صوتُ ذلك الكلب الغاضِب يملأ المكان، تقوم بالتّربيت عليه فتُهدّئه بلطف بينما تداعبُ خصلات شعري بيدها الأخرى، بأنامل ملائكيّة تلامس قلبي و روحي لا شعري فحسب...
- "كيف تشعرُ الآن ؟". قالتْ بصوت يبعث الهدوء في نفسي.
- أفضل بكثير بوجودك.
- هذا جيد، لقد قلقتُ عليكَ كثيرًا، لا تضغط على نفسكَ هكذا مجددا.
- أنا آسف... لكن، هل قلقتِ عليَّ حقا ؟
- بالطّبع، لا تتردد في الاتصالِ بي إن احتجتَ أيّ شيء، سأكون موجودة لأجلكَ دائما.
تلك الكلمات لا أملّ من سماعها مهما كرّرَتها من مرات، و كل مرة تبثّ الطمأنينة في قلبي أكثر.
- بالتّأكيد ! –قلت بحماس- ليس لي غيركِ على أيّة حال... البالغون لا يفهمونني.
- لا داعي للقلق، أنتَ لستَ بحاجة إليهم.
نور الشمس الخافت ازداد سطوعا لينيرَ المكان عبر تلك النافذة الصغيرة، ما جعلها تنظرُ لساعة يدها.
- هاه، لقد حان الوقت بالفعل.
- هيه ؟ حان بالفعل ؟ لكني مازلتُ أريد البقاء معك...
- "أنا آسفة لكن عليّ الذهاب الآن، لا يجب عليّ أن أتأخر". نهضت من مكانها برفق.
- لا بأس...
- "سأعود إليك حالما أنتهي حسنا ؟". ربّتَتْ على رأسي.
- لا بأس... حين تعودين سأكون هنا لأجلكِ كالعادة، دائما و أبدا...
همّت بالمغادرة، سائرة نحو ذلك الباب الموجود تحت تلك النافذة، بدت كملاك يصعد عبر سلالم السماء، أمسكتُ بيدها لوهلة قائلا:
- جروح يدي... لم تعد تؤلمني، يداك... يداكِ الجميلتان، ذات القدرات الإلهيّة قد شفت...
وضعتْ إصبعها قرب فمي مقاطعة إياي و أبعدتْ يدها التي كنتُ أمسكها برفق و نظرتْ إليّ بابتسامة بريئة.
- أنا لستُ إلها، و لا يمكن أن أكون كذلك.
قالت كلماتها تلك و تابعت سيرها نحو الخارج، بينما بقيتُ أحاول استيعابها شاردا في تفاصيلها، كما لو أنني سمعتُ كذبة و غير قادر على تصديقها.
عام دراسيّ جديد، حياة جديدة، و زملاء جدد، هذا ما كان ينتظرني، ابتداء من هذا اليوم أنا تلميذة في الصف الثالث الإعدادي، أي في سنتي الأخيرة من المرحلة المتوسطة، أستعد لدخول المدرسة الثانوية.
- "اسمي لارا سيفينيوس، عمري أربع عشرة سنة، من اليوم سأكون تلميذة في هذه المدرسة، و زميلتكم في الصف، سررتُ بلقائكم جميعا".
بضع كلمات تدربت عليها طوال الليل لألقيها أمام زملائي الجدد، ألقيتها عليهم كما يُلقى أي خطاب رسمي، لكن لم تبدُ على وجوههم علامات الرضا، هلِ المعلومات التي قمتُ بتقديمها غير كافية ؟ أم كان عليّ أن أبدي تعابير معينة و أنا أخاطبهم ؟ لا أدري. جلستُ على المقعد الذي أمرتُ بالجلوس عليه، و كان الجميع يرمقني بنظرات شك و ريبة.
أنت تقرأ
فتاة الأليكسيثيميا
Tajemnica / Thrillerالْمُقَدِّمَة : طِفلةٌ صغيرة...سُلبتْ منها الحياةُ الطبيعية، و حُرمت من حقِّها في العيْشِ كإنسان... أقدارٌ عسيرة...دفعتْ العالمَ للوُقوفِ ضِدَّها و العيشِ في نُكران... نورُ شعاع...أُنِيرَ في وجهِ هذه الطِّفلةِ الوَحيدة...