1

5.8K 74 5
                                    

 أصعب من أنتظار شخص معين يهف له القلب , فأذا بشخص آخر يظهر مكانه.... وأي شخص!
ظل الطائرة ينزلق فوق رؤوس الأشجار وداخل غابة الصنوبر حيث تلمع زرقة بحيرة مينيسوتا .... حدقت آلانا باول بشوق من النافذة وخفق قلبها لحظة لاح لها برج المراقبة في المطار.
كان شعرها الداكن المائل الى الأصفرار يبرز جمالها الفتان وأستدارة وجهها تعكس ثقتها نفسها ,ولامست عجلات الطائرة الأرض بعد أرتجاف خفيف ثم أنزلقت على المدرج فشدت آلانا على شفتيها للتأكد من رطوبة أحمر الشفاه.
حمعت حقائبها ونزلت السلم ثم راحت تفتش عبثا علها تلمح كورت , في تلك اللحظة كانت رؤيته أحب شيء الى قلبها , وملأتها غصة....
ماذا لو لم يكن كورت هنا لملاقاتها؟ وبحركة سريعة أبعدت آلانا هذه الفكرة عن خيالها , لقد أتصلت به بالأمس وأخبرته بأنها قادمة الى المطار من مينابوليس فوافق على أستقبالها دون تردد , حتى أنه لم ينتظر كي تشرح له عن رغبتها بمفاجأة أهلها.
وقالت لنفسها أن قلقها هذا هو حماقة فعلا , وبالرغم من ذلك كان ألتواء فمها يعبّر عن تأثير الحب فيها , فهي لم تر كورت منذ أنقضاء عيد الفصح أي منذ شهرين تقريبا حين أعلن لها بصراحة أنه معجب بها , لكن الكثير يمكن أن يدث خلال تلك الفترة .
جرت الطائرة نحو الموقف في نهاية مطار شيزهولم-هيييغ.وحلّت ألانا حزامها ونهضت للأنضمام الى صف المسافرين وهم يغادرون المطار , وبينما هي خارجة مررت يدها المضطربة من خصرها حتى أسفل تنورتها , وبحركة عفوية من أصابعها تأكدت من أن الأزرار السفلية مشدودة جيدا ما عدا الزرين الآخيرين فوق الركبة لأرخاء ثنية التنورة.
لا شيء يشير الى وجود كورت بين جموع المنتظرين , ألتفتت الى ساعتها فتأكدت من أن الطائرة وصلت في الوقت المحدد وقالت في نفسها:
" ربما حدث ما أخّره ! ثم أبطأت خطاها وهي تمعن النظر حولها , أبصرت وجها رجوليا أليفا ينحني فوق نافورة مياه الشرب , فقفز قلبها بأرتياح وفرح وغابت كل مخاوفها لحظة عرفت صاحب الوجه.
هتفت ضاحكة:
" كورت!".
وركضت نحوه مسرعة وهي تقول:
" كدت أعتقد أنك نسيتني!".
وهمّت بألقاء نفسها بين ذراعيه بسعادة ظاهرة لكن على بعد نصف قدم أدركت أنها على خطأ فتراجعت صارخة:
" أنت!".
وأمتزج الغضب والأندهاش في شهقة واحدة حتى ألتفت ذراعا الرجل حول خصرها وأوقفتاها عن التراجع.
" لا تتوقفي الآن".
وتحولت القساوة الخفيفة على شفتيه الى أبتسامة ساخرة:
" لقد حضرت بدلا عن أخي , فأستحق أيضا القبلة التي كانت له".
" لا!".
وقطع هذا الرفض المخنوق أنفاسها.
لكن يدا قوية كانت قد أنزلقت الى أعلى عمودها الفقري وألتفت الأصابع في شعرها وشدت الخصلات الناعمة فأعادت الرأس الجميل الى الوراء.
عبثا حاولت يدها الآن أن تعيد المسافة بينهما الى حالها الطبيعية , فهو رجل بالغ القوة والقسوة في وقت واحد ,ولا طاقة لها على ردعه بسهولة كما تتمنى من أعماق قلبها , وكما لا تستطيع أن تفعل مع الأسف .
لحظا وتحررت من يديه , فتلألأت عيناها الزرقاوان فوق خديها المتوردين من شدة الخجل , وعصفت موجة غضب يداخلها ورغبة جامحة للقتال , صرخت بعنف بينما عيناه نصف المغمضتين تراقبان وقفتها الحانقة:
" كيف تتجرأ!".
كان حجاب قاتم من الأهداب يخفي تعبير نظراته وأرتسمت أبتسامة مضطربة على الفم الذي عاملها بلا رحمة , وقال :
"أعطيني تذاكر الطلبات , سوف أجلب حقائبك , كما أقترح أن تنتظري وصولنا الى السيارة ثم تفرغين غضبك وتحدثين فضيحة .
ثم أشار تنظره الى الجمهور الغفير الذي أحتشد في باحة المطار .
أهتز كيانها لسخرية صوته لكنها لم تفعل أي شيء , وبحركة عصبية غاضبة راحت تفتش بتردد في محفظتها عن بطاقات السفر وشيكات الحقائب الملصوقة بها ثم دفعتها اليه بعنف وأشمئزا .
كيف كانت عمياء بحيث لم تفرق بين كورت وأخيه رولت ماثويز!
هناك تشابه سطحي بين الأثنين , فهما طويلا القامة وكلاهما أسمر اللون ذو جسد قوي الى حد ما... لكن وحده المجنون لا يفرق بين رولت وكورت.
وحدقت بعنف الى أكتاف رولت المشحونة بالكبرياء أذ كان يسير بعيدا عنها ,كان يفوق كورت طولا ببوصة أو أثنتين وخطواته المتباعدة فيها خفة القطط, أن في شعره القاتم ظلالا بلون القهوة وخصلات ذهبية لكنه لا يميل الى البني كما هو شعر كورت , شعره طويل وكثيف على رقبته ويصففه بعيدا عن وجهه.
وفي ملامح وجهيهما يظهر فارق آخر , فقسمات وجه رولت الملوحة بالشمس تضفي نوعا من القساوة عليه , والخطوط المرسومة حول فمه تعبر عن السخرية , ويغلب على كل ذلك طابع من الرجولة الوقحة الصارخة المتسلطة , موحيا بالقوة التي يحسب لها حساب.
كان رولت ماثويز ينتمي الى العالم الغامض بينما أنتمى كورت الى عالم الوضوح.... أنيق وجذاب بعكس أخيه الأكبر , وقد أستمال آلانا في أول لقاء بينهما منذ خمس سنوات تقريبا عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها.
ألا أن كورت لم يرها الا في عطلة الفصح الماضية , يومها تمكنت من أن تطور أعجابها به الى درجة أكبر.
أرتجفت شفتاها وشعرت أنها كانت ضعيفة أمام قبلة رولت , لم تعط رولت يوما لحظة من وقتها , وبقدر ما كانت منجذبة نحو كورت كانت تتحاشى رولت , فكلما وقعت نظراته الشديدة الزرقة ذات اللمعان الغامض عليها , شعرت بأرتباك , تلك النظرات الخفية التي تغلفها مسحة من السخرية كانت تبعث قشعريرة في جسمها ويبدو أن رولت أدرك ذلك , لذلك كان يتعمد أن يضايقها؟
لكن لماذا كل هذه الحرارة؟ هل ليضايقها أيضا؟ حين مدت أصابعها الى محفظة نقودها شعرت أن الحديد فيها كان صلبا كما كان وجود رولت القريب منها كالصخرة...
كانت قد أبدت أعجابا بكورت في عطلة عيد الفصح , ولم تكن تحتاج لأخفاء ذلك عنه أذ أنه كان يبادلها الشعور نفسه , أما رولت فقد كان يراقبها دون أهتمام كبير فتشعر أن علاقتها بكورت لا تتعدى التسلية الصبيانية.
تنهدت آلانا بصعوبة حين خطرت لها كلمة( صبيانية) وقالت في نفسها:
" يا ألهي! أن كورت يبلغ التاسعة والعشرين من العمر وهي في العشرين وهما راشدان لا مراهقان يتبادلان حبا أعمى كما يعتقد رولت , ربما لأن هذا يكبر شقيقه بخمس سنوات , يشعر بشيء من التفوق , خصوصا أن شائعات تدور حول علاقاته الكثيرة بالنساء مما يجعله ينظر الى علاقتهم اليافعة نظرة أستعلاء.
حين صحت آلانا من شرودها , أبعدت نظرها عن الوجه الرجولي الذي يحمل حقائبها الثقيلة دون أي عناء , وتوقف رولت للحظة وحدق بجرأة في وجهها الذي أدارته نحوه ثم قال:؟"
أن سيارتي في الخارج , هل نذهب؟".
أجابت بجفاء:
" كلما أسرعنا كان أفضل".
فأمال رأسه بسخرية مشيرا اليها بأن تتقدم أمامه.
كانت تدرك من وميض عينيه الأزرق أنه يعرف كم تكرهه , وأحبت ذلك , وبحركة متعالية من رأسها , خرجت آلانا من المبنى تنتظر أن يأتي رولت بالسيارة.
أوشكت أن تقول له أنها ذاهبة بدونه , ألا أنها شعرت بنوع من الخجل والخوف أمامه.
وضع رولت حقائبها في مؤخرة السيارة (ماركف) سوداء ثم فتح باب الركاب.
لم تستطع ألانا أن تتجنب أصابعه القوية التي عانقت كتفها لمساعدتها على الصعود , وأغلق الباب فأبعدته عن ذهنها ما أمكن .
صف االحقائب بأحكام ثم جلس وراء المقود .
لم تكن آلانا راغبة بكسر الصمت المهيمن , ألا أنها كانت قلقة على كورت وتوقعت أن يبخل رولت بالمعلومات , فتطلعت الى جانب وجهه البارد بطرف عينيها وشعرت بأنفعال سريع وقوي يتأجج في داخلها.

روايات عبير / الفخ - جانيت ديلي _حيث تعيش القصص. اكتشف الآن