ج3

59 11 2
                                    

عدت للغرفة بملل, كان النور يغزوا كل شبر من هذه البقعة اللعينة..

" كلا ليست بلعينة "

بل إنها كذلك !. أطفئ ذلك النور اللعين و اصنع لي بعض سجائر الحشيش و أتركني في سلام لكي أعيش..

استسلمت أمام نفسي, و يدي تتمسك باَخر خيط نور يحتضر بين أناملي. أحسست حينها أن الحياة بدأت تتسرب مني, و أنني لم أعد أحمل في داخلي شئ أكثر من بؤس عميق من نفسي.

لم أجد أحدا يجيبني على ما أنا عليه, و حتى الكتابة التي هي أملي الوحيد, هي الأخرى أحس بها تتجنبني في مرات عديدة.

" ابكي, ابكي يا مشؤوم الحال فلن يراك أحد, فظلام الغرفة دامس. ابكي ففراشك ليس كالآخرين ليفشي أسرارك, ابكي فلن يحتضنك سوى سريرك ولن تحمل دموعك سوى مخدتك.." أوقفت الموسيقى, أغلقت الهاتف, تنقلت بين زوايا البيت كلها. وضعت أصابعي داخل أذناي في محاولة عزل تلك الأصوات, لكن دون جدوى, فتلك اللعينة تأبى أن تغادر رأسي.. أريد أن أغرق في الظلام و اَخر يريد أن يعانق النور حتى أصبحت لا أعرف من منهما يكتب هذه السطور.

أغمضت عيني و اختفى اَخر بصيص من الرؤية, و سرح دماغي مع وشيش النوافذ ; لست أعلم لماذا أنا مستعد أن أقدم أي شئ مقابل أن أعرف ما اللذي يفكر فيه ذلك الاَخر مني ؟ كيف هي ملامحه ؟.. أراهن أن وجهه يبدوا شاحبا و هادئا, و في نفس الوقت وجهه كوجه من شاهد حقيقة صادمة. أعرف مصدر هذه الدموع ! انها أشبه بحالة امتلاك و عدم ذلك. الأمر معقد بكثير من أن تفهمه من الوهلة الأولى صدقني.. اعذرني, فأنا لا أريد اغضابك, ولا أريد أن أكون قذرا معك, بل كذلك هي الحقيقة.

في كثير من المرات أحس أن وجهه متعب جدا, ليس لأنه تقبل كل أحزانه, و إنما لتأكده أن العالم هكذا, و أنه سيضل على حالته هذه الى الأبد. أن لا مهرب من سجن البؤس, و أنه لم يخلق الا لأن يكون بائسا ميؤوسا من حاله..

ماذا عساي أفعل ؟ هل أقبع مختبئ من نفسي كنعامة عجوز تختبئ من مفترسها.. هبطت الدرج سريعا, ركضت بين الدروب, تسللت بين كل الأزقة و اختلطت الناس. و سرت أنادي في داخلي و أصرخ; أنني من هذا العالم. أحسست بشعور قديم أفتقده. أيام كنت صغيرا, أن الأفق الأزرق بسحبه الهائمة كنت أنظر له كأنه باب مفتوح لي.. كنت طفلا لا أعرف شئ. لم أكن أعرف أنني أنا أيضا سحابة عابرة في الحياة

! ضجيجحيث تعيش القصص. اكتشف الآن