١.في بقعه من بقاع مملكة البلاغه

9.2K 169 10
                                    

بزغت الشمس كقبله فب ثغر الصباح الباسم فكشفت اللثام عن سحب بيضاء متراصه كعقد من الؤلؤ يزين السماء،الأرض يغمرها رداء مخملي أخضر، أصوات العصافير تنساب شجيه من بين أغصان الأشجار،إندفعت حزمه من أشعة الشمس الذهبيه على أوراق أشجار السنديان الوارفه المحيطه بالبيوت، ثم انزلقت على الأرض وكأنها ترقص فوق العشب وغمرت الطرقات، وكان الجو يعبق برائحة أشجار الياسمين.
مرت ساعه،ثم ساعتان، ثم ضجت الطرقات بالضحكات، كل شيء هناك كان جميلاً و عذباً.كانت أبواب البيوت مفتوحة على مصارعها كعادة الجميع كل يوم ، الصبية ذوو الأقدام العاريه يلعبون أمام البيوت ويضحكون في جذل. نسمات الهواء تدور من بيت لبيت، والأوعيه النحاسيه المعلقه على جدران البيوت تهتز لتصدر صليلاً يشبه قرع الأجراس ، وكأنها جوقه تعزف لحنا شجياً. هنالك رجل يبيع الحلوى يقف على طرف حشد صاخب ، وعليه عباءة بلون الملح ، وشعره المجعد يطل من تحت عمامته، كان يردد الأهازيج والأشعار في طرب ،بينما على الطرف الآخر كان هناك شيخ له وجه بشوش لوّحته الشمس يشعل النار في أعواد الخيزران ويقلبها في التنور لتقوم زوجته بقلي الفطائر ، أخذت رائحة الفطائر تعبق بأروقة القريه، فأقبل الجيران ليبتاعوها منهما في سرور.
أطلّ رجل مديد القامه له وجه عبوس بينهم فجأه، فهرب الصغار إلى البيوت ، وغلّقت الأمهات الأبواب، و إنصرف بائع الحلوئ مسرعا في فزع ، وترك الشّيخ و زوجته الفطائر المقليه وهرولا حتى دارهما في خوف ، حتى رائحة الياسمين تبخرت من المكان ، أخذ يجول في الطرقات، ونظرات البعض تلاحقه.
كان ظهور هذا الرجل بمثابة كسوف الشمس وخسوف القمر، ظلمه وأمر مهيب يتطلب الدعاء حتى لا تحل كارثه عندما يمسك بتلابيب أحدهم. مرّ بنفر من الشباب، كان من بينهم ابن أكبر تجار القريه، وكان لا يهابه كما يفعل الآخرون، وأراد الشاب أن يذيقه من نفس الكأس التي يذيقها للضعفاء عساه يعتبر ويرتدع،
فقد كان هذا الرجل يسخر من أصحاب الهبات التي يمنحها الله لخلقه إكراماً لهم، بسلبهم شيئا صغيرا في الدنيا هنا، ليعوضهم هناك يوم اللقاء.
سخر الشاب من طريقته في السير، فاستشاطَ الرجل غَضَباً وكاد يوجه إليه ضربه بلكمته القويه، فصدّها الشاب ودفعه في صدره، وهو يقول ((هذا ما تفعله بغيرك !.)) امتعض الرجل لقوله امتعاضاً شديداً وزفر زفرة حارقه، ووقف يكزُّ على أسنانه من فرط الغيظ، فهو يخشى أباه، فإنصرف الشاب وهو يرشقه بنظرات الإستهزاء.
غربت الشمس ولم يبق من ضوئها على حاشية الأفق سوى حمره خفيفه، وهذا الرجل يتاجج من الغيظ امام داره،ولم يجرؤ احد على توجيه كلمه له طول النهار.

كويكول للدكتوره.حنان لاشينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن