اختفاء ميري

55 6 3
                                    

الفصل الثامن
اختفاء ميري

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أعتذر عن تأخير الفصل لظروف خارجة عن إرادتي، ستستمر الفصول تباعا بإذن الله في أقرب وقت، دمتم في حفظ الله من جائحة كرونا واعتنوا بأنفسكم جيدا، أغسلوا أيديكم جيدا، ولا تصافحوا وأبقوا في المنزل لسلامتكم❤
صلاح شانوة
اعتنوا بأحبائكم
Covid19
☆☆☆☆☆☆☆☆☆☆

عندما بلغت الثامنة عشر من عُمري وجدت نفسي تحت عجلات الزمن وقبضة زوج والدتي الذي لم يكن سوى عقاب لوجودي في تلك الحياة الغابرة، كان دائمًا ما يشعرني بالدونية والذِلَّة والاحتقار، ولكن مع كل هذا لم أشعر يومًا باليأس أو راغبة في إنهاء حياتي كما أشعر به الآن، فقد حاولت جاهدةً منع صديقتي المُقرَّبة من الإقدام على هذا الفعل ولكنها انتحرت، دائمًا ما كنت أرفض هذا السلوك الذي أعتبره ضعف في الشخصية والإرادة، وها أنا ذا اليوم في الخامسة والعشرون من عمري وتراودني هذه الفكرة بكل معالمها المظلمة.

- الحياة ليست عادلة أحيانًا يا صديقتي أنتيل، من منا لم يتذوق مرارة الأيام؟ من منا لم يجد من يشعره بالبؤس والندم على القرب منه، أنا كذلك عشت حياة تكاد تكون قاسية بالمعنى الأصح، كان والدي يحبني جداً ويهتم بي ولكن لا أعلم حتى هذه اللحظة ما الذي دفعه لتركنا أنا ووالدتي بين جدران منزل متهالك تسكنه الأوجاع والألام.

كانت لحظات شعرت كُلنَّ منهنَّ في حوجة ماسة لإخراج ما تخفيه في دواخلها من ماضي مؤسف لم تمسحه كل تلك السنوات الغابرة، كُنَّ تحت ظل شجرة تحتضن غربان وأعشاب صفراء تغطي محيطها الجاف، كُنَّ في حالة بائسةٍ وقد بات أمر الموت وشيكًا، فالموت ثانية تمر في حياتنا دون أن نشعر بها، ثانية ترتفع فيها ضربات القلب الموجوع وتصحبه أحلام غير إعتيادية تتملك مخيلتنا لنجد أنفسنا في تعداد من هجرونا لعقود. كانت دمعاتهن الساخنة تسيل عبر وجنتيهن وتعجز أيديهن عن وقفها، كانت هذه الكلمات تخرج لا شعوريًا كأن كل واحدة تُحدَّث نفسها، لم يكن حوار بين فتاتين بل كان حوارًا داخليا تُحدَّث كُلنَّ منهنَّ نفسها مدركة بأن لا إجابة لهذه التساؤلات التي أخفتها أيام الزمن الغابر بين صدورهن.

اقتربت أنتيل من رفيقتها بوغدون وهي تلهث ووجهها الأبيض الناصع صار باهتا وعينيها الباكية كأنها ستخرج من مقلتيها ثم وضعت رأسها على صدرها وهي تردد:
- سامحيني يا رفيقتي إن توقفت نبضات قلبي، سامحيني رجاءً فأنا أعلم جيدا بأنك فتاة صالحة ولكن ليتنا لو إلتقينا في مكان غير هذا، ولا في زمان غير هذا، وإن التقيتي بفيروزة أطلبي منها أن تسامحني...

قاطعتها بوغدون بأن وضعت يدها حول فمها وهي تزرف دمعات الفراق الذي أصبح واقعا، لم تكن بوغدون بأفضل حال منها ولكنها تظهر التماسك حتى يأتي الفرج، كانت بوغدون متمسكة بالحياة ولم تشعر باليأس قطَّ، ظلت تمررَّ أصابعها المرتعشة بين خُصلات رفيقتها وتنظر يُمنةً ويسارًا، كانت تراقب الشمس التي شارفت على الغروب وتدعوا الله في سرها بأن يأتي الفرج قبل فوات الأوان، كانت تُمنَّي نفسها بأن لا تموت رفيقتها الوحيدة حتى لا تصبح وحيدةً بين أشجار الوادي المريع، فقد سألت نفسها كثيرًا في كيف ستقضي الليل لو ماتت أنتيل ثم تقبل رأس انتيل وتقول بحزت بالغ:
《رجاءً لا تتركيني وحيدةً هنا يا أنتيل 》

رواية: اِلْتِبَاسٌحيث تعيش القصص. اكتشف الآن