كذبة باندورا

1.7K 31 10
                                    

كذبة باندورا

ماذا لو كانت باندورا بالفعل كذبت عندما قالت ان كل الشرور خرجت من الصندوق عدا فقدان الأمل......ماذا ان خرج هو أيضا ؟!


هذه الرواية تتحدث عن شخص تكبد الكثير من الخسائر في هذه الحياة ، عن شخص بقى أسير الماضي ، شخص لم يستطع مسامحة نفسه او المضي قدما ، شخص تشبث بالحياة رغم كرهه لها .



نحن كبشر نتغير حسب الظروف التي نعيش بعض الظروف تصنع منك إنسان أقوى و أذكى ظروف أخرى تصنع منك إنسان أكثر حكمة و صبرا و ظروف أخرى تصنع مجرمين و مجانين ، ولد الكثير مجانينا لكن لم يولد أحد كمجرم ابدا ، الظروف هي قالب الانسان هي من تشكل الإنسان و تعطيه صفاته و أفكاره .


انا توماس بايكر ولدت في نفادا سيتي و ترعرعت في نيويورك جندي سابق في الحرب العالمية الثانية و محقق جرائم جنائية حاليا ، متزوج منذ تسع سنوات من امرأة ايطالية تدعى تاتيانا و لدي ابن في الثامنة من العمر يدعى بن .
من الأشخاص الذين عاشوا طوال حياتهم بانضباب شخص لم يكن لديه وقت للهو و العبث او يمكنني القول ان الظروف هي من فرضت علينا هذه الحياة ، حياة لم نحبها لكننا رضينا بها لأننا أعتدناها .

من النوع الذي لا يرتدي حذاءا غير مربوط بإحكام من النوع الذي لا يغادر المنزل و ملابسه غير مكوية من النوع الذي اذا قال سأقابلك في وقت معين فسأكون في المكان المطلوب قبل الوقت المتفق عليه ، اظن انني اوضحت اي نوع من الرجال انا .











27/10/1958

اليوم تكون قد مضت سنة بالضبط منذ وفاة أعز إمرأة علي قلبي "والدتي" ، كانت الشهور الأولى بعد وفاتها قاسية ، مع أن وفاتها لم تكن مفاجأة كان ذلك متوقعا قبل مدة كانت حالتها تسوء يوم بعد يوم و العلاج لم يكن يجدي نفعا .



قبل وفاتها ب9 أشهر ....
بعد العمل أمر بمنزل والدتي يوميا ، أقضي لها حوائجها او ان كانت تحتاج لأي شيء ، في أحد الأيام شعرت انها ليست بخير كانت تسعل كثيرا ، إقترحت عليها اصطحابها للطبيب لكنها رفضت بشدة و قالت أنها ستتناول وصفة منزلية و ستكون بخير ، بعد حوالى شهرين و في أحدى زياراتي اليومية المعتادة كانت تسعل كثيرا تتحدث بصوت خافت و ليست بنشاطها المعتاد كانت بالكاد تتنفس كنت في المطبخ أحضر لها كوبا من الشاي و أضع بعض المشتريات في مكانها و أحدثها بينما هي جالسة في غرفة المعيشة كنت أحاول إقناعها بالذهاب لرؤية الطبيب ثم توقفت عن الكلام و كانت تسعل دون توقف فجأة سمعت صوت سقوط شيء ما على الارض هرعت الى غرفة المعيشة و وجدتها ممددة على الارض مغشيا عليها ، حملتها و وضعتها في الكرسي الخلفي للسيارة و أسرعت بها الى المشفى ، عندما وقعت وجدت منديلا تملؤه الدماء في يدها .


استغرقت حوالى الساعة حتى استعادت وعيها ، بعد إجراء الفحوصات أكد الطبيب أنها مصابة بسرطان الرئة منذ مدة لا تقل عن 7 أشهر و في مرحلة حرجة .
علمت انه لدي وقت قصير لأودع أمي لكني لم أعرف انه قصير جدا ، "ستون يوما فقط" ، شعرت بالذنب الشديد و الندم لأنني لم أرغمها على الذهاب للطبيب من قبل ندمت لأنني لم أرغمها على المجيء و العيش معي مع عائلتي طلبت منها أن تأتي عدة مرات لكنها رفضت . شعرت انني الإبن العاق الذي تخلى عن والدته .











الفصل الأول

القليل من الألم يعلمك بعض الأشياء ، الكثير منه يفقدك الأشياء .
.
.
.



ممد في الفراش استيقظت للتو أيقظني الضوء الداخل  من النافذة و صوت تاتيانا التي تصيح من الطابق السفلي منذ أكثر من عشر دقائق وهي تقول توم ! توم ! توماس ! ، نظرت الى الساعة انها الثامنة ، أسمع صوت خطوات بن يجري في الممر ، تاتيانا في المطبخ تعد الفطور أشم رائحة البيض المقلي و الخبز المحمص نهضت عن الفراش أجر قدمي أحاول الا ادوس على الارضية الباردة دخلت الحمام قضيت حاجتي غسلت وجهي وأسناني خرجت من الحمام ، نزلت الى الطابق السفلي حيث المطبخ
- صباح الخير
- صباح الخير ، هيا أجلس و كل بسرعة ستتأخر على العمل
قلت مازحا ، شكرا على الافتتاحية الصباحية الجميلة !
كان بن جالسا ببجامته المضحكة ينتظر الفطور حتى يجهز قبلته على رأسه و جلست بجانبه لآكل ، قال
- أبي
- نعم ؟
- قالت أمي أنه يجب علي الالتحاق بالكشافة
- أمك قالت أم أنك انت تريد الالتحاق بالكشافة ؟
- أنا أريد ذلك
- حسنا ، بالطبع يمكنك الانضمام للكشافة ، متى ؟
- اليوم
- جيد ، جيد ، ستتعلم الكثير من الكشافة ،ستكون فترة كشافة جيد
و ضعت تاتيانا طبقا من البيض المقلي و الخبز المحمص أمام كل منا مع كوب قهوة لي و كوب حليب لبن ثم جاءت بصحنها و جلست هي أيضا ، كانت أحدى شرائح الخبز في صحني شبه محترقة قلت لتاتيانا مازحا انظري الى هذا الخبز لقد أحرقته أصبح قاسيا كقلبك ، ضحكت ، و قالت شيئا بالإيطالية قلت لها سأعتبر هذا إعتذارا عن حرقك الخبز ، مع أنني متأكد انها ليست كلمة جيدة . انهى بن صحنه بسرعة على غير العادة و بقى جالسا ، التفت إليه و قلت انهيت طعامك بسرعة هل انت متحمس لهذه الدرجة للإنضمام للكشافة نظر الي و ضحك
- ماذا تنتظر إذا ؟
- لا شيء
- ألست ذاهبا الى المدرسة
- بلى
- إذن إذهب لغرفتك و ارتدي ملابس المدرسة ، الحافلة ستكون هنا خلال 15 دقيقة

ذهب بن لغرفته و بقيت أنا و تاتيانا المنزل هادئ تماما  كنت أحذق بها و هي تأكل ، كانت بضع ثوان من التركيز الكامل و كأن كل الاصوات التي حولي اختفت عدا صوتي داخل راسي كان في غاية الوضوح ، كنت ارى بعض الحزن في عينها ، أتساءل أقول في نفسي لماذا تفعل كل هذا لأجلي ، ألا تمل ؟! ثم نظرت الي و قالت ماذا !؟ و فمها مليء بالطعام ، أنقطع حبل أفكاري و قلت لا شيء ، هل ملابسي جاهزة ؟
- قالتها بتهكم و متى لم تكن كذلك
قبلتها على رأسها و ذهبت أنا أيضا الى غرفتي لأجهز نفسي ، أصعد الدرج و أتساءل ما خطب تاتيانا اليوم ، التفت انظر اليها كانت شاردة الذهن لا أعرف فيما تفكر، لأول مرة منذ عدة سنوات أفكر في كم هي مملة حياة تاتيانا ، مالذي يمكنها ان تفعله بعد ان اذهب الى العمل و يذهب بن الى المدرسة مع من يمكنها ان تتحدث . فتحت الخزانة وجدت ملابسي مرتبة و مكوية قلت في نفسي لدي زوجة رائعة .








أقود السيارة عائدا الى المنزل بعد يوم عمل طويل ، شارد الذهن لا أعرف لماذا او ما الذي يشغل بالي ، ربما الماضي!؟

دون أن أدري وجدت نفسي أمام منزل والدتي ، لا أعرف كيف كنت شارد الذهن طوال الطريق لكن هذا ما حدث ، قلت في نفسي بما انني هنا سألقي نظرة على المنزل ترجلت من السيارة و أخذت أفتش في جيبي عن مفتاح الباب بينما امشي متجها صوب المنزل فجأة توقفت عن المشي و قلت في نفسي هل سأدخل حقا؟ هل أستطيع فعل هذا ؟ ....... لا أعتقد ذلك ليس اليوم وضعت المفاتيح في جيبي و عدت الى السيارة عائدا الى المنزل .

وصلت الى البيت ركنت السيارة أخذت حقيبتي من الكرسي الذي بجانبي فتحت الباب دخلت المنزل و نزعت حذائي و وضعت آخر مخصصا للمنزل فقط ، هذه إحدى القواعد الإيطالية لتاتيانا " لا أحذية على السجاد " كان المنزل مرتبا و نظيفا كالعادة و رائحة الطعام الشهي تملئ المكان كانت تاتيانا جالسة على الكنبة تشاهد التلفاز و بن بجانبها يرتدي بذلة الكشافة يمسك قلما ينهي فروضه المدرسية او يرسم لا أعلم ، وضعت حقيبتي جانبا و رفعت قبعتي عن رأسي و وضعتها على حقيبتي نزعت حزامي الذي يحمل المسدس و وضعته تحت القبعة و ذهبت لأجلس بين بن و تاتيانا جلست ثم التفت لبن كان يرسم ، يرسم أشكال عشوائية ، قلت يبدو أنك إنضممت للكشافة بالفعل
- نعم ، أنظر على ماذا حصلت اليوم حصلت على شارة الطباخ
- بهذه السرعة ؟! ، ماذا طبخت لهم ؟
- أعددت أربع سندوتشات
- أريد تذوق سندوتشاتك يوما ما ، أتعلم أمك تشعر بالغيرة منك فهي تطبخ الطعام منذ سنوات و لم تحصل على أي شارة
تاتيانا : لم يخلع هذه البذلة منذ ان ارتداها في المدرسة
- قلت مازحا لا تخلد الى النوم بهذه الثياب لأنها قد تبتل ببعض العرق تعرف ماذا اعني أليس كذلك ؟
- أبي ! ، لم أعد أبلل فراشي
- من قال انك تبلل فراشك ، فقط من باب الحيطة أبقي البذلة نظيفة لأنك ستحتاجها غدا .
- هل أنهيت فروضك المدرسية ؟
- نعم

بينما ثلاثتنا كنا نشاهد التلفاز رفعت يدي اليسرى ببطأ و وضعتها على كتف تاتيانا و اليمنى على كتف بن و ضممتهما إلي و قبلت كل منهما على جانب رأسه و قلت أنتما أفضل شيء حدث في حياتي رفع بن رأسه ينظر الي و يبتسم و كذلك تاتيانا و كأنها تقول ما بال هذا الرجل كان لدي شعور غريب بالسعادة و أنا جالس بينهما لماذا لا أشعر بهذا دائماً ، كانت الإجابة جاهزة  لأنني دائما ما أكون بالعمل أصبحت الوظيفة تأخذ من وقتي أكثر مما يجب أحتاج الى المزيد من الوقت برفقة زوجتي و أبني طرأ سؤال في ذهني لماذا لا آخذ إجازة؟ ، هذا السؤال لم تكن إجابته جاهزة تحتاج لبعض التفكير .

جلسنا سويا نشاهد التلفاز لأكثر من نصف ساعة ثم قالت تاتيانا حان وقت العشاء و كأنها شعرت بالملل ، تناولنا العشاء على الطاولة البيضاء الدائرية القديمة طاولة أحضرتها تاتيانا من منزل والديها ، أحيانا تكون صغيرة على كل تلك الأطباق لكننا نحب تناول الطعام على تلك الطاولة ، نحن ثلاثة أشخاص فقط الطاولة الصغيرة مناسبة أكثر لتكون كل الأطباق في متناولنا كما انني أفضل ان أكون على مقربة من زوجتي و أبني عند تناول الطعام يشعرني ذلك بدفء العائلة الذي افتقدته لسنوات . وجبة العشاء هي الباستا بكرات اللحم و الصلصة و لكن ليست أي باستا بل باستا حضرتها إمرأة إيطالية و تناولنا بعدها بعض المثلجات كل هذا و أنا لازلت بكامل بذلتي لم أنزع غير ربطة العنق .



