الذئب والقمر - The wolf and the moon

85 1 0
                                    

"ضوء القمر الذي يُشِعُّ علينا بدأ بالتلاشي"
- Sunmi, siren.

_____________________

في الليل |

كنتُ كعادتي في شُرفتي، في خلوةٍ مع القمرِ..

القمر، لطالما اشبع جمالهُ وضوءهُ قريحة اسلافنا الشعريّة، وغذّى هدوءه وغموضه مخيّلتهم فنسجوا الاساطير والخُرافات حولِه، فمنهم من اعتبروه مقدّساً وعبدوه، ومِنهم من ربطوا بعض اطوارِه بالشؤم والاحداثِ السيئة..

لكنني وبشكلٍ خاص، لا ارى ان جاذبيتهُ تتوقف عِند كونهِ جميلاً وغامِضاً..

اكثر مايشدُّنِي في القمر، انهُ بالرغمِ من هدوءِه الأخّاذ، فهو في الحقيقة مسؤولٌ عنِ الكثيرِ من المهام، مثل المدِّ والجزر، وحماية الارض من النيازِكِ والمذنبات، وتثبيتِ الارضِ وإخضاعها لِمحورٍ ثابت بدلاً من الدورانِ بفوضويّة في الفضاء، كما ان جاذبيته تُبقي سرعة دورانِ الارض على وتيرةٍ ثابتة، وغيرها الكثير..

واعتقِدُ ان ذلِك الامر لا ينطبِق فقط على القمر، بل ايضاً على الاشياء، والاشخاص..في نظري، اكثرُ الاشخاصِ هدوءاً هُم اكثرهُم إحداثاً للتغييراتِ الكبيرة والمُهمّة..

لَمْ اُحِب يوماً المتعجرفين الصاخِبينَ الذين يعتقِدون ان صخبهم هو مايحدِثُ اكبر التغييراتِ واهمِّها، انهم فقط سطحيّين، عنجهيّين ويسهلُ التنبؤ بِهم ولا يُثيرونَ اهتمامي..

قطع تأمُلي مجيء دانييل وهو يقول "إنك تُذكرني بالذِئابِ دائماً.."

"الذِئاب، مخلوقاتٌ عزيزةُ النفس، مُخلِصة لجماعتِها وشريكِ حياتها، شديدةُ الصبرِ ومضربُ المثلِ في الشجاعة والدهاء - التفتتُ إليه - شُكراً لك، سأعتبِرهُ إطراءاً.."

"حسنًا قد تكون تشبههم من هذه الناحيةِ ايضاً، لكن ليس هذا ماعنيته..إنك تُحِبُ الاختلاء بالقمر، والتحديقِ به مطولاً..وتمتلِك تلك النظرة الحزينة عندما تُحدِّق به وتتأمله..إن ذلك يُذكرني بحُب الذئب للقمر، وعوائه الحزين له.."

ابتسمتُ وقلت "هُناك اسطورة تقول ان الذِئب في الحقيقة واقِعٌ في حُبِ القمر، وفي كلِّ شهر..يبكي الذئِب لهذا الحُبِ الذي لا يستطيعُ الوصولَ إليه.."

"اعتقِد ان العالم مليءٌ بِقصصِ الحُب الحزينة"

"فوقَ مانتصوّر.." قُلتها بهدوء

"حسناً، اعلم انك ستثورُ كعادتِك، لكنني اخشى عليك.."

"مِمَّ؟" قُلتها بإهتمام

"من ان تكون قِصتُك من ضمن تلك القصصِ الحزينة، اعني..انك توقِف حياتك لأجلِ حُبٌ قد لا تستطيعُ الوصول له ابداً.."

تأمّلَ القمرَ قليلاً ثُمَ اردف "وكأنّك واقِعٌ في حُبِّ القمر، مأسورٌ بجماله، متيمٌ بِه إلى حدِّ الجنون، مما جعلك تنسى الاشياءُ الجميلة مِن حولك والتي تستطيعُ الوصول إليها، ففضّلتَ ان تقضي حياتك تتأملُ هذا الحب الذي لن تستطيع الوصول إليه على الإطلاق..فأنتهى بِك الحال وحيداً وقد فرّطتَ بالكثيرِ من الفُرص وضيعت ماضيك وحاضرك ومستقبلك.."

"عدمَ الوصولِ إليه لن يُغيّرُ من حقيقة انه موجود فِعلاً، وانه جميل، جميلُ جِداً لدرجة تجعله يستحِقُ ان تفني حياتك في التطّلُعِ إليه.."

اردفت ببرود "ثُم، لا اريد ان اصدمك ولكن الوصولُ إليه لم يعد مستحيلاً، فهُناك مايسمّى بالمراكبِ الفضائية، في ايِّ عصرٍ تعيشُ يارجل؟" قلتها ثُم ذهبت

رفع صوتهُ لكي اسمعه وانا ذاهِب "عُذراً، نسيت ان خاصّتك مركونة في الفناء الخلفي"

__________________________

مرّ يومين رتيبين شبيهينِ لسابِقهم، كنتُ في العملِ واراجع ملفاتِ بعضِ المرضى كعادتي، لفتَ نظري ملفُ ڤالنتينا وتوقّفتُ عِنده قليلاً..حالةُ تِلك الفتاة..تثيرُ قلقي..

على عكسِ غالبيةِ المرضى، حالةُ تِلكَ الفتاة..لا تُحرِزُ تحسناً ملحوظاً، واشعرُ انها قد تتعرض إلى انهيارٍ في اي لحظة..

اتصلتُ بِها لأجعلها تحجِزُ موعِداً هذا الاسبوع، في العادة دانييل مسؤولٌ عن هذِه الاعمال، لكن اردتُ ان اتصل بها بنفسي، احسستُ بأن ذلِك سيشُعِرها بأنني مُهتمٌ فِعلاً، مما سيدفعها للحضور حتى لو لم تُرغب بذلك في المقام الاول..

اتصلتُ بِها عدّة مرات ولم ترُد، لم اُرِد ازعاجها اكثر فأرسلتُ لها رسالة نصيّة اخبرها فيها بوجوبِ مجيئها في موعد لئلا تسوء حالتها اكثر، كما انني قلتُ لها ان الجلسة ستكون مجانيّة بما انهُ طلبٌ مِني، فلم ارد ان اضغط عليها مادياً..

آملُ ان تراها بِسرعة..

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jun 07, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

Tu me manquesحيث تعيش القصص. اكتشف الآن