معاناة طفلة

17.6K 218 8
                                    

_ يا ست انتي حرام عليكي ، دي بنت يتيمة ، حرام اللي انتي بتعمليه فيها ده..
_ هو انا عملت فيها ايه؟ علشان بخليها تقلب الرز على البوتوجاز يعني؟
_ يعني انتي شايفة ان دي حاجة بسيطة؟
_ اسمع يا عبده.. انت تطلع من دماغي دلوقتي، خليني أخلص الطبيخ ده، ولما بنت أختك يحصل لها حاجة يبقى تعالى حاسبني.
(الزوج نفخ من الغضب، وساب لها البيت وخرج)
الست بدأت تخرط في البصل اللي قدامها وهي مش طايقة روحها، وكانت الطفلة صابرين، واقفة فوق كرسي المطبخ، علشان تلحق حلة الرز على البوتوجاز، وبتقلبه بالملعقة علشان يتحمر.
البنت عمرها أقل من سبع سنين، وسخونة البوتوجاز مخلياها هتدوب من الحرارة.
مرات خالها بتنادي عليها:
_ تعالي يا صابرين، هاتي لي إزازة مية من التلاجة.
_ حاضر يا مرات خالي.
(صابرين سابت الملعقة جوة حلة الرز على النار، ونزلت بسرعة، راحت عند التلاجة وجابت إزازة مية ساقعة لمرات خالها)
مرات خالها أخدت ازازة المية علشان تشرب منها وهي قاعدة مكانها على الأرض بتخرط البصل.
_ يلا الحقي الرز قبل ما يتحرق.
_ حاضر يا مرات خالي.
(البنت راحت عند حلة الرز، وقفت في الكرسي، وظبطت اتزانها علشان خايفة توقع على الأرض ... متعرفش المسكينة إن الملعقة أكيد هتكون سخنة نار دلوقتي، لأنها مسنودة ع الحلة فوق النار)
صابرين بتمسك الملعقة علشان تبدأ تقلب الرز، إيدها اتلسعت، جسمها اتهز لما هربت بإيدها من الملعقة .. الكرسي وقع بيها على الأرض .. وفي لحظة سقوطها بالكرسي، كانت سحبت معاها حلة الرز اللي بيتحمر على البوتوجاز.
صابرين بتصرخ، الرز السخن كلها على جسمها، والحلة وقعت على رجلها، والمسكينة بترفس على الأرض من الألم، وكل حاجة فوق جسمها سخنة نار.
_ إلحقيني يا مرات خالي .. إلحقيني يا مرات خالي.
_ الله يخرب بيتك يا بنت الكلب .. خربتي لي الدنيا .. الله يخرب بيتك.
(مرات خالها بتضربها على وشها، والبنت واقعة على الأرض)
_ خلاص يا مراتي خالي خلاص .. مش قصدي والله .. خلاص
(بكب المسكينة، من الذل والضرب والإهانة .. بكت من سخونة الحلة الألومنيوم اللي فوق رجلها)
خالها عبده جاي من برة بسرعة، سامع صراخ البنت.
_ حصل ايه؟ حصل ايه؟ يا ساتر يارب .. البنت مالها؟
_ الله يخرب بيت البنت، وبيت أمها المسجونة، وبيت أبوها اللي مات، وبيت اليوم اللي دخلت فيه بيتي، بوظت لي الدنيا.
(الخال نزل رفع البنت من على الأرض، ورمى الحلة السخنة بعيد عن جسمها، ونفض الرز من عليها)
_ البنت جسمها اتحرق، البنت ايديها ورجليها ملسوعين بالنار، ربنا ينتقم منك يا إلهام، انتي مش بني آدمة، ربنا ينتقم منك.
(الخال أخد البنت وجري بيها على المستشفى)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البنت كان باين عليها أوي البؤس، كأن وشها مكتوب عليه إنها يتيمة، ملهاش حد في الدنيا دي.
أبوها مات في حادثة بالعربية على الطريق، وأمها محبوسة بسبب إيصالات أمانة كانت كاتباها لأصحاب محلات اشترت منهم أجهزة بيتها، وكان جوزها بيسدد لها قيمة الإيصالات كل شهر، لكن مفيش فلوس بعد ما الراجل عمل الحادثة..
يا ريتها كانت وافقت إنه هو اللي يمضي على الإيصالات قبل ما يموت، كان زمانها سقطت مع الوفاة..
خال صابرين هو اللي اتكفل بيها بعد ما أمها دخلت السجن، لكن قدرها تعيش مع مرات خالها إلهام، اللي مش طايقة وجود صابرين في البيت.
ـــــــــــــــــــــــ
الدكاترة في المستشفى اتأثروا بحالتها، وكانوا عايزين يعملوا تقرير بالحالة، ويبلغوا الشرطة علشان تحقق في الموضوع، لكن عبده اتحايل عليهم انه مش عايز بهدلة، ولا عايز يبهدل البنت في محاضر وأقسام.
راح المدير قال لهم يصرفوله العلاج، ويخلوه ياخد البنت ويمشي، ويهتم بيها أكتر من كده..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
رجعت المسكينة البيت، لقت مرات خالها قاعدة هي وعيالها وبيتغدوا، والست مش على بالها خالص، إن المسكينة إيدها محروقة بسببها، ولا إن البنت في المستشفى، ولا كأن في مصيبة حاصلة في البيت.
دخل عبده ومعاه البنت، وكان باين عليه خال حنين أوي على بنت أخته .. بس للأسف شخصيته ضعيفة أوي قصاد مراته، مش بيقدر يمنعها من الغلط، وبيخاف يناقشها في أي موضوع ... آخره يشتمها لما يكون متعصب، وهي ترد الشتيمة وانتهينا..
_ تعالي اتغدى يلا..
_ مش عايز أطفح.
_ ان شالله عنك ما طفحت، هو انت هتطلع زرابينك عليا أنا ليه
(عبده شاور على صابرين علشان تروح تاكل .. كانت بتعض في صوابعها من الجوع، وبتبص على الأكل من بعيد وخايفة تاكل)
_ روحي يا صابرين اقعدي معاهم علشان تاكلي.
(البنت خايفة من إلهام، بتبص لها من بعيد بعيون يتيمة، مرعوبة منها، بتعمل لها ألف مليون حساب)
_ آجي يا مرات خالي، أتغدى معاكم؟؟
_ تعالى يا اختي اطفحي .. هو أنا منعتك من الأكل
(صابرين مشيت ناحية الأكل، وقعدت بمنتهى البراءة علشان تاكل)
العيال كان قدامهم قطع لحم، كل عيل قدامه الحتة بتاعته، وكانت إلهام بتاكل في حتة لحمة كبيرة..
صابرين بتاكل رز وبطاطس، وعينها ببراءة الأطفال رايحة لقطع اللحم اللي قدام عيال خالها، وحتة اللحمة اللي في إيد مرات خالها.
_ ما تبصي قدامك ع الأكل اللي بتطفحيه .. عينك هتخرق لي بطني.
(المسكينة متعرفش هي تقصد ايه، وبعدت بعينها بسرعة، خايفة تؤذيها، والعيال بتاكل)
إلهام بترغي بكلام كتير قدام البنت، مش عايزة تبطل كلام..
_ هو أنا قادرة على عيالي، لما جايب لي بنت أمها مسجونة، قاعدة في السجن، وأبوها مات في حادثة عربية عليها أقساط ... والعفريت بتاعه بيطلع يخبط في الناس اللي رايحة واللي جاية .. ايه العيشة الزفت اللي انا عايشاها دي..
(صابرين بتبص عليها، وبتسمع كلامها، والدمعة نازلة من عينها، رغم انها صغيرة مش فاهمة الكلام، إلا إنها حاسة إنها غريبة عن البيت، إنها مش مرغوب في وجودها، البنت حاسة بالاضطهاد، بكسر النفس .. بالإهانة اللي كل يوم تاكل من جسمها ونفسيتها شوية)
صابرين سابت الأكل وقامت، رايحة تفتح التليفزيون، ببراءة الأطفال، وخطوات الطفلة المسكينة..
لكن مرات خالها، بتصرخ فيها.
_ إياك تشغلي التليفزيون، العيال رايحين الدرس دلوقتي.
_ هما هيروحوا الدرس يا مرات خالي، أنا هتفرج على كرتون شيكو.
_ اسمعي الكلام يا بنت .. بلا شيكو بلا بيكو.
(رجعت المسكينة مكانها تقعد جنب الحيط، لا تاكل، ولا تفتح التليفزيون، وكأنها في سجن محرومة فيها من متع الحياة)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الليل..
الكل نايم، وصابرين بتتألم من إيديها المحروقة، مش عارفة تعمل ايه؟
قامت من مكانها، راحت تجيب كيس العلاج .. وبتفتح علبة المرهم علشان تدهن بيه إيديها.
المسكينة مش عارفة تفتحها بإيدها، اضطرت تضغطها بأسنانها علشان تفتحها..
بمجرد ما اتفتحت علبة المرهم، وصابرين بتضغط عليها بإيديها الاتنين علشان تحط منها مكان الحرق..
المرهم طلع كله من علبة المرهم، ووقع على السرير .. والمفارش اتبهدلت..
البنت بدأت تخاف، بتترعش، خايفة مرات خالها تصحى تشوف المرهم مبهدل الدنيا كلها..
البنت بتعيط بصوت واطي، مش عايزاها تحس باللي حصل، ومش عارفة تتصرف..
إلهام صحيت من النوم، كانت رايحة ناحية الحمام، وشافت صابرين بتحاول تمسح المرهم من على مفرش السرير..
دخلت عليها بسرعة، مندفعة اندفاع الصقر على الفريسة..
بدأت تضربها بعنف وقسوة .. لدرجة ان البنت وقعت على الأرض من شدة الضرب.
_ انتي ايه؟ متخلفة؟ حيوانة؟ بوظتي لي البيت بالزفت المرهم، انتي جاية لي منين .. جيتي لي من أي مصيبة .. الله يخرب بيتك..
(البنت بتصرخ، بتقول إلحقني يا خالي .. إلحقني يا خالي .. لكن للأسف خالها في الشغل .. بيشتغل من الليل لحد الصبح)
مفيش خال يلحقها، ولا أي حد يقدر يحميها من الست المتهورة دي، ضرب على الوش، وعلى الكتف، وخبطات برجلها عليها..
(إلهام زي المجنون اللي جات له نوبة الجنان فجأة .. بتضرب وتخبط في البنت، بتعذبها بشكل مخيف)
مش مقعول اللي بيحصل ده! مستحيل يكون في بني آدم بالقسوة دي، مستحيل طفل يتحمل كل ده..
إلهام بتسحب البنت من إيدها، وبتجرجرها ناحية الباب في نص الليل، وبتطردها.
_ امشي اخرجي برة .. إياك ترجعي هنا تاني.
_ خلاص يا مرات خالي .. مش هعمل كده تاني..
_ هسسس .. اسكتي .. مش عايزة اسمع صوتك .. الجيران هيصحوا من الجعير بتاعك ..
_ حرام يا طنط إلهام .. مش هعمل كده تاني يا طنط إلهام.
_ هسسسسس ... يلا غوري في ستين داهية .. اياك ترجعي تاني.
_ هروح فين يا طنط إلهام .. انا مش عارفة مكان أروح فيه يا طنط إلهام.
_ روحي في ستين ألف داهية .. بس وحياة ولادي يا صابرين .. لو رجعتي البيت ده تاني .. أو رحتي عند خالك في الشغل .. والله والله لأدبحك بالسكين زي ما بيدبحوا الفراخ.
(إلهام قفلت الباب بغلظة .. وسكرته بالترباس من جوة)
ـــــــــــــــــــــــــ
خرجت المسكينة اللي عمرها أقل من سبع سنين، تمشي في الشارع لوحدها، وسط الليل، والكلاب اللي بتعوي في الطريق..
البنت ماشية وجسمها بيترعش، خوف .. قلق .. رعب ..
خرجت تايهة مش عارفة تروح لمين، ولا تروح فين، طفلة مدفونة جواها البراءة .. السذاجة .. لكن للأسف ضحية مرات خال مولودة في غابة بين النمور المفترسة..
البنت جعانة .. نامت من غير ما تاكل، وإيديها المحروقة بتؤلمها بقسوة..
مفيش عم .. ولا خال..
الخال الوحيد جبان .. بيخاف من مراته .. رغم أنه حنين عليها.
الأب الوحيد مات .. مات وارتاح .. وسايبها طفلة تواجه الحياة..
الأم الوحيدة دخلت السجن .. مفيش تهمة .. ولا جريمة .. هي إيصالات أمانة مقدرتش تسددها بسبب الظروف.
(صابرين قعدت على الرصيف، ودفنت راسها بين رجليها، وقعدت تبكي وكانت هتنفجر من العياط)
حست بصوت بيطبطب على كتفها..
رفعت راسها تشوف مين ده اللي بيطبطب على كتفها، لقت كلب لونه أبيض، بيخبط دراعها براسه .. كأنه بيصحيها من النوم.
صابرين شافت الكلب وصرخت
_ آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآء

دي الحلقة الأولى
انتظروني بكرة زي دلوقتي في الحلقة التانية
قصة: صرخة يتيمة
تأليف: سيد داود المطعني
تصميم الغلاف: محمد محمود التريكي

صرخة يتيمه حيث تعيش القصص. اكتشف الآن