مستر كروجند

136 16 17
                                    

الفصل الثاني
مستر كروجند


بين الوعي والإغماء شاهدت أنتيل بطرف عينها المتعبة فتاة تجول ساحة الغرفة وتنظف آثار الدماء، حاولت جاهدة رؤيتها جيدا ولكنها كانت تشعر بثقل في أطرافها ولسانها، حينئذ لم تتمكن من ذلك حتى نامت مجددا وحلّقت في سماء الأحلام، لم يكن حُلم الليلة كأي حُلم، إنه حُلم تساقط مع أرتال الرصاص الذي أطلق في ساحة شقَّتها، فقد حَلمت بأنها وسط غابة ذات أشجار صفراء وبالقرب منها سيدة مُسنة تضع إناء من البلاستيك بين فخذيها وتحلب بقرة بيضاء وزوجها الكهل يمسح بيديه علی مؤاخرة البقرة حتى لا ترفض إعطائهم الحليب، حاولت أنتيل أن تصل إليهم ولكن كانت البقرة تتحدث معها وتحذرها من القدوم، كانت تشعر بالخوف بعد أن رأت البقرة تفتح فمها وتحدثها بنظرات غاضبة، ولكنها لم تبارح المكان إلا بعد أن شاهدت البقرة تأكل السيدة المُسنة وزوجها، ثم قطعت القيود وهربت نحوها، استيقظت مفزوعة لتجد نفسها في غرفتها وبالقرب منها مبخرة تتصاعد منها رائحة الصندل والمسك، سألت نفسها كثيرا:
-أين الجُثث؟ من نظّف المكان؟
نهضت بثقل وتوسطت السرير ثم جمعت خصلات شعرها المبعثر حينئذ شعرت ببرود في جميع أطرافها، تلفتت يمينا ويسارا باحثة عن والدتها، خال لها بأنها في مقعدها المُعتاد، أصبحت تهتف بصوتٍ فاتر :
- أمي أين أنتِ؟ هل أنتِ بخير؟

أصيبت بالدهشة عندما وجدت مقعدها خالٍ وتبين لها بأنها ليست داخل الشقة، جلست تتوسط الصالة وتضع رأسها بين كفيها بشيء من الحيرة، في تلك اللحظة كانت شمس العاشرة صباحا قد غزت ثقوب النافذة المغلقة التي أحدثتها تلك الرصاصات التي أطلقت ليلا، كانت هذه الثقوب هي الشيء الوحيد الذي أكَّد لها بأن ما حدث في الليلة الماضية لم يكن كابوسًا بل حقيققة،
لم يخب ظنها عندما تنبأت بأنها مقبلة على ليلة تحمل من البؤس ما يكفي، ومن الخوف ما يُريب، ولم تكن على خطأ عندما دعت الله أن تنقشع تلك الظُلمات التي جعلت منزلها كالوكر المهجور، منزل فاقت فيه ولم يكن كذاك المنزل الذي ألفته منذ نعومة أظافرها، حيث ثقوب الرصاص جعلت النافذة مثل المصفى، والجدران صارت باهتة بدوائر الرصاص، وتلك اللوحات الثمينة التي سقطت  أرضا وتكسَّر زجاجها وإطارها الخشبي، لم يكن أمامها سوى أن تبحث عن والدتها أولًا، فقد كان هذا هو الهم الشاغل لديها الآن، الجدران يمكن ترميمها ببضع دولارات، واللوحات يمكن شراؤها من سوق هوبم العام، ولكن الأم لا تعوض بالمال وتستحق أن تبذل الغالي والنفيس لأجلها، كان سؤال واحد رسم استفهاما على كل قسمات وجهها:

- أين ذهبت أمي؟ هل اختفت؟ أم تلاشت، لا يمكن لأمي أن تختفي بمحض إرادتها، كيف لسيدة في العقد السابع من عمرها الاختفاء بهذه الطريقة؟

في الوقت نفسه كانت موقنة بأن هناك قوة عظمى هي التي فعلت كل هذا ولكن لم يكن هناك سببا لكل هذا، فهي ليست فتاة سيئة حتى يفكر أحدهم بالانتقام منها، كما لم يكن لها ماضٍ مؤسف أو سيء حتى تكون هذه نتيجته، ولكن ليس أمامها سوى أن تصدق كل ما جرى، وكيف تصدق بأن والدتها هجرتها وغادرت بمحض آرادتها، ثم تنفي هذا وهي تغمغم:
- لا، لا،  أمي لا يمكنها فعل كل هذا، لأن المرض قد أنهكها وهي تحبني كثيرا.

رواية: اِلْتِبَاسٌحيث تعيش القصص. اكتشف الآن