[ 1- فستوفيا ]

71 17 9
                                    

    بالرغم من انشغال بال ألكس بكل شيء غير برودة الغرفة إلا أنها كانت تسبب له إزعاجا آثر كتمانه، ولعل الضوء الأبيض الباهت الذي كان يزحف على الجدران أصابه بالغثيان في نهاية التحقيق، إضافة لذلك فقد كان اضطراب فطري يعتريه، حاله حال أي شاب يلج غرفة التحقيق لأول مرة، غير أنّ الصدمة والحزن الشديدين كانا يتربعان فوق قلبه على غرار أي مشاعر أو انفعالات أخرى...

- «هل لاحظت على والدك أي اضطراب من شكل معين أو تصرف غير سوي مؤخرا؟»

- «كلا» أجاب ألكس ببرود وهو يشيح بنظره للأرضية على يمينه.

- «ولما عساه يرمي نفسه من الطابق السادس لعيادته بعد أن ابتلع علبتين كاملتين من الفيكودان؟» صمت المحقق جون لين ستيفن ثم وضح بعد برهة «من وجهة نظرك بالطبع.»

- «لا أدري، كل ما أعرفه أنه كان سعيدا طوال الوقت.» أزاح نظره عن الأرضية وواجه به نظرات المحقق بحدة قبل أن يسأل «لماذا ينتحر الناس عادة؟ باعتبارك محقق جنائي مخضرم تعامل كثيرا مع حالات الانتحار؟»

- «في غالب الأحيان يكون نتيجة اكتئاب حاد، ربما من الخوف، وكثيرا ما يكون بسبب تأنيب الضمير، فترى كثيرا من الناس يقومون بالانتحار بسبب ماضيهم، جريمة ارتكبوها ولم يستطيعوا تجاوز الأمر، هناك الكثير من الحالات.» شرح وهو يتفحص واقفا الطاولة التي تفصله عن ألكس جاعلا بؤبؤي عينيه يتأرجحان يمينا شمالا بهدوء.

- «لا أعتقد أن السيد العجوز لديه ماضي أساسا، كلا، لا أعتقد أن لديه ما يندم على فعله.»

- «وفق للوثائق الموجود هنا...» فرد ملفا كان قد توج به راحة يده وقد سكب مصباح النيون فوقه جلِّ ضوءه عليه. طالع ملامح ألكس الجالس ببرود أمامه قبل أن يجر كرسيه هو الآخر ويقعد حاطا الملف أمامه على الطاولة «والدتك توفيت على إثر حادث مرور، والدك كان خلف المقود وتعطلت مكابح السيارة فانتهى بها المطاف في الوادي، توفيت والدتك في عين المكان أما والدك فكان ليلحق بها في غضون نصف ساعة لولا ذلك السيد المحترم الذي كان يقود سيارته في نزهة جبلية ولاحظ كومة الصفيح أسفل الجرف أليس كذلك؟» صمت كأنه ينتظر إجابة فاستأنف حين لم تأته «ألا تعتقد أن والدك كان يشعر بالذنب أو كان يلقي باللوم على نفسه لوفاة زوجته؟»

- «لا أعتقد ذلك، كان عمري ستة سنوات حينها إلا أنني أتذكر أنه شعر بالحزن الشديد لفراقها بادئ الأمر ثم نسي الأمر تماما ومنذ ذلك الحين كان يبتسم كلما أتت على باله أو جاء أحد على ذكرها.»

     عقب ذلك، أصبح الصمت ثالثهم. تبارزت نظراتهما التي لم تكن إحداها أقل حيرة من الأخرى غير أن جون لين ستيفن الذي كان يلف ذقنه بسبابته بدا أكثر حيرة، كأنه متردد في فتح موضوع ما مع ألكس، ربما لأنه لن يساعد البتة في كشف ملابسات انتحار طبيب أطفال كان سيُحال للتقاعد قريبا بعد أن قارب عمره الخمسين أو أنه وصل لدرجة من التأكد تصور له فتح هذا الحديث كهدر للوقت لا غير.

غُـرفَةٌ مِـن فَـوقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن