اندم على أي تصرفٍ، أو أي كلمةٍ صدرتْ منّي بقدر ندمي على كلمةِ )شكرًاً(، عاتبتني كيف اعتقدتُ أن كلمةً هزيلةً تستطيع أن تثير جوابها؟ كيف يمكن ل)شكرًاً( التي فقدتْ معناها من كثرِةِ الاستعمالِ أن تقيد جموحها؟ كيف انتظر ردها بعد قولي )شكرًاً( التي نقولها لسائقِ التكسي ولبائعِ الخضرواتِ؟ حقدتُ على كلّ شخصٍ قالها لي؛ فلو لم أسمع بها من قبل لما نطقتُ بها الآن، ولما ذهبتْ دون جوابٍ، أطفأتُ عالمي، وأطفأتُ الضوءَ، وتمددتُ كقصيدةٍ اكتملتْ للتوِ.
رنَّ الهاتفُ... لم أجب... رنَّ ثانية... لم أجب ثانية ...
حاولتُ النوم فاستيقظت من محاولتي، أدركتُ بأني سأغير مواعيد النوم، أو بالأحرى ستغيرني.
تناولتُ كتاباً من تحتِ سريري، تظاهرتُ بقراءته لكن شيئاً ما دفعني لرميه، تناولتُ كتاباً آخر فرميته مرة أخرى، أخذتُ أرمي الكتبَ كمجنونٍ يبحثُ عن عقله، شعرتُ بكرٍهٍ شديدٍ لكلِّ كلمةٍ لم تكتبها هي، تمكنتْ الوحدة مني؛ فرحتُ أقلب توابيت الأغاني التي قتلتها الذاكرة، بحثاً عن صوتٍ يفسرني، لا شيء يتكلّم عنّي حتى أقرب الأغاني إلي لا يهمها أمري، آه... كمكنتُ مخدوعاً بالإنصاتِ إليها.
بزغتْ الشمسُ كرغيفٍ مخبوزٍ في تنورٍ طيني؛ فسلمها القمرُ آمالَ العشاقِ ولم تسلم عيناي للنوِم بعد، صوتُ المنبهِ ديكٌ الكتروني صاح ليوقظني من يقظتي، ابتسمتُ وتناولتُ كوباً من الشاي، أردفته بسيجارٍةٍ رخيصةٍ، ثم ارتديتُ ذلك القميصَ الأبيضَ الذي فقد أحد أزراره؛ بسبب العجوز الواقف أمام باب الجامعة، متشبثاً بطلابها، طالباً منهم مالاً لا يملكونه، وكنتُ كريماً حين أعطيته زَرَ القميص، ومنحته فرصة رائعة ليضحك ويشتمني .
النعاس يجعلني أواجه صعوبةً في المشي بالاتزانِ الذي اعتدتُ عليه، ابتسمتُ كطفلٍ غبي لاطفته معلمته الناضجة عندما تذكرتُ جوابَ مجنوني وأنا أسأله عن سبب انتهاء علاقته بكل النساءِ فقال لي: «داريتهن مثل الماي بصينية وما رهمت» بالفعل كنت امشي مثل الماء بال )صينية( ورغم محاولاتي الجاهدة للحفاظ على استقامة الخطوات ولكن )ما رهمت( عرفتُ ذلك بعدما ارتطمتُ بعامل النظافة، وبائع الشاي، والحارس الليلي! كلّ هؤلاء كانت تمثلهم أم علي )الفراشة(، عندما كنتُ صغيرا كنتُ أعتقد أن فراشةَ المدرسةِ لديها جناحان تخفيهما عن ناظري، ودائما ما كنتُ أراقبها متشوقاً لرؤيتهما إلى أن أدركتُ أن البشرَ يحبون الألقابَ أكثر من أسمائهم .
