مَجْهُولَةُ الهَوِيّة

173 18 49
                                    

فِي لَيلَةٍ مُقْمِرَة فِي أَحدِ أَريافِ اسكُتلَندا، وَعَلى عَزفِ أنْغَام ِالأَكُورديون تارة، وآلةِ القِربة تارةً أُخرى، وكؤوس الجَعّةِ المتناقلة بَين هَذَا وَذاك، صَدَحَ صَوتُ أَحدِهم جَاذِباً انتِباه الجَميع اِليهِ بَعدَ نِقاشٍ دَار بَينَه وبَينَ أَحدِهم :

ياَ رَجل !!
هِيَ امْرأةٌ حَدِيدِيّةٌ أَطرَافُها صَدِئة ..

هَذَا أَقَلّ مَا يُمكُنكَ وَصفُه فِي تلْك المُعتَلّة الجَمِيلَة ، التي تَقطُن ذَلِك المَنزِل الواقِع عَلى أَعتَابِ حُقُولِ أَزهارِ التّولِيب والزّنبَقِ الأَبيضِ المُقابِل لِكَنِيسةِ البَلدة ..

لَحظةٌ حتى تراءت لَهُم تِلكَ المُختَلّة كَمَا يُلَقّبِها أَهلُ البَلدةِ ، وَگأنّما وَشَى بِهم لَها أَحدُ مَلائِكة تِلكَ الكنِيسة التي تَكفُر بِها سِراً، بِطَلّتِها المَمشُوقة ، وطولِها الفَارِعِ، وشعرِها الكَستَنائي الأَشعَث وبِعَينَيهَا الحادّتين التي تَحمل ذَات اللّون ،
تَرتَدِي طَقْماً ادوَاردي مُفَصّل بِسُترةٍ طَويلةٍ مُستَقِيمةٍ ، وَاسِعة فِي نِهايةِ مَنطِقةِ الخَصر مَقرونةً بِتَنورة عَلى شَكلِ الساعةِ الرَملِية ، أَقْرَاطُها الأكثرُ لَمعةً مِن نُجومِ سمَاءِ ذلكَ الرِيفِ المُسالِم وَصَوتُ وَقعِ حِذَائِها ذِي الكَعبِ المُرتَفعِ قلِيلاً الذي طَغَى عَلى صَوتِ عَزفِ تِلكَ الآلاتِ.

هَدَأتِ أَصوَاتُ القَومِ فِي حَضْرَتِها ..

جَهَرَتْ بِصَوتِها وَلَكنَتِها الاُسكَتلندِيّةِ الثَقيِلة :
سَيّد آرثَر ، وَصَلتْنِي بَلاغةُ وَصفِك لِي،
لَكِن لَازال غَيرَ كَافٍ لَي مُذ أنّي مُتنَاقِضة وَأَجهَل هَوِيتَي حَتّى اللحظَة.

دَعنيِ أَتَغَنّى بِالحِرفِ أَمَامَك ..

أنا كَائِنٌ رَمادِيّ، تِمثَالُ المُعَاناة ، قائِمٌ عَلى مَأسَاةٍ حَقيقِية ، أُفَضفِضُ لِقَلَمِي ، لِيَقِلّ أَلَمِي ..
مُجَرّدُ امرأةٍ فِي آخِر مَقاعِد المَسرَحِ الكَبير، أُراقِب بِصمتٍ جُنونَ سِينَاريُو البَشَرِيّةِ .
أَنَا عَلى لِساَن سيورَان " أَنَا فِي وَضعِ الغَريب الدّائِم، فِي حَالةِ لَا انْتِمَاءٍ كُلّي حِيالَ كُلّ شَيء " ..
اَنا حانةٌ فَارغة، وأُغنِيةٌ قَديمة ..
أَنَا كَشَيءٍ لا يُشبِهُ الغَرقَ، لَا يُشبِهُ النّجاة..
فَزّاعَةٌ وَسَطَ الأَشجَارِ، تَعزِفُ لَحناً حَزيناً ..
امرأَة بْقَوامِ قَصِيد ..
أنا ابسط مما تعتقد واعقد مما تظن ..

أَنَا الأَندلُس والجَنّة للبَعضِ، والغَيهَب والغُربةَ للْبعضِ الآخَر
انا فَتاةُ الرِّيف لَها ..

أَنا حَرفٌ أَشعَثْ وَقَافِيةٌ عَرجَاء، فَاغضُض مِن بَصَرِك، وَاقْرَأ..

••••••••••••••••••••••••••••••

تَراتِيل.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن