الحكاية الثالثة(ثعلبة التسعة أذيل)

108 6 2
                                    


الحكاية الثالثة (ثعلب ذو تسع أذيال)

سمعت صوت إغلاق الباب بعنف فأجبرت نفسها على النهوض وتفقد حال طفلها.
أدارت مفتاح غرفته وسبقها هو يفتح الباب رافعًا عينيه لها يتأملها.
جلست على ركبتيها أمامه ورسمت ابتسامة مرتجفة على ثغرها لكن عجزت عن كبح دموعها.

فاحتضنت صغيرها بشدة وأحاطها هو بذراعيه الصغيرين يقول بصوت مختنق من البكاء:
-لا تبكي ماما سأكبر واحميكِ..لن يضربك أحد مجددًا
قبلت رأسه ونظرت لعينيه تقول بإصرار:
-لا تبكي أنت..أعدك ألا أسمح بإحزننا من جديد
***
وسط حلقة من النساء جلست امرأة خمسينية على الأريكة، بشوشة المظهر هادئة البسمة، تصغي للقصص التي تحاكى أمامها في انتظار دورها والذي يأتي غالبًا في النهاية.
-أسمعتم عن أسطورة الـ"كوميهو" من قبل؟
بدأت حديثها بسؤال جذب انتباههم أكثر فاتسعت ابتسامتها وبدأت التوضيح:
-تلك أسطورة منتشرة في دول شرق آسيا
وهي عن ثعلب استطاع العيش لمئة عام فتحول إلى كائن أسطوري
كوميهو..أو ثعلب ذو تسع أذيال بالعربية.
وبفضل عمره الطويل امتلك الدهاء والذكاء اللذان مكناه من خداع البشر ذاتهم..أساس المؤامرات والخدع
فكان يتحول إلى أنثى ويستدرج الرجال ليأكل أكبادهم..وأحيانًا قلوبهم
في شبابي أحببت تلك القصة..كانت ملهمة..لكنني أكتشفت أن الدهاء وحسن التصرف ليسا مقتصرين على ذوي الأعمار الطويلة..ففي بعض الأحيان تُذيقك الحياة صِعاب تصقل هاتين المهارتين
وعادت بالذاكرة لماضي بعيد قليلًا لكنه حُفر في الذاكرة للأبد...
-واثقة مما تفعلينه آسيا؟
سألتها نسرين صديقتها للمرة العاشرة تقريبًا فضحكت آسيا بهدوء تطمئنها:
-لا داعي للقلق أنا أعرف غانم جيدًا
فأومأت نسرين مستسلمة ونظرت لشريف الجالس جوارها والذي ابتسم مربتًا على كفها بحنو.

رفعت آسيا مرآتها مجددًا تهذب خصلاتها وتتأكد أن من آثار أحمر الشفاه، قبل أن تغلقها مبتسمة بثقة.

غانم لم يتصل طوال اليوم، لكن الساعة أوشكت على الثانية عشر ليلًا لذا لن يتأخر اتصاله أكثر.
فكما أخبرت نسرين، هي تعرف زوجها وصفاته جيدًا.
ففي الدقيقة التالية كان هاتفها يهتز معلنًا عن مكالمة مرئية منه.
-آسيا
قفزت نسرين عن مقعدها عندما رفعت آسيا كفها لنبضها الذي اضطرب فجأة لكنها عادت تطمأنتها وتطمئن نفسها.
-حماس النهاية يا صديقتي لا تقلقي
واغتصبت ابتسامة خافتة قبل أن ترفع الهاتف أمام وجهها فابتعدت نسرين وعادت تجاور شريف بترقب.

-أهلًا غانم
بملامح الحادة قلب عينيه في المكان حولها يتأكد أن كل شيء في محله
هي حبيسة بيته، وحيدة
والأهم الكدمة الزقاء مازالت في وجهها تذكرها أنه صاحب السلطة عليها.
وبعدها تبدأ فقرة الأسئلة المربكة بطريقة فظة غليظة.
-لماذا تأخرتي في الرد يا غبية؟
-كان الهاتف بعيدًا
قالت بتوتر مثلته بإتقان جعله يضيق عينيه بشك يسألها:
-أوزاركم أحدٌ اليوم؟
-لا..ولم نخرج حتى
وثبتت نظراتها الضعيفة الخاضعة على الهاتف تجيب كل أسئلته بتوتر وخنوع، دون تأفف من إهاناته.
وشعر شريف أن هذا يكفي، فنهض مبتعدًا ليظهر صوته من غرفة النوم يناديها بحميمية:
-ما الذي يؤخرك حبيبتي؟ الحمام بات جاهزًا

ضحكت بحلاوة تقطع سردها ثم تضيف:
-عيونه الجاحظة كانت المشهد الأخير الذي رأيته قبل أن أغلق الهاتف في وجهه..وبعدها بأيام أنهى رحلة العمل _المزيفة_ وطلق امرأته الجديدة عائدًا للعاصمة مضطرًا
بعدما فشل في الوصول إلي يكل الوسائل..فقد تركت البيت..ولم أذهب لأهلي..فهم ينصفون غانم على أي حال
استعنت بنسرين صدقتي..صاحبة هذا المكان هنا..والتي وفرت لي سكنًا ووظيفة مكنتني من العيش براحة مع طفلي لثلاثة أشهر
ثلاثة أشهر دون ضرب أو إهانة أو خيانة بعد سبع سنوات من المعاناة
مع ذلك لم يتوقف انتقامي عند ذلك الحد..اتفقت مع صديق لي مفتول العضلات أن يزور البيت حاملًا باقة ورد معه موهمًا غانم أنني على علاقة به هو الآخر..وانهالت الرسائل الغرامية على صندوق البريد..هذا غير شهادة حارس العقار بتردد رجال كثر على الشقة..بالاتفاق معي
صمتت عندما رأت الاستهجان يعتلي بعض الوجه..وعذرتهم
وقالت:
-قد يستنكر البعض انتقامي..لكن إن عاد بي الزمن كنت كررته ألف مرة
فعلى مدار سنوات زواجنا حرص غانم على زرع فكرة واحدة في عقلي..أنني سبب كل شيء
سبب زواجه المتكرر..سبب إهانته وضربه لي..سبب حبسه لي
والشيء الوحيد الذي يمنعه من التخلص مني هو فريد..طفلنا
أما أنا فبلا قيمة
لا في عينه ولا في عيني أسرتي
والذين أكدوا ذلك بعدما أعادوني إليه مرارًا وتكرارًا قبل أن أفك الجبيرة أو تشفى جروحي حتى..رافضين الطلاق كحل مباح ومشروع
خفت صوتها وهي تقول:
-فأن تكوني جثة هامدة في بيت زوجك أفضل من حملك لقب مطلقة
هزت رأسها بلا مبالة ورفعت عينيها إليهم من جديد تقول بانطلاق:
-كان جبانًا..لم يستطع ممارسة سطوته ورجولته إلا علي أنا..فتاة صغيرة لا يهتم لها أهلها كانت الخيار المثالي ليمارس عليها نقصه وجنونه..فكان ينتشي باذلالي وتعذيبي
ولم يتوقع أبدًا أن تكبر الفتاة وتهاجمه بشراسة منتقمة لنفسها كما فعلت
ولأنني حفظته وعرفت عرفت نقطة ضعفه نفذت خطتي دون خوف..فهو رجل يخشى الفضيحة
مهدور الكرامة بالفعل..فلم يغامر بفضيحة كالتي هددته بافتعالها
منحني حريتي ووصاية طفلي مقابل ألا أفضح أمره وأخبر الجميع أن زوجته جلبت الرجال داخل سجنه
فاختار أن تكون له اليد العليا والكلمة الاخيرة فطلقني متشدقًا بأسباب واهية عن كم أنني جاهلة وغبية ولا ارقى لمستواه
لكن في الحقيقة تلك الغبية تلاعبت به كالأبله
صمتت برهة تستعد لإغلاق الباب على الذكريات مرة أخرى:
-بعد عدتي طلبت مقابلته والاحمق ركض اتيًا يظنني سأعتذر..لكنني عرفته يومها بشريف اخ نسرين..وبزوج مفتول العضلات..كما حضر اللقاء حارس العقار..ومازالت نظرة الصدمة على ملامحه تنعش كرامتي للآن..بعدما انتقمت لنفسي ولطفلي.
انتقمت لكل لحظة جعلني أتألم فيها
وانا اُحمل نفسي ذنب نقصه
اتسأل ليلًا نهارًا لماذا؟ وفيما اخطأت أو قصرت؟ لما لا أكفيه وكيف أتغير لأجله

إلى أن عرفت أن النقص فيه، العيب منه.
في سبيل الانتقام تلونت بغير لونها
كثعلب تحول لأنثى
وفي كلتا الحالتين كان الضحية إنسان يستحق.

تمت.

🎉 لقد انتهيت من قراءة بين الأسود والوردي 🎉
بين الأسود والورديحيث تعيش القصص. اكتشف الآن