5

2K 39 2
                                    

 أفسد حياتك بقدر ما أفسدت حياتي , سأتزوجك يا رولت لكنني سأجعلك تدفع طوال حياتك ثمن ما فعلته اليوم....
خففت آلانا سرعة سيارتها ودخلت المصنع المقفل الأبواب ثم أوقفت السيارة عند البوابة الخارجية وبقيت جالسة خلف المقود لحظات ويداها ترتجفان , أقترب منها أحد الحراس وحياها من شباك السيارة قائلا:
" هل يمكنني مساعدتك يا آنسة؟".
" نعم , أنا الآنسة باول ,أن السيد ماثويز ينتظرني".
وأبتسمت له ببرودة.
توقف الرجل لحظة ليتأكد من لائحة المواعيد وهو رأسه موافقا ثم قال :
" أن السيد ماثويز ينتظرك".
وبعد أن سألها مستفسرا عن أي من الأخوة ماثويز جاءت تسأل , أشار الى رفيق له بفتح البوابة , ثم سمح لآلانا بالدخول.
كانت تشعر بالخجل وهي تدخل بسيارتها الى المصنع لأن عددا كبيرا من العمال والموظفين يعلمون مدى صداقتها مع كورت , وسوف ينتبهون حتما الى موعدها مع أخي , في تلك اللحظة تمنت لو أنها أخبرت كورت بأمر هذه الزيارة , ثم وعدت نفسها بأن تفعل هذا غدا قبل أن تنتشر الأقاويل حولها وتصل الى مسامعه.
أوقفت سيارتها في مكان فارغ ثم تناولت حقيبتها من المقعد وخرجت , وترددت برهة وهي تنظر الى باب البناية وراودها بعض الشك بشأن هذه الزيارة الحمقاء , فأرادت أن تترك المكان دون مقابلة رولت لكنها أدركت أنها لن تعرف أي شيء عن والدها أذا ما فعلت ذلك.
وبينما كانت تدخل الباب , أحست بالضعف في قدميها وندمت لأنها لم تتناول العشاء مع والديها قبل مجيئها , لكن ذلك كان سوف يؤخرها , كانت أعصابها في حالة قصوى من التوتر وأحست أن الطعام سوف يضايق معدتها أكثر مما يعيد اليها القوة التي غادرتها لحظة دخلت البناية.
كان الممر المؤدي الى مكتب رولت خاليا لا يسمع فيه سوى صدى خطواتها , ونظرت بسرعة الى شكلها في زجاج أحد المكاتب ... كانت تنورتها الزهرية اللامعة تصل الى حدود ركبتيها وتظهر ساقيها الجميلتين , أما قميص الحرير فكان يلتصق بصدرها وخصرها النحيل , وقد ربطت حول عنقها وشاحا زهريا مثيرا.
بدت جذابة متألق بألوان براقة تزيد من لمعان شقرها الأشقر , فتمنت لو أنها لم تهتم كثيرا بمظهرها كي لا تبدو جذابة أمام رولت , وفكرت أنه من الأفضل أن تبدو بشعة لكن الأوان قد فات .
دخلت مكتب سكرتيرته ووصلت الى الباب الداخلي الذي يؤدي الى مكتبه , فشدت على يدها بعصبية ثم طرقت على الباب , أجابها بصوت منخفض:
" أدخل".
أضطربت وهي تفتح الباب , كان رولت جالسا وراء مكتبه وقد ركز أهتمامه على الأوراق المنتشرة أمامه , أقفلت الباب ووقفت تنتظره لحظة لينتبه الى وجودها , عندما سمع صوت الباب وهو يقفل , ألقى نظرة خاطفة لكنه ما لبث أن حدق أكثر عندما رآها.
خفق قلبها أمام نظراته ودون أن يقول كلمة واحدة , تطلع الى ساعته الذهبية وكأنه أراد أن يتأكد من الوقت ثم قال:
" تفضلي بالجلوس".
وعاد لينظر الى الأوراق قبل أن يتابع:
" سأكون معك بعد بضع دقائق".
ترددت آلانا لحظة وتمنت لو تتوجه نحو المكتب فتبعثر تلك الأوراق الهامة على الأرض وتأمره بأخبارها ما يدّعي معرفته , لقد أنتظرت ثلاثة أيام... ولم تعد قادرة أن تنتظر ثانية واحدة , لكن لياقتها منعتها وأجبرتها على ضبط أعصابها خصوصا أن أية حركة مجنونة سوف تزيد من غرور رولت , هدأت من روعها وتوجهت نحو الصوفا وهي تقول في نفسها أن هذا بعيد عن الأمور الشخصية.
قال لها دون أن ينظر اليها:
" يوجد مقصف في الحائط الخلفي وهنالك ثلج , يمكنك أن تخدمي نفسك , ونظرت آلانا اليه بسرعة وقالت وهي تجلس على الصوفا:
" لا , شكرا , فأنا لا أشرب".
كانت تريد أن تبقى متفتحة الذهن لذلك تناولت سيكارة , لقد أكتسبت عادة التدخين في الجامعة وهي تحاول الآن أن تتخلى عنها , لكنها في تلك اللحظة كانت بحاجة لأن تهدىء أعصابها بطريقة ما بعد أن طال أنتظارها.
أسندت رأسها الى الصوفا وراحت تنفخ دخان سيكارتها بهدوء بينما تابع رولت عمله متجاهلا وجودها في الغرفة , كانت تحدق به بأستمرار ولا تسمع غير حفيف الأوراق أو خدشة قلم من وقت لآخر , وتشعر أن الصمت بدأ يثير أعصابها.
تأملت تقاسيم وجهه , فرأته قاتما قاسيا مركزا على عمله لا ينتبه لأي أمر آخر ,كانت الستائر الزرقاء شبه مغلقة , فغمرت أشعة شمس الغروب المكتب وأضفت لونا ذهبيا على بدلة رولت البنية ولمعانا فريدا على شعره البني الغامق , لحظات وغابت أشعة الشمس فأزداد لون جلده البرونزي حدة.
أحست آلانا أنها تجلس أمام وحش نبيل قوي وفخور بذاته في آن واحد, سرحت عيناها تتأملانه ,فكادت من شدة شرودها أن تنسى سيكارتها وتترك رمادها يسقط على الأرض لكنها تنبهت أخيرا فقامت مسرعة الى المنفضة الموجودة على الطاولة الكبيرة أمامها .
عندما رفعت رأسها , لاحظت أن رولت ينظر اليها بتمعن وعلى ثغره أبتسامة ثم وضع قلمه على الطاولة وأشار لها بأنه أنهى عمله ثم نهض عن كرسيه وهو يقول:
" أعتذر لأنني جعلتك تنتظرين".
فبدت كلماته صريحة مهذبة.
أجابته ببرودة:
" طبعا!".
ومد يده الى ربطة عنقه فحلها قليلا وبدأ بفكها وهو يقول:
" هل تسمحين؟".
كانت تعلم أن جوابها لن يؤثر فيه لا سلبا ولا أيجابا , لكنها رغم ذلك قالت له:
" طبعا".
فرفع رباط عنقه ووضعه في جيبه ثم أنتزع سترته وعلقها على كرسيه , فتسرب الى قلب آلانا أحساس بالدهشة وهي تراقبه ينتزع عنه مظاهر الأناقة , وأحست أنها أمام رجل بائي ينذر بالخطر .
بعدها فك ثلاثة أزرار ثم توقف وسط دهشة آلانا التي توقعت أن ينزع قميصه نهائيا , فثارت أعصابها خوفا خلال الدقائق العصيبة وأزاحت نظرها عنه لتستعيد هدوءها , لكن بدل أن يتوجه رولت نحو الصوفا , توجه نحو النافذة ووقف في نور الشمس ونظر الى الزجاج الملون المغبر وقدماه متباعدتان عن بعضهما , فبدت وقفة كلها عظمة وقوة , تخيلته آلانا عملاقا ينظر الى أملاكه ففقدت صبرها أمام صمته المستمر وسألته:
" ما الذي تدّعي معرفته بشأن أهلي؟".
نظر اليها نظرة تأمل طويلة ثم أستدار نحوها وأجاب:
"أريد أن أتناول كأسا , هل أنت أكيدة أنك لا ترغبين بقليل من الشراب؟".
كان من الصعب عليها أن تبقى هادئة وبرز التوتر في صوتها عندما قالت :
" نعم أنا أكيدة".

روايات عبير / الفخ - جانيت ديلي _حيث تعيش القصص. اكتشف الآن