مصدر الضوء، ومصدر صوت قد حفر في رأسها.

أطلت بنظرها لترى ما وراء الزجاج، كانت إحدى تلك الجثث، تغرس بأسنانها في جسد شخص ميت، وتمزقه لتأكل لحمه الدافئ. توقفت الجثة عما كانت تفعله، لتلتفت إليها وقد سمع صوت عظامها تطرقع. قبضت بيدها على سكينها بقوة، أخذت نفسا عميقا وفتحت الباب فتخرج الجثة إليها، تقدمت نحوها وغرزت سكينها في رأس الجثة السائرة، لتسقط الجثة أرضا وقد ماتت أخيرا.

اتجهت نحو السيارة لتخرج بقايا ذلك الميت، جلست على المقعد خلف المقود، ضغطت دواسة الوقود بينما انطلقت بسرعة من المكان.

وصل منتصف الليل، وهي لا تزال تقود سيارتها بكل ثبات، لم تغف عيناها منذ الأمس، ولا حتى الآن. خرج شخص ما من جانب الطريق، يلوح للسيارة كي تتوقف، أوقفت السيارة منتظرة قدوم ذلك الشخص، إنه ذلك الفتى ذا الشعر الطويل وقبعة نائب الشريف.

     - شكرا لك... إيفا؟

     - كارل؟ أنت على قيد الحياة!

أردفت بينما عانقته، هو صديق طفولتها وقد كبرا معا، تربيا معا في ذات المجموعة، التي لم ينج منها أحد سواهما. عاودت القيادة بينما أغلق الباب خلفه.

     - كيف هربت منهم؟

     - بأعجوبة! لم أتخيل أنني قد أخرج من وسط هذا الحشد!

     - أنا آسفة.

     - علام تتأسفين؟

     - أنا سبب هجومهم منذ البداية، كان علي الاستماع إلى والداي.

     - أجل... لقد رحلوا الآن، والداي ووالداك، الجميع رحلوا.

     - يؤلمني الأمر كلما تذكرت أنني سبب موتهم، أنا حقا حمقاء.

     - جميعنا يرتكب الحماقات، لكن أنت تفوقت علينا بجدارة.

أردف مطلقا ضحكة عالية، لا مباليا بردها، ظلت صامتة وهادئة. ضغطت دواسة الفرامل بقوة، توقفت لتضع رأسها على المقود، لتبكي بحرقة شديدة، شعر ببروده فحنا عليها ليهدئ من روعها.

كوخ من قش | A Hut Made Of Strawحيث تعيش القصص. اكتشف الآن