قالت تاتيانا كيف كان يومك
- كان جيدا لا بأس به يوم عادي كسائر الأيام ، كيف كان يومك انت ؟ ألم تذهبي لرؤية والديك اليوم ؟
- لا لم أذهب
قالت لا لم أذهب ثم صمتت كنت أنتظر باقي الحديث لان هذه ليست عادة تاتيانا ، عادة تاتيانا تتحدث ليست ثرثارة لكنها تتحدث أعني كأي زوجة كانت لوحدها في المنزل طوال النهار عندما يعود زوجها ستتحدث حتى ينام و من هنا عرفت انها ليست بخير
تابعنا الحديث و أخذ بن دور والدته في الحوار الليلة و لم يتوقف عن التحدث عن الكشافة .


قلت بن حان وقت النوم تصبح على خير ، كما أتفقنا لا تنم بهذه البذلة ، حسنا ؟
كانت الساعة التاسعة و النصف صعد بن لغرفته و صعدت أنا و تاتيانا أيضا الى غرفة النوم كنت جالسا على جانب الفراش أنزع جوربي و تاتيانا على الجانب الآخر من الفراش ، فجأة قلت تاتيانا
- نعم ؟
- ألا تملين ؟
- من ماذا ؟
- الا تملين من أنك دائما بالمنزل تغسلين الثياب تغسلين الصحون تنظفين المنزل تطبخين الطعام الا تملين من كونك دائما في المكان الصحيح ؟
- الا يعجبك أنني أقوم بما هو صائب ؟
- لكن ألا تملين ؟
- بالطبع أشعر بالملل و الضيق أحيانا
- إذا لماذا لا تتكلمين ؟ لماذا لا تشتكين ؟
- أعتقد انه لديك ما يكفي من مشاكل
- قلت مازحا لا أمانع ان أضفت مشكلة أخرى لقائمتي ، تاتيانا أعرف انك لست على ما يرام لست نشيطة كالعادة ولا تتحدثين كثيرا على غير عادتك ، هل انت بخير؟
- أنا ثرثارة !؟
- لا أقصد هذا ، أعني أنني أحب حديثك معي لكنك أصبحت قليلة الكلام ما المشكلة؟ هل انت يخير ، قالت نعم بطريقة لم       ....تعجبني
لست غبيا أفهم النساء ، عندما تسأل إمرأة حزينة كيف حالك ؟ ستقول انا بخير و لكن بطريقة معينة تجعلك تعرف انها ليست بخير و لذلك عليك ان تلح و تعيد السؤال و ان تتحدث ان الامر أكثر لان مرة واحدة غير كافية بالنسبة لهن و ان لم تفعل ستضع اللوم عليك و ستكون الرجل الذي لا يهتم لأمر زوجته
- الآن أعرف ان هناك خطب ما ، تحدثي
- لا شيء توم قلت لك أنا بخير
- تاتيانا ، أتعلمين ما تحاولين فعله الآن أنت تحاولين الكذب على واحد من أفضل محققي نيويورك و لذلك أعرف ان هناك شيء يضايقك قولي لي ما هو
- الحقيقة ......يا توم هي انك تقضي الكثير من الوقت خارج المنزل و هذا لا يعجبني
- هل تعتقدين انني أقضي وقتي مع إمرأة أخرى ؟
- لا ، توم لا أقصد هذا
- قلت مازحا ان كنت تقصدين هذا فهناك إمرأة تعمل معي في المكتب مستعدة لفعل هذا
- فكر فقط في فعل هذا و سترى أشياء لم ترها حتى في الحرب ، آه .. آسفة جدا توم آسفة لحديثي عن الحرب ، لم أقصد هذا ، أنا اعني انني لا أراك الا لبضع ساعات أبنك أيضا لا يراك لا تتحدث او تلعب معه
- أتعلمين ، قلت هذا لنفسي منذ قليل ، أقول لنفسي انني مقصر تجاهك و تجاه بن ، يجب أن آخذ إجازة أليس كذلك ؟
- من الجيد انك لاحظت هذا ، نعم بالفعل عليك فعل ذلك.

كذبة باندورا Pandora's Lieحيث تعيش القصص. اكتشف الآن