فراشةُ المدرسةِ كانتْ عقرباً وكان اسمها تورية لحقيقتها؛ فكلّ صرخةٍ هزتْ شبابيكَ المدرسةِ بسببها، وكل دمعةٍ كحلتْ جفونَ الأطفالِ كانتْ بتخطيطٍ منها، فهي آتيةٌ كلّ صباح، حاملة حزمةَ العصي لتوزعها على المعلمين كسلاحٍ إضافي إذا ما نسي أحد سلاحه، أو إذا اشتدّ مرحُ التلاميذِ فأحتاج سلاحاً متطورًاً تمده بخرطوِم مياهٍ رفيعٍ ومملوٍءٍ بحصى ناعمةٍ.
قابلتني عيناها فاستفقتُ كلّياً، نظرتُ إليها وجدتها أجمل من المعتادِ، ابتسامةٌ خفيفةٌ توحي بأنه يومُ فرٍحٍ، فزعتُ فزعاً شديداً، استأذنتُ من نظراتها وخرجتُ مسرعاً، أخذتُ سيارَةَ أجرٍةٍ سائقها يتكلّم عن مغامراته النسائيةِ الفاشلةِ، وأنا أفكر بذاكرتي الفاشلةِ، وصلتُ البيتَ، فتحتُ البابَ، نزلتُ وقبل أن تمس قدمي الأرضَ سألني السائق:
«لمَ تركتَ الدوام؟» هو يتكلّم بنبرِةِ المهتمِ فأجبته بضجرٍ ينم عن تدخلهِ بما لا يعنيهِ «رأسي يؤلمني» ومن دون أن ينظر لي قال بصوت لا اعرف إنْ كان خافتاً أو مرتفعاً إلا أنه كان صوتاً غريباً وضبابياً بعض الشيء: «ذاكرتك تؤلمك »كلامه مخيفٌ، الحقيقةُ مخيفةٌ دائماً...
دخلتُ البيتَ، صعدتُ السلمَ راكضاً، أخذتُ الهديةَ، نظرتُ إليها، شعرتُ بأنها تعاتبني، خرجتُ فإذا بسائق السيارِةِ ينتظرني ،دهشتُ لأمره فسألته: «شنو الخلاك تنتظر؟» قال وبتلك النبرِةِ الغريبة نفسها «أنتَ» ولأن البحث عن سيارة أخرى يتنفس وقتاً طويلاً؛ صعدتُ معه محاولاً إنقاذ يومي، سألته مرة ثانية:
«شنو الخلاك تنتظر؟»
لم يجبني، سكت قليلاً ثم باشر بحديثه النسائي المعهود كأني لم اسأله: «إي خويه وواعدها... وأروحلها للبيت... ولا تشوف! »كان الزحامُ سبباً في وقوفنا وسطاً، على يسارنا سيارة ممتلئةبجموح فتيات المدرسة المقابلة لكليتنا، وعلى اليمين...
على اليمينِ فتاةٌ لابد أن تكون هي...
رفعتُ يدي فوق عيني محاولاً التمعن أكثر، لمحني سائقها، أدار وجهه نحوي محدقاً بعينيه الكبيرتين كأنه أحد الشخصيات الكارتونية التي تصدر من عينها شعاعاً يدمر كل شيء، نظرتُ خلفي خائفاً، لا شيء، أعدتُ النظر لها، أنطلق هارباً بعد أن سمح المرور لخطهم بالمسير، نزلتُ من السيارة لإيقاف واحدة أخرى، كاد احدهم يدهسني، امتلأ الشارعُ بالصخبِ بعد صفارِةِ المرورِ التي فتحتْ الشارع للسيارات، نزل بعضهم ليشتم سائق التكسي الذي ما زال ينتظرني، جاء أحد رجال الشرطة راكضاً وهو يصرخ:
أطلع أبو البيجو... اطلع ابو البيجو...
لم يتحرك من مكانه، تجمع الشرطة حوله، رفض المسير، أنزلوه عنوة، ثم أبعدو سيارته عن الشارِعِ، كان يقاتل بصراخه نحوي...
أخذتُ سيارًةً ثانية، لم اخبره أين أذهب بل انتظرته يسألني، لم ينطق ببنت شفة، اضطررت لإخباره:
«للكلية»
إنعطف بسرعة لندخل شارعها المملوء بالشرطة والحرس الخاص ببيت قائد الشرطة، وصلنا فأردت شكره لكني تذكرتُ كرهي لتلك الكلمة القاطعة.
خطوات قليلة وتبعني صوت أحدهم:
«أتحبها؟»
كان السائقُ الذي أعتقلته الشرطة قبل قليل، لابد أنه يعاني مشكلة نفسية، لم أرد عليه، قال بصوتٍ مرتفعٍ:
«ليس هنالك حبيب ينسى عيد حبه... أنت لا تحب احداً...
حرام عليك»...
تركتُ صراخه خلف ظهري ودخلتُ فإذا عيناها تراقبني، وتزداد جمالاً بمراقبتي. تكلمتْ بصوتٍ منخفضِ النبرِةِ مرتفعِ المشاعرِ:
ـ حبيبي، أين كنتَ؟
ـ نسيتُ كتاباً، فذهبت لأجلبه .
تضحك ضحكتها الطفولية.
ـ ما يضحكك؟
ـ يبدو أن هذا الكتابَ غريبٌ فعلاًـ لماذا؟
ـ لأنّني لا أستطيع رؤيته بين يديك!
كيف لم ألحظ أنني لا أحمل غير هديتها المغلفة بغطاءٍ يشبه اللونَ المرتسمَ على خدها إذا خجلتْ من مغازلاتي المستمرة؟ ضحكتُ، فقبلتْ بضحكتي رداً عليها، أعطيتها هديتي المتواضعة. قالتْ وكأنها تريد أن أكون أكثر رومانسية:
ـ وما المناسبة؟
ـ في مثل هذا اليوم ولدتُ على يديك .
شعرتُ بالكذب؛ صححتُ قولي:
في مثل هذا اليوم أصبح قلبي ملكك.
شعرتُ بالكذبِ مرًةً أخرى، أدركتُ أنه لا سبيلَ للخلاص من كذبي سوى الصمت، سكتُ فجاءت يدها لتكلمني، ارتحتُ قليلاً من حقيقتي الكاذبة، تكلمنا كثيرًاً بأيدينا .
كان الممرُ الذي نقف فيه ضيقاً حين مرت بنا فتاة ملابسها أكثر ضيقاً، ولا أعرف كيف اتسع قميصها لهذا النضوج الواضح.
«ريتا... ريتا »
نادتها شهلاء فتوقفتْ ونظرتْ لي كأني من ناديتها ـ مرحبا .
ـ مراحب .
بادرتْ شهلاء: اموري هذه صديقتي ريتا، استضافةٌ من بغدادِشدّدت على كلمةِ صديقتي كأنها تحذرني من الإعجابِ بها فتبسمتُ وضحكتْ، لم يكن هنالك داعٍ للتحذيرِ؛ فريتا من النوع الذي لا يجذبني.
ـ تشرفنا أختي. رغم أن كلمات الأخوة محرمةٌ جامعياً ألا أنني تقصدتُ استخدامها مع ريتا التي ردتْ بالمثل.
ـ إلنا الشرف أخويه
استأذنت قائلة: «فرصة سعيدة» ضمتْ حرف الفاء بشكل جعل شفتيها ترسمان قبلة في الهواء ثم مشت متبغددة تؤكد هويتها وانتسابها للعاصمةِ.
انتهتْ المحاضرات وكأنها لم تبدأ، رجعتُ للبيت مشياً على الأحلام حتى لا ابتلي بسائقٍ آخر، كان الطريق يتخذ من نهرِ الفراتِ رفيقاً له، أسمع عزفَ الشمسِ تارًةً على أوتاره اللامعة ،وتارَةَ على وجوه العابرين المتعبة، ارتديتُ لا مبالاتي وأكملتُ مسيري، جرني صوتٌ مبحوحٌ لعجوزٍ تلوح بيديها من بعيدٍ، اقتربتُ منها
ـ ما بكِ؟
ـ لا يهم ما بي، المهم ما بكَ أنت؟
تلافيتُ كلاهما بابتسامة حذرة قاطعتها بسؤالٍ مخيفٍ ـ أتريد المستقبلَ؟
كيف أخبر عجوزًاً بأنني أكره العجائز؟ كيف أخبرها أنني ما زلتُ أبحث عن حاضري فمن أين لي القدرة على المستقبلِ؟ صرختْ رامية نفسها في النهر، هي تغرق أمامي ولا أعرف ماذا أفعل؛ فأنا ومنذ خُلقت أكره الماءَ ولا أعرف سبيلاً لإنقاذِ شخصٍ يغرق غير الصراخِ!
بدأتُ أصرخ... وأصرخ ولا أحد يسمعني غير الله والنهر، حاولتُ أن اقترب لمحتُ في عينيها رغبة في إغراقي معها، هربتْ عيناي فأمسكها شرطي يصر على مشيته الأنيقة ويرفض الاستعجال ،ركضتُ إليه، أخبرته، لم يطرأ أي تغيير على ملامحه كأن الله أخبره قبلي، اقترب الرجل من النهر وأنا أصرخ «أنقذها ألا تراها تموت... أتوسل إليك أن تنقذها» ولا يسمعني، أقترب أكثر ،مسح شاربيه كأنه سيلقي خطبة في مناسبة رسمية، قال وبكلّ هدوء:
ـ يعني أنت تضحك عليه؟ـ شنو!
لم يلتفت، تسرب لي شكٌ بأني غير موجود وإن هذا حلم ،لحظات وانتصبتْ مبللة الثيابِ كأنها خارجةٌ من حمامها اليومي ،صُعقتُ لمنظرها، وتجمدتْ كلماتي قبل النطق بها، نظر الشرطي لي قائلاً وهو يتحسر على عرش ضائع:
«وكت خلاكم تضحكون على الشرطة» ثم زاد المسافة التي بيني وبينها فراغا برحيله ...
أنزلتْ نظرها للأرض، قالتْ بنبرٍةٍ فيها من الأسف ما يقنعني:
«كنتُ أدلك على الطريقٍ فقط» لم تقل شيئاً بعد، أخذتها الرياحُ تجر بها بعيدا. لا أعرف أبقيتُ واقفاً عند النهرِ؟ أم أن الكون توقف عندي، عيناي تتبعها كمقبرة تودع أمواتها بصمت مفجع حد الضحك، تأخر الوقت، وأنا وردةٌ مقطوعةٌ لا تحركها غير أقدام العابرين، أو أنا قدم مقطوعة؛ فالتشبه بالورود حرام ومنهي عنه في وطني.
مضتْ كما تمضي سحابةٌ سوداء أمطرتْ تاريخا من الحيرة لتغرقني في عالم عجائزٍ مخيفٍ.
ـ الووووو... الووووو... اموري تسمعني، تعال بساع أنا جايتك... الوووو
هربتُ منّي! ورحتُ أركض خلفي! فلا أعرف الآن من أنا؟ أنا الهاربُ من سماوات الحزن؟ أم أنا الداعي إلى كوخِ الصبر؟ وصلنا إلى البيت كلانا واجتمعنا قبل عتبة الباب، دخلنا كشخصٍ واحدٍ كي لا تسألني تلك العجوز عن اموري الآخرَ الذي رافقني؟ وسيكون الموقف مضحكاً فهي بالكاد تعرفني أنا!
سمعتُ صوتها الذي تنبعث منه رائحةُ الشاي، سألتني كلماتها المملوحة:
«تعبان يمه؟»
سكتُ؛ لأن الجوابَ مكتوبٌ على وجهي المصفر، وشفاهي البيضاء، ولماذا تسألني؟ وهي تعرف أن السؤالَ لابد أن يكونله جوابٌ، وبالتالي عملية تفكير تتعبني تعباً إضافياً، أنا الذي لمأعد أملك مساحةً فارغةً لحبةِ استفهاٍم. نظرتُ لعينيها فتوقف الزمنُ برهةً ثم مضى مستمرًاً في توقفه، دخلتُ الغرفة... ألقيتُ القبض على الحاسوب... فتحتُ حسابي... الرسائل، وجدتُ رسالةً جديدةً، احتضنني الخوفُ كشخصٍ يبحث عن جثته بين الأمواتِ؛ لينصب عزاءً لنفسه ويودع من أحب ويستلقي للزوالِ، لم افتحها، تركتها مجهولة إذ ما زلتُ صغيرًاً على رؤية جثتي بعيني ،سمعتُ صوتاً ظننته منبعثاً من رسالتي المختنقة، تردد الصوت فعرفتُ أنها تدعوني للغداءِ معها، استسلمتُ لطلبها وضعتُ شيئا في فمي، سألتني أكان طيبا؟ منحتها الإيجابَ، لم أكن لأعرف نوعه فكيف لي أن أعرفه طيباً أم لا؟ فمذ كلمتها الأولى لم أعد أميز بين طعمٍ وآخرَ، كلّ شيءٍ أخذ طعمها، كلّ الألوان ترسمها، كلّ اللوحات المزروعة على الطريقِ تشير إليها، لكن من دون إشارة للمسافة المتبقية؛ فأنا أعلم مدى قربها منّي ولكن لا أعلم مدى بعدي عنها.
ارتديتُ الشجاعةَ زياً ورقياً كاذباً، وفتحتُ رسالتي الجديدة ،ترى هل كانت هي؟ وماذا كتبتْ؟ وماذا سأكتب لها؟ سأكتب لكن ليس لها بل له فقد كانت الرسالة نبياً مرسلاً من صديقٍ يسأل عن أخباري ولا يعلم أنا الآن من يجب أن يسأل عني!
شعرتُ برغبةٍ شديدةٍ في البكاءِ، قمعتُ رغبتي بقوٍلٍ مشهورٍ على مستوى بيوتكم أنتم العرب )البكاء ليس للرجلِ( لكنني بأمس الحاجةِ إليه، وإذا لم يكن للرجل فلمن البكاء؟ أهو للنساءِ حقاً؟ وإذا كان كذلك، لمَ لا أسمعها تبكي؟ ألأنّها ليست ككلّ النساء؟ هي امرأةٌ من كلمات، خدها كلمةٌ وشعرها كلمةٌ وعيناها قصيدتان.
دخلتْ وأفلتتْ الخمار بخبرة طويلة... اقتربتْ... تركتها تقترب أكثر... أخبرتها:
ـ اليوم ما بيه حيل، تعالي كَعدي أريد أسألك.
كادتْ تبكي من الغضبِ
ـ يعني أنا جايه أكَعد؟ ما تسوى صعدة الدرج .
هذه المرأة مستودع لأسرار المدينةِ برمتها، كلّ ما يخص الناس تعرفه، في حين لا تعرف عن نفسها إلا القليل، تتغذى على أخبارِ الآخرين وأسرارهم، وتنتعش لما يحل بهم من مصائب وأحزان. أستدرجها للحديث فتستدرجني للنوم، حاولتُ أن أكسر رغبتها فقلتُ:
ـ أنوسه إذا رجع أحمد شسوين؟
ـ أحمد ما يجي... أحمد مات، كنتُ أحلم به كلّ يوٍم وهو عائدٌ ليكللني بابتساماته وقبلاته، لكن بعد أن جرني ذلك الرفيقُ النتنُ وأخذ ما حاولتُ الاحتفاظ به لأحمد وحده، أدركتُ أن زوجي باعني لهم، أليس هو واحد منهم؟ بربك امير تتكلم عن ماضٍ مغبٍر وهذا الشعرُ الأحمرُ يهدي أمواجه ليديك ـ قالتْ هذا وهي تسرحُ شعرها بأطرافِ الأناملِ فأمتد كنهرٍ من الخمرِ يفصل بين قمتين ـ وأكملتْ: أنت مو طبيعي اليوم!
ـ طيب وعملك؟ ـ عملي؟
سألتني وهي تضحك بصوتٍ مرتفعٍ، حذرتها أن العجوز تسمعدبيبَ الفرِحِ، قالتْ وهي تقترب من جديد «وجدت عملاً أكثرإنسانية منه» واستمرتْ بضحكتها العارية. وبهدف الابتعاد عن هذه اللبؤة الجائعةِ؛ قمتُ متظاهرًاً بإشعالِ المدفأةِ، فزادت الأمر أثارة بقولها:
ـ استخدامُ المدفأةِ في حضرتي إهانةٌ كبيرة.
غيرتُ الموضوع من جديد ـ إيناس تعرفين حنان؟
غرقتْ في حزن عميق، وكأنني ضربتُ على وترٍ حساسٍ، لم أرها متأثرة إلى هذا الحدِ منذ أن عرفتها. تنفستْ سيجارتها بقوة؛ لتنفث دخاناً كثيفاً محاولةً أن تستر معاني حزنها خلفه ـ نعم أعرفها... الله يلعن مدير المستشفى جان راتبي ما مخليني محتاجة .
ـ وليش انطردتي؟
ـكنت أمارس طقوساً يمارسها الجميع، إلا أن الفرق بيننا هو أنهم يمارسونها سرًاً وأنا أمارسها علناً، بربك شنو الفرق؟ أليس كلانا آثمين؟ على الأقل أنا أعترف بذنبي وأستمتع به، كان المفترض أن يطرد نفسه؛ فلطالما أطفأ ضوءَ مكتبه معي شخصياً، ومع الجميع تقريبا ما عدا تلك القديسة السوداء، التي تعرف الكثير عن أجرامه الطبي، ثم عادتْ لتحزن من جديد...والحديث بقيآ
اخذني يمك بعد ما ضل كل عذر لا تعتذر
ليل عمري وعمرك مخلص وبعد ما ضل صبرخل نلم احلامنه وناخذ صورهن قبل لا ياخذهن بدربه الفجر
وخلي نلم الباقيات سنيني وسنينك ونسويهن عمر
وهنه ما يكفن عمر !ونبدي من جده وجديد بواهس سنين الصغر
ولو وازانه الكبر
خلي تنسى ايامنه بخطوة العاقل من عثر مرة ورجع يمشي حذرخلي نعيش الحب ستر
خلي نضم ارواحنه واسرارنه وبيناتنه لا نشتهر
افتخر بيه وي روحك واني اضل بيك افتخر
حبني لا تضل تعتذر
خل نسوي العشره ورقة ونصنع من الدمعة والضحكة حبرحتى كل لحظة التمر بالجاي نكتبها شعر
وخل نكَول الماضي غلطة وذنب يسجل ذنب من ينذكر
حبني لا تضل تعتذرحبني واجبرني على حبك
الروح ما تعشكـَ لون ما تنجبر
السيف ما ينهاب لو ماكو الطبر
اعترف وراح اعترفلك ..واحنا شو نفس الأمر
اثنينه انبعنه بسعر جوه السعر
اثنينه انبكنا حدر بشمس الظهر
اثنينه السچين تانتنه نذر
اثنينه اتوهمنا بالحب ننتصر
اثنينه نعاني الغدر
واعترف راح اعترفلك كَلبي چان شكَد جسر
واني جتفت الجسر
واني وزيت الحمامة عل النسر
واسمعت سر الخطر
وصنم سويته بديه وادري ما ينفع يضر
وحاطة كَبالي وعجيبة الشوكـَ منه ينتظر
وانتي مثلي بهل الأمر
صنم سويته بديك شتنتظر
خل نهدم اصنامنا وكافي كفر
وبلكي نهده ونستقر
وبلكت وياي وانا وياك استمر
وبلكت الما مر كبل هسه يمر
وبلكت جناح العشك البعيد ياخذنا ويفر