٩

533 36 0
                                    

أسرعت مُتوجهةً نحو القاعة الدراسیة التي إعتادت أن تكون ملجأ ثاني لها من بعد مُصلَّى الجامعة بعیداً عن أجواء المجتمع الجامعي
المُلوث ، والإبتسامة لا تُفارِق تقاسیم وجهها !
كان یفصلها عن المُحاضرة القادمة نصف ساعة ، لذا فكرتْ بهذا مُسبقاً وجلبتْ رفیقها الكتاب معها وقد بدأت بهِ حدیثاً وهو یحكي
قصة شهید "سلامٌ على إبراهیم" ،
كُلَّمَا أرادت نفسها الأمارة بالسوء تضییع الوقت تذكرتْ قول سید الكلام الإمام علي علیهِ السلام :"إن أوقاتكَ أجزاء عُمرك فلا تنفذْ
لكَ فیها وقتاً في غیر ما یُنجیك" .
بالتأكید بعد مرور مُدة من الزمن إعتاد طُلاب المرحلة الأولى على إقامة حفلة تحت مُسمى "حفلة التعارف" التي لا فائدة مرجوة منها
ولیست إلا إحدى مجالس اللهو واللعب ، من المُفترض أن یحضر جمیع الطُلاب
وبما إن زهراء كانت قلیلة الإختلاط والإحتكاك بزُملائها على وجه الخُصوص وبالمرحلة بصورة عامة لذا كانت محط الأنظار
هل ستحضر أم لا ، بالتأكید تُعتبر تجربة جدیدة لِكلا الطرفین وكانت زهراء تُمثل النموذج المُتعصب المُتدین مِن وجهة نظرهُم لكنها
في الحقیقة كانت شمعة وقّادة همّها تحصیل السعادة الكُبرى رضا الخالق وكسب قلب إمام زمانها ، فما یرونهُ تعصُبا كان في الحقیقة
إلتزاماً بالشریعة السمحاء التي جاء بها سید الرُّسُل مُحَمَّدٍ (ص) .
كانت زهراء حدیثة العهد بهكذا مُناسبات لذا ترددت في إتخاذ القرار لأن المفهوم كان مُشوشاً قلیلاً لدیها
فهي مُترددة ما بین أنها ستحضر لأنها لا تُرِید أن یقولوا عنها مُتعصبة وهي لیست كذلك بل ولا ترید أن یتم فهم الأسلام بشكل
خاطئ وما بین عدم الحضور كي تُحافظ على نفسها إتباعاً لقول المعصومین (ع):" لا أُصلِحكُم بفسادِ نفسي"
قررت أخیراً إستشارة خدیجة على الرُغم من إنها في ذاتها كانت تمیل أكثر إلى عدم الحضور ولكن كي یطمئن قلبها ، تناولت هاتفها
مُتمتمةً بصوت خافت بالبسملة وهذا دأبها على الدوام مُنذ أن علِمت إن الجهر ببسمِ الله الرحمن الرحیم هو إحدى صفات المؤمنین
كما ذكرهُ أهل البیت فكانت تُسبق أفعالها بالبسملة وفعلها هذا تطبیق للمقطع الذي نقرأهُ في زیارة عاشوراء " اللهُمَّ اجعَل مَحیايَ مَحیا
مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمَماتي مَماتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ" ، إتصلت وبعد لحظات قالت : ألو سلامٌ علیكم …
كان مُلخص المُحادثة أنها تعلمت درساً جدیداً وهو أن لا تخسر نفسها في سبیل إصلاح المُجتمع بل وإضافة الى هذا إن نظرة الناس
لها وللإسلام هو آخر ما یجب أن تُفكر بهِ لأن أعمالها ستُعرض أمام الله وهو الذي سیحُاسبها ولیس الناس أما هَذِهِ الأفكار لیست إلا
حبال إبلیس یُرِید إیقاع المؤمنین فیها ولكن ، كَلَّا لن تُجدي أسالیبهُ نفعاً مع الصادقین لذا حسمت أمرها وقررت عدم الحضور ،
وبالمُقابل نصحتها خدیجة بعدم الإنطواء على نفسها بل یجب علیها كمُمهدة أن تتعامل مع زمیلاتها في المرحلة وتقدیم ید العون لهم
وأن تسمح لهم بالتعرف على شخصها أكثر .
إضطُرت فاتن لإغلاق "الصالون" بسبب وعكتها الصحیة وأصبح على عاتق زهراء جمیع أعمال المنزل لذا توجب علیها أن توازن
بین الأشغال ودراستها الصعبة وكأن القدر یُرِید أن یصقلها لیستخرج منها الماس !
لم تكُن من النوع المُتذمر بل حتى إنها تعلمت طریقة جدیدة كي تُربي نفسها الأمارة بالسوء من خلالها
وتُحب أي عمل تقوم بهِ وهي كالآتي " تنوي إن ثواب العمل الفُلاني یذهب لحفظ وسلامة وتعجیل فرج إمام الزمان" وبهذا تكون قد
تقبلتْ أي عمل لا یُعجبها وفیه أجر وفِي نفس الوقت قد لجمتْ جماح النفس وهذَبتها .
بعد أن إنتهت من تنظیف المطبخ وغسل الأواني توجهت نحو فاتن كي ترى إن كانت تحتاجُ الى شيء
قبل أن تأوي الى فِراشها وبِدورها تُعطیها العلاج أیضاً ، سَمِعْت صوتاً تسلل من مسامعها نحو قلبها بسُرعة
تِلكَ الكلِمات قریبة الى قلبها جداً " فأنهض فما أبقى التحمُلُ غَیْرَأحشاءٍ جزوعة ، الله یا حامي الشریعة"
أجل تلك القصیدة الملیئة بالأسرار العِرفانیة وصوت الحاج باسم الكربلائي الأقرب الى القلب .
سُبْحَان مُغیر الأحوال كیف كانت فاتن وكیف أصبح حالُها ، هو صاحِب الزمان لا یخذلُ أحداً یطلبُ مِنْهُ شیئاً وزهراء كانت قد
توسلت بهِ كي یُغَیِّر طبع فاتن الحاد وأسلوبها المُر في التعامل ، وقد إستجاب لتوسلاتها روحي فداه .
بعد إنتهاء عملها مع فاتن توجهت إلى غُرفتها ، تصفحت هاتفها فوقع نظرها على تطبیق الماسنجر ، توسعت عیناها رأت شیئاً
أغضبها خاصةً بعد عناء الیوم الطویل لم یكُن ینقصُها سوى هذا الأمر ،
كان أحد زُملاؤها بعث لها رسالة كتب فیها :
مرحبا اخت زهراء
أرجو أن تحضري الحفلة غدا
نحن بأنتظاركِ
أردتُكِ أن تعلمي هذا فقط ..
وضعت كفیها على وجهها ثم حنَت رأسها كالزهرة الذابلة وكأنها لا تُرِید المزید من الإختبارات !
أجل فهي الآن أمام إختبار جدید فكیف تتصرف یا تُرى كي تنجح ؟

رواية أحبكُ بروحي(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن