|79|

261 23 49
                                    

أعلم أننا مُجرّد أوهام..
محض أفكارٍ شاذة تعوم في فضاءٍ يمقُتها..
يُلقي عليها صفعاته العُنصرية في حال إن نسيَت ولو لـِلحظةٍ غافلة..
كونها دخيلٌ غير مُرحَّبٍ به في عالمٍ دنيء كهذا..
أعتذر عن إزعاجي لكَ أيّها المجهول..
وعن لساني الذي وجد له في التذمر والشّكوى صُحبة العُمر..
وعن سَرِقي الذي لا يعرف التوبة لِـواقِعِ الآخرين..
مُرًّا كانَ أم حُلوًا..
أعلم أنه أمرٌ عقيم ..
لكني لم أجِد في واقعي عِبرة لذا اقتبست خاصَّهم..
وكم لطيفٌ أنتَ يا مجهولي العزيز..
لمُحاولتك رسم قِصّة لي..
لمُحاولة عِلاجي..
وإصلاحي..
إلا أن هيمنتك التي اعتلت فؤادي كانت بالدواء الكافي..
وإن كان مؤقتاً .. لأن ما ٱعانيه هو مُتلازمة دبِقَة كالقَطر..
ٱقدِّم أسفي البالغ .. أتمنى لو كُنت تحت السّيطرة..
إلا أنَّ الحقيقة أن لا مكان لنا في دائرة التّحكم..
وهذا يتضمَّن نفسَنا الوحيدة..
لكنَّك من كان مألوفاً وسط غُربَتي النّابذة..
أنتَ الذي معه أستطيع خرق القواعد..
والدّهس بِحذاءٍ طينيٍّ قذر على الخطِّ الأحمر دون اهتمام..
أنتَ الذي معه لا وجود للعواقب..
ويُعطى الرضوخ قُبلات وداعنا له..
لأنه بِحضورك تنمو أجنحة الحُريّة..
ويُكتب على جبيننا  "بلا حدود"..
فكلُّ ما هو على قيد الوجود حزينٌ للغاية..
فنحن هناك نبتلع ابتساماتنا الصَّفراء ابتلاعاً..
ونُجبر على مُشاهدة حقارة العالم المُتنامية كلما تقدَّمنا في العمر..
والإعتياد على كون مصيرنا في جميع الحالات لا معنى له..
وأننا نستنفذ طاقاتنا الهالكة في إثبات وجودنا..
مع علمنا بأن الزّمان سيمحي بصماتنا كلفحة هواء نوڤمبر البارِدة..
وأنّ لا حياة في الوجود حقاً .. لأنها أيضاً احدى أساطيرنا الكئيبة..
فأنت تضحك على نكاتك السخيفة .. تسترسل في مواضيعك السطحية..
تذهب في رحلة ربيعية .. وتتظاهر بأنّك سعيد بكل هذا..
وأن ترقيتك في وظيفتك هي النجاح الأعظم..
وأنّك تُحب عائلتك وأبناءك ..
وأنّه ذات يوم حين ترتمي إلى سريرك عجوزاً مُرهقاً..
ولا تستيقظ بعدها أبداً..
ستكون راضياً عن حياتك المليئة بذات نهج الهراء الذي تبعه غيرك..
وأن الناس سيذرفون في عزائك بضعة دموع ذوقاً..
ثم يعودون بعدها إلى التحدّث عن أحوال الطقس والإقتصاد والموضة..
وأنه من المؤكد أن بعد سنين سيتبعك كل من عرفتهم..
وتجلسون تحت التراب وحيدين تُراقبون الجيل الجديد يستعمر العالم الذي كُنت فيه صباح يومٍ ما..
ستجلسون وحيدين ولن يُلقي أحد تحية على قبوركم..
لأنكم الآن تحت رُكن مُغبَر..
رُمِيَ كغيره في غياهب النسيان..
فهذا الواقع يا مجهولي أكثر مني مرضًا..
لكننا سنكتفي ببعضنا البعض..
سنكتفي بنهايتنا المنسية..
فحين ألتجئ إلى سريري عجوزةً هالكة..
لن أذهب إلى القبور ولا إلى أعالي السماء..
سألتقي بك في حلم جميل..
حيث يرجع لنا شبابنا الضائع..
ونرقُص في وسط قاعةٍ اهليلجية..
بينما الباقون يُحوِّطوننا جنباً إلى جنب..
فقراءً وأغنياء .. منعزلين كانوا أم مُنفتحين..
فالكُلُّ في الموت مُتساوون..
ٱحبّك يا مجهولي..
ليس لشيءٍ سوى أنك أرقى من هذا كله..
لأنّك ببساطة ، لست جزءًا من هذه الحقيقة الكاذبة..
وأنّك لم تُوجد سوى داخلي..




"إلى أين هي وِجهتُك يا آنستي..؟"

- إلى النُّجوم.

طيف رمادي.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن