-التاجر-

11 0 0
                                    


سمعت قرعًا على الباب فقمت متثاقلًا أفتحه ،فإذْ بالدنيا تغير لونها واختفى منها نسيم بصباحها فنظرت لساعتي فوجدت أن العشى قد وجد سبيله إلينا ،وأدركت أن النوم اشتاق لي ،فشق الكرى سبيله إلي غصبا عني ،ثم تذكرت أني كنت أتسكع بين أسطر روميو وجولييت ،فصفقت للكتاب قد ظفر بما لم أظفر به من النوم بعد عناء طويل. وعدلت هيأتي ثم فتحت الباب فإذ بصقر وجواد أمامي .
قال جواد ممازحا :
_ مساء الخير لأميرتنا النؤوم قد أفاقت من سباتها أخيرًا!أغلقي نافذة بيتك قبل نومك فإني أخشى عليك من غيري!
فضحك صقر وبسمت لهما منحرجا ،وأردت أن أرد الصاع صاعين فقلت في لباقة مصطنعة:
_أهلا بفارسي الوسيم ،أنام بك بغلك أعني جوادك فتأخرت بالقدوم؟ إنما تركت التاقَ مفتوحا حتى أبصر بك حال قدومك ليس إلا!
وحملقنا ببعضنا ثانية ثم اصطخب الجو لضحكنا ،حتى إذا هدأنا نظر صقر إلي وقال :
_إن الشيخ يطلبك لتقابل وإياهُ تاجرَ القرية ،فوافه عند الفوّارة حالًا.
وتلفت إلى صاحبه لحظة قبل أن يكمل:
_من عادته أن يأخذ جوادًا معه ،ولكنه يريدك أنت فهلم إليه يا فراس.

فعجبت لأمرهما وأمر الشيخ والتاجر ،ثم التمعت عيناي وقد تذكرت أمر الشيخ ،فودعتهما ثم أعددت نفسي وحملت بجيبي مصباحا وخنجرا ،ثم نزلت إلى الفوارة أمشي خطوة وأركض عشرة ،فلما أقبلت على الشيخ وجدته جالسا  يقلب بين كفيه كيسا،فقال وقد تهللت أساريره:
_أهلا يا ولدي.تعال معي فإني قد انتظرتك طويلا .ستقابل اليوم التاجر "سيف" ،فهلم بنا إليه قبل أن نتأخر فتشتعل شياطينه.
_رويدًا يا شيخ ،أنى لي أن ادرك الطريق وما أنا بعارف لا عنها ولا عن هذا التاجر؟
_لا تقلق يا ولدي ،فإنك ستعرف الطريق حالما ننطلق ،ثم إنها لا تبعد عن موضعنا إلا بقدر ما بين مضجعي والحظيرة فهيا!
تقدمت أسير رفقته في صمت  ،وعجبت له يمشي لكأنما يحفظ تفاصيل الطريق حفظًا لا نسيان بعده ،وأحسست بشيءمن الحماس يدبّ فيه دبيب الصهباء في الأعضاء ،فلما وصلنا مخرج القرية تصنم مكانه وقال :
_ سنسير إلى اليمين حتى نفضي إلى البئر فإن التاجر عندها ،فهل تراه؟
_ لا أرى غير ما تمرد من حشائش الأرض حتى استطال فوق  لزومه ..لحظة بل هاهي البئر  يا شيخ ،وإني لأرى عندها ما يخيل إلي أنه رجل .
_ بل هو التاجر سيف بعينه فهلمّ بنا إليه.

وأمسكت يده أبتغي مساعدته على النزول فلكزني بعصاه وقال أني أحوج إلى العون منه ،فما كدت أسير حتى زلت قدمي فتعثرت أمامه فضحك .وباشرنا السير بضع خطوات ،وعرجنا عند صخرة فكنا عند البئر لا يفصلنا عنها غير التاجر سيف..او أقول "سيف أخو الحظ"كما عهدنا تسميته...رباه أيكون سيف المقامر الغشاش النصاب تاجرهم؟ لم أدر كيف لم يخطر على بالي لحظة اخبرني الشيخ عن إسمه أنه نفسه سيف من قريتي لعنها الله وأهلها..
_ أتعرفه قبل اللحظة يا فراس؟
سأل الشيخ علي فلم أجب. بسم سيف هازئا وزمجر في هزُءٍ من بين أسنانه:
_ فراس بن أمجد؟ أهذا أنت أيها الرعديد المنحط المحتال؟أتهرب من رحم أخرجتك إلى الدنيا ،إلى قرية اخرى وتحسبك بمنأى عنا أيها الطائش؟
لزمت قبضتي ورفعت رأسي أمامه ثم تقدمت الشيخ مبتسما حتى إذا دنوت من سيف قلت وقد ضقت ذرعا من شتائمه:
_ في بادئ ذي بدء ،ألا ترى أن الرعديد المنحط المحتال الطائش اسم طويل لقصير عقل مثلك؟ فسبحان من وضع هذه الأسماء كلها فيمن اجتمعت فيه معانيها جسدا واحدا قلبًا وقالبًا! تشرفت بمعرفة اسمك الكامل يا سيف ،أما أنا فإنك تعرفني واسمي فراس.
وسمعت الشيخ يتنحنح يخفي ضحكته ،وكان سيف قد ألقى بسلعته غيظًا واقترب يتوعدني فحال الشيخ بيني وبينه ثم قال:
_ ما جئنا لنفتح بابًا لحرب السفه ،بل جئنا نبتاع حاجتنا ونبيعك حاجتك ،فأما فراس فإنه قطع حبل سرته بقريتكم وأبى إلا أن يعيش ابنًا لقريتنا ،فاتركه لحال سبيله ولنتم صفقتنا .
صك سيف أسنانه ،ثم تنحنح يقول في كبرياء يتصنعه:
_ والله لو لم أكن أحترم الشيخ لتركت المكان حالًا!

لا تخبر عن أمرنا أحداحيث تعيش القصص. اكتشف الآن