·˚ ༘ 2 - مُعْضِلَة .˚·

65 6 10
                                    

-صَوت جَرَسُ المَدرسةِ مَمزوج ببعض الأقاويلِ والضَحِكات-
-كاميلا-
ها أنا ذا أخطو بإتجاهِ مَدرستي الجَديدة .. لطَالما إعتَدتُ الإنتقال مِن مَدرسةٍ إلى أُخرى ويَملؤني اليَقينُ بأنني لَن أبقى كَثيرًا ، سَأُحاولُ تَجنُب الفوضى في هَذِه السُويعاتِ .

"مِرحبًا عزيزتي.. بِالنيابَةِ عَن مَدرسةِ ميراي أُرحِبُ بكِ بحرارة ، أَلستِ الآنِسة إيلياس؟"

هَويتي الجَديدة .. هَل هِي التاسِعةُ أم الثَامِنة؟!

"أجَل سَيدتي أُدعى لِيندا إيلياس ، كَما إنني أتوقُ للدِراسةِ في حَرمِكُم"
إبتسمت وأنا أتصَنعُ لونًا مِن ألوانِ الرُقيّ . لَم يمضِ الكَثيرُ حَتى جَلستُ عَلى إحدى الكراسيّ في صَفٍ لَم أدرُس في نظيرٍ له طَوال حَياتي ..

"آنِسة إيلياس! لَيست بِدايةً حَميدة لكِ في صَفي .. إنتَبهي ولا تُشوشي ذِهنكِ"
فَرقع أصابِعَه بِغضَبٍ وأخَذ يتَلفَظُ بِتلك التُراهات عَن أهميةِ الأدبِ الإسبانيّ ..
"Sorry , I don't speak Spanish.."
قُلتُ بإزدراءٍ بصَوتٍ خَافِت الوَقعِ إلا أن ذَلكَ الشاب إفتعَل مُشكلَةً مَعي .. مَع كَامِيلا!
"سَيدي ، أعتَقِدُ أن صَفنا مُتنوعٌ حقًا"

"إن كُنت تُريد المُماطلَة ، أنصَحُك بالجلوس."

"عَلى الإطلاق سَيدي! أظُن أنَ الطَالِبة الجَديدةَ تَنحَدِرُ من سُلالة أمريكية.."

ذُعِرتُ حقًا ، رأيتُ نَظراتَه إليّ مُنذُ دُخولي إلا أنني لَم أعتقِد بأنَه يتحين فُرصة إحراجي! هَل يَعرفُني؟!

"ألفارو إجلِس مَحلك حَالًا لَدي دَرسٌ لِأُقدمَه"

"إنَها لَا تَتحَدثُ الإسبانيةَ سَيدي كَيف سَتُقَدم دَرسكَ؟!"

نَهَضتُ مِن مَقعَدي وقُلت بنَبرةٍ مُشابهَةٍ لإسلوب ألفارو ذاكَ..

"أُعذُرني سَيدي ، لَعلَهُ أساءَ فَهمي .. حَقيقةً ، أُواجِهُ صُعوبَةً في التَعامُلِ مَع الحُثالةِ لا أكثَر"

"حُثالة؟ أنا!"
قَال وهو يَقتَرِبُ مِني
"Sorry, I don't understand"
نَظرتُ إلَيه بإبتِسامَةٍ وَدودة مُستفِزة ..

"سنيور ، سنيوريتا أرجو أن تُكمِلا حَديثَكُما في الإحتجاز"
قَال مُدرِس الأدَبِ بإسلوبٍ أشبَهُ بإسلوبِ المُسلسَلاتِ اليونانية الأنيقَة ..

قَضيت فَترةَ الإحتِجاز بغضبٍ شديدٍ من عَواقِب فِعلتي ، رَسمتُ الخُطوط هُنا وهُناك على تِلك الوَرقةَ البيضَاء التي تَكادُ تَخلو مِن الكَلِماتِ سِوى عِبارةُ "وَظِف ١٠٠٠ كَلمةٍ في رِسالةَ إعتذارٍ أثناء تَفكيريك بأخطائِك" إضافةً إلى بَعضِ السُطورِ المُبتَذلة .. جَرت بَعضُ المُشاحَناتِ بيننا إلا أنَني تَجاهلتُهُ وإتجَهتُ نَحو مَنزلي فَور خَاتمةِ الإحتِجاز ..

-قَبل الإقتِحام بعَشرةِ دَقائِق-
سِرتُ في الغَابةِ الَتي تُؤدي إلى مَنزلي فِي ظَلامٍ حَالِكٍ .. كَان الهُدوء سَيد المَوقِف كأَنَهُ أصبَح مَلِكًا لِهذه الغَابةِ لَعل هذا مَا جَعل والِدَتي تَسكُنُها ، تَجمَد الدَمُ في عُروقي حينما سَطَعت أضواءٌ حَمراء وزرقاء اللَونِ بَين الأشجَار المُتهَدِمة ، تبًا! الشُرطة! رَكضتُ بهِستيريةٍ وَراءَ البَيتِ لِمَدخَلِ القبو تَراقَصتِ المفَاتيحُ نَتيجِةً لِإرتِطامِها بِبعضٍ واحِدًا تِلو الآخر .. حَالما فُتِح البابُ رَكضتُ وأنا أصرخُ بيأسٍ

"أمي!! أين أنتِ!!"

إستَرَقتُ النَظرَ قَبلَ أن أركُل بَابَ غُرفتي لِأجِد أُمي مُقيدة والدُموع مَذروفةٌ عَلى وَجهِها المُحمَر وهي تَطلُب مِني أن أركُض بعيدًا بأسرَعِ ما أوتيتُ من قوة حاولتُ فَك قيدِها حتى إقتَرَبتِ خُطوات مُرعِبة لرَجُلين أو ثلاثةٍ .. شَعرتُ بعَجزٍ جَبارٍ لا أقوى تَركَها وفي الوقتِ ذاتِه الأمر خَارجٌ عَن قُدرتي .. هَمستُ بألمٍ

"آسِفة ، سأجِدُكِ هَذا وَعد!!"

جَريتُ بعَشوائيةٍ في قَلبِ الغابَةِ الصامِتةِ لا أعلَم وِجهتي .. لا أستَطيعُ النَظرَ خَلفي ، وبالتَأكيدِ لا أملُكُ أدنى فِكرةٍ عَن ما حَدث . تَوقفتُ لِبُرهةٍ مُلتَقِطةً ما إستَطعتُ مِن أنفاسيّ .. تَوسّدتُ تُرابَ الغابَةِ وارتعَشتُ خَوفًا حَتى مَشرِق الشَمس..

 Postal | طابع بريدي [مُتوقِفة].حيث تعيش القصص. اكتشف الآن