الليلة الرابعة

4 1 0
                                    

رأس المأمور المسكين..هذا ما وجدته في الثلاجة بجانب قوارير الويسكي المُثلجة..أُلصقت خلفه ورقة كُتِب عليها:الخنزير ينتظرك في غرفة التشريح أيتها الساقطة!
رجعت لغرفة التشريح تحت وطأة الظلام الدامس لكنني استعنت بمصباح مارغريت..خطوات قليلة متوِغلا داخل غُرف المشرحة فإذا بي أتفاجأ بالجدة وهي جالسة على عتبة أحد المداخل بهدوء تجاهلتها وأكملت طريقي بمحاذاة كرسيها..وصلت لغُرفة التشريح التي انتشرت فيها الدماء في كل مكان فوجدت جسد المأمور على إحدى العربات مُغطىً بالدماء و مقطوع الرأس
لابد أن تخشّب الموتى قد انتشر بالفعل،وهذا يُفسر تصلّب أطرافه،قلت في نفسي.
الرائحة كانت نتنة للغاية تنبعث من الجثة وبشكل مثير للغثيان أعتقد أنه بدأ يتعفّن بالفعل..تفحصت المحيط قليلاً فوجدت لائحة كُتب عليها بخط أحمر:
أثبت أنك رجلا بالفعل وضع يدك داخل حلق الخنزير
أي إنني سأُدخل يدي من المكان الذي قُطع فيه الرأس..
أدخلتها باشمئزاز و خوف..فوقعت يدي على مفتاح مُزركش بنقوش لم أتبين شكلها بفعل الظلام..ثم دوى صوت في الأرجاء من مكبرات صوت مخفية:
وهذا الشيئ..سيساعدك في العثور على بطاقتي الدخول اللاتي ستحتاجهما للإنضمام للحفلة التي أقيمها في الداخل...عليك أن تريني جدارتك هنري.
أخذت أجول البيت بسرعة من غُرفة إلى غُرفة..دون العثور على أي دليل أو أي بطاقة..صعدت الدور الثاني فدخلت الغُرفة التي بجانب الحمام،كانت غرفة أطفال عادية.العاب هنا وهناك وبعض رفوف الكُتب..وقفت وسط الغرفة مشدوهاً فلمحت ذلك السُلم المُفضي للأعلى..صعدته رُغم كِبر حجمي وبكل بساطة وجدت البطاقة الحمراء رجعت لغرفة المعيشة وهذه المرّة سلكت الباب على يميني الذي كان يحمل نقوش ثعبان فتبين أنها المفتاح يحمل ذات النقوش أيضاً..فتحت الباب بسرعة فكانت غرفة عادية.غرفة نوم تحتوي على أثاث قديم بعض الشيئ فيما الجدّة جلست أمام صورة أحد الأشخاص تراقبها بسكون..معطفها الأبيض الصوفي وكنزتها البنية أعطتها رونقاً خاصاً..تفحّصت الغرفة بيأس فوجدت ورقة كُتب عليها..الوقت هنا..مثل باقي الأوقات هناك..لُغزٌ سهل..هرولة بسرعة خارجا أتفحص الساعات فكانت تشير للعاشرة والربع..رجعت للغرفة..أدرت عقارب هذه الساعة الصغيرة فأخذ السرير الكبير يتحرك من تلقاء نفسه دون أن تلتفت الجدّة..فكشف عن درج يُفضي للأسفل..كان عبارة عن دهليز خشبي ضيّق أنارته بعض المصابيح الصفراء،أخذت أسير وصولا لغرفك صغيرة في آخر الرواق مليئة بالجثث..لم أستطع تحمل الرائحة..اعتقدت أنني أستطيع البحث في إحدى الجثث وبفعل وبنفس الطريقة..كانت البطاقة الزرقاء داخل أحشاء جثة قد برزت عظامها و تهالكت أسنانها.
وصلت للباب المُفضي إلى الحديقة الخلفية فرّن الهاتف قبل خروجي:
أهلا يا رفيقي،تذكر..ستدخل الحفل ببطاقتي الدخول هاتين لا تتأخر الآن—
دعني أتحدث مع مِيا—
لا لا لا..عليك أن تأتي هنا أولا لم تنسَ مكان الحفل صحيح؟..يمكنك الدخول من الفناء الخلفي..أسرع يا رجل..الجميع في انتظارك.
وصلت للباب الذي كان أشبه بمدخل لحفلة تخرج ثانوية..أضواء هنا وهناك..صعدت الدرج الخشبي فانتشر اللون الأحمر الباهت كالذي يستخدمونه في غُرف التحميض أكملت السير دخولا إلى غرفة كانت خالية تمام توسطتها أريكة متوسطة الحجم و أمامها تلفاز وُضع على منطدة ظللت أسمع صوت الموسيقى الرديئة القادمة من اللامكان..فتحت التلفاز فانبثق عليه شريط فيديو مُصوّر عُرض فيه:
بدأ بلوكاس وهو يحاول تثبيت الكاميرا أمامه،ظلّ يُحدق في الكاميرا بالقرب من وجهه:هنري...أوه هنريييي..تراجع قليلا،هنري مهلا هنري..أشار بحركة من اصبعه،لدي شيئ لك..ثم رفع مفتاح حديدي أمامه..أعتقد أن زُوي لم تكن صادقة معك..يا ترى مالذي يفعله هذا المفتاح..تحققت بسرعة من المفتاح لكنه كان أصغر من أن يفتح ذلك الباب الحديدي الصخم.
أووه عزيزي هنري..ضحك قليلا ثم قال..زُوي تعتقد أن هذا شيئ مميز..لكن إليك ما هو المميز ثم أخذ ملقطاً حديدياً و شَرع باقتلاع أظافره واحداً تلو الآخر دون الشعور بشيئ..كما ترا هنري،لا يريد الجميع أن يعود بالزمن للوراء ثم اقتلع ظفرا آخر—
ماذا؟؟؟ماذا مارسلين؟صرخ في أحد الأشخاص بجانبه لكنه لم يظهر في الشاشة
أحاول التوصيح له فحسب،ثم رمى الملقط أرضاً..أحاول التوضيح له أن الجميع لا يُريد العودة إلى ما كانت عليه الأوضاع قال وهو يصرخ.
زُوي عاهرة غبية..إنها لا تفهم أنني لا أُريد العودة إلى ما كانت عليه الأمور قبل أن يعثر والدي عليك..لذا..هنري،اقترب من الكاميرا مرة أُخرى.
هنري يُمكنك.،آه..يُمكنك الزحف داخل هذا البيت العَفِن..لكنك لن تحصل على سيئ لعين..لن تجد مِيا..ان تجد زُوي لكنك قد تجدني وفقط عندها ستجد الإثنتان.إذا ما رأيك هنري..هل توّد لعب لُعبة؟ثم انطفئ الشريط وانفجر الشاشة حتى كاد فتاتها يخترق وجهي.
أكملت طريقي داخل ممرات البيت الذي بدا عصرياً أكثر..لكن اللعين قد لغّمه بفخاخ مميتة و قنابل..فكنت أسير كممثل في أفلام الجواسيس محاولاً تفادي الأفخاخ..وصلت لغرفة انتشر فيها أثاث مغطى بقماش أبيض مُهترى وفي وسطها باب حديدي يحمل شيفرة كقفل له،اقتربت من لوحة الأرقام فانتفضت لصوت لوكاس وهو يرتمي على الباب الحديدي وقال خلف الشباك
أعرف،تباً لكلمات السر،صحيح...فلنجرب 0814
هممت بإدخال الرمز—
لا لا لالا ما رأيك امممم..0621 وابتسم
هممت مرة ثانيه—
لا لا لا إنه 0514 قال كمن تذكّر للتو معلومة
رمقته بنظرة حقد
هيا جرّب..قد يحالفك الحظ.
أدخلت كل الأرقام فلم ينجح سوى واحد—
تيك..توك..تيك..توك..ثم اخد يتراجع في الظلام
فجأة سمعت صوت صرير قادم من جهة اليمين فرجعت للخلف بسرعة فمرّت تلك الحدائد التي كان من المفترض أن تقسمي لنصفين.
دخلت مسرعا وأنا أجري فوصلت لحظيرة ثيران الا انني لم أجد أي ثور..وقفت أراقبها من الأعلى في الظلام قم فجأة قام لوكاس بدفعي فوقعت في الأسفل بجانب العَلف غائط الثيران..كنت الأعمى داخل الحظيرة..الظلام الدامس منعني من الرؤية..مغطىً الوحل و الغائط. انبعثت أضواء زرقاء خفيفة الأرجاء فأحالت الظلام،استطعت تمييز الأشياء بعدها..أقفاص حديدية ضخمة..العَلف انتشر هنا وهناك—
دوى صوت مكبّر صوت في المكان بحماس:أيها السيدات و السادة،الفتيان والفتيات...أهلا بكم في قتااااال الحظيرة....حافظوا على اللعب النظيف فنحن لدينا قواعد ثم فجأة طار باب خشبي أمامي ظهر على عقبه وحش مخاطي أسود..كان هذا الشي متينا ويمشي بحركات ثقيلة وتنبعث من رائحة البارود..تطايرت منه مادة لزجة أزالت الجلد على يدي ما ان لمستني فصرخت..تراجعت قليلا وأنا أملئ دخيرة البندقية بيد واحدة..ظللت أراوغه لعلي أجد مخرحاً دون استعمال البندقية لكن دون جدوى..اخذ يرمي مادته اللزجة مرة أخرى فالتصقت بقميصي فنزعته على الفور..ركضت قليلا باتجاه احد الصناديق الخشبية واختبئت لكن اللعين استمر باللحاق بي..أخد يقترب شيئاً ف شيئاً—
مواجهة الصعاب في الحياة تجعلك رجلاً يا هنري..
اغلقت عيناي للحظة وأنا أتمسك ببندقيتي..
سمعت صوت خطواته تقترب..وقف قليلا ثم همّ باستحماع مادته اللزجة كي يخرجها لكنني صوبت بكل دقّة مستهدفا بطنه.
انفجر اللعين وتطايرت مادته في كل مكان..—
سقط رجل متين..سقط رجل متين،قال لوكاس في المذياع.
آه..لا يهم..لم يكن من المفضّلين لدي،قال بإخباط مُصطنع.
التقطت انفاسي ثم توجهت للمكان الذي خرج منه الوحش فوجدت المصعد المؤدّي للأعلى.
ها أنذا..في آخر غُرف هذا المنزل..كانت تحتوي على أجهزة مراقبة واستطعت تمييز مِيا و زُوي عليها..مُكبلتان إلى إحدى الأعمدة الحديدية
مِيا..مِيا..أجبيني!!!
إنها على قيد الحياة..قالت زُوي وهي تلهث.
أين أنت؟.قلت بلهفة
نحن بعد رصيف الميناء الموجود خارج تلك الغُرفة مباشرة يا هنري..أسرع.قالت بتعب فيما كانت صغيرتي فاقدة للوعي
تغيّرت الكاميرا وظهر وجه لوكاس وكأنه يصوّر بثا مباشراً
حسنا..هنري.
مذا تريد بحق الجحيم،قلت وأنا أمسك بالشاشة بحنق
أن..تموت،قال مبتسماً...أعتقد أن هذا أمراً ليس مقدّر الحدوث...ليس بعد،قال بتهديد
يا لي من محظوظ،قلت متحدّياً
انظر..إذا لم تكن لديك أي مفاجئات أخرى.أقترح أن—قاطعني:
أووه هههه....هذا سيكشف المفاجأة يا هنري وأنا لا أحرق الأحداث ثم انطفأت الشاشة.
خرجت أخيرا..أعتقد أنني خرجت..كان الميناء أمامي تليه أشجار كثيفة و جسر خشبي متهالك..سلكته بحذر وصولا إلى مبنى خشبي مهترئ..صعدت الدرج..لا أستطيع أنني سأجد طفلتي خلف هذا الباب..تلئلت عيناي قليلا..تمالكن نفسي ثم دخلت.
كانت الاثنتان كما في الكاميرا..مربوطتان بحبل..استنتجت أن السيدة أمامي هي زُوي..فتاة في العشرين ذات بشرة بيضاء و قصّة شعر ولاّدية كما أن طولها تراوح بين ال ١٧٠ إلى ١٧١ ارتدت قميصاً بنصف أكمام وجينز أزرق غامق..أما طفلتي فقد كانت في سبات عميق على الأرض فتاة في السابعة من العمر تحت بيجامتها الوردية الفاتحة وشعرها الأصفر كالذهب المطروق مثلي تماماً
زُوي..زُوي..
أجاتني بعينان مُتعبتين:ليس الآن..هل لديك المصل.
نعم..بعد عناء.
حسناً هناك قارب سيساعدنا على عبور المُستنقع
لاحظت جسد زُوي و قد تحول مُعظمه للون الأسود كوالدتها..
زُوي..ليس لدي سوى مصل واحد..
سكتت قليلا ولم تعقّب.
هيا،علينا الخروج من هنا..
انتشلت طفلتي من الأرض بصعوبة و انطلقنا.
وصلنا للقارب الصغير على ضفّة النهر..
وقفت قليلا دون قول شيئ و زُوي أيضاً..
كان يتملّكني الإحباط فعلا..الإحباط من أنني لن أستطيع مساعدة زُوي..
التقطت المصل..نظرت إليه قليلا..لعلي أجد فيها الكتابة..نظرت إلى زُوي التي كانت تترجّاني بنظراتها..طئطئت رأسي ثم غرست المصل في






يد ابنتي..غرست في عروقها حتى آخر قطرة وأنا أبكي.
شهقت زُوي بقوة..
لا بأس...لقد كان من الحماقة أن أعتقد أن بإمكاني الهرب،قالت وهي على وشك البكاء
تقدمت نحوها قليلاً....لكن زُوي،
إذهبا..فقط إذهبا أنتما الإثنين صرخت بيأس
تعالي معنا..أنا متأكد أنه هناك من يمكنه المساعدة
سكتت قليلا ثم قالت:هذا منزلي..أنا أنتمي إلى هنا..على ما يبدو
ركبت القارب بخيبة أمل:سأرسل المساعدة..أعدك..
لا تُزعج نفسك...لن يتبقى هناك أحد للمساعدة
انطلقت بالمركب..وأنا أراقبها من بعيد..
تأملت طفلتي النائمة..وتأملت كل هذا المستنقع و تأملت كل الأشياء التي حدثت طيلة الليالي الماضية تحت ضوء القمر...فجأة أخذ القارب يتمايل و يتمايل..ثم انبعث شيئ أشبه بثعبان عظيم من تحت الماء وما ان لمس المركب حتى اخذ يتحول للون الأسود وكأنها عدوى خلية سرطانية..اضطرب المركب أكثر..مِيا..مِيا..صرخت ثم انقلب المركب في الماء و فقدت الوعي.

بايوهازارد (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن