الجزء الأخير

218 10 3
                                    


ساد صمت سادي عربتنا فصرنا غرباء مرة أخرى. هي لحظة ثقيلة خصوصا بعد لحظات سعيدة مرت سريعة. ظهر الغضب على ملامحها حيث أنها كانت تتوقع مزيدا من الأحداث المشوقة مع حتمية سعادة النهاية ، لكنها لا تعلم أنه لا إثارة في الإطالة خصوصا إن كانت الخاتمة مثالية. فالإنسان بطبعه يفضل أن يسمع نحيبا على أن يرى ابتسامة!! هو حقد طبيعي بداخلنا شئنا أم أبينا و نرجسية طبيعية تطغى مهما وصل إيثارنا للغير ، فأن تحس بالشفقة خير أن تحس بالغيرة !! لذا انتهت القصة بانتهاء المأساة و الدراما !! ألا تستطيعين إدراك ذلك ؟

على فكرة، أظنها قصة حقيقية !! .. قالتها بخفة و استدارت ناحية النافذة مولية لي ظهرها. فلما هممت بالرد عجزت عن ذلك. لم أجبها بل بقيت متسمرا انتظر لحظة تواجه نظراتنا .. و بعد طول انتظار استدارت ناحيتي فباغتتها بردي قبل أن تستطيع صده :
-هي فعلا حقيقة .. في جزءها الأخير فقط !!
-كيف ذلك ؟ أجابتني متسائلة.
-أردت نهاية سعيدة ، منحتك نهاية قصة زواج ابتدأ بيوم قبله ، و انتهى مع انتهاء العمر. هي حقا نعم النهاية السعيدة !!

بدأت تشرح لي موقفها من الحب طواعية فقصصت علي تجربتها الوحيدة و التي انتهت قبل أن تبدأ !! فقد حاول التقرب منها طمعا في لذة عابرة فنهرته فقررا الافتراق. ذنبها أنها في أول محاولة لإزالة الحواجز وجدت من زاد الهوة اتساعا فانعدمت ثقتها في الرجال و تركت أمر قلبها لمن سيوقع عقد قرانهما. لكنها كانت مؤمنة أنه سيكون فارسها الذي طالما تخيلته. بل و صار رفيقها في حياتها اليومية هي أيضا فلم يعد ينقصها سوى فرصة الالتقاء به حقيقة. في قلبها مشاعر جمة تخبئها له منتظرة قدومه لتمنحه كل الحب بل أكثر من الحب نفسه. وجدت فتاة و إن ظهرت صلبة فهي حساسة من داخلها و بمجرد كلمة قد أجعلها تفيض حبا و حنانا !!

سألتني عن وجهة نظري فأجبتها مسرعا : إن وجدتُ فتاتي المنشودة فسأتزوجها في نفس اليوم !! فعندما سأحس بقربي منها فلن أستطيع أن أفارقها و لو لحظة !! أشعر أنني قد أعقد قراني في مصعد عمارة مجهولة أو ربما متكأ على كرسي قهوة بال أو حتى في عربة قطار بنية متهرئة .. قلتها بنبرة استهزاء مع أني قد عنيتها أتم المعنى.

-أ و ترضى أية فتاة لنفسها أن تعقد قرانها في عربة قطار ؟ يال الذل! ! أجابتني بلهجة متهكمة.

أمضينا باقي الرحلة بالكلام المتنوع و سرد كل طرف للآخر قصة حياته الحقيقية ، زاد حينها احترامي لها و زاد إعجابي بشخصيتها، أما هي فقد صارت منتبهة لأقل كلامي و أتفهه. صرت أعرف عنها أصغر الأشياء و صارت تشاركني كل همومي الآنية. انصهرنا حتى نسينا أو تناسينا عمدا مرور الوقت خوفا من وداع مرتقب دون معرفة مصيرنا. هي لحظة الخوف من اتخاذ قرار قبل نهاية الرحلة !!



شارف القطار على الوصول لنهايته و اقتربت لحظات الوداع، تلك اللحظات الوحيدة في الحياة التي لا أقدر على توقع مآلها، فالإنسان حينها يستسلم لمشاعره فلا يعود للعقل تواجد و لا يبقى لكلمته سلطان. هو القلب وحده من يأمر و ينهى بما يحب و يأمر !! لحسن حظنا أننا أنهينا مسار القطار معا فذلك أعطانا وقتا اضافيا في الرحلة و سمح لي بمرافقتها حتى خارج المحطة.

لحظات قطارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن