[ 2- فستوفيا من ماضي ماري ]

45 7 3
                                    

     بدت سنابل شعرها الصفراء المحيطة بوجهها البيضوي الضئيل، النائمة على كتفيها، كأثر ريشة -  غُمٍسَ رأسها مسبقا في تراب ذهبي - زحفت بأمر من يد فنان على الزجاج المحاذي لطاولتهما خاطفا الأضواء من أي لون آخر تظهره واجهة محل بانكايك لاند الزجاجية عبرها أو انعكس عليها من الداخل. تأملته وقد اجتمع في اللون الأزرق الياقوتي لعينيها حنان يشوبه القلق بينما كان يُغرقُ وجهه في راحتي كفيه وطبقات البانكايك تدنوه منتظرة أن يغرز فيها شوكته منذ أرساها النادل على الطاولة قرابة النصف ساعة. إن إحاطة ماري علما بكل ما يروق لألكس مما لا يروقه دفعتها لطلب فطائر البانكايك المحلاة بالعسل - التي تحتل مرتبة تنافس مرتبتها في قلبه - وإختيار الطاولة القابعة آخر المطعم والأبعد عن جهاز "ستيريو ديل 1200" الذي كانت تصدر منه ألحان شيلو، أكثر آلة موسيقية يمقت ألكس صوتها، كما أنها لم ترغب بالجلوس رفقته على إحدى طاولات منتصف القاعة بكراسيها الخشبية والمنمقة بالجلد، بل آثرت إحدى الطاولات الثابتة ذات الآرائك الجلدية المصبوغة باللون البني والمحاذية لجدار الواجهة الزجاجي متيحة بذلك لنفسها ومرافقها - الذي يمضي وقتا عصيبا مؤخرا - إطلالة تريح النفس على الشارع بالخارج. تلك هي طبيعة ماري، دائما ما تعبق تصرافتها مع ألكس بعطر الأمومة خصوصا بعد الفاجعة التي تلقاها منذ يومين وعاقباتها التي يخوض فيها حاليا، هيامها به يتجسد واقعا كاهتمام يماثل اهتمام أم لابنها، كيف لا وهو من كان السبب وراء انبثاق مشاعرها التي نضبت منذ مدة قبل لقائهما؟ هو من أشعل فتيل عواطفها الخامدة مخرجا إياها من إكتئاب حاد ألمَّ بها عقب انتهاء علاقة حب فاشلة مع موسيقي ومغني روك متعجرف بغيض فطر قلبها بأن تركها كما لو أنها لم تكن تعني له شيء يوما، ولأجل من؟ الوافدة الجديدة لمعهد الفنون الذي اعتادت ريادته، سوزي لاربور...

- «يبدو أنني أفقد عقلي ماري!» بادر بالكلام من خلف يديه المطبقتين على وجهه.

- «أعلم ثقل ما حدث عليك وأعرف أنه يؤلمك كثيرا ولكنني هنا معك لنتجاو..»

- «إنني أسمع أصواتا» قاطعها مبديا وجهه بعدما انزلقت يداه لتتوضعا على جانبي طبق الفطائر.

- «إنها مجرد هلوسات نجمت عن الضغط فما تخوض فيه ليس بالقليل» صمتت دونما انتظار لإجابة وهي تطالع نظراته المصوبة في شرود للشارع قبل أن تنحني برأسها قليلا وتسأل في نبرة امتطاها نوع من الفضول. «ما الذي تسمعه؟»

- «فستوفيا»

     أتبع الكلمة بتنهيدة طويلة أرخت صدره وسحبت كتفيه للأسفل. كان على وشك أن يستأنف كلامه مخبرا إياها بأن تلك الكلمة المجهولة المعنى وجدت في مكتب والده إلا أنها سبقته بلكنتها البريطانية المحضة، السلسة والخفيفة وقد أسهمت نبرتها المحتارة في زيادة خفتها:

غُـرفَةٌ مِـن فَـوقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن