السادس عشر من أكتوبر، تم الإعلان عن وفاة والدي، تم تجهيز الجنازة وأستقبال المُعزين، كانت فكرة جاي التي لن اُسامحه بشأنها مهما حييّت.
تم إخراج لوكاس من المشفى على مسؤوليته لحضور الجنازة، تولى جاي زِمام الأمور برفقة تايونق، فُتِح باب المنزل لإستقبال الجميع، كان المكان يكتض بالناس، أعرف منهم القليل فقط والبعض الاخر يعرفه أخوتي.
لم أكن بوضع جيد لأستقبل كلمات المواساة أو أن يقوم احدهم بتهدئتي، كانت عينيّ على لوكاس الذي كان يجلسٌ بجسد دون روح، شاحب الوجه كما لو أنه جثه.
شعرتٌ بضيق، شعرتٌ كما لو أن أحدهم يُمسك برقبتيّ ويأبى تركها وشأنها، أمتدت يدي إلى ياقتي لأفتح بداية الأزرار، لازال شعور الإختناق موجود، لا أطيقٌ ذلك لذا رفعتٌ جسدي ووقفت وفي الوقت ذاته وضع أحدهم يده على كتفي لأقف وأستدير.
"سنذهب إلى المقبرة الآن" قال ماثيو، "أعلم، سأصطحب لوكاس برفقتي" قلت، "لوكاس سيأتي برفقتي أنا وجاي" قال تايونق مُقاطعًا حديثنا.
"وكأنك تكترث إلى لوكاس كثيرًا" قلتٌ بجديّه، "لوكاس أخي أنا" قال تايونق بغضب.
"أفترقوا ولا أريد مُشاجرات مُراهقين أخرى، لقد سئمت" قال جاي بصرامه.
أبتعدتٌ عنهم لأتوجه إلى لوكاس الذي كان يجلسٌ بعيدًا عنّا "لنذهب هيا" قلت، "سأذهب برفقة جاكسون" قال لوكاس ليقف ويذهب ناحية جاكسون.
تنهدتٌ بعمق وخرجت أنا إيضًا لأصعد في سيارتي وحدي ونتوجه إلى الكنيسة اولًا، حيثٌ الكثير من الناس بالفعل، اللون الأسود يُغطي الجميع بِلا أستثناء.
كان والدي في تابوته الذي قد تم طرق مساميره بعنايه، لم أكن لأتخيل بأنني سأراه في هذا المكان وبهذا الموضع، لم أتحمل رؤية ذاك، بدأت دموعي بالسقوط وكأنها مطر الشتاء.
حاولت التوقف عن البكاء ولكنني لم أستطع، حاولت التماسك لأشعُر لوكاس الذي أنهار هو الآخر بالبكاء بأن يصمُد ولكنني لم أستطع كذلك.
حاولت كثيرًا بالبقاء قويًا ومتماسكًا ولكن هذا الشكل يجعلني أحزن وكأنني لازلتٌ طفل أحتاج أبي برفقتي دائمًا.
أنتهينا من المراسم وغادرنا إلى المقبره، إلى مثواه الأخير، كان يجب على أبناءه أن يحملوه وهذا الواجب كان الأكثر قسوه من غيره، حملته برفقة أخوتي وحيث نسير وكلٌ منا يستمع إلى بكاء الآخر أو بالأحرى بكاء لوكاس الذي لم يستطع كتمه.
أنزلناه في نُزله وبدأنا نغطيه بالتُراب وفي الوقت ذاته صدر صوت الرعد من السماء، ليبدأ المطر بالهطول، تحول التُراب إلى طين، لم نكن وحدنا نبكي عليه، السماء إيضًا.
أكملنا تغطيته بالتُراب وفي لحظه لم نتوقعها جميعًا أقتربت السيدة سوجين والدة جاي وتايونق ولوكاس من القبر، كانت عينيها مليئه بالدموع، أقتربت سريعًا من لوكاس وأحتضنته ليُبادلها الإحتضان بينما هي تمسح على شعره.
أنتقل العزاء إلى المنزل كما أن الجميع قد عاد، سوى جاكسون الذي رفض العوده وأستمر بالجلوس والتحديق طويلًا بصمت ودون أن يبكي حتى.
كانت أجواء العزاء تخنقني شيئًا فـ شيئًا، منظر الجميع بهذه الثياب السوداء، تصنُعهم الحزن، وكلمات المواساة الغير حقيقية، لا أستطيع تحمُل هذا أكثر.
خرجت إلى حديقة المنزل، كنتٌ أنوي التدخين، ولكن رجلًا ما أوقفني، وجهه ليس مألوف، لا اعرفه ولا أظنه يعرفني إيضًا.
قام بسحبي بعيدًا عن أي شخص آخر قد يستمع إلى حديثُنا.
"أنت الوحيد الذي يعلم بشأن إنتحار والدك، صحيح ؟" سأل.
"مَن أنت ؟" جاوبت بسؤال.
"والدك لم ينتحر... تم التخطيط لقتله" قال كلماتُه تلك ليُدخلني في صدمه جديده، مَن الذي قتله ؟ وكيف قُتِل بينما الطبيب يقول بأنه أنتحر ؟
"ماذا تعني ؟ مَن أخبرك بهذا ؟ مَن أنت في الأصل ؟" كنتٌ اسأل بتشتت ودون وعي
"إحذر من عودة سوجين" قال كلماته تِلك وربت على كتفي وغادر دون قول اية كلمه اخرى.
كنتٌ أنظر إليه يبتعد وفي الوقت ذاته أنا وقعت في ذات المُحيط بينما يديّ وقدميّ مُقيدين.
سرتٌ بخطوات مُتباعده مُغادرًا المنزل، صعدتٌ في سيارتي وقدتٌ بسرعه قصوى، ليس لدي مكان أتوجه إليه ولكنني أريد الهروب وحسب.
قمتٌ بفتح أول ثلاثةٌ أزرار من قميصي الأسود، زدتٌ من سُرعتي، قمتٌ بقطع الكثير من أشارات المرور... واخيرًا وصلتٌ إلى أطراف المدينة حيثٌ القليل من الناس.
أوقفتٌ سيارتي، نزلتٌ منها لأقف واستنشق الهواء، اُفضل البقاء هنا بقية حياتي على ألّا أعود إلى المنزل.
حاولت ألّا اُفكر ولكنني لم أستطع، بكيت، شعرتٌ بثِقل الهمّ الذي أحملُه، بكيتٌ لأنني لا أتحمل كل هذه الأمور دفعه واحده.
أستغرق مني الوقت ساعة حتى أستطعت الهدوء ثانيةً، صعدتٌ في السيارة وقدتٌ عائدًا إلى المنزل ولكن في اخر لحظة غيرتٌ وجهتي بدون تفكير مُسبق.
قمتٌ بإيقاف السيارة ونزلتٌ لأسير بخطى ثقيله، لم أسير كثيرًا حتى وصلتٌ إلى وجهتي، أقتربتٌ أكثر وأردفت بنبره هادئه "هل المُمرضه اونتشاي متواجده ؟"
"اليوم يوم العطلة خاصُتها، هل هناك شيء مُهم لأخبرها به ؟" قالت.
"لا، شكرًا لكِ" قلتٌ بثقل والقليلٌ من الحزن لأستدير ولكنني وجدتها أمامي فجأةً
"اوه زيلو... كيف حالك ؟" قالت بإبتسامة لطيفه.
"أخبرتني بأن اليوم يوم عُطلتكِ" قلتٌ بتعجب.
"هي حتمًا تعني اونتشاي الأخرى وليس أنا" قالت بينما تضحك.
"كنتٌ... هناك ما أريد أخباركِ بشأنه" قلتٌ بتردد واضح.
"تفضل، أنا اسمعك" قالت بنبرتها المُعتاده.
"هل يُمكننا الخروج من هنا اولًا ؟" قلتٌ بقليل من الخجل.
خرجنا معًا إلى حديقة المشفى والمكان الذي نستطيع التحدث به دون أن يستمع أحدهم.
"هل تستطيعين التأكد من نتائج أبي ؟" قلتٌ بدون مُقدمات.
"ما الذي تُريد معرفته ؟" قالت بنفس النبره.
تنهدتٌ بعمق ثم أردفت "هناك من أخبرني بأن أبي تم قتله ولم ينتحر هو".
"أعطني أسم والدك الكامل وسأقرا جميع التحاليل والنتائج" قالت بدون تردد.
أتسعت أبتسامتي، قمتٌ بإعطائها جميع المعلومات التي تخصٌ والدي.
"هل يُمكنكِ إعطائي رقم هاتفكِ ؟" قلتٌ بخجل واضح.
"بالطبع" قالت لتُمسك بهاتفي وتقوم بتسجيل رقم هاتفها ثم قامت بإعطائي هاتفها لأسجل رقمي.
"أنتظر مِني خبرًا" قالت بثِقه ثم أقتربت أكثر لترتفع يديها لتقوم بإغلاق أزرار قميصي، شعرتٌ بتوتر حينها، كما أن وجهي أصبح أحمر اللون فجأةً.
"إلى اللقاء ولا تُهمل غذائك" قالت بينما تبتسم بلُطف ثم غادرت.