الجزء الثاني

397 8 0
                                    

مرت ساعة على بداية السفر و اجتزنا محطتين و لم تصل لوجهتها بعد.. و لا زلنا وحيدين في مقصورة الموت .. فضلت حينها التوقف عن القراءة و اغتنام فرصة الاستمتاع بالمناظر الربيعية .. حينها سمعت نداءا ظننته موجها لغيري حينها : عذرا , أيمكنني استعارة الرواية لدقائق ؟!!

أمثلك يقرأ الروايات ؟ أ مثلك يعرف وجود الروايات أصلا ؟ و حتى إن أكملت قراءة كتب لا تحزني و شيوخ السلطان, ألم تجدي غير دوستويفسكي و الجريمة و العقاب لتبدئي بها ؟ أسئلة طرحتها في لمح البصر و اختفت كذلك في حينها بعدما انتصبت قامتها نشيطة و اترفع صوتها قويا دون أن تنتظر ردي : لقد أكملت لتوي الإخوة كارامازوف و أريد قراءة رواية أخرى لنفس الكاتب فقد استهوتني طريقته في سرد الأحداث و تدقيقه الخاص في أبسط الجزئيات و دراسته الشاملة العميقة لنفسية الانسان، حقا إن الانسان لهو أعقد مخلوقات الكوكب!! لم أجد لها جوابا فكلماتها أضاعت كلماتي فصرت أخرسا لا أفقه الكلام حتى رأتني عاجزا فاستدركت القول:
أو لست متفقا مع طرحي ؟
بلى متفق تمام الاتفاق.. قلتها بلهفة المتعطش لسبيل النجاة.

حقا إن الانسان لهو أعقد و أغبى مخلوقات هذا الكوكب .. فكيف لهذا المخلوق أن يحكم على أحد فقط من خلال منظره.. حتى لأني قد تنبأت لها بمستقبل باهر في بلاط داعش و تبوأت لها منصب حورية الجواري .. فبنفس السرعة التي حكمت عليها بالجهل و التخلف احترمت ذكاءها و علمها و قوة أسلوبها .. فتحولت مقصورة الموت لمقصورة المعرفة و الحياة .. هي جملة صدرت منها قد غيرت كل معتقداتي و مفاهيمي بل و نظرتي للمرأة المتحجبة. لها من القدرة ما للأخريات و لها من الحرية مثل ما لهن .. و عليها مثل ما عليهن .. إن أرادت تثقيف نفسها و توعية وعيها فلن تجد مانعا لها .. بل و لها من المقدرة ما يجعلها تتفوق على البقية !! سهوت مع نفسي لبضع هنيهات لأسترجع شتات أفكاري الذي تبعثر بينما هي منهمكة في قراءة الرواية بروية كأنها ستجتاز امتحانا فيها عند خط الوصول. تقرأ بتمعن متدبر يوحي أنها تقرأ الصفحة عدة مرات علها تستنبط ما فاتها في القراءات الأولى !! بطبيعة الحال هي تقرأ قراءة عادية مثلها مثل باقي البشر لكني أتكلم هنا عن ما تخيله عقلي الباطني في تلك اللحظة !!


أخيرا وجدت طريقا كي أفتتححوارا معها و إن كان طويلا لأصل إلى غايتي .. لكن على الأقل ستحاورني إن تكلمنا عنالرواية !! خير لي و لها من أن نظل صامتين .. و بما أني مهووس بالأدب الروسي فقدوجدت ضالتي في التعبير .. ننتقد ذاك و نحيي الآخر على أسلوبه ، أوصيها بقراءةالبعض و تنصحني بالابتعاد عن البعض الآخر. خلاصة القول أفكارنا متقاربة في ما يخصالأدب و تلك ميزة مشجعة كبداية عرفت عدة متغيرات !! و برغم أن الحديث عنالأدب و غيره عادة ما يكون مملا بل و مكروها خصوصا إن كان بحضرة فتاةبجمالها لكنه بدا لي حينه ممتعا بل و شيقا حتى !!

ابتعدنا شيئا فشيئا عن الجدية و بدت البسمة تتخلل أحاديثنا بل و صارت تقطعهتارة ضحكة طويلة منها أو محاولة سكوت مني كي لا أطلق العنان لنفسي التي تعشق بلتعبد روح الدعابة. وجدتها فتاة بسيطة في تفكيرها بعيدة كل البعد عن الجدية والصرامة دون الاخلال بالاحترام . روح مرحة زادتها تألقا و إشعاعا فغدت فتاة أحلاميبكل تفاصيلها و معاييرها المعقدة .. تأملت تفاصيل ملامحها و هي مبتسمة فغاب بالي.. حتى لاحظت شرود ذهني فسألتني بضحكة بريئة : ما اسمك ؟ اجبتها عن اسمي ورددت السؤال فقالت لي اسمي مريم. ما أجمله من إن إسم و ما أكثر تواجده في حياتياليومية !! سكتت لبرهة و في لحظة برقت عيناها و قالت لي : دعني احكي لك حكاية قدتذهب حيرتك و ذهاب عقلك !!





لحظات قطارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن