٥

691 37 3
                                    

زهراء وسكینة تقدمْن إلى هُنَا ، نادت الاُستاذة ،
نظرت إحداهما الى الاخرى في تعجب مُتسائل مالذي یحدث
لم یفهم أحد شيء ، بعد وصولهما قالت الاستاذة مبتسمة : مِن الأوائل على المدرسة لهذه السنة
زهراء بمعدل ٩٤ وسكینة ٩١ ، بَارَكْت لهما الاستاذة وأمرت بقیة الطالبات بالتصفیق .
مشاعر دافئة غمرت قلب زهراء وسكینة ، شعور بالرِضا والمُفاجأة لإن كلاهما لم تتوقع أن تكون من الأوائل ولكن مشیئة الله تفوق
توقعاتنا !
أجل هكذا تكون النتیجة عِندما یمتزج الإخلاص بالتوكل على الله .
في أیامنا هذه یكون الشائع هو الحسد بین الأصدقاء مع الأسف ولكن هیهات لیست تلك صفات المؤمن المهدوي
فمن صفات أصحاب ولي العصر عج أن یتمنى المُنتظر لجمیع الناس ما یتمناه لنفسه ، تطبیقاً لقول النبي ص : "حُب لأخیك ما تُحب
لنفسك" .
من لم یستطع التخلص من الأنا وحُب النفس بالتأكید لن یكون إسمهُ حاضراً في سجل أنصار حُجة الله عجل الله تعالى فرجه ، وهذا
مضمون ما ذكرتْهُ سكینة لزهراء في ذلك الحدیث المُقَدَّس الذي دار بینهما .
كانت فرحة سَكینة لا توصف فقد تضاعفت بعد أن إستطاعت رفیقتها تخطي الكثیر من الحواجز ،
كان یوماً جدیراً بالذكر فقد أصبحت هاتان الفتاتان قُدوة وأُسوة الباقیات من زمیلاتُهن بل والأكثر من ذلك
كانت بعضُ التدریسیات یطلبُن منهما الدُعاء !
أجل فالعبد القریب من الرب لَهُ سطوة على قلوب باقي البشر .
وبعد شهر مضى جائت فترة المُراجعة التي كانت من المُقَرِّر أن تكون أربعون یوما ،
كانت الطاف المهدي عج حاضرة من دون أن تشعُر كِلا الفتاتان بهذا ، فالإمام من وظیفتهُ الاهتمام بشیعته المُخلصون عن قرب أو
عن بعد فهو ولي أمرهم .
قدمت كلاهما بعض المُقترحات لجدول المُراجعة وفِي نفس الوقت لأستغلال عدد الأیام التي كانت أربعون یوماً تماما كالرقم الذي
ذكرهُ النبي ص في حدیثه المشهور : " من أخلص لله أربعین صباحاً جرت ینابیع الحكمة من قلبه على لسانه " ، لذا تم بعد التفكیر
المُطول إعداد جدول مُطابق لكلاهما وهو كالتالي فمن المُفید ذكرهُ لأثره العمیق في الروح وتطهیرها :
صباحاً / رُكعتین وإهداء ثوابها لصاحب العصر بعد الصلاة في وقتها إن أمكن وإظهار الندم في حالة إتمامها قضاءاً ، زیارة صاحب
الزمان بعد الفجر وهي قصیرة جداً ومن ثم دُعاء العهد وسورة یس
ظُهراً / بعد صلاة الظُهر زیارة عاشوراء مع ورقة من الْقُرْآن الكریم
الغروب/ إعتادت سَكینة أن تَخْرُج الى السطح أو أي مكان مكشوف وتنظر الى السماء وتندُب إمام زمانها
وتقرأ دُعاء الفرج وتبقى تُناجي ربها عسى أن یرحمها بالوصال ، حتى یحین موعد الآذان فتدخل وتتُم الصلاة وكانت صلاة الغُفیلة
قد إعتادت علیها زهراء أیضاً ، من باب الشيء بالشيء یُذكر .. في بعض الروایات إن من إلتزم بصلاة الغُفیلة فإن هذه الصلاة
تُنجیه من الأحداث التي توصف بالغربلة والغفلة وقت ظهور صاحب الزمان ،
وبعد مرور ثلاثین یوماً ، حدث ما لم یَكُن بالحُسبان ..
إتصال هاتفي إلى فاتن تغیرت ألوان وجهها وعبست ملامحها ، یبدو إنه شيء حزین
كانت نظراتها لا تستقر ، سقطت دموعها خارج إرادتها
ودعت المُتصل وتمتمت بكلمات لم تتعرف علیها أُذن زهراء ولكن بالرغم من كُل شي لم یكن وضعُها مریحاً         شكت زهراء في إن شيء ما قد حصل ویبدو إنه عظیم
كان قلبُها یتعصرها ، حدسُها یُخبرها إن شيء لم تتوقعه قد حصل لكن لم تعرف ماهو یا تُرى !

تركت الكتاب من یدها وتوجهت صوب فاتن التي جلست على الارض لا تدري كیف تواجه الامر
تفحصت وجه زوجة عمها جیداً ، حاولت معرفة الامر إلا إن الأُخرى كانت غارقة في موج من الأفكار
حركت یدیها أمام وجهها عسى أن تخرج من دوامة التفكیر ، وإذا بفاتن تشهق مُتفاجأة وإغرورقت عیناها بالدموع
بعد أن رأت وجه زهراء النوراني أمامها إبتسامتها التي تُجبر المُقابل على الابتسام
أشارت لها أن تجلس ثُم حضنتها وأخبرتها إن سَكینة قد إنتقلت إلى رحمة الله تعالى !
أجل كانت صدمة ، بالأمس تحدثتا معاً ولَم یَكُن بها شيء ،
هل هَذِهِ خُدعة ؟
أم إِنَّهُ القدر الذي شاء أن یأُخذ مني كُل من أُحِب من جدید !
یدُ الموت لا تنفكُ أن تتركُني ، وهل سیتجدد حزني من جدید ؟
كان هذا حدیث زهراء مع ذاتها .
لم تنطق بحرف ، تركت فاتن و توجهت نحو غرفتها وكانت هادئة تماماً إلا إن عیناها لم ترتفعان عن الأرض أبداً
كانت دائماً على طهارة تُجدد وضوءها قبل أن تبدأ الدراسة و قبل أن تخلد الى النوم ،
أمسكت حجابها وجلست على سجادتها بتعب كما الجبل الذي هدتهُ قوة عظیمة
سجدت ، سجدةُ الشُكر !
تذكرت مولاتَها زینب بنت علي ورددت قولها علیها السلام : "اللَّهُمَّ إن كان هذا یُرضیك ، فخُذ حتى ترضى" !
تأكدت بعد الذي حصل إن هذا من أعظم اختبارات حیاتها
وقررت أن تصبر ولا تجزع ولا تحید عن موقفها وأن تبقى على الطریق الذي إستدلت علیه من خلال رفیقتها المُتوفاة التي كانت
تتمنى الشهادة تحت رایة المهدي عج .
لم تستطع خلال سجودها الذي طال أن تحبس دموعها بكت ولكن بصمت كما إعتادت
كان یقینها أن لا تستوحش إلى أحد إلا الله ،
سألت الله بخشوع أن یرحم صدیقتها وأن تلتقي بالزهراء في ذلك العالم الآخر لانها كانت أُمنیتها .
كان من الصعب علیها ذلك الفراق ، أصعب من أحداث والدیها لانها وقتها لم تكُن مُدرَكة للأمر ،
أما الان فقد فارقت قطعة من قلبها ومن سیكون المُعین لها في هذا الدرب ؟
ومن سیأخذ بیدها ؟ من سیوقظها من غفلتها إن غفلت عن ذكر المحبوب ؟
والعدید من التساؤلات التي ختمتها بجُملتها المُعتادة "توكلت على الحي الذي لا یموت"
وبعد أن أتمت قراءة سورة یس وإهداء ثوابها لروح سَكینة والنار تغلي في جوفها
ألقت السلام على إمام زمانها وتحدثت معه بتلك البساطة مُتیقنة إنه سیسمع ما تقول :
سلامُ الله علیك یا ولي الله
مولاي لا تترُك سَكینة وحدها فهي بحاجتك كما إنها كانت تُحبك
وأنت أهلٌ للكرم والجود
بأمانتك یابن الزهراء .
وغارت عیناها بالدمع وغصت بالكلام ولَم تستطع أن تُكمل ،
یبدو إن الامر صعب !
وبعد أن إستعادت زمام الامور وقبلت قُرآنها وضعتهُ على جنب و توجهت نحو فاتن
ومسحت بقایا الدموع المُتعلقة بأطراف رموشها ،
سألتها : كیف حصل ذلك ؟
إلتفتت نحوها فاتن وفشلت في أن تُخْفِي حُزنها هي الاخرى : عزیزتي زهراء تعالي وإجلسي هُنَا ، وأشارت إلى المقعد المجاور
وإستجابت زهراء وتحركت بهدوء وكأنها ثكلى لا تقوى على المشي !
وإستمرت فاتن بالكلام : لا أعرف كیف أبدأ بالكلام ولكن الامر الذي كُنا نجهله هو إنها كانت مریضة، أجل مریضة بالسرطان !
وكانت ترفض الخضوع للعلاج الكیمیاوي وإنها راضیة بقدرها وأهلها لم یمنعوها من تنفیذ رغبتها هذا ما أخبرتني خالتها صباح هذا
الیوم ..                                                              فاضت دموع زهراء لا إرادیاً وقالت : كلمتان كانتا السبب في یُتمي داعش و السرطان ، الاول سینقضي بمشیئة الله على ید رجال
الله والثاني سأجتهد في إیجاد علاج له كي لا یترك أثراً مُراً في نفوس باقي البشر
كي لا یعیش أحد ألمي الذي عشته ..
لكن یا فاتن من أین كانت تستمد سَكینة قوتها؟
مریضة بالسرطان وتتمتع بكل تلك الحیویة والتفاؤل !
سُبحانك إلهي حقاً لَكَ في خلقك شؤون

رواية أحبكُ بروحي(